أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    ساكنة فاس تعاقب بنكيران وتمنح أصواتها لحزب الأحرار في الانتخابات الجزئية    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    إساءات عنصرية ضد نجم المنتخب المغربي    ظهور حيوان "الوشق" المفترس بغابة السلوقية يثير استنفار سلطات طنجة    توقيف 5 أشخاص بأكادير يشتبه تورطهم في الاتجار في المخدرات    طنجة .. ضبط مشتبه به بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية والتلاعب بالبيانات الرقمية    الموت يفجع الفنانة شيماء عبد العزيز    النفط يرتفع بعد انخفاض غير متوقع في مخزونات الخام الأمريكية    أساتذة جامعة ابن زهر يرفضون إجراءات وزارة التعليم العالي في حق طلبة الطب    المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب ( 2024 ) : انفتاح سوق الاتحاد الأوروبي على استوراد العسل المغربي    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    للمرة الثانية فيومين.. الخارجية الروسية استقبلات سفير الدزاير وهدرو على نزاع الصحرا    هل تحول الاتحاد المغاربي إلى اتحاد جزائري؟    شركة Foundever تفتتح منشأة جديدة في الرباط    طقس الأربعاء... أجواء حارة نسبيا في عدد من الجهات    إقليم فجيج/تنمية بشرية.. برمجة 49 مشروعا بأزيد من 32 مليون درهم برسم 2024    تفكيك عصابة فمراكش متخصصة فكريساج الموطورات    بنموسى…جميع الأقسام الدراسية سيتم تجهيزها مستقبلا بركن للمطالعة    نوفلار تطلق رسميا خطها الجديد الدار البيضاء – تونس    تنامي الغضب الطلابي داخل أمريكا ضد "حرب الإبادة" في فلسطين ودعوات لإستدعاء الحرس الوطني للتصدي للمتظاهرين    "إل إسبانيول": أجهزة الأمن البلجيكية غادي تعين ضابط اتصال استخباراتي ف المغرب وها علاش    جمعية أصدقاء محمد الجم للمسرح تكشف عن تفاصيل الدورة الثالثة للمهرجان الوطني لمسرح الشباب    تخفيضات استثنائية.. العربية للطيران تعلن عن تذاكر تبدأ من 259 درهما على 150 ألف مقعد    إسرائيل تكثف ضرباتها في غزة وتأمر بعمليات إخلاء جديدة بشمال القطاع    ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟    الكونغرس يقر مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك ب "الملياردير المتغطرس"    ما حقيقة المقابر الجماعية في مجمع ناصر الطبي؟    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    نانسي بيلوسي وصفات نتنياهو بالعقبة للي واقفة قدام السلام.. وطلبات منو الاستقالة    الصين تدرس مراجعة قانون مكافحة غسيل الأموال    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    الولايات المتحدة.. مصرع شخصين إثر تحطم طائرة شحن في ألاسكا    إيلا كذب عليك عرفي راكي خايبة.. دراسة: الدراري مكيكذبوش مللي كي كونو يهضرو مع بنت زوينة        لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    موقف بركان قوي واتحاد العاصمة ضعيف وها الأحكام اللي يقدر يصدرها الكاف فقضية الغاء الماتش بسبب حماق الكابرانات    "الأحرار" يحسم الاقتراع الجزئي بفاس    رحيمي والعين قصاو بونو والهلال وتأهلو لفينال شومبيونزليگ    لومبارت كوساك : الفلاحة .. العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "غنية جدا"    المنتخب الجزائري لكرة اليد شبان ينسحب من مواجهة المغرب بسبب خريطة المملكة    إليك أبرز أمراض فصل الربيع وكيفية الوقاية منها    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتبت موضوعاً عن قضية «تيمورالشرقية» وسمعت أنه أثار استياء الحسن الثاني
بداية سيئة للغاية مع الطيب الصديقي وفوجئت عندما أورد اسمي في إحدى مسرحياته
نشر في المساء يوم 16 - 08 - 2010


الحلقة السابعة :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب.
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]


وماذا عن عبد الله البقالي، الذي يشغل حاليا منصب رئيس تحرير «العلم». هل كان يتردد على الجريدة أثناء اشتغالك فيها؟
-حتى غادرت «العلم» لم يكن عبد الله البقالي جزءًا من هيئة التحرير. المؤكد أنه كان يافعاً في تلك الفترة، وعلمت فيما بعد أنه كان طالبا استقلاليا ذهب إلى تونس لدراسة الصحافة. أتذكر أنه في إطار زيادة عدد المحررين، انضم إلى التحرير محمد الأحسايني وأحمد الطاهري، رحمه الله، وعمر الدركولي، ثم لاحقاً حمادي الغاري والبشير الزياني، لكن البقالي لم يأت إلى الصحيفة إلا بعد أن غادرتها.
ما هي حكاية مفتشي الحزب مع الجريدة؟
-الشيء اللافت آنذاك هو الزيارات المتكررة لمفتشي الحزب للصحيفة. كانوا بالفعل بمثابة جهاز رقابة حقيقي على الخط التحريري، الذي ينبغي أن تسير عليه «العلم»، إذ كانوا يترددون باستمرار على مقرها لإبداء ملاحظاتهم للمحررين وتحديد بعض المواضيع التي ينبغي أن تولى لها أهمية خاصة، وهي مواضيع غالبا ما تكون في خدمة الأجندة السياسية للحزب. كان بعضهم يقطع مسافات طويلة ويتكبد عناء رحلة شاقة من مدن بعيدة ليزور مقر الصحيفة في الرباط من أجل نشر نشاط نظمه فرع الحزب في تلك المدينة أو من أجل نشر تعزية في وفاة شخص قريب أو متعاطف مع الحزب.
كان ميمون الأزماني محرر صفحة المراسلات يخوض معارك كثيرة مع مفتشي الحزب، إذ كان كل واحد منهم يريد أن تكون أخبار منطقته أو مدينته حاضرة وبارزة في الصحيفة. لذلك كان الأزماني دائما في حالة عراك مع أحد من هؤلاء المفتشين الاستقلاليين. ولم يكن يتحرج في العراك معهم لأنه استقلالي، ثم لعله كان يصعب عليه أن يدرج جميع أخبار المدن والأقاليم في صفحة أو صفحتين. كما أن بعض المفتشين كانوا يشترطون أن تنشر بعض الصور والمواد بحجم معين، وكانت هذه العملية غير ممكنة تقنيا لأن الصورة الأصلية تكون صغيرة الحجم وسيئة من ناحية الجودة، ولأن المفتش يصر على أن تنشر الصورة كما يريد، كان الأزماني يضطر أحيانا إلى إعادة تصوير الصورة الأصلية أكثر من مرة حتى تصبح جاهزة للنشر وفق الحجم المطلوب. كان ذلك يتطلب وقتاً، لأنه لم يكن هناك آنذاك جهاز سكانير، بل ماكينة تصوير كبيرة جداً وعتيقة على لوحات معدنية، وكانت هذه العملية تستغرق وقتاً وجهداً، ولهذا السبب كان الأزماني يبدو دائما مستاءً ومتوتراً. أما إذا حدث أن نسي نشر خبر ما بناء على رغبة أحد المفتشين، فإنه يتعرض لسيل من الانتقادات واللوم والعتاب. كان الأزماني، رحمه الله، عندما يفقد السيطرة على أعصابه يقول غاضباً «هذه مصيبة حقيقية. سأموت. لم يبقَ لي إلا يوم واحد في حياتي».
من الطرائف التي تحكى أن الأزماني كان يرمي هلالية فطوره في سلة المهملات ثم يعود للبحث عنها داخل سلة المهملات لالتهامها. ماهي وقائع هذه القصة؟
- (يضحك) سأحكي لك وقائع هذه المسألة كما كنت أعاينها مشهدا بمشهد. كان الأزماني يتناول كل صباح الفطور نفسه، أكيد قلة الامكانيات لم تكن تتيح سوى ذلك، كان فطوره، كما هو حالنا جميعاً، يتكون من كوب قهوة مع قليل من الحليب (قهوة مهرسة) وهلالية (كرواسة). كانت له، رحمه الله، طريقة عجيبة في تناول فطوره.
كان الأزماني يجلس خلف مكتبه، وهو غارق وسط ركام من أوراق المراسلات، التي تأتي من كل أنحاء المغرب. كانت مراسلات مكتوبة كلها بخط اليد ويصعب أحيانا فك بعض خطوطها. كان المسكين عندما يفشل في فهم كلمة أو جملة، يتنرفز، ويرشف رشفة من كوب القهوة، ثم يقضم قطعة من «الكرواسة» قبل أن يرميها في سلة المهملات، وبعد ذلك يحاول إعادة صياغة المادة، التي أمامه بقلم من نوع «بيك»، إلى حد أنه كان في الغالب ما يثقب الورقة من شدة النرفزة، والضغط على القلم. لكنه سرعان ما يعيد البحث في سلة المهملات عن «الكرواسة» من جديد ليقضم منها قطعة أخرى ويرشف رشفة من كوب القهوة ثم يرمي الكرواسة مرة أخرى في سلة المهملات، وهكذا دواليك.
يعيد الأزماني هذه العملية أكثر من مرة دون أن ينتبه إلى من حوله، إلى أن ينهي فطوره. وكان ذلك يستغرق وقتاً طويلا. كان مشهداً مضحكاً، ونحن نراه يبحث عن قطعة «الكرواسة» في سلة المهملات بين الفينة والأخرى، بل حتى طريقة لباسه وهندامه كانت عجيبة للغاية، إذ كان يرتدي عادة سروالا واسعا مثل سراويل شارلي شابلن. ولأن السروال كان واسعا، فقد كان دائما مشغولا بتعديله بشده بحزام جلدي بال.
وكان رحمه الله ينزعج كثيراً إذا ضحك أي من الزملاء من هذه التصرفات.
كان هذا السيناريو يتكرر كل صباح، وكانت تلك طريقته في تناول فطوره، وهي طريقة في منتهى السوريالية. كنت شخصيا أمزح مع الأزماني عندما يبدو لي متوتراً: «هون عليك يا سي ميمون، لو كانت شركة أقلام «بيك» عرفت ما سيحدث لهذا القلم لما صنعته»، ويرد علي دائما بهذه اللازمة: «هؤلاء المفتشون والمراسلون سيقتلوني يوما ما».
كان الأزماني محرراً ممتازاً يتوخى الدقة في عمله، لذلك تراه طوال اليوم في محنة حتى يحول مراسلات ركيكة الى مواد صحافية رشيقة.
كان العمل في صفحة المراسلات متعباً للغاية، كما أن هذه الصفحة كانت تتسبب أيضا في بعض المشاكل، سواء مع عبد الكريم غلاب أو العربي المساري، فأحيانا تنشر بعض الأخبار في الصفحة دون أن يكون المراسل متأكداً من صحة المعلومات، وأحيانا يتصل استقلالي من مدينة ما، ليحتج بشدة على مسؤولي الصحيفة لأنهم لم ينشروا خبرا حول نشاط حزبي أو قضية محلية تحظى باهتمام الحزب في تلك المدينة.
أتذكر أن مراسلا اتصل يوما بالأخ ميمون الأزماني، رحمه الله، ووجه له تهمة خطيرة، إذ قال له: «أنت تريد أن تخرب حزب الاستقلال». وكان مرد ذلك أن الأزماني لم ينشر مراسلة من مراسلات المراسل المعني بالأمر، فرد عليه الأزماني بعصبية شديدة «يا أخي لو كنت أعرف كيف أخربه حتى نرتاح من أمثالك لفعلت». كانت هذه الوقائع تجري أمام حكيم الصحيفة محجوب الصفريوي، وكان غالباً ما يسعى إلى تهدئة الأزماني.
وكيف كانت علاقتك بمفتشي الحزب؟
-على الرغم من الشكوى الدائمة للزميل الأزماني، رحمه الله، من أولئك المفتشين، كنت شخصياً أجد فائدة في الحديث معهم. كنت من خلالهم أعرف بعض مشاكل المدن والأقاليم، وكان يعجبني فيهم ذلك «الولاء الأعمى» لتاريخ ورموز حزب الاستقلال. كانوا يحرصون على أن يظل الحزب سائرا على الخط الذي رسمه له زعيمه الراحل علال الفاسي. وأذكر من هؤلاء المفتشين عبد الرحمن احجيرة، مفتش حزب الاستقلال في وجدة، كما أسلفت، ووالد الوزير توفيق احجيرة، الذي كان يعطف علي عطفاً خاصاً ودعاني أكثر من مرة إلى منزله بوجدة. كان هناك أيضاً عبد الله بارزي، وأظن أنه كان مفتش الحزب في الخميسات. كان شخصاً ودوداً ولطيفاً.
لماذا كان ممنوعا عليكم أن تجروا حوارات مع وزارء في أحزاب سياسية أخرى؟
-نعم هذا صحيح. كان عبد الكريم غلاب صاحب هذه التوجيهات، فقد كان يطلب على سبيل المثال ألا نكتب أي حرف عن حزب التجمع الوطني للأحرار على الرغم من أن الحزبين يشتركان في حكومة واحدة يرأسها أحمد عصمان رئيس الأحرار. وإضافة إلى التجمع الوطني للأحرار، كانت تعليمات غلاب تقضي أيضا ألا نكتب أي شيء له علاقة من قريب أو بعيد بأنشطة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خاصة أن «العداء» بين الاتحاديين والاستقلاليين في تلك الفترة كان في أوجه بعد قرار حزب الاستقلال الانتقال من المعارضة إلى المشاركة في الحكومة.
وماذا عن الدور الذي كانت تلعبه النقابة التابعة لحزب الاستقلال، وأقصد هنا الاتحاد العام للشغالين بالمغرب؟
- كان قياديو هذه النقابة الاستقلالية يترددون على مقر الصحيفة بانتظام، خاصة بعد احتفالات ومسيرات «فاتح ماي»، وكان نشر تقارير حول تلك المسيرات والاحتفالات يستمر أحياناً حتى يونيو.
لكن لابد من الإشارة هنا إلى أن الذي كان يهيمن على الساحة النقابية، في تلك الفترة، هو الاتحاد المغربي للشغل بزعامة المحجوب بن الصديق، وعندما تأسست الكونفدرالية الديمقراطية للشغل من طرف الاتحاديين، راحت تستقطب كثيرين. كانت النقابة الاستقلالية تسيطر على المصانع والمعامل الصغيرة وبعض المؤسسات في القطاع الخاص، وكان حزب الاستقلال إذا أراد أن ينظم تجمعاً جماهيرياً كبيراً يستعين بالنقابة لحشد الناس. كنت في بعض الأحيان أحضر تلك التجمعات، وكنت وما زلت معجباً بكلمات نشيد حزب الاستقلال الحماسي، الذي يبدأ بعبارة «الحرية جهادنا حتى نراها». كانت الأجواء التي تمر فيها احتفالات فاتح ماي في تلك الأيام غير الأجواء التي تمر فيها هذه الاحتفالات حالياً. أتذكر من بين شعارات الاتحاد العام للشغالين الطريفة شعاراً يقول: «الإنسان إنسان والدجاج دجاج»، في إشارة إلى أن العمال لا يمكن أن يعاملوا مثل الدجاج. عادة ما كانت مسيرة الاتحاد العام للشغالين تقف أمام العمارة التي فيها مكاتب «العلم» و«لوبنيون» في شارع علال بن عبد الله في الرباط، ويهتف المشاركون هتافاً ما زلت أتذكره يقول: «لوبنيون والعلم.. النضال بالقلم».
من هم الكتاب والمثقفون الذين كانوا يترددون على جريدة «العلم» أثناء اشتغالك فيها؟
- لم يكن الأمر على هذا النحو، بل كان معظم الكتاب والمثقفين يتواصلون مع الصحيفة عبر الرسائل. كان عبد الجبار السحيمي هو الذي يتكفل بمهمة التواصل معهم، لكني كنت بين الفينة والأخرى ألتقي بعض الكتاب، أذكر منهم خناتة بنونة وحسن الطريبق ومبارك الدريبي وأحمد مفدي. لكني لم ألتق في تلك الفترة بمقر الصحيفة أي كاتب من الأسماء المعروفة بانتمائها إلى الاتحاد الاشتراكي، إذ كانت الحساسية كبيرة، والخصومة السياسية والفكرية على أشدها.
ولماذا في نظرك كان هذا الانغلاق تجاه المثقفين الاتحاديين؟
-أعتقد أنه كان صعباً أن تكون الصحيفة منفتحة في مثل هذه الأمور، لأنها ناطقة باسم حزب الاستقلال، وهي الصحيفة الوحيدة التي كانت تكتب ذلك إلى جانب ترويستها. لم تكن «المحرر» تفعل ذلك، وحتى «لوبنيون» لم تكتب ذلك.
كانت «العلم» أيضا قبلة للعديد من المسرحيين.
-هذا صحيح، وكان «العلم الفني»، الذي يصدر يوم الأحد، يجد إقبالاً كبيراً، وربما وجود عبد الحق الزروالي في الصحيفة لعب أيضاً دوراً هاما. كان من بين الذين يزورون الصحيفة بانتظام المسرحي عبد القادر البدوي. لكن لم يحدث أن التقيت بالطيب الصديقي، ربما كان يزور «لوبنيون». المؤكد أنني لم ألتقه في «العلم» وكان أول لقاء لي به له حكاية تروى. ذات يوم وجدت الزميل عبد القادر شبيه في مقهى «باليما» بشارع محمد الخامس، وكان هو المقهى المفضل للصحافيين والكتاب والمثقفين والمبدعين في الرباط. كان شبيه يجلس مع الطيب الصديقي، فدعاني للجلوس معهما. كان الطيب الصديقي يضع أمامه كتاباً حول الخط ويشتمل على رسوماته. وعندما جلست، تناولت الكتاب من فوق الطاولة ورحت أتصفحه. كنت أشاهد الصور ولا أقرأ النصوص التي كتبت بالفرنسية. لم يتقبل الطيب الصديقي هذه الطريقة في تصفح الكتاب، ولم يكن يعرفني، فالتفت إلى شبيه وقال بطريقته الساخرة «من هو هذا الحمار الذي يتفرج على النصوص ويقرأ الصور؟». كاد شبيه يسقط على قفاه من الضحك، وقال له «هذا شاب سوداني يعمل محرراً في «العلم». كان رد الصديقي: «آه، فهمت، هذا شخص من أولئك الذين يسكنون في الغابات ومساكنهم عبارة عن شجرة، وإذا سألت أحدا عن عنوانه يقول لك إنه يسكن في الغابة الفلانية من الجهة اليسرى في الشجرة الخامسة على اليمين». لم يقف الصديقي عند هذا الحد من السخرية اللاذعة، وإنما أضاف ساخرا مرة أخرى وهو ينظر إلى عبد القادر شبيه «كم مدة لم يستحم هذا الأخ؟» ثم تابع سخريته: «هل فعلا صحيفة «العلم» كانت محتاجة إلى قرد مثل هذا؟».
وماذا كان ردك على الصديقي وأنت تستمع إلى هذه السخرية ؟
-لم أعقب ولو بكلمة، وهذا من عادتي عندما أسمع شتيمة أو كلاماً مسيئاً. ألتزم الصمت.
كان شبيه يضحك بشدة. والواقع أن تعليقات الطيب الصديقي، على الرغم من أنها كانت جارحة وعنصرية، فقد كانت فعلا ساخرة جداً. وانتهت تلك الجلسة على إيقاع سخريته اللاذعة. لكن هذه الواقعة ستكون مدخلاً إلى علاقة صداقة متينة جمعت بيني وبين الطيب الصديقي، ولازالت مستمرة إلى يوم الناس هذا. ذلك أن الصديقي سيقدم لي بعد تلك الواقعة بسنوات اعتذاراً علنياً بطريقته الخاصة أمام جمهور مسرح محمد الخامس في الرباط أثناء عرض مسرحيته «بديع الزمان الهمداني». كانت المسرحية تتضمن مقاطع يقول فيها الطيب الصديقي عبارات مثل: «هل عرفتم القعقاع بن المقفع؟ هل عرفتم زهير بن أبي سلمى؟ هل عرفتم امرأً القيس، وعمرو بن كلثوم؟» وهكذا راح يردد أسماء وازنة من التراث العربي. وقبل أن ينهي ذلك المقطع صاح قائلاً: «وهل عرفتم طلحة جبريل؟».
صحيح أني لم أحضر تلك المسرحية، لكن حضرها بعض الأصدقاء، الذين نقلوا لي الواقعة، وكيف أن الطيب الصديقي ذكر متعمداً اسمي في مسرحيته. وفعلا، اعتبرت هذا الأمر التفاتة جميلة من الطيب الصديقي، بل تلقيت هذه الحكاية باعتزاز كبير، لأنه ليس بالأمر الهين أن يذكر الطيب الصديقي اسم صحافي في بداية مشواره المهني أمام جمهور عريض في مسرحية من مسرحياته التي طبقت شهرتها الآفاق. ولازال الصديقي يتذكر هذه الواقعة جيداً كلما التقيته. المؤكد أنني أكن له تقديراً ومودة، وهو يبادلني الشعور نفسه، وربطت بيننا علاقة صداقة متينة وقوية.
كنت أحضر أيضا مسرحيات عبد القادر البدوي، التي كانت تعرض في مسرح محمد الخامس، وكنت أنشر حولها بعض الانطباعات في«العلم»، وأذكر من بينها مسرحيته ذائعة الصيت «رأس الدرب». من خلال «العلم» كذلك ارتبطت بعلاقة وطيدة مع الكاتبة خناتة بنونة، وهي تنتمي إلى حزب الاستقلال. كتبت مرة عن مجموعتها «النار والاختيار»، ونال ذلك المقال إعجابها، فجاءت من الدار البيضاء إلى الرباط لتتعرف على هذا المحرر الذي كتب ذلك الموضوع، وكانت تعمل وقتها مديرة «ثانوية الخنساء»، فتوطدت علاقتنا أكثر ودعتني إلى بيتها في إحدى المناسبات.
وماذا عن النساء القياديات في حزب الاستقلال؟ هل كان لهن حضور في تلك الفترة؟
- لم يكن للنساء الاستقلاليات حضور لافت إذا استثنينا الروائية خناتة بنونة، التي كان الجميع يعرفها، ومليكة العاصمي، وبالطبع زهور الأزرق، رحمها الله، التي كانت فعلا امرأة قوية داخل الحزب وتحظى باحترام كبير وسط الاستقلاليين، وكانت عضواً في اللجنة التنفيذية. بيد أن المرأة الاستقلالية لم يكن لها حضور قوي في تلك الفترة داخل الحزب، وهنا أتحدث عن آواخر السبعينات وبداية الثمانينات. عندما نلاحظ اليوم أن لطيفة بناني اسميرس ترأس الفريق البرلماني لحزب الاستقلال في مجلس النواب سندرك أن هناك تغييراً كبيراً قد 
حدث.
وكيف كانت جريدة «العلم» تتعامل مع الأنشطة الملكية؟
- حظيت الأنشطة الملكية دائماً باهتمام الصحيفة، وكانت الخطب الملكية تنشر كاملة على صفحاتها، لكن لا يمكن لي أن أعرف خبابا مثل هذه الأمور، التي كانت تحاط بنوع من الكتمان، ثم لا ينبغي أن ننسى أني كنت حينها محرراً مبتدئا ولا يمكن أن أقترب من قضايا لها حساسية خاصة تهم الوضع الداخلي للمغرب. كان اهتمامي مركزا على القضايا الخارجية، لكن سأعرف أن الراحل الحسن الثاني كان يهتم كثيرا بما ينشر في «العلم»، إذ عندما نشرت، كما أسلفت، موضوعاً في صفحة «آفاق دولية» حول «تيمور الشرقية» الراغبة في تنظيم استفتاء يقود إلى الانفصال عن أندونيسيا، أخبرني العربي المساري أن الصحيفة توصلت باحتجاج من جهات لم يسمها، وفهمت فيما بعد من هذه الإشارة أن محيط الراحل السحن الثاني اعتبر أن نشر مقال حول «تيمور الشرقية» مسألة محرجة، لأنه نشر في «العلم» الناطقة باسم حزب الاستقلال، الذي يقود أمينه العام امحمد بوستة الديبلوماسية المغربية، وفي تقديرهم فربما يستغل ذلك من طرف دعاة أطروحة الانفصال في الصحراء المغربية.
ويبدو أن الأمور في هذه القضية تعقدت أكثر، ووصلت إلى حد أن أحد المستشارين اتصل، بأوامر من الملك الراحل الحسن الثاني، بعبد الكريم غلاب، كما تردد وقتها وسط العاملين في «العلم». وفعلا، تأكد لدى الجميع أن مسؤولي الصحيفة تلقوا احتجاجاً من مستوى عال، لكن لم تكن لدي تفاصيل أو حتى معلومات يقينية حول هذا الاحتجاج. ولم أكن أعرف أن تقريراً إخبارياً حول جزيرة «تيمور الشرقية» يمكن أن يتسبب في تلك الضجة، لكن ذلك ما حدث نتيجة عدم إدراكي للتشابه بين قضيتي «تيمور الشرقية» والصحراء المغربية.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.