تشكيل "ليغ 1" المثالي يضم حكيمي    تعاون إسباني برتغالي يُحبط تهريب 3.7 طن من الحشيش انطلقت من شمال المغرب    ترامب يصف الحرب على غزة بالوحشية.. ويعتبر إطلاق سراح أسير أمريكي لدى "حماس" "بادرة حسن نية"    (ملخص).. برشلونة يقترب من لقب الدوري الإسباني بتغلبه على ريال مدريد في الكلاسيكو    بهذا السيناريو ودعت المغرب التطواني البطولة الاحترافية بعد هزيمة قاسية أمام شباب السوالم … !    أميركا والصين تتوصلان لاتفاق بشأن النزاع حول الرسوم الجمركية    أسبوع القفطان يحتفي بالصحراء المغربية ويكرس المملكة كمرجع عالمي للقفطان    الدعوة من العيون لتأسيس نهضة فكرية وتنموية في إفريقيا    لكوس القصر الكبير يتوج بلقب البطولة الوطنية لكرة القدم داخل القاعة    رسمياً.. المغرب التطواني إلى القسم الوطني الثاني    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة(فيديو)    لتخفيف الضغط.. برلماني يطالب ببناء مجمع سكني للعاملين بميناء طنجة المتوسط    جريمة "قتل سيسيه" تنبه الفرنسيين إلى ارتفاع منسوب الكراهية ضد المسلمين    موانئ المغرب تحظى بإشادة إسبانية    بوصوف: رؤية الملك محمد السادس للسياسة الإفريقية تنشد التكامل والتنمية    الدرك يُطيح بمروجَين للمخدرات الصلبة بضواحي العرائش    "منتخب U20" يجهز للقاء سيراليون    إيغامان يساهم في فوز عريض لرينجرز    عيدي يوثق الحضور المغربي بأمريكا    شبهات في صناعة قوارب الصيد التقليدي بمدينة العرائش: زيادات في المقاسات وتجاوزات قانونية تحت غطاء "باك صاحبي"!    مجلس ‬المنافسة ‬يكشف ‬تلاعبا ‬في ‬أسعار ‬السردين ‬الصناعي ‬    الحكومة الفرنسية: العلاقات مع الجزائر "مجمدة تماما" وقد نجري عقوبات جديدة    تاراغونا- كتالونيا مهرجان المغرب جسر لتعزيز الروابط الثقافية بين المملكتين بحضور السفيرة السيدة كريمة بنيعيش    الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو في الأقاليم الجنوبية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    خطأ غامض يُفعّل زلاجات طائرة لارام.. وتكلفة إعادتها لوضعها الطبيعي قد تتجاوز 30 مليون سنتيم    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    زيلينسكي: روسيا تدرس إنهاء الحرب    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حبيب المالكي ونرجس الرغاي يتحدثان عن التناوب من الداخل (17) .. لايتم اللجوء للأحزاب إلا عند اشتداد الأزمات

الكتابُ الذي ننشر ترجمته الكاملة إلى العربية هو- كما أراد له صاحباه (حبيب المالكي ونرجس الرغاي)- ثمرةَ لقاء. لقاء ما بين رجل سياسة وبيْن إعلامية: الأوّل يريد أنْ يقدّم شهادة، والثانية تريد أنْ تفهم.
ليس من عادة رجال السياسة أنْ يقدّموا شهاداتهم. قليلون جدا هُم الذين يَقبلون الانصراف إلى تمْرين تقديم الشهادة. ورَغم ذلك، فإنّ تاريخ المغرب المعاصر بإمكانه أن يشكّل تمرينا جيدا للشهادة. فمنذ مستهل التسعينيات، طوى المغرب صفحات مصالحة لم تكن دائما هادئة. إنها مادة رائعة أمام المُنقّبين الذين يرغبون في الذهاب أبعد من الطابع الآنيّ للمعلومةّّّ!
كما أنّ هذا الكتاب هو كذلك ثمرة رغبة ملحّة في الفهم، فهم هذا الحُلم المقطوع المتمثّل في التناوب التوافقي الذي دشّنه الوزير الأول السابق المنتمي إلى اليسار، عبد الرحمان اليوسفي. وهو أيضا رغبة في فهم ذلك الإحساس بالطَّعْم غير المكتمل للتناوب الديمقراطي.
} الأستاذ حبيب المالكي، انتهتْ سنة 2010 بالأحداث التي عرفتها مدينة العيون، التي كان لها دويّ الرّعد على المغرب، وعلى المشهد السياسي المغربي. ما هي الدّروس التي تستخلصها من هذه الأحداث، باعتبارك فاعلا سياسيا؟
يجب التذكير أوّلا بكوْن الوحدة الترابية هي من بين الثوابت المقدّسة للأمة. ولا بدّ من التأكيد أيضا وخصوصا على أن المغرب قد عرف، على الصعيد التاريخي، اجتزاءً ترابيًّا طيلة الفترات التي خضع خلالها للاستعمار وقد كان الهدف هو اقتلاع المغرب من جذوره الصحراوية. وكانت بعض الواقعية قد هيْمنت على المفاوضات من أجل منح الاستقلال فيما بين سنتَيْ 1955 و 1956. غير أنّ الأمر، من النّاحية الترابية كان يتعلق باستقلال غير مُكْتَمل. ذلك أنّ «حصى» كثيرا بقيَ داخل الحذاء المغربي، ومنْ ثَمّ ظلّ يَعُوق حركة السيْر العادي للبلاد.
وعلى صعيد آخر، من الأهمّية التذكير بأنّ الجزائر تبقى، على مستوى قادتها، خَصْما سياسيا لذودا للمغرب. إنّ جارَنا الشرقيّ هو بكلّ تأكيد سجينُ حسابات جيو- سياسية موروثة عن الحرْب الباردة. إنّ بيسمارك ألمانيّ وأوروبيّ، وليس لا جزائريا ولا مغربيا، بقدر ما ينتمي إلى تاريخ أوروبا. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإنّ مشروع «الرّور» ينتمي إلى نموذج تنمويّ جدّ متجاوز. مثل هذه الرؤية لا يمكن نقلها إذنْ إلى منطقة أو داخل منطقة توحّدها الثقافة واللغات والمعتقدات والتقاليد، والتي لها تحدّيات مشتركة.
ولابُدّ منْ إضافة أنّ المكتسبات التي حقّقها المغرب، عبْر استرْجاع أقاليمه الجنوبية، وبصفة خاصة منذ المسيرة الخضراء سنة 1975، قد رسّخت مفهوم الدولة / الوطن. بلْ أكثر من ذلك، إنّ هذه الخطوة على درْب إعادة توحيد المغرب، قدْ فتحت البابَ أمام دينامية سياسيّة ذات رهانات استراتيجية. فَمَغْرب اليوم، الذي هو قيْد التشكل، يختلف اختلافا جذْريّا عن مغرب ما قبل 1975 . فهذه التجربة الديمقراطية الجديدة بدَوَراتها، هي التي تحكّمت في تقوية الجبهة الداخلية، من خلال السّعْي إلى إقامة مؤَسّسات تمثيلية قويّة. ويُعتبر اختيار الاستقلالية الداخليّة مُنْعَطفا داخل هذا المسار، غير أنه لمْ تصاحبه للأسَف حَكَامة جديدة.
} ماذا تقصد بالضّبط بحكامة جديدة؟ هل أنتَ بصدد القول بأنّ الحداثة السياسية لمْ تتمكّن بعد من الدخول إلى التراب الصحراوي؟
هذا صحيحٌ تماما. ذلك أنّ البنيات القَبَليّة تظلّ عاملا مُعيقا بالنسبة للمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعرفها الأقاليم الصحراوية. لقد صارت القَبَليّة إكراها كبيرا، بلْ حدًّا في وجْه هذه الدينامية. ينبغي للحداثة السياسية، حتّى وإنْ أخذتْ الخصوصيات في الاعتبار، أنْ تستهدفَ خَلْق كيان متماسك ومنسجم لا يجعل منَ القَبَلية مَرْجعا، وموجّها للنزاعات، وعاملا متحكّما في إعادة توْزيع السلطة.
} وإلى أي حدّ كانت الطبقة السّياسية معنيّة بالأحداث التي جرتْ بمدينة العيون؟
لقدْ كانتْ هزّة عنيفة جدّاً لمْ تَنْته موجاتُ صدمتها بعدُ. وذلكَ لأنه وراءَ ضرورة إقامة حكامة جديدة، يلزمُ توسيعُ مفهوم الأمْن ليشْمَلَ ضرورة تأمين المواطنين اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا. غير أنّ هذه المقاربةَ الجديدةَ للأمْن، بالمعنى الشُّمولي للكلمة، لا يمكن أنْ يتحقق على أساس قَبَلي، فضْلا عنْ حُدوث تحوّلات اجتماعية جدّ قوية داخل الأقاليم الجنوبية، أفرزتْ أجيالاً جديدة من الصّحراويين. وهذا الشباب الصحراوي لهُ تطلّعات ديمقراطية حديثة، وله حاجيات ومرجعيات تقطع مع مَنْ يكبُرهم.
ينبغي التحرّر من النزعة القَبَلية من أجْل إقرار الوحدة الوطنية. ومن هذا المنظور، فإنّ دور هذه الأجيال الجديدة يعدّ أساسيا.
} هل يمكن لحزب سياسيّ ما أن يتجَذّرَ في الصحراء بعد 35 سنة من التدْبير الأمني؟ هلْ تغيّرت الأمور اليوم بالنسبة للفاعلين السياسيين؟
على الصعيد السياسي، وإلى حدود الثمانينيات وبداية التسعينيات، كانت الأقاليم الجنوبية تعدُّ نوعا من «منطقة محايدة» بالنسبة للأحزاب السياسية. وهذا نقص لا تزال آثاره السلبية موجودة. وخلال هذه السنوات العشر الأخيرة، قامت الأحزاب السياسية بنشاط متواصل من أجل استدراك النقص فقط، أكثر مما تعلق الأمر بتجذُّر. ولعل هذا هو السبب الذي يتعين من أجله من بين ما يتعين (وفي إطار هذه الحكامة الجديدة) مضاعفة فضاءات النقاش، وتوفير أكبر عدد من الشروط للتنظيم من الناحية السياسية داخل المجتمع المدني، وإعطاء الكلمة إلى الأجيال الجديدة التي تُبَرْهنُ على وجود وعْي سياسيّ حادّ لديها. ففي ضوء التعلق بالدولة-الوطن، يمكن لهذه الأجيال الجديدة بالمغرب أنْ تكون حقا بذْرة لصحراء مغربية جدّ مندمجة، لكنْ منخرطة في دينامية التحديث الشامل.
} تتحدث عن فضاء النقاش في الصحراء. هل يخيفك انفصاليُو الداخل؟ أو بالعكس كانَ ينبغي فتح حوار مع هذه الأصوات الانفصالية؟
الحوار مفتوح مع أولئك الذين ليست لهم أية تمثيلية على الصعيد الدبلوماسي، عبْر جميع الاجتماعات غير الرسمية التي يشارك فيها المغرب...
} كنتُ أتحدث عن انفصاليّي الداخل.
إنّ النزعة الانفصالية في الداخل هي حساسيّةٌ أكثر مما هي اختيار أو قناعة. فغياب الحوار والنزْعة القَبَليّة السائدة، يُغذّيان ذلك الشعورَ بالإقْصاء الذي يعرفه عدد كبير من الشباب الصَّحراوي. ويبدو لي أنّ الوسيلةَ الناجعةَ تكمن في استعادة الثقة. وهي لا يمكن أن تتحقق إلا على أساس الحوار. حوار قائم على تكافؤ الفرص، حوار مُطَمْئن، أي حوار يسمح لهم بالتمتُّع بمواطنتهم كاملة.
} بعد أحداث العيون، تم اتخاذ قرارات ضدّ المغرب. أفكّر بالخصوص في قرار البرلمان الأوربي، وفي قرار البرلمان الإسباني. وقد وُجّهَ اللوْم إلى الأحزاب السياسية لكونها لم تكنْ حاضرة على الجبهة الدولية، ولكونها لمْ تلعب دور الدّبلوماسية الحزبية، وبكونها استقالتْ من هذا الملف. هل نحن إزاء محاكمة سيئة للأحزاب؟ وإلى أيّ حدّ كانت للأحزاب علاقة بتدبير ملف الصحراء ؟
لقد صارت الأحزاب السياسية، منذ سنوات، أكباش فداء. فكلما وَقَعَ مشكل على مستوى الانتخابات، والتعبئة، والتراجُع الدّوْريّ الذي تعرفه من حين لآخر قضيتنا الوطنية على الصعيد الدولي، كلما تمّ استهداف الأحزاب. وهذه محاكمة سهلة!
وهذه عملية خطيرة. لأنّ توجيه الاتهام باستمرار إلى أحزاب سياسية مُعترف بها من طرف الدستور، والتي تلعب دوْر تأطير المواطن، هو الذي يؤدّْي (وهذا هو الواقع اليوم) إلى أزْمة ثقة. لقد باتت لدى المواطن المغربي، بفعل الطابع المتكرّر لهذه الاتهامات، رؤية سلبية جدا عن السياسة وعن الفاعلين السياسييّن. وبالتالي يجب وضع حدّ لمثل هذا السلوك الذي تغذّيه دوائر تقاوم عملية التحديث السياسي للبلاد. فلا يمكن تحديث البلاد إلا بالديمقراطية، والديمقراطية بدون أحزاب سياسية تنتمي إلى الطوباوية الرّديئة.
ورغم هذا، فإنه لا ينبغي إعطاء صورة درامية عن الوضع. إنّ موقف البرلمانين الأوروبي والإسباني هو موقف ثابت. ينبغي، بالعكس، استخلاص العبَر منه، وبالتالي إعادة تحديد استراتيجيتنا بأبعاد متعددة من أجل الوصول إلى الرأي العام في أوروبا، وفي إسبانيا على الخصوص. فنحن لا نتوفر إلى حدود اليوم على استراتيجية شمولية، ذات بعد رسمي، وبعد غير رسمي، مع توفر رؤية واضحة، وأهداف ووسائل.
وإسبانيا ليست بلدا عاديا بالنسبة للمغرب. فنحن نتوفر على ذاكرة جماعية. ومن الضروري الاشتغال العميق على الذاكرة الجماعية من أجل نزع السمة الاستعمارية عنها. إن الكليشيهات والمواقف تجاه المغرب والمغاربة تعود إلى مقاربة سائدة داخل المجتمع الإسباني. وهذه الرؤية تنقلها بقوة مقررات التاريخ في اسبانيا.
وبالموازاة مع هذا، يجب العمل على استعادة الرأي العامّ الإسباني وكسبه، وذلك بالانخراط بقوة في قلب المجتمع المدني، وداخل كلّ الأوساط المؤثرة بشكل فعّال في الرأي العام بإسبانيا. كما سيكون من الحكمة تمكين الأحزاب السياسية من الوسائل الضرورية لإشراكها في وضع وتطبيق هذه الاستراتيجية الجديدة. فالأحزاب السياسية لا يمكنها أن تضطلع بدور فعال من خلال الأزمات، فالنتائج ستبقى دوما جد محدودة .
} بعبارة أخرى، لا يتم اللجوء للأحزاب إلا عند اشتداد الأزَمَات.
تماما، وهذا النوع من التعاطي هو الذي يفسّر لماذا يخامرنا إحساس بالمراوحة في نفس المكان، وإعادة ما تمّ إنجازه في الماضي.
من الضّروريّ التحلي برُؤْية جديدة، واستراتيجية جديدة، وانخراط الأحزاب السياسية بقوة أكثر، لكن داخل منطق الاستمرارية.
} هلْ تطرحُ إذن أن يكون رئيس الدبلوماسية من بين السياسيين، علما أن السياسة الخارجية تبقى مجالا محتكرا من طرف رئيس الدولة؟
الحكومة السياسية لا تسمح بقاعدة الاستثناءات. فهي تنخرط داخل منطق يجب القبول بكل تبعاته. ينبغي على رئيس الدبلوماسية المنتمي إلى حزب سياسي أن يخضع للمحاسبة. ويمكن لهذه التجربة أن تشكل، بكل تأكيد، عنصرا في هذه الاستراتيجية الجديدة.
} هل هذا يعني أن ثقافة المحاسبة في طريقها للترسخ في المغرب؟ هل هي مسألة حتمية؟ أم على العكس من ذلك، فأيام عدم المساءلة لازالت طويلة؟
إن دولة الحق والقانون تقوم على مبادئ القانون، أي المراقبة والمسؤولية والمحاسبة. فدولة القانون تعاقب بصيغة أو بأخرى.
هذه الثقافة الجديدة، التي يحاول المغرب ترسيخها بشكل تدريجي، وفي ظروف صعْبة، يجب أنْ تشكل قاعدة في التعامل في جميع المجالات.
} تقولُ إنّ الأمورَ صعبة، بل تزداد صعوبة. فخلال الأسابيع الأولى لسنة 2011 أعطى عالم السياسييّن الضيق نفس الانطباع بالتعبير عن قلقه إزاء مستقبل الديمقراطية في المغرب؟ هل أنت من بين الذين يعتبرون أن الديمقراطية معرّضة
للخطر اليوم؟
لا يجب أن تُرْفَق السياسة بنظرة تشاؤمية، لأنها ستكون في هذه الحال سياسة- مضادة. فالمغرب يراكم عدة مكتسبات في العديد من المجالات، ولكنه لا يتنفس بملء رئتيْه. إنّ رئةّ السياسة في حاجة إلى مزيد من الأوكسجين، من خلال جيل جديد من الإصلاحات حتى يتمكن من إعادة الثقة أكثر، وفتح آفاق جديدة. فما عشناه خلال 2010 أدى إلى نفور شديد للمواطن من كل ما يمتّ للسياسة بصلة بالمغرب. إنّ هناك أزمة قيم وأزمة أخلاق. هناك ضباب لأنّ الرؤية محدودة. فالفاعلون السياسيون لا يحترمون قواعد اللعب التي تشكل المبدأ الأساسي للديمقراطية، وهذا كله يخلق التباسا كبيرا، خصوصا وأننا مقبلون على استحقاقات مهمة في 2012.
} ستشكل 2012 محكّا لمستقبل المغرب.
أعتقد أنّ 2012 ستكون ساعة الحقيقة. فإمّا سيتم الاتفاق على قواعد اللعب الواجب احترامها من طرف كل الفاعلين لتجاوز ضبط الحياة السياسية، وإما ستكون العواقب وخيمة والثمن غاليا بالنسبة للجميع.
} هل حانَ الوقت للتفكير في تعاقد جديد بين المَلَكيّة والأحزاب السياسية؟
سبق وأنْ أكدنا أن التاريخ يعلمنا أن الإصلاحات التي تمس تنظيم المجتمع والحياة السياسية على وجه الخصوص يجب أن تكون محط اتفاق بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية. وهذا درس أساسي في تاريخ المغرب، حيث الإصلاحات لا تخضع لميزان قوة ما. لا يمكن للإصلاحات إلا أن تقوم على مبدأ الثقة واحترام جميع الأطراف لقواعد اللعب.
فالكلّ واع بضرورة الإصلاح، لكنّ الخلاف يمكن في توقيته. فنحنُ في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نعتقد أنه من الضروري القيام بإصلاحات نوعية أساسية في المجالين السياسي والدستوري قبل 2012.
} الأستاذ حبيب المالكي، ما هي في رأيكَ الإجراءات المستعجلة في المجالين
الدستوري والسياسي؟
أنْ تتوصّل الأحزاب السياسية إلى اتفاق حول قواعد اللعبة...
} ولكن ألا يهمّ احترام قواعد اللعبة الأحزاب السياسية فقط؟
إن المؤسسة المَلَكيّة هي الضّامن لهذه القواعد: تخليق الحياة السياسية، ضمان تكافؤ الفرص، إضفاءُ مصداقية للانتماء إلى كلّ تشكيلة سياسية معترف بها، تقوية الصلاحيات المخوّلة لمؤسسات الدستورية، وهي الحكومة والبرلمان بوجه خاص. باختصار، ينبغي أن يشعر المواطن المغربي بأنّ الساحة السياسية وفاعليها يمارسون بشفافية، وفي إطار منافسة شريفة وبدون أفضلية. فبمجرد ما يحس المواطن المغربي بأن القواعد مغشوشة، وبأن هناك تفضيلات، فإنه سيقع انحباس. والانحباس معناه التراجع.
البناءُ الديمقراطي يظلّ حاليا غير مكتمل في بلادنا.
إنه مسلسل، ولدينا مكتسبات وتراكم. ولكن يجب بلوغ نقطة اللاعودة لخلْق مساحات جديدة للبناء الديمقراطي.
} هل اجتاز المغرب عنقَ الزجاجة أمْ ليْس بعدُ؟
هناك أخذ وردّ، وعلينا أن نصل إلى عتبة اللارجوع بصفة نهائية.
بعد ثورة الياسمين في تونس، بدأت رياح الاحتجاج تهبّ على المغرب العربي والعالم العربي. فالشارع يتظاهر يطالب بدمقرطة الحياة العامة، ويطالب بالتغيير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.