يوم بيوم نور الدين مفتاح يكتب: ماذا بعد الحل الثالث؟ نور الدين مفتاح نشر في 6 نوفمبر 2025 الساعة 18 و 01 دقيقة ولهذا، كان مثيرا ما صرح به المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون السلام في الشرق الأوسط ستيف ويتكوف هذا الشهر خلال استضافته في برنامج «60 دقيقة» التلفزيوني على شبكة CBS حيث قال: «نحن نعمل حاليا على ملف المغرب والجزائر. فريقي يركز عليه، وأعتقد أننا سنشهد اتفاق سلام خلال 60 يوما القادمة». نور الدين مفتاح [email protected]
أكتب هذه السطور وقلوب المغاربة معلقة على اجتماع مجلس الأمن الذي سينعقد يوم صدور هذا العدد لاتخاذ قراره بخصوص نزاع الصحراء والتمديد لبعثة المينورسو. وقد سبقت هذا الموعد تطورات عديدة وسعت من دائرة الأمل وقربت، نظريا على الأقل، أحلام أجيال متعاقبة من إنهاء واحد من أقدم الصراعات في العالم لحد الآن، وفي بناء مغرب كبير موحد، وفي جمع شمل الشعبين المغربي والجزائري الذي تفرقه لحد الآن السياسة وبعض ضغائن الماضي.
ولابد أن نذكر بمعطى حاسم يغذي جدية الانتظارات، وهو أن هذا الاجتماع السنوي لمجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء هو الأول على عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية. ومعلوم أن ترامب هو الذي أصدر مرسوماً رئاسياً سنة 2020 يعترف فيه، بلا مواربة، بالسيادة المغربية على «الصحراء الغربية» كما تسمى في الأدبيات الأممية. والذين يتابعون تطورات الأحداث الدولية سيقفون على أسلوب مختلف للرئيس الأمريكي خلال هذه الولاية أكثر اندفاعا وشراسة في تدبير النزاعات الدولية من منظوره. وقد قام بهذا مع الحليف الأول للولايات المتحدة على الإطلاق إسرائيل حين أجبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على قبول إنهاء إبادة جماعية ضدا على إرادته وإرادة حلفائه في حكومة متطرفة مقيتة.
ولهذا، كان مثيرا ما صرح به المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون السلام في الشرق الأوسط ستيف ويتكوف هذا الشهر خلال استضافته في برنامج «60 دقيقة» التلفزيوني على شبكة CBS حيث قال: «نحن نعمل حاليا على ملف المغرب والجزائر. فريقي يركز عليه، وأعتقد أننا سنشهد اتفاق سلام خلال 60 يوما القادمة».
والواقع أنه ما كان لمثل هذا التصريح أن يخرج من دائرة «المزحة» إلى محمل الجد لولا ما خبره الجميع في إدارة ترامب من نزوع إلى الحسم بمنطق شخصي وذاتي وربما نرجسي عند الرئيس الأمريكي الذي أصبح شغله الشاغل هو الحصول في السنة المقبلة على جائزة نوبل للسلام، ويعتبر أن نزاعا كالذي تعيشه أقاليمنا الجنوبية أبسط من نزاعات أخرى استطاع أن يحلها ويتباهى بها. هذا إضافة إلى أن ترامب يتحرك من موقع من حسم أمر قضية الصحراء لصالح المغرب، وبالتالي فوسائل ضغطه على الجزائر مختلفة عن وسائل كل الأطراف الأخرى، ولا أدل على ذلك من أن الجزائر سحبت سفراءها من باريس ومدريد عندما انحازتا لحل الحكم الذاتي، ولكنها لم تنبس ببنت شفة عندما اعترفت واشنطن بمغربية الصحراء.
وخلال هذه الاندفاعة نحو أمل الحل الذي يلبس ثوب «لا غالب ولا مغلوب» دق المغرب باب الدب الروسي بكل وزنه الذي تعاظم بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وزار وزير الخارجية بوريطة موسكو هذا الشهر ليضع على الطاولة مع نظيره الداهية لافروف ملفات الصيد البحري والفلاحة كرافعة لتليين المواقف السياسية بخصوص ملف الوحدة الترابية، خصوصا أن الجزائر اعتبرت تاريخيا في معسكر موسكو، وهذه الأخيرة ظلت إلى حدود آخر اجتماع لمجلس الأمن تمتنع عن التصويت على القرارات الخاصة بالصحراء، وهذا أضعف الإيمان.
لقد دأب مجلس الأمن الدولي منذ بداية تدبير الأممالمتحدة للنزاع على إصدار قرارات تقرير المصير في الإقليم بمفهوم الاستفتاء منذ القرار 1514. ولكن، بالنظر لتعذر تحديد هوية الناخبين في هذا الاستفتاء، والوصول إلى طريق مسدود سبق أن انتبه إليه الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة دي كويلار الذي أصدر كتابا بهذا الشأن يستحق القراءة، ثم اقتنع به الأمين العام الأسبق كوفي عنان في بداية الألفية الثانية، تقدم المغرب بمقترح جريء للحكم الذاتي في أبريل 2007 ملخصه أن تبقى للمملكة السيادة وتكون للصحراء حكومة منبثقة من برلمان منتخب وتدبير مستقل للموارد، ومنذ ذلك الحين ومجلس الأمن يصدر جيلا جديدا من القرارات التي عوضت تقرير المصير بمفهومه الضيق ب«الحل السياسي الواقعي والدائم والمقبول من الطرفين» بداية بالقرار 1754 الذي أقر بالجهود الجديدة وذات المصداقية للمغرب، ووصولا إلى القرارات 2602 و2654 و2756 الصادرة على التوالي في 2021 و2022 و2024 التي تتحدث عن الحل السياسي.
ما الجديد الذي ننتظره هذه السنة إذن؟ المنتظر حسب التسريبات من المسودة الأولية لمشروع القرار الذي أعدته حاملة القلم في الموضوع وهي أمريكا، أن يتم التنصيص على روح القرارات الأممية سالفة الذكر مع إضافة حصرية الاعتماد على المقترح المغربي للحكم الذاتي في التفاوض حول الحل، وهو ما ينسجم مع المواقف الجديدة لثلاثة أعضاء من ضمن خمسة المالكين لحق الفيتو، أي أمريكا وفرنسا وبريطانيا. وقرار مثل هذا سيكون منعطفا تاريخيا في تدبير النزاع، وتحويلا للاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء من إطار قرارات دول إلى قرار أممي سيغير الوضع الذي تعترف لنا به الأممالمتحدة من «إدارة الإقليم» إلى «السيادة عليه».
وماذا بعد؟ هذا سيحشر البوليساريو والجزائر في الزاوية الضيقة، ولكنه لن ينهي النزاع، لأن المطروح هو حكم ذاتي يجب أن تنطلق مفاوضات تفصيلية شاقة حوله، ثم استفتاء عليه بعد الاتفاق على مضامينه، ومن المستحيل أن ينزل هذا السيناريو إلى الميدان إلا إذا وافقت الجزائر عليه، والذي يصعب أمر هذه الأعجوبة هو أن الطرف الحاسم في النزاع يدعي دائما أنه مراقب وغير معني كطرف مباشر، وأنه يحتضن حركة انفصالية لمجرد أنه يعتنق مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، حسب زعمه.
أعتقد بالنتيجة أن السيناريو الذي أفصح عنه المبعوث الشخصي للرئيس الأمريكي بخصوص حل الخلاف بين الجارين المتباعدين هو الأقرب إلى طي صفحة هذا الجرح النازف في قدم المغرب الكبير، وسواء كان قرار مجلس الأمن كما ننتظره مفاجأة سارة أو لم يكن، فإن حل الخلاف بين قصر المرادية والمشور السعيد سيكون مفتاحا لحل باقي المشاكل العالقة، وعلى رأسها الصحراء كأم القضايا التي نحتفل هذه السنة بالذكرى الخمسين لمسيرتها الخضراء. مسيرة دقت أجراس استرجاع الجنوب وسط انتصارات ودماء ومعارك ميدانية وديبلوماسية وتمزقات إنسانية، وانتكاسات وجروح وآمال وعزم أكيد على أن يكون هناك مغرب عربي أمازيغي من خمس دول متراصة كأصابع اليد، وما هذا على القضايا العادلة بعزيز.