يوم بيوم نورالدين مفتاح يكتب: ألا لعنة الله على الفاسدين نور الدين مفتاح نشر في 27 نوفمبر 2025 الساعة 13 و 47 دقيقة الفساد آفة الآفات. وهو منظومة محصنة لها حُماتها، تكون أحيانا عابرة للمؤسسات وأحيانا أخرى فوق المؤسسات. وإذا كان من المستحيل العثور على مجتمع بدون فساد، فإن الفرق الجوهري بين الدول في هذا المضمار ليس في وجود هذا الفساد أم لا، ولكن في ما إذا كان استثناءً يحارَب أم قاعدة تحارب النزاهة. ومن المؤسف أن […] نور الدين مفتاح [email protected]
الفساد آفة الآفات. وهو منظومة محصنة لها حُماتها، تكون أحيانا عابرة للمؤسسات وأحيانا أخرى فوق المؤسسات. وإذا كان من المستحيل العثور على مجتمع بدون فساد، فإن الفرق الجوهري بين الدول في هذا المضمار ليس في وجود هذا الفساد أم لا، ولكن في ما إذا كان استثناءً يحارَب أم قاعدة تحارب النزاهة. ومن المؤسف أن بلادنا لها ترتيب «مشرف» في سلم الفساد، حيث تحتل المرتبة 99 عالميا ضمن 180 دولة.
إلا أن الأنكى في المغرب هو أن الحكومة التي من المفروض أن تكون محاربة الفساد أولى أولوياتها، توجد منذ تنصيبها في 2021 في قلب فضائح متتابعة تتعلق باستغلال النفوذ أو تضارب المصالح أو التلاعب بالصفقات أو التحايل على القانون. وآخر عناقيد هذا العطب ما فجره رئيس مجموعة العدالة والتنمية في البرلمان عبد الله بوانو حول موضوع دواء قد يتحول إلى فضيحة إذا ثبتت الوقائع.
كان هناك خصاص في دواء معين للسرطان بعدما أوقفت الشركة التي كانت تنتجه نشاطها، فلجأ وزير الصحة إلى إجراء استثنائي ينص عليه القانون وهو الترخيص المؤقت، ولكنه مرر صفقة استيراد هذا الدواء إلى زميل له في الحكومة ومن نفس حزبه، لديه شركة أدوية. وأما المشكلة الثانية – حسب بوانو – فهي أن هذا الوزير المحظوظ بالصفقة استورد الدواء من الصين، وعندما تم توزيعه على المستشفيات لم يستطع العاملون الصحيون قراءة ورقة مواصفاته لأنها مكتوبة ب «الشينوية»، فتم سحبه، ثم أعيد بعد تصحيح خطأ الترجمة، وتم تقدير ثمنه «باللي بغاو» حسب النائب البرلماني الذي ختم بأن وزارة الصحة تعتزم تحويل الترخيص المؤقت للوزير الحائز على الصفقة إلى ترخيص دائم.
لقد كان رد فعل الحكومة هو أنها دعت إلى اجتماع للجنة البرلمانية المعنية، لتقديم معطيات في الموضوع، ودون أن نستبق نتائج هذا الاجتماع، فإن المفروض كان هو المبادرة إلى تكوين لجنة برلمانية لتقصي الحقائق، خصوصا وأن الموضوع لا يتعلق بدواء واحد أو صفقة واحدة أو وزير جشع، ولكن لأن الأمر فيه استفزاز للمغاربة الذين ضحى شبابهم في حركة «جيل زد» من أجل هذا الموضوع بالضبط، والذي أعلنت الدولة في مجلس وزاري أنها خصصت له اعتمادات استثنائية في ميزانية 2026 وصلت إلى 14 مليار دولار للصحة والتعليم.
أنا أعتقد أن القضية أكبر بكثير من هذا الموضوع الخطير الذي فجره بوانو. إن السيد رئيس الحكومة خول مؤخرا للسيد وزير الصحة أن يبرم صفقات تفاوضية بدل الصفقات التنافسية، بدعوى تسريع إنجاز المشاريع المبرمجة في القطاع، وها نحن نرى أولى هذه الثمار لصفقات يصدق عليها مثل «خيرنا ما يديه غيرنا».
إن بروفايلات الوزيرين المعنيين تقول كل شيء عن حكومة آخر الزمان هاته. فوزير الصحة كان يشتغل مع زوجة السيد رئيس الحكومة، ووزير التربية الوطنية رجل أعمال ينشط في الحلويات والمقرمشات، ولم تكن لهما صلة لا بالتعليم ولا بالصحة ولا بالأحزاب ولا بالسياسة. اللهم إلا الولاء للرئيس، وبالتالي كان أسهل شيء هو صبغهما بالأزرق السماوي وإدخالهما ليدبرا أخطر قطاعين يمكن القول إن استقرار البلاد يهدَّد بسببهما.
والذي يصيب الإنسان بالغبن هو أن يكون الوزيران قد تصرفا بكل هذه الأنانية ولم يجف بعد مداد الاحتجاجات العارمة التي عرفتها جل جهات المملكة احتجاجا عليهما، أليس هذا لعبا بالنار؟! الحكومة التي من المفروض أن تحل المشاكل الاجتماعية هي التي تعقدها وتؤجج الغضب وتترك الحمل بعد ذلك على قوات الأمن ! هناك وزراء أقالهم الملك على أقل من هذا العبث، وهؤلاء لا يستحقون إلا الخروج غير المشرف من حكومة تعالت الأصوات من أجل إقالتها برمتها، ولم يسبق أن كانت هناك حكومة مثلها تجمع بين الجشع واللاشعبية و «الصنطيحة».
نفس النائب البرلماني فجّر خلال مناقشة قانون المالية بالبرلمان فضيحة دوائية أخرى تتعلق بمصحة خاصة تشتري دواء للسرطان ب800 درهم وتفوتره للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ب4000 درهم ! هذه صاعقة !! وأول سؤال يطرح بالنسبة لي هو أين المراقبة؟ كيف وضع البرلماني يده على هذه المصيبة ولم ترها كل أجهزة حماية المال العام! ولكن، إذا ظهر السبب بطل العجب. إن هذه المصحة التي أخذت حجما عملاقا في مدة وجيزة أصبحت الفاعل الصحي رقم واحد في المغرب. استبقت كل الإصلاح المتعلق بالحماية الاجتماعية، وقررت أن تكون الجيب الأول الذي تصبّ فيه أغلبية الميزانية المرصودة للتغطية الصحية والمقدرة ب950 مليار سنتيم سنويا.
هكذا نبتت مصحات «أكديطال» كالفطر في كل مكان، بعدما كانت عيادة يشرف عليها دكتور التخدير رشدي طالب بشارع جرادةبالدارالبيضاء. وسبب التحول هو أنه في 2019 دخل صندوق الاستثمار الدولي Mediterrania Capital Partners إلى رأسمالها، مستحوذا على 20 في المائة من أسهمها، كما استفادت المجموعة بعد ذلك من ميثاق الاستثمار الذي يصل دعمه لبعض القطاعات – ومنها الاستثمار في الصحة – إلى 30 في المائة من قيمة المشروع.
الله يبارك ! ليس المشكل في الاستثمار، ولكن في النتيجة التي كانت محسوبة منذ البداية. لقد أصبح 56 في المائة من رقم معاملات «أكديطال» من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي !! و21 في المائة من منظمات الاحتياط الاجتماعي و23 في المائة فقط من شركات التأمين الخاص. وإذا أخذنا ما قاله النائب البرلماني بوانو، عن رفع «أكديطال» لثمن دواء من 800 إلى 4 آلاف درهم، فلنضع أيدينا على قلوبنا حول سلامة ال950 مليار الخاصة بالتغطية الصحية من المتلاعبين الكبار. هذا دون الحديث عما يروج بخصوص فوترة عمليات جراحية غير ضرورية، أو تنظيم قوافل طبية «إنسانية» تفوتر في إطار «أمو تضامن».
هذا بالطبع يحتاج إلى تحقيقات قضائية لا محالة، ولكن في انتظار ذلك، هناك مؤشرات مقلقة أو لنقل مضحكة. ففي منتصف أكتوبر الماضي أوقفت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها تنفيذ صفقة إعداد «خريطة مخاطر الفساد في قطاع الصحة» لأن الفائز مكتب يرتبط بعقد تجاري مع مجموعة «أكديطال» !! ومبلغ الصفقة هو 240 مليون سنتيم. بل إن المجموعة التي أرادها وزير الصحة باحثة عن الفساد، فتحت مصحة في الرباط، واشتغلت لمدة ثلاثة أشهر قبل أن تغلقها السلطات في أكتوبر الماضي لعدم توفرها على رخصة.
نعم أيها السادة، كل هذا يحصل في المغرب وملايير الدراهم تلهف، والصحة العمومية تفقر، وميزانية الدولة الاجتماعية تسمن قطاعا خاصا جشعا لعوبا. وبقدر ما يزيد المجهود المالي في الميزانية العامة بقدر ما يزيد غنى تجار الأزمات الاجتماعية في المغرب. وكيف لا والفساد يكاد يصبح سياسة حكومية، إذا استحضرنا ما جرى في المحروقات ورئيس الحكومة هو الفاعل الرئيسي في القطاع، وقد أدين هو وشركاؤه من طرف مجلس المنافسة وأدوا غرامة تلاعبات، وإن كانت رمزية. وما جرى في صفقة تحلية ماء البحر في الدارالبيضاء التي فاز بها رئيس الحكومة في إطار تضارب مصالح سارت بذكره الصبيان وليس الركبان فقط. وما جرى في فراقشية الأنعام الذين أغدقت عليهم الحكومة دعما لاستيراد الغنم والبقر فأخذوا الدعم وزادت أسعار اللحوم اشتعالا، مما كلفنا 1300 مليار سنتيم، والقائل ليس معارضا ولكن هو الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة، العضو في الأغلبية الحكومية. وما جرى من دعم للمصحات لم يكن يعرفه أحد، أو دعم للصيد في أعالي البحار الذي لم يكن يعرفه أحد أيضا إلى أن كشفته زلات ألسنة الوزراء المعنيين واللائحة طويلة.
يمكن بهذا أن نفهم لماذا سحبت الحكومة بُعيد تنصيبها مشروع قانون الإثراء غير المشروع، ولماذا أزاحت الرئيس السابق لهيئة النزاهة ومحاربة الرشوة الذي قال إن الفساد يكلف المغرب 50 مليار درهم سنويا، ونفهم هذا الدرك الأسفل الذي وصلته السياسة في البلاد. لماذا نلوم الناس على غضبهم؟ ألن يكون للعدمية ألف مبرر إذا تركنا اللصوص يرقصون على الجراح؟