بالياريا تُطلق رسميًا خط طنجة – طريفة وتكشف موعد تشغيل باخرتين كهربائيتين    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    5 وفيات و7 إصابات في حصيلة أولية لانهيار منزل بالحي الحسني بفاس    فاس.. انهيار مبنى من ستة طوابق يخلف قتلى وجرحى واستنفاراً واسعاً للسلطات    الزلزولي يهدي بيتيس أول نهائي قاري    أمن تيكيوين يوقف مروجي مخدرات    تأجيل قضية محاكمة ناشطين بحراك فجيج    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    اتحاد طنجة يضمن بقاءه في القسم الأول من البطولة الاحترافية    صدام إنجليزي في نهائي الدوري الأوروبي    سعر الذهب يتأثر باتفاق تجاري جديد    المغرب يقود إفريقيا الأطلسية نحو نيويورك    الصين وروسيا تجددان تحالفهما عبر إعلان مشترك شامل    أوروبا تكشف بضائع أمريكا المعاقبة    فتح تحقيق في ممارسات منافية للمنافسة في سوق توريد السردين الصناعي    أسبوع القفطان بمراكش يكرم الحرفيين ويستعرض تنوع الصحراء المغربية    أكاديمية المملكة تتأمل آلة القانون بين الجذور المشرقية والامتدادات المغربية    مواجهة حاسمة بين المغرب التطواني وشباب السوالم لتحديد النازل الثاني للقسم الوطني الثاني    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الشعر الحساني النسائي حاضر في فعاليات الدورة ال18 لموسم طانطان 2025    خبراء: انضمام المغرب ل"بريكس" غير مستبعد    في عيد ميلاده الثاني والعشرين: تهانينا الحارة للأمير مولاي الحسن    وزير الأوقاف المغربي يقيم مأدبة غداء تكريما لوزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة    مجلس تزطوطين يستقبل مسؤولي التطهير السائل ويصادق على جدول أعمال دورة ماي    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    المستشارون يدعون إلى تعديل خريطة الاختصاصات بين المركز والجهات    بعد إسقاط باكستان لرافال الفرنسية.. واشنطن تراقب أداء الطائرات الصينية المستعملة في الحرب مع الهند    وزير التشغيل والكفاءات يكشف إجراءات تفعيل العمل عن بعد بالمغرب    مكتب السياحة يسعى للحصول على تصنيف "China Ready" لاستقطاب السياح الصينيين    كرة القدم داخل القاعة لأقل من 19 سنة.. المنتخب المغربي يتعادل مع نظيره الإسباني (6-6)    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    أتاي مهاجر".. سفير الشاي المغربي يواصل تألقه في "معرض ميلانو" ويعتلي عرش الضيافة الأصيلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة        «أول مرة»… مصطفى عليوة يطلق عرضه الكوميدي الأول ويعد الجمهور بليلة استثنائية من الضحك    انفجار في مدينة لاهور الباكستانية وإسقاط مسيرة هندية    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    محكمة الاستئناف بالرباط تُخفض عقوبة النقيب محمد زيان    أشرف حكيمي يدوّن اسمه في التاريخ ويصبح المدافع الأكثر تأثيرًا هجوميًا بدوري الأبطال    البرلمان يناقش رئيس الحكومة حول إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية    أبريل 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة عالميا    وداديون يحتفون بحلول الذكرى ال88 لتأسيس النادي    منصات المخزون والاحتياطات الأولية.. بنيات جهوية موجهة للنشر السريع للإغاثة في حال وقوع كوارث    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    لجنة: زيادة مرتقبة للأطباء الداخليين    زيان قبل الحكم: قول الحق صعب.. والحق لم يترك لعمر صديق    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الأولى: رائد الفن "الملتزم" الفنان العالمي "مارسيل خليفة" يفتح قلبه ل"أكورا بريس"
نشر في أكورا بريس يوم 22 - 08 - 2013

مرة أخرى يطل علينا نجم الأغنية العالمية الملتزمة الفنان "مارسيل خليفة" من بوابة عروس الشمال مدينة طنجة، بعدما أحيى سهرتين، الأولى يوم الجمعة بمدينة مرتيل، والثانية يوم السبت بطنجة، وكان حفله ناجحا قياسا بالجماهير الكثيرة التي جاءت خصيصا لحضور حفله المتميز، خاصة أن مارسيل يعتبر من أكثر الفنانين العالميين شعبية بالمغرب والوطن العربي، نظرا لإعجاب الناس الشديد بأغانيه التي تحمل في طياتها رسائل معبرة، فموسيقاه هي موسيقى الحياة، موسيقي الفرح، والغضب، موسيقى الثورة، والألم، وأيضا الأمل..
وبعدما ألهب رفقة نجليه رامي وبشار مدينة البوغاز وجماهيرها المتعطشة لهذا الفن الراقي أبا إلا أن يفتح قلبه لمتتبعي موقع "أكورا بريس" ويطلعهم بأسرار حصرية عن حياته الموسيقية وعلاقته بالجمهور، إضافة إلى مواضيع أخرى...ونظرا لطول اللقاء ارتأينا تقسيمه إلى ثلاث حلقات..
الحلقة الأولى:
مارسيل خليفة يبحث عن المصالحة بين الوجدان الشعبي والموسيقى:
يقول مارسيل:
من موسيقَى الثوْرَةِ إلَى ثوْرَةِ الْمُوسِيقَى، عبرَ تارِيخٍ طوِيلٍ، مِنَ التَّنَوُّعِ غَيْرِ الْمَسْبُوقِ، لِتَنْتَصِرَ الْمُوسِيقَى وَالْقَصِيدَةُ فِي تَلاحُمٍ دَافِئٍ.. نتَعَلَّمُ مِنْ جَدِيدٍ كَيْفَ نَحْمِي الْمُوسِيقَى مِنَ الْفَضِيحَةِ، لأَنَّنَا سَنُخَاطِبُ فِي النَّاسِ إِرَادَةَ الْحَيَاةِ وَالْعَطَاءِ.
كَيْفَ نَسْمُو بِالْجَمَالِ إِلَى حَيْثُ يُؤَسِّسُ النَّاسُ وَطَنًا بَدِيلاً، يُعَوِّضُهُمْ عَنْ حِرْمَانِ الْوَطَنِ... أُرَابِطُ الْيَوْمَ مَعَ رَامِي وَبَشَّار لِنُدَافِعَ عَنْ حُرِّيَّةِ الأَجْنِحَةِ. وَرُبَّمَا سَيُحَقِّقُ هذَا اللِّقَاءُ الْمُصَالَحَةَ، بَيْنَ الْوجدَانِ الشَّعْبِيِّ الْعَامِّ وَبَيْنَ الْمُوسِيقَى، لِنَنْتَقِلَ إِلَى سُدَّةِ التَّجْرِيبِ الَّذِي يَسْتَسِيرُ حَاسَّةَ التَّأَمُّلِ.
حِوَارٌ بَيْنَ الْمُوسِيقَى وَبَيْنَ الْقَصِيدَةِ وَبَيْنَ صُوَرِ الْحَيَاةِ، فِي تَألِيفٍ مُتَنَوِّعٍ، يُنْتِجُ بَسَاطَةً وَعُذُوبَةً
فِي كُلِّ عَمَلٍ جَدِيدٍ نَبْدَأُ مِنْ صِفْرٍ، كَمَا لَوْ أَنَّنَا لا نَعْرِفُ شَيْئًا. وَكُلُّ مُحَاوَلَةٍ هِيَ قَفْزَةٌ فِي الظَّلامِ. سَتَكُونُ الْحَفْلَةُ مُشَاغِبَةً غَرِيبَةً، فَاجِرَةً صَادِقَةً، وَقِيمَتُهَا تَكْمُنُ فِي تَمَرُّدِهَا.
نَرْتَكِبُ أَخْطَاءَنَا الْفَاتِنَةَ وَالْخَاصَّةَ، وَهذَا مِنْ شُرُوطِ الْعَمَلِيَّةِ الإِبْدَاعِيَّةِ... أَنَا مَعَ الْمُوسِيقَى الَّتِي تَخْلُقُ الشَّكَّ وَتَدْعُو إِلَى مُرَاجَعَةِ الذَّاتِ، تَعْرِيَةِ الذَّاتِ.
أَنَا مَعَ الْمُوسِيقَى الَّتِي تُشَكِّلُ فِعْلَ مُشَاغَبَةٍ، عِصْيَانًا وُجُودِيًّا، نَزْعَةً حَادَّةً لِلإِفْلاتِ مِنَ الْقَطِيعِ، دَعْوَةً لِلآخَرِينَ لارْتِكَابِ الشَّغَبِ نَفْسِهِ، صَرْخَةً جَرِيئَةً مِنْ أَجْلِ الْحُرِّيَّةِ، لِنَشْتَبِكَ مَعَ هذَا الدَّوَرَانِ الْمُدْهِشِ الَّذِي يَحْدُثُ لِلْعَالَمِ، وَإِنْ لَمْ نَكُنْ مُنْخَرِطِينَ فِعْلِيًّا فِي الشَّغَبِ الَّذِي لا بُدَّ مِنْهُ.
لَنْ نَتَمَكَّنَ مِنَ الْمُسَاهَمَةِ فِي الإِجَابَةِ عَنِ الأَسْئِلَةِ الْمَطْرُوحَةِ، وَإِلَى التَّعْبِيرِ وَخَلْقِ الْحَوَافِذِ فِي لُغَةٍ جَدِيدَةٍ لِوَعْيِ حَرَكَةِ الْمُجْتَمَعِ وَالنَّاسِ... لَيْسَ ارْتِبَاطُ الْمُوسِيقَى بِبِيئَتِهَا وَبِالظُّرُوفِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ الْجَدِيدَةِ، وَبِازْدِيَادِ الْوَعْيِ يُطَوِّرُهَا، بَلْ قُدْرَتُهَا عَلَى الاِغْتِنَاءِ مِنْ مُجْمَلِ الْفِكْرِ وَالتِّكْنُولُوجيَا الَّذِي تَخْلُقُهُ تَقَالِيدُ أُخْرَى، تَكُونُ أَحْيَانًا مُخْتَلِفَةً جِدًّا... هذِهِ الْعَمَلِيَّةُ تَأخُذُ طَابِعَ التَّبَادُلِ الْمُشْتَرَكِ.
العود وكسر القيود..التحام العود مع البيانو والايقاع
الْعُودُ سَيَكُونُ جَدِيدًا مَعَ البيَانُو وَالإِيقَاعِ، وَكَمَا كَانَ جَدِيدًا فِي "وُعُود مِنَ الْعَاصِفَة" أَوْ فِي "جَدَل" أَوْ فِي "مُدَاعَبَة" أَوْ فِي "كُونشِيرتُو الأَنْدَلُس" وَ"الْكُونشِيرتُو الْعَرَبِيّ". وَالْجَدِيدُ هُوَ التَّعْبِيرُ بِأُسْلُوبٍ فَنِّيٍّ جَدِيدٍ، يَتَّفِقُ مَعَ مُتَطَلِّبَاتِ تَطَوُّرِ الإِنْسَانِ فِي عَصْرِنَا.. وَلا مَرَّة أَغْلَقْتُ الْبَابَ عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ أَشْكَالِ تَطَوُّرِ التَّعْبِيرِ الْفَنِّيِّ مَعَ الْحِفَاظِ عَلَى الْمَلامِحِ الْخَاصَّةِ.
رَامِي وَبَشَّار، مُنْذُ صِغَرِهِمَا، كَسَرَا مَعَايِيرَ آلاتِهِمِ الْمُوسِيقِيَّةِ، لِتُصْبِحَ مِطْوَاعَةً إِلَى ذَلِكَ الْحَدِّ، أَمَامَ إِغْفَاءَةِ الطُّفُولَةِ... لَقَدِ اكْتَشَفُوا بَاكِرًا مَسَاحَاتِ الصَّوْتِ وَجَمَالَ الْمُوسِيقَى. جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، مَدِينَتِهِمْ، بِقَلَقِهِمْ خَلْفَ آلاتِهِمْ فِي ذُرْوَةِ الاِنْدِمَاجِ السَّاحِرِ. وَطَقْسُ الْمُوسِيقَى صَعْبُ الْمِيرَاسِ، إِذَا لَمْ يَأتِهِ عَازِفٌ وَمُؤَلِّفٌ خَبِرَ تَقَلُّبَاتِهِ... مَيْلٌ وَجُمُوحٌ لِلتَّوَحُّدِ مَعَ الآلَةِ، بَعْدَ أَنْ ضَجَّتِ الذَّاتُ بِمَخْزُونِ صُنُوفِ الْمُوسِيقَى.
بِدُونِ شَكٍّ، لَيْسَ الأمْرُ سَهْلاً أَنْ تَنْعَقِدَ الْمُوسِيقَى عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْخَلْقِ وَالتَّمَكُّنِ، لَوْ لَمْ يَجِئ أَصْحَابُهَا مِنَ التَّمْرِينِ وَالْمَرْجَعِيَّةِ الْوَافِرَةِ... وَبِهذَا الْمَعْنَى، لا غَرَابَةَ أَنْ نُقَدِّمَ سَوِيًّا، فِي أُمْسِيَةٍ بَيْرُوتِيَّةٍ، بَاكُورَةَ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ، مِنْ تَألِيفِي وَتَألِيفِ رَامِي وَتَألِيفِ بَشَّار.
نَذْهَبُ إِلَى مَجْهُولٍ غَامِضٍ، نُحِبُّهُ غَامِضًا دَائِمًا، فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِنُطَوِّرَ لُغَتَنَا، وَنَحْمِيَهَا مِنَ التَّكْرَارِ وَالإِرْهَاقِ، بِثَقَةٍ مُتَبَادَلَةٍ، بِعَلاقَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، مَعَ تَجَدُّدِ الذَّائِقَةِ وَالْعَصْرِ وَالزَّمَنِ وَالْحَدَاثَةِ وَالْمُعَاصَرَةِ، وَعَلَى قَابِلِيَّةِ حُضُورِ الْعَمَلِ، فِي زَمَنٍ غَيْرِ الزَّمَنِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ.
إِنَّ الإِنْسَانَ الْحُرَّ هُوَ الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يُفَارِقَ ذَاتَهُ الضَّيِّقَةَ إِلَى الْمُطْلَقِ، كَمُسَافِرٍ جَوَّالٍ، وَالْحَيَاةُ تَكْتَسِبُ مَعْنَاهَا مِنْ تَحَقُّقِ هَذَا السَّفَرِ الْمُسْتَمِرِّ.
لَيْسَتْ لَدَيْنَا مُعْجِزَاتٌ، لَدَيْنَا مُخَيِّلَةٌ وَأَحْلامٌ وَحُرِّيَّةُ الأَجْنِحَةِ، وَلَيْسَ أَمَامَنَا سِوَى الذَّهَاب إِلَى الأُفُقِ الْبَعِيدِ، مَعَ الطُّيُورِ الْعَاصِيَةِ، لأَنَّ الإِبْدَاعَ تَوَغُّلٌ فِي غُمُوضِ مَا لا يُعْرَفُ. فَالْمَعْرُوفُ هُوَ مَا تَمَّ اكْتِشَافُهُ، وَصَارَ نَاجِزًا وَمُسْتَقِرًّا... نَخْرُجُ عَنِ الطَّوْقِ وَالطَّرِيقَةِ مَعًا، وَنَصْدُرُ عَنِ الْحَيَاةِ الأَكْثَرِ تَأَجُّجًا وَاتِّصَالاً بِالْمُسْتَقْبَلِ.
نُحَاوِلُ أَنْ نَكُونَ أَوْفِيَاءَ لِرِسَالَةِ ٱلْمُوسِيقَى وَنَنْقلَ بِوَاسِطَةِ ٱلْعُودِ لُغَةً مُوسِيقِيَّةً خَاصَّةً مِنْ سِحْرِ ٱلشَّرْقِ ٱلْقَدِيمِ وَرُومَانْسِيَّةٍ حَنُونَةٍ وَإِيقَاعِيَّةٍ صَاخِبَةٍ.
وَكُلُّ ذٰلِكَ لِرَفْعٍ مِنْ قَامَةِ ٱلْمُوسِيقَى ٱلْعَرَبِيَّةِ. وَهٰكَذَا رُبَّمَا تَسْتَطِيعُ ٱللُّغَةُ ٱلْمُوسِيقِيَّةُ ٱلْعَرَبِيَّةُ ٱلْجَدِيدَةُ أَنْ تَجِدَ مَكَانَهَا هُنَا وَهُنَاكَ فِي رِحَابِ ٱلْمُوسِيقَى ٱلْعَالَمِيَّةِ ٱلْحَدِيثَةِ وَٱلْمُرَكَّبَةِ.
اعترافات مارسيل حول علاقته بالجمهور..
أَعْتَرِفُ بِأَنَّنِي مَا زِلْتُ أَنْحَنِي وَأُصَلِّي لِهٰذِهِ ٱلْعَلاقَةِ ٱلْوَطِيدَةِ ٱلْقَائِمَةِ بَيْنَ ٱلْجُمْهُورِ وَبَيْنِي. وَأَعْتَرِفُ أَيْضًا أَنَّ ٱلْهَمَّ ٱلْمُوسِيقِيَّ مَا زَالَ يُوقِظُنِي لِلسَّهَرِ عَلَى ٱلْمَرْأَةِ ٱلطَّالِعَةِ فِي ٱلْبَالِ، وَعَلَى ٱلشُّهَدَاءِ. عِنْدَمَا يَذْهَبُونَ إِلَى ٱلنَّوْمِ أَصْحُو لأَبُوحَ مُوسِيقَى.
يَا أَصْدِقَائِي فِي هٰذَا ٱلزَّمَنِ ٱلصَّعْبِ ٱلَّذِي نَعِيشُهُ تَبْقَى ٱلنَّشْوَةُ ٱلْكُبْرَى فِي أَنْ نَجِدَ ٱلْقُدْرَةَ عَلَى أَنْ نَقُولَ – لا – فِي وَجْهِ هٰذَا ٱلْمَدِّ ٱلطَّافِحِ بِٱلْقَذَارَةِ وَٱلْقَسْوَةِ.
وَأَنْ نَحْمِيَ ٱلأُغْنِيَةَ وَٱلْمُوسِيقَى مِنَ ٱلْفَضِيحَةِ. وَخَارِج ذٰلِكَ قَدْ يَتَّسِعُ ٱلْوَقْتُ لِلْمُزَاحِ، لِلْحُبِّ، لِلْعِشْقِ، لِلْفَرَحِ، لِلْحُرِّيَّةِ، لِلْحَيَاةِ.
مارسيل يتحدث عن الْمُوسِيقَى..
فِي ٱلْمُوسِيقَى عَدَدٌ غَيْرُ قَلِيلٍ مِنَ ٱلْمَسَائِلِ ٱلْجِدِّيَّةِ تَخْتَلِفُ حِيَالَهَا وُجُهَاتُ ٱلنَّظَرِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا قَضِيَّةُ ٱلتَّرَابُطِ وَٱلتَّأْثِيرِ ٱلْمُتَبَادَلِ بَيْنَ ٱلثَّقَافَاتِ ٱلْمُوسِيقِيَّةِ فِي ٱلشَّرْقِ وَٱلْغَرْبِ.
إِنَّ ٱلشُّعُوبَ ٱلَّتِي نَشَأَتْ عَلَى ٱلتَّقَالِيدِ ٱلأُورُوبِّيَّةِ فِي ٱلتَّفْكِيرِ ٱلْمُوسِيقِيِّ، وَٱلشُّعُوب ٱلأُخْرَى، لا تَقِفُ عَلَى أَرْضِيَّةٍ ثَابِتَةٍ حِيَالَ مَسْأَلَةِ مَا يُسَمَّى ٱلتَّآلُف بَيْنَ نُظُمِ ٱلتَّفْكِيرِ ٱلأُورُبِّيَّةِ وَغَيْرِ ٱلأُورُوبِّيَّةِ، وَمَا يُسَمَّى بِٱلضَّرَرِ أَوِ ٱلْفَائِدَةِ، الَّذِي تُلْحِقُهُ بِٱلْمُوسِيقِيِّينَ فِي بُلْدَانِ ٱلشَّرْقِ مَنَاهِج ٱلتَّطَوُّر ٱلْمُوسِيقِيّ ٱلْبُولِيفُونِيّ، أَيْ تَعَدُّد ٱلأَصْوَات ٱلشَّامِل أَوِ ٱلْمُتَنَاسِق ٱلَّذِي تَتَّسِمُ بِهِ ٱلْمُوسِيقَى ٱلأُورُوبِّيَّةِ.
أُشِيرُ هُنَا إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ مَقُولَةٍ نَامِيَةٍ بِٱلنِّسْبَةِ لِلثَّقَافَاتِ ٱلْعَرِيقَةِ وَٱلْعَظِيمَةِ لَدَى دُوَلِ آسيَا وَأَفْرِيقيَا وَأَمِيرْكَا ٱللاَّتِينِيَّةِ.
فَإِذَا كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْبُلْدَانُ مُتَخَلِّفَةً عَنِ ٱلْبُلْدَانِ ٱلأُورُوبِّيَّةِ وَٱلْوِلايَاتِ ٱلْمُتَّحِدَةِ ٱلأَمِيرِيكِيَّةِ فِي ميدَانِ ٱلصِّنَاعَةِ، فَإِنَّ ٱعْتِبَارَهَا فِي مَجَالِ ٱلْفَنِّ بُلْدَانًا نَامِيَةً غَيْرُ صَحِيحٍ.
إِنَّنِي مُقْتَنِعٌ بِٱلْمُسَاوَاةِ ٱلْمَبْدَئِيَّةِ حِيَالَ ٱلثَّقَافَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ فِي جَمِيعِ ٱلتَّقَالِيدِ ٱلْمُوسِيقِيَّةِ ٱلْوَطَنِيَّةِ ٱلْمُتَعَدِّدَةِ ٱلْوُجُوهِ، فِي جَمِيعِ مَا ٱخْتَزَنَ مِنْ ثَرْوَاتٍ فِي ٱلأَلْحَانِ وَٱلإِيْقَاعَاتِ وَٱلأَنْغَامِ ٱلَّتِي تَنْطَلِقُ مِنْ حَنَاجِرِ ٱلْمُغَنِّينَ ٱلشَّعْبِيِّينَ أَوْ تُؤَدِّيهَا ٱلْمَجْمُوعَاتُ ٱلْمُوسِيقِيَّةُ.
وَٱلْقَضِيَّةُ لَيْسَتْ قَضِيَّةَ تَآلُفٍ وَعَدَمَ تَآلُفٍ بَيْنَ مُخْتَلَفِ ٱلنُّظُمِ ٱلْمُوسِيقِيَّةِ، بَلْ كَيْفَ، وَبِأَيَّةِ أَسَالِيبَ تَحِلُّ مَسْأَلَةَ ٱلتَّرَابُطِ وَٱلتَّأْثِيرِ ٱلْمُتَبَادَلِ بَيْنَ ثَقَافَاتِ شُعُوبٍ تَخْتَلِفُ مِنْ نَاحِيَتَيِ ٱلْمَنْشَأ وَٱلْمَوْقِعِ ٱلْجُغْرَافِيِّ.
وَٱلْحَلُّ هُنَا فِي ٱلأُسْلُوبِ ٱلْمُوسِيقِيِّ لَدَى رِجَالِ ٱلْمُوسِيقَى: الْمُؤَلِّف، الْعَازِف، مُدَرِّس ٱلْمُوسِيقَى وَوَاضِع ٱلنَّظَرِيَّات.. وَمَسْؤُولِيَّتُهُمْ أَمَامَ ٱلْفَنِّ وَٱلإِخْلاصِ وَٱلإِبْدَاعِ.
الْخَطَرُ ٱلأَكْبَرُ هُوَ ٱلأُسْلُوبُ ٱلتِّجَارِيُّ ٱلْمُنْحَطُّ ٱلَّذِي يَغْزُو ٱلْعَالَمَ.
أُسْلُوبُ ٱلْحَطِّ مِنْ قِيمَةِ ٱلتَّقْلِيدِ ٱلإِنْسَانِيِّ ٱلْعَظِيمِ لَدَى كُلِّ شَعْبٍ. وَهٰذَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَمَلِيًّا إِلَى إِبَادَةِ ٱلْقِيَمِ ٱلْفَنِّيَّةِ ٱلْعَرِيقَةِ.. كَمَا أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَيْضًا مُحَاوَلَةُ عَزْلِ فَنِّ هٰذَا ٱلشَّعْبِ أَوْ ذَاكَ عَنِ ٱلتَّبَادُلِ ٱلطَّبِيعِيِّ بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ لِلْمُكْتَسَبَاتِ ٱلإِبْدَاعِيَّةِ.
إِنَّ أَحَدَ ٱلأَشْكَالِ ٱلطَّبِيعِيَّةِ لِتَطَوُّرِ ٱلتَّقْلِيدِ ٱلْوَطَنِيِّ لَيْسَ فَقَط ٱرْتِبَاطُهُ ٱلْمُبَاشَرُ بِبِيئَتِهِ وَبِٱلظُّرُوفِ ٱلاِجْتِمَاعِيَّةِ ٱلْجَدِيدَةِ وَبِٱزْدِيَادِ ٱلْوَعْيِ لَدَى ٱلشَّعْبِ، بَلْ وَقُدْرَته عَلَى ٱلاِغْتِنَاءِ مِنْ مُجْمَلِ ٱلْفِكْرِ ٱلتَّقَدُّمِيِّ ٱلصَّحِيحِ مِنَ ٱلنَّاحِيَةِ ٱلنَّظَرِيَّةِ وَٱلتِّكْنُولُوجِيَّةِ، الَّذِي تُخَلِّفُهُ تَقَالِيدُ أُخْرَى تَكُونُ أَحْيَانًا مُخْتَلِفَةً جِدًّا.
وَهٰذِهِ ٱلْعَمَلِيَّةُ يَجِبُ أَنْ تَحْمِلَ طَابِعَ ٱلتَّبَادُلِ ٱلْمُشْتَرَكِ، وَأَنْ لا تَتَحَوَّلَ إِلَى عَمَلِيَّةِ فَرْضٍ مِنَ ٱلْخَارِجِ.
بِٱلطَّبْعِ لا نُرِيدُ أَنْ تَسْحُقَ ثَقَافَةٌ ثَقَافَةً أُخْرَى. وَإِذْ نَرْفُضُ مَا يُرَوَّجُ فِي ٱلْغَرْبِ مِنْ مَذَاهِبَ حَوْلَ ٱلتَّمْيِيزِ ٱلثَّقَافِيِّ، لا نَسْتَطِيعُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى أَنْ نَنْصَاعَ لِلذَّاءَاتِ ٱلدَاعِيَةِ إِلَى ٱلْعَزْلِ ٱلْغَبِيِّ لِلنُّظُمِ ٱلْمُوسِيقِيَّةِ ٱلْوَاحِدِ عَنِ ٱلآخَرِ، إِرْضَاءً لإِبْقَاءِ هٰذِهِ ٱلثَّقَافَاتِ كَمَا كَانَتْ مُنْذُ نَشْأَتِهَا ٱلأُولَى.
لِتُطَوِّر شُعُوبُ آسيَا وَأَفْرِيقيَا فُنُونَهَا، هِيَ ٱلَّتِي خَلَقَتْ ثَقَافَةً رَفِيعَةً مُحْتَرَمَةً وَفُولْكْلُورًا غَنِيًّا، وَلْتُتْقِنْ آدَاءَهَا ٱلْمُوسِيقِيَّ.
وَلٰكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ ذٰلِكَ، أَلاَّ تَصُمَّ آذَانَهَا حِيَالَ ٱلْمُنْجَزَاتِ ٱلْعَظِيمَةِ لِمُوسِيقَى ٱلشُّعُوبِ ٱلأُخْرَى.
وَأَيْضًا إِنَّ ٱلْمُوسِيقَى لَيْسَتْ فِي حَاجَةٍ لأَعْمَالِ صِيَانَةٍ مُوَجَّهَةٍ نَحْوَ عَزْلِ ثَقَافَةٍ عَنِ ٱلأُخْرَى، بَلِ ٱلْعَكْس، يَنْبَغِي لِلأُمَمِ ٱلَّتِي لا تَمْلِكُ وَسَائِلَ أَكْثَرَ تَطَوُّرًا لِنَشْرِ ٱلثَّقَافَةِ ٱلْمُوسِيقِيَّةِ، وَٱلَّتِي تَمْلِكُ وَسَائِلَ أَكْثَرَ تَطَوُّرًا لِنَشْرِ ٱلثَّقَافَةِ ٱلْمُوسِيقِيَّةِ، وَٱلَّتِي تَمْلِكُ أَخِصَّائِيِّينَ رَفِيعِي ٱلْكَفَاءَةِ أَنْ تُقَدِّمَ ٱلْمُسَاعَدَةَ لِتِلْكَ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّتِي رَزَحَتْ طِوَالَ قُرُونٍ تَحْتَ وَطْأَةِ ٱلْمُسْتَعْمِرِينَ، وَٱلَّتِي لَيْسَ لَدَيْهَا إِمْكَانِيَّةُ تَطْوِيرِ ثَقَافَتِهَا ٱلْوَطَنِيَّةِ بِحُرِّيَّةٍ وَكَمَا يَلِيقُ بِهَا.
لٰكِنْ يَجِبُ أَلاَّ تَتَحَوَّلَ هٰذِهِ ٱلْمُسَاعَدَةُ إِلَى عُدْوَانٍ ثَقَافِيٍّ بَلْ تَبْقَى فِي إِطَارِ مُحَاوَلَةِ إِيجَادِ لُغَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَخَلْقِ أَرْضِيَّةٍ جَمَالِيَّةٍ مِنْ أَجْلِ ٱلتَّأْكِيدِ وَٱلْحِفَاظِ عَلَى ٱلْقِيَمِ ٱلثَّقَافِيَّةِ ٱلْعَظِيمَةِ، تِلْكَ ٱلَّتِي أَبْدَعَتْهَا شُعُوبُ ٱلْعَالَمِ وَتِلْكَ ٱلَّتِي سَتُبْدِعُهَا لا مَحَالَة.
والموسيقى نُحِسُّ بها ولا نُصَنِّفُها، ولا نُطلِقُ عليها الأسماء والتَّقسيمات. كُلُّ هذا قَتلٌ لِمعنى الموسيقى.
والموسيقى هِيَ دائِمًا للتَّسلية إمَّا بالمعنى العميق، أي بالمعنى الرُّوحيّ والفكريّ، وإمَّا بطريقة أكثر سطحيَّة، وهناك أيضًا الموسيقى الَّتي تتحدَّى العقل، والموسيقى الَّتي تقتصر على إدخال السُّرور على النَّفس أو تُدَغدغ الآذان.
يتبع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.