بعث شاوي بلعسال رئيس الفريق الدستوري بمجلس النواب، أمس السبت خلال الجلسة العمومية المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2015، (بعث) بانتقادات حادة ولاذعة إلى هذا المشروع، الذي وصفه ب"الشحيح والباهت" والفاقد للإبداع والابتكار، وقال بلعسال إن "مشروع القانون المالي المعروض على أنظارنا اليوم هو تعبير صارخ عن أزمة في التعاطي مع الأزمة، ويتغافل الاختلالات العميقة، التي تعصر بتوازناتنا وتبطئ إقلاعنا الاقتصادي الموعود به، بل، إننا إزاء مشروع يزيد من معاناة الفقراء، ويذهب باتجاه تفقير الأغنياء". وأضاف بلعسال أن هذا المشروع، قد جاء أيضا غير متفاعل مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي، ويستسلم لطغيان العادة، ويفتقد للإبداع والابتكار، ويندرج في سياق الاستمرارية، بدون هوامش حقيقية للمناورة أو التحرك، بالنظر إلى ارتفاع كتلة المديونية التي ستلتهم وحدها 68 مليار درهم، مشيرا إلى أنه على الرغم من الانتعاشة الحذرة والنسبية، لدى شركاء المغرب الأوربيين، وللاقتصاد العالمي عامة، ورغم كذلك التراجع الكبير في الفاتورة النفطية، إلا أن المشروع، وكأنه "ينخرط فعليا في سياسة غير معلنة للتقويم الهيكلي، شعاره التقشف، وحال لسانه يقول، من كان ينتظر منكم قفزة نوعية في مشروع القانون المالي عليه أن ينتظر، وأن يتحلى بمزيد من الصبر." "المشروع جاء شحيحا في تدابيره وإجراءاته، إذ ينحاز إلى الضغط الضريبي بدل توسيع الوعاء الضريبي، كما جاء متجاوزا لاختصاصاته، وسعى إلى أن يشكل تهديدا حقيقيا وجديا لحصانة الأحكام القضائية وخرقا واضحا للدستور"، يوضح بلعسال، الذي أكد أنه "بدون نفس تنموي". رئيس فريق الاتحاد الدستوري بمجلس النواب، آخذ على الحكومة عدم قدرتها على إحداث مقاربة تنموية حقيقية، وارتفاع كلفة التداول السياسي الذي كان "مكلفا من الناحية الاقتصادية والمالية، والإجتماعية، إذ تم التراجع في نسب النمو المحققة، وقد تنتهي السنة الجارية بمعدل نمو يلامس منطقة 2,5 بالمائة، ولن يصل إلى ما توقعته الحكومة ليس فقط في مشروعها السابق، بل في برنامجها الحكومي، وهو "ما يشكل مفارقة صارخة مع البرنامج الإنتخابي للحزب الأغلبي"، يقول رئيس فريق الاتحاد الدستوري.وفي قراءته للمعطيات الرقمية التي جاءت مضمنة في المشروع ذاته، أبرز رئيس بلعسال أن الحكومة قد أفلحت في استبدال ضغظ نفقات الاستهلاك في إطار صندوق المقاصة بتخفيضه إلى 23 مليار درهم، بضغط آخر قوي للمديونية، التي شكلت ملاذا محفوفا بالمخاطر لهذه الحكومة طيلة هاتين السنتين الأخيرتين، إذ استدانت هذه الحكومة 103 مليار درهم تقريبا، ما استدانته الحكومات السابقة في مدة عشر سنوات، هذا مع الوعي بأن ارتفاع المديونية قد تكون مدخلا إلى التضخم وإلى تصدير آثارها الوخيمة إلى الحكومات المقبلة، بل وإلى تقويض تنافسية المستقبل". وتساءل بلعسال عن كيفية الدخول في الدول الصاعدة، كما ذكر ذلك وزير الاقتصاد والمالية، وهو يتواضع إلى نسبة 4,4 بالمائة كنسبة نمو، "علما أن المشروع لا يرتكز على أية مفاتيح حقيقية للنمو، فلا هو يركز على الأوراش الكبرى فلا هو يركز على الأوراش الكبرى في ظل التراجعات التي مست الإستثمارات العمومية، في القوانين المالية السابقة- وكلنا يتذكر كيف أقدمت الحكومة على تجميد 15 مليار درهم سنة 2013- ولا هو يحفز الطلب الداخلي تعويضا عن الطلب الخارجي، بسبب التآكل الممنهج للقدرة الشرائية الداخلية، ولا هو يقتحم أسواقا بديلة بسياسة تصديرية ناجعة... ولا هو أخيرا يحفز الإستثمار بمقتضيات ضريبية لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة ، ولصالح استيعاب القطاع غير المهيكل."رئيس فريق الاتحاد الدستوري بمجلس النواب، شدد أنه "لا يكفي الترويج لعامل الاستقرار الذي ينعم به المغرب، "دون أن تعمل الحكومة من جهتها على ترسيخ الاستقرار الاقتصادي، الذي يظل في نظر فريق الاتحاد الدستوري، محكوما بضرورة تبني استراتيجيات واضحة تقوم أساسا على مواصلة الخيار الاقتصادي المبني على التصنيع، ومواصلة برنامج المخطط الأخضر الذي شهد تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، مع ضرورة معالجة الإشكاليات المرتبطة بالتسويق، خارجيا وداخليا وبتطوير الفلاحة التضامنية، بالإضافة إلى استمرار الإصلاح الضريبي في إطار شمولي، وفي ظل قراءة اقتصادية واجتماعية لهذا الإصلاح، بدل الوقوع في فخ الإجراءات المعزولة، التي تروم فقط الحد من عجز الميزانية، وإعادة النظر في النفقات الجبائية وفق دراسات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، والسعي نحو استعادة القطاع غير المنظم الذي يكاد يشكل وحده 40 بالمائة من الاقتصاد الوطني." "ثلاث سنوات من عمر هذه الحكومة، التي شغلت البلاد والعباد بكثرة التنظيرات والتصريحات المتتالية في غياب إصلاحات حقيقية"، يرى بلعسال، الذي دعا حكومة بنكيران "إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية الكبرى، وتفعيل الإصلاح الدستوري"، مشيرا إلى أنه من غير المعقول، "ونحن في مشروع ما قبل الأخير لهذه الولاية، ولا نعثر على أية إجراءات فعلية فيما يتعلق باللاتركيز وباللا مركزية، ولا نعمد إلى توزيع اعتمادات وفق منظور جهوي، مما يجعلنا نتساءل حول مصير الإصلاحات الدستورية؟"، مطالبا في الوقت ذاته ب"تسريع الإصلاحات المرتبطة بجهازي العدالة والقضاء، وبالمنظومة التربوية كأولويات وطنية لما لهذين القطاعين من أدوار حيوية لرسم ملامح مغرب الغد". كما توقف رئيس الفريق في عرضه عند الاختلالات التي تعرفها عدد من القطاعات الاجتماعية، من بينها المنظومة التربوية التي تكلف وحدها 45 مليار درهم، والتي تعرف عدة مشاكل "طالما أن كل وزير ينصب نفسه مصلحا للقطاع دون أن يموقع نفسه ضمن استراتيجيات ملائمة تميز ما بين الزمن المدرسي والزمن السياسي." وأما عن العرض الصحي، ورغم المجهودات المبذولة في السنوات الأخيرة ( 13 مليار درهم )، يقول بلعسال "فإنها لا زالت دون المستوى المطلوب، ولا أدل على ذلك ما يشهده نظام المساعدة الطبية RAMED من تعثر واضح، في ظل ضعف بنيات الاستقبال وسوء توزيع الموارد البشرية من أطر طبية وأطباء متخصصين، والأطر الطبية المتوسطة على قلتها، على أقاليم وجهات المملكة، مضيفا أن ما يشهده هذا القطاع يؤكد "أننا أمام إخفاق حكومي واضح." هذا، ودعا الفريق الدستوري على لسان رئيسه الحكومة بالتخلص من هاجس "شعبيتها" "لأن "الشعبية لا تبني الدولة، وبلادنا إذ اختارت اليوم المسار الديمقراطي، فقد فعلت ذلك من أجل التنمية، ولا يوجد الآن عذر للحكومة لاتخاذ القرارات المناسبة، والكفيلة بردم الهوة التي تتفاقم بين زمن الحكومة وزمن واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والمالي، الذي ينذر بالخروج عن السكة"، يضيف بلعسال، الذي خلص إلى أنه وأمام الشعور العارم بالأزمة لدى جل القطاعات الاقتصادية، وأمام فقدان مناصب الشغل وضعف تنافسية المقاولة، وغياب إصلاحات ضرورية تواكب النسيج الاقتصادي، بالإضافة إلى أزمة سيولة، ف"إن المشروع موضوع نقاشنا لايحظى بثقتنا... وإن كانت ثقتنا كبيرة في مؤهلات بلادنا بشبابها وبنسائها وبرجالها، بسواعد هذه الأمة وبقواتنا المسلحة المتاخمة في صحرائنا المسترجعة، تحت قيادة قائدها الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة، في حماية هذا الوطن وردع كل من تسول له نفسه النيل من وحدتنا الترابية."