أفاد مسؤولٌ لشبكة سي بي إس نيوز، الشريكة الأمريكية لبي بي سي، بأن خفر السواحل الأمريكي يُجري "ملاحقة نشطة" لسفينة أخرى في المياه الدولية قرب فنزويلا، في ظل تصاعد التوترات في المنطقة. وكانت السلطات الأمريكية قد صادرت ناقلتي نفط هذا الشهر بالقرب من السواحل الفنزويلية، إحداهما يوم السبت. وصرح مسؤولٌ أمريكي بأن عملية الملاحقة التي جرت يوم الأحد تتعلق بسفينةٍ تابعةٍ للأسطول الخاضع للعقوبات، وهي "جزءٌ من عملية التهرب غير القانوني التي تقوم بها فنزويلا من العقوبات. وهي ترفع علماً زائفاً، وتخضع لأمر مصادرةٍ قضائي". وتأتي هذه الخطوة بعد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء الماضي بأنه أصدر أمراً بفرض "حصار" على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات أثناء دخولها أو مغادرتها فنزويلا. من جانبها، وصفت فنزويلا الإجراء الأمريكي الأخير بأنه "سرقة وخطف"، واتهمت إدارة ترامب في وقتٍ سابق بمحاولة الاستيلاء على مواردها. وقالت الحكومة الفنزويلية في بيان أصدرته في هذا الشأن إن "هذه الأفعال لن تمر دون عقاب"، مضيفة أنها تعتزم تقديم شكوى إلى مجلس الأمن و"وكالات متعددة الأطراف أخرى وحكومات العالم".
وقاد خفر السواحل الأمريكي العملية، على غرار العملية التي نُفذت في وقت سابق من هذا الشهر. وصعد فريق تكتيكي متخصص إلى السفينة، التي كانت في المياه الدولية عند احتجازها. ونشرت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستي نويم - بصفتها الجهة المشرفة على خفر السواحل- مقطع فيديو مدته سبع دقائق للعملية عبر منصة "إكس". ويُظهر الفيديو مروحيات أمريكية تهبط على سطح سفينة تحمل اسم "سنشريز" على جانبها. وترفع السفينة علم بنما، لكنها أبحرت خلال السنوات الخمس الماضية تحت أعلام اليونان وليبيريا أيضاً، وفقاً لسجلات اطلع عليها فريق التحقق لدى بي بي سي. كما أنها ليست مدرجة على قائمة وزارة الخزانة الأمريكية للسفن الخاضعة للعقوبات. وفي الأسابيع الأخيرة، عززت الولاياتالمتحدة وجودها العسكري في منطقة الكاريبي، ونفذت ضربات قاتلة ضد قوارب يُشتبه بأنها لمهربي مخدرات فنزويليين، مما أسفر عن مقتل نحو مئة شخص. ولم تقدم الولاياتالمتحدة أي دليل معلن يثبت أن هذه السفن كانت تحمل مخدرات، وتعرض الجيش الأمريكي لتدقيق متزايد من جانب الكونغرس بسبب الضربات التي نفذها. وتتهم إدارة ترامب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بقيادة منظمة مصنفة كجماعة إرهابية تُعرف باسم كارتيل دي لوس سوليس، وهو ما ينفيه مادورو. كما اتهم ترامب حكومة مادورو باستخدام النفط "المسروق" في "تمويل نفسها، والإرهاب المرتبط بالمخدرات، والاتجار بالبشر، والقتل، والخطف". وبعد احتجاز السفينة الثانية، نشر وزير الدفاع بيت هيغسِث عبر منصة "إكس" أن الولاياتالمتحدة ستواصل "تنفيذ عمليات الاعتراض البحري بلا تردد... لتفكيك الشبكات الإجرامية غير المشروعة". وأضاف: "العنف والمخدرات والفوضى لن تسيطر على نصف الكرة الغربي". وتعتمد فنزويلا -التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي مثبت في العالم- بشكل كبير على عائدات صادرات النفط لتمويل إنفاقها الحكومي. وجاء إعلان ترامب عن هذا "الحصار" بعد أقل من أسبوع من مصادرة الولاياتالمتحدة ناقلة نفط يُعتقد أنها جزء من "أسطول الظل" قبالة السواحل الفنزويلية، ويزعم أنه استخدم أساليب متعددة لإخفاء نشاطه. وأدانت الحكومة الفنزويلية الخطوة، إذ قال مادورو إن الولاياتالمتحدة "اختطفت الطاقم" و"سرقت" السفينة. ويكثف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضغط على نظيره الفنزويلي في الفترة الأخيرة. وفي تصعيد حاد لحملة واشنطن ضد كاراكاس، أصدر الرئيس الأمريكي في 16 دجنبر الجاري أمرا بفرض حصار بحري على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات أثناء دخولها أو مغادرتها فنزويلا، وذلك بعد أقل من أسبوع من قيام القوات الأمريكية باحتجاز ناقلة خاضعة للعقوبات قبالة سواحل البلاد.
ونُشرت سفن حربية أمريكية على مسافة قريبة تتيح لها تنفيذ ضربات ضد الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية، وقُتل العشرات في هجمات استهدفت قوارب يُزعم أنها كانت تحمل مخدرات. انتخابات الرئاسة في فنزويلا Reutersقوات أمريكية تنزل بالحبال إلى ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا، 10 دجنبر 2025، في صورة ثابتة من مقطع فيديو. وصعد نيكولاس مادورو إلى الواجهة السياسية في ظل قيادة الرئيس اليساري هوغو تشافيز وحزب الاشتراكية الموحدة في فنزويلا. وكان مادورو، وهو سائق حافلة سابق وزعيم نقابي، قد خلف تشافيز وتولى الرئاسة في 2013. وخلال الأعوام الستة والعشرين التي حكم فيها تشافيز ومادورو، تمكن حزبهما من إحكام السيطرة على مؤسسات رئيسية، من بينها الجمعية الوطنية، وجزء كبير من السلطة القضائية، والمجلس الانتخابي. وفي 2024، أُعلن فوز مادورو في الانتخابات الرئاسية، رغم أن سجلات الأصوات التي جمعتها المعارضة أشارت إلى أن مرشحها إدموندو غونزاليس فاز بفارق كبير. وكان غونزاليس قد حل محل زعيمة المعارضة البارزة ماريا كورينا ماتشادو على ورقة الاقتراع بعد منعها من الترشح. وحصلت ماتشادو في أكتوبر على جائزة نوبل للسلام تقديرا "لنضالها من أجل تحقيق انتقال عادل وسلمي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية". وتحدت ماتشادو حظر السفر المفروض عليها وتوجهت إلى أوسلو في ديسمبر لتسلم الجائزة بعد أشهر قضتها في الاختباء. وقالت إنها تخطط للعودة إلى فنزويلا، وهي خطوة قد تعرضها لخطر الاعتقال من قبل السلطات الفنزويلية التي أعلنت أنها "هاربة من العدالة". لماذا يكثف ترامب هجماته على فنزويلا؟ Getty Imagesبشن ترامب حملة شعواء ضد فنزويلا ومادورو يحمّل ترامب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مسؤولية وصول مئات الآلاف من المهاجرين الفنزويليين إلى الولاياتالمتحدة. ويُقدر أن ما يقرب من ثمانية ملايين فنزويلي قد فروا من الأزمة الاقتصادية والقمع منذ عام 2013. ومن دون تقديم أدلة، اتهم ترامب مادورو بأنه "أفرغ سجونه ومصحات الأمراض العقلية" و"أجبر" نزلاءها على الهجرة إلى الولاياتالمتحدة. كما ركز ترامب على مكافحة تدفق المخدرات - وخاصة الفنتانيل والكوكايين- إلى داخل الولاياتالمتحدة. وصنفت إدارة ترامب "جماعتين إجراميتين" فنزويليتين - ترين دي أراغوا وكارتيل دي لوس سوليس- كمنظمات إرهابية أجنبية، وزعمت أن الأخيرة يقودها مادورو نفسه. كما ضاعفت إدارة ترامب المكافأة المخصصة للحصول على معلومات تؤدي إلى القبض على مادورو. وينفي مادورو بشدة أن يكون زعيماً لعصابة، ويتهم الولاياتالمتحدة باستخدام "حربها على المخدرات" كذريعة لمحاولة الإطاحة به والسيطرة على احتياطيات فنزويلا الهائلة من النفط. ورجح محللون إلى أن كارتيل دي لوس سوليس ليست مجموعة منظمة بعينها، بل مصطلح يُستخدم لوصف مسؤولين فاسدين سمحوا بمرور الكوكايين عبر فنزويلا. وفي منشور على منصة تروث سوشال، اتهم الرئيس الأمريكي حكومة مادورو باستخدام النفط "المسروق" "لتمويل نفسها، و"الإرهاب المرتبط بالمخدرات، والاتجار بالبشر، والقتل، والخطف". وقال إن حكومة مادورو نفسها صُنفت هي أيضاً كمنظمة إرهابية أجنبية. وردت الحكومة الفنزويلية بوصف منشور ترامب بأنه "تهديد بشع"، واتهمت الرئيس الأمريكي بالسعي إلى سرقة ثروات البلاد. تحركات عسكرية نشرت الولاياتالمتحدة 15 ألف جندي وعدداً من حاملات الطائرات ومدمرات الصواريخ الموجهة وسفن الإنزال الهجومية في منطقة الكاريبي. ووفقاً للتصريحات الرسمية، فإن الهدف من هذا الانتشار -الأكبر في المنطقة منذ الغزو الأمريكي لبنما عام 1989- هو وقف تدفق الفنتانيل والكوكايين إلى الولاياتالمتحدة. ومن بين السفن المشاركة حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد"، وهي أكبر حاملة طائرات في العالم. وتشير التقارير إلى أن مروحيات أمريكية أقلعت منها قبل أن تستولي القوات الأمريكية على ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا في 10 دجنبر. وقالت الولاياتالمتحدة إن الناقلة كانت "تُستخدم لنقل نفط خاضع للعقوبات من فنزويلا وإيران"، بينما وصفت فنزويلا العملية بأنها "قرصنة دولية". ونفذت القوات الأمريكية في الأشهر الأخيرة أكثر من 20 ضربة في المياه الدولية ضد قوارب يُزعم أنها كانت تحمل مخدرات، مما أسفر عن مقتل أكثر من 90 شخصاً. "هجوم مخطط وممنهج ضد مدنيين" Getty Images تقول إدارة ترامب إنها تخوض صراعاً مسلحاً غير دولي مع مهربي المخدرات المزعومين، الذين تتهمهم بشن حرب غير نظامية ضد الولاياتالمتحدة. كما وصفت الولاياتالمتحدة من كانوا على متن تلك القوارب بأنهم "إرهابيون مرتبطون بالمخدرات"، لكن خبراء قانونيين يؤكدون أن هذه الضربات لا تُوجه إلى "أهدافٍ عسكرية مشروعة". وأثارت الضربة الأولى التي نفذتها القوات الأمريكية في الثاني من شتنبر انتقادات على نطاق واسع، إذ قُتل الناجون من الضربة الأولى بضربة الثانية. وقال مدعٍ عام سابق في المحكمة الجنائية الدولية لبي بي سي إن الحملة العسكرية الأمريكية تندرج تحت فئة الهجوم المخطط والممنهج ضد مدنيين في وقت السلم. ورد البيت الأبيض بأن الولاياتالمتحدة تصرفت وفق قوانين النزاعات المسلحة لحماية البلاد من العصابات التي "تحاول جلب السموم إلى شواطئنا... وتدمير حياة الأمريكيين". ويرجح خبراء في مكافحة المخدرات أن فنزويلا تُعد لاعباً ثانوياً نسبياً في تجارة المخدرات العالمية، إذ تعمل أساساً كدولة عبور تُهرب عبرها مخدرات أُنتجت في أماكن أخرى. أما جارتها كولومبيا، فهي أكبر منتج للكوكايين في العالم، لكن يُعتقد أن معظم هذا الكوكايين يدخل الولاياتالمتحدة عبر طرق أخرى، وليس عبر فنزويلا، وفقاً للخبراء. وبحسب تقرير صادر عن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية عام 2020، فإن ما يقرب من ثلاثة أرباع الكوكايين الذي يصل إلى الولاياتالمتحدة يُهرب عبر المحيط الهادئ، بينما تصل نسبة صغيرة فقط عبر قوارب سريعة في منطقة الكاريبي. ورغم أن معظم الضربات الأمريكية في البداية كانت في منطقة الكاريبي، فإن الضربات الأخيرة تركزت بشكل أكبر في المحيط الهادئ. وفي شتنبر الماضي، قال ترامب للقادة العسكريين الأمريكيين إن القوارب المستهدفة "مكدّسة بأكياس من مسحوق أبيض، أغلبه فنتانيل ومخدرات أخرى أيضاً". ويُعد الفنتانيل مخدراً اصطناعياً أقوى من الهيروين بنحو 50 مرة، وأصبح السبب الرئيسي لوفيات الجرعات الزائدة من المواد المخدرة في الولاياتالمتحدة. وفي 15 دجنبر، وقع ترامب أمرا تنفيذيا يصنف الفنتانيل على أنه "سلاح دمار شامل"، معتبراً أنه "أقرب إلى سلاح كيميائي منه إلى مخدر". ومع ذلك، يستمر إنتاج الفنتانيل على نطاق واسع في المكسيك، ويصل إلى الولاياتالمتحدة بشكل شبه حصري عبر الحدود الجنوبية براً. ولا تعتبر فنزويلا كدولة منشأ للفنتانيل المهرب إلى الولاياتالمتحدة في تقييم تهديد المخدرات الوطني لعام 2025 الصادر عن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية. حجم صادرات فنزويلا من النفط، ومن يشتريه؟ يمثل النفط المصدر الرئيسي للإيرادات الخارجية لحكومة مادورو، إذ تمول أرباحه أكثر من نصف ميزانية الحكومة. وتُصدر فنزويلا حالياً نحو 900 ألف برميل يومياً، وتُعد الصين أكبر مشترٍ بفارق كبير عن غيرها من مستوردي النفط الفنزويلي. ورغم إشارة تقييم أمريكي إلى أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفطي مثبت في العالم، لكن يؤكد ذلك التقييم أنها لا تستغل هذا الاحتياطي بالشكل الكافي. وبلغ إنتاج فنزويلا من النفط في 2023 ما يُقدر بنحو 0.8 في المئة فقط من الإنتاج العالمي، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وذلك بسبب تحديات فنية ومالية. وبعد الإعلان عن احتجاز الناقلة التي تحمل نفطاً من فنزويلا، قال ترامب لوسائل إعلام "أعتقد أننا قد نحتفظ بالنفط". ونفت الولاياتالمتحدة في وقتٍ سابق اتهامات فنزويلا بأن الإجراءات المتخذة ضد حكومة مادورو تهدف إلى الحصول على حق الوصول إلى احتياطيات البلاد غير المستغلة. وفي الوقت الذي تقول الولاياتالمتحدةالأمريكية، إن الهدف من هذا الهجوم العسكري واسع النطاق ضد فنزويلا، هو الحد من تهريب المخدرات والبشر إلى أراضيها، ذهبت بعض الأقوال إلى أن الهدف من الانتشار العسكري، هو الإطاحة بالرئيس الفنزولي نيكولاس مادورو والاستيلاء على بلاده، من خلال سيناريو يقوم على دفع بعض المعارضة الفنزولية للنزول الى الشارع، والمطالبة بتغيير السياسة المعادية للولايات المتحدة، والتعاون معها في وقف عمليات تهريب المخدرات، ثم إثارة الاضطرابات في داخل فنزويلا بشكل كبير، وصولا إلى إسقاط النظام السياسي بمساعدة واشنطن، ومن دون الدخول في حالة حرب. وتستند هذه الأقوال إلى بعض التصريحات الأمريكية، التي تعتبر أن فنزويلا تقوم بكل ما يزعج الولاياتالمتحدة، وأنها تموضعت بوضع معادٍ لواشنطن، ودخلت في أحلاف واتفاقات مع دول معادية للولايات المتحدة، ولا يظهر أي تغيير ملموس لهذا التوجه، وعليه فقد حان الوقت لمزيد من الضغط لدفع الشعب الفنزولي لإسقاط النظام.
ويرى مراقبون، أن هناك عوامل جيوسياسية هي المُحرك للتوجه الترامبي ضد فنزويلا، معتبرين أن الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم منخرطة في حرب باردة مع الصين، وهذه الأخيرة لديها علاقات قوية مع فنزويلا، كما أن هناك ما يشبه التحالف الصيني الروسي في التعامل مع دول أمريكا اللاتينية، كذلك تأتي علاقة فنزويلا وإيران عاملا آخر، ولكن يبدو أن العامل الأهم في هذا التحرك الأمريكي ضد فنزويلا هو المعادن الثمينة. فترامب يرى أنه يجب الحصول على هذه المعادن أينما وُجدت، كي يتخلص من المساومة الصينية في هذا الجانب.