مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    الوداد يعود بانتصار ثمين من آسفي    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    قنصلية المملكة بكورسيكا تحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    تتويج إسباني وبرتغالية في الدوري الأوروبي للناشئين في ركوب الموج بتغازوت    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقائق مثيرة من داخل مصحات الحيوانات بالدار البيضاء
المساء تزور حيوانات مريضة في مصحات خاصة
نشر في المساء يوم 25 - 02 - 2012

الفرق بين الطبيب المشرف على صحة الآدميين والطبيب البيطري الساهر على صحة الحيوانات هو أن الأول يعمل تحت الوصاية الإدارية لوزارة الصحة العمومية والثاني
يشتغل تحت وصاية وزارة الفلاحة والصيد البحري، وهناك فرق آخر يجعل مهمة البيطري أصعب من مهمة الطبيب، لأن الأول يعالج كائنات لا تكشف عن موضع الألم وأعراض المرض، بينما تبدو مهمة الطبيب العادي أسهل، لأن الزبون يساعده ببيانات تفصيلية، قد ترسم للطبيب صورة تقريبية عن نوعية المرض، علما أن الأول خريج كليات الطب والثاني من معاهد البيطرة. ليس البيطري هو موضوع الروبورطاج الذي أنجزته «المساء»، بل الحياة داخل المصحات الخاصة بتفاصيلها، بجديتها وتفاهتها، بترجمتها جزءاً من انشغالات المجتمع المخملي، خاصة حين يتجاوز الأمر حدود العلاقة الصارمة بين بيطري وبهيمة، إلى علاقة مع حيوانات منزلية مدللة شاءت الأقدار أن تعيش كريمة وتمرض كريمة وتموت كريمة، أيضا إذا حان أجَلها.
قادتني قدماي، إلى مصحة بيطرية خصوصية في أحد الأحياء الراقية في الدار البيضاء. طلبت من موظفة الاستقبال أن تدلني إلى مكتب المسؤول عن المصحة، بعد أن كشفت لها عن هويتي وعن الهدف من زياراتي لهذا الفضاء الاستشفائي. دعتني إلى الجلوس في غرفة الانتظار إلى حين انتهاء الطبيب المسؤولمن مهمة روتينية.
تزيّن صور الحيوانات الأليفة جدران الغرفة والممرات المؤدية إليها. تسمع أصواتا منبعثة من غرفة العلاج، تارة عبارة عن نباح أو مواء خافت، وتارة عن «أنين» مسموع.. كل شيء في هذا الفضاء يحمل الزائر إلى عالم الحيوانات: طلاء الجدران بألوان مستوحاة من الطبيعة، حيث يطغى اللون الأخضر والفستقي على بقية الألوان.. ولوجيات تمكّن «المرضى» غير الآدميين من دخول المصحة دون صعوبات. موسيقى هادئة تحملك إلى غابة استوائية عذراء تنساب فيها شلالات تعطي المكان جمالية استثنائية.. على الطاولة الزجاجية كتب ومجلات بيطرية ومزهرية ومطفأة للسجائر، يبدو من شكلها كأنها صممت خصيصا للمدخنين الأغنياء فقط، لكنْ غيرَ بعيد عن الأريكة، تصادفك علامات تمنع التدخين!..
سألت شابا في عقده الثاني، كان يشاركني روتين الانتظار، وهو يمسك بزمام كلب يحاول أن يعيش قيلوته المصادَرة، عن نوعية المرض الذي يعاني منه كلبه ألماني الفصيلة، مغربي النشأة: «ليس مريضا، إنه ينتظر دوره لدخول غرفة النظافة والتجميل، أفضّل أن يتم ذلك في هذه المصحة الخصوصية، فهنا يحظى «كوفي» بحصة أوفر من العناية والاهتمام مقابل مبلغ مالي غير كبير لا يتجاوز مائتي درهم»..
على رفوف سوداء وُضعت أكياس من مختلف الأحجام للأغذية المخصصة للحيوانات، يقول مرافقي إن أغلبها مخصص للحِمية الغذائية للكائنات الأليفة، كما يوجد في نفس المكان حيّز لعرض معدات ولوازم تهتم بحياة الحيوانات، المنزلية بالخصوص.

المصحة الخاصة موضة جديدة
حسب الأدبيات المهنية للبياطرة، فإن مفهوم العيادة البيطرية يختزل فضاءات الاستقبال وقاعات الفحوصات والعمليات الجراحية، ويطلق اسم المصحة على كل مؤسسة تتوفر على أماكن للاستشفاء تخضع فيها الحيوانات المريضة لمراقبة طبية. وحسب المشرع المغربي، فإنه «لا يمكن فتح عيادة خصوصية بيطرية إلا بعد الحصول على ترخيص من الهيئة الوطنية للأطباء البيطريين»، وهو إجراء مقرون بمدى توفر المصحة على شروط الاستشفاء المعمول بها. لكنْ في الآونة الأخيرة، ظهرت عيادات خصوصية، بعد أن كان علاج الحيوانات يتم في مؤسسات عمومية، وغالبا ما يقتصر على حملات لعلاج بعض الأمراض «العابرة للقارات»، كجنون البقر وأنفلونزا الطيور، قبل أن تتطور الخدمات البيطرية وتظهر في مدننا عيادات خصوصية تهتم بالحالة الصحية، بدءا من النظام الغذائي وانتهاء بالحفاظ على الجانب الجمالي، مع ما تتطلبه هذه الخدمة من متابعة يومية وحرص على التقيّد بتعليمات خبراء في مجال «الاستتيك»، الحيواني
طبعا.
ولأن المصحة الخصوصية في المفهوم الشعبي هي الفضاء البديل ل»سْبيطارْ المْخزن»، فإن الزبناء الذين اختاروا «التمرد» على الخدمة العمومية هُم، في الغالب، من «علية القوم»، الذين يخصصون ميزانية محترمة لصحة الكائنات الحيوانية التي تعيش معهم، خاصة الحيوانات المنزلية، لاسيما الكلاب والقطط، التي توجد على رأس لائحة «المرضى» المترددين على المصحات الخصوصية، لذا غزت المصحات البيطرية الخاصة الأحياء الراقية لمدننا وأصبح لها حضور في أحياء، كالمعاريف والسيال وحي المستشفيات في الدار البيضاء، وفي السويسي وحي الرياض وأكدال في الرباط وغليز في مراكش، بعد أن كانت العيادة البيطرية حاضرة في القرى والبوادي، إلى جانب مؤسسات ارتبطت بالمعيش اليومي للفلاح، على غرار القرض الفلاحي ومؤسسات بيع مواد التخصيب والأسمدة ثم السوق الأسبوعي.
في خدمة الحيوانات
استغلت المصحات البيطرية الخصوصية الانتشار الواسع الذي تضْمنه مواقع التواصل الاجتماعي، من «فيسبوك» و»تويتر» ومواقع ذات ارتباط بصحة الحيوان ومظهره، لتفتح خطوط التواصل مع زبنائها، من خلال الاستشارة التي تنتهي بمقترح إحالة تتيح المعاينة المباشرة للحالات. أغلب التساؤلات المطروحة على صفحات المصحات، في «فيسبوك» بالخصوص، تهمّ أعراضا تقلق صاحب الحيوان قبل الحيوان ذاته.. لنقرأ بعض الاستشارات التي يمكن الاطّلاع عليها من خلال عناوين العيادات البيطرية:
-»لاحظتُ، قبل يومين، احمرارا غير عادي في عين قطتي ودموعا تنهمر بين الفينة والأخرى على خدها.. أريد حلا لهذا الوضعية التي زرعت القلق في البيت كله» -»دكتور، لو سمحت، لدي سؤال: أين أجعل مكان نوم الكلبة «داني»، في غرفة خاصة أم على البلكون أم في الحديقة؟» -»ماذا أطعمه وكم مرة في اليوم؟» -»ما هي المخاطر الناجمة عن مخالطة أطفالي في البيت لبعض الحيوانات؟» -»هل صحيح أن القطط تسبب العقم للفتيات؟» -»أشك في إصابة طاووس أرعاه بعناية بمرض، لقد تبيّن لي أن ريشه يتساقط باستمرار؟» -»رجاء، دلوني على طريقة أعلّم بها كلبي كيف يقضي حاجته في مكان محدد سلفا؟» -»عفوا سيدي الطبيب، لقد اعتدت أن أقدم لقطي في حالة مرضه دواء أطفال فيتعافى، هل استمر في هذا التعامل أم أتوقف عن ذلك؟» -«الوقاية الصحية للسلوقي، المرجو وضع جيم».. وغير ذلك من المحادثات التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تطرح العديد من الاستفسارات، لاسيما حول أمراض تصيب الحيوانات المنزلية.
قف.. بيطري
اكتشفتُ، خلال مراحل إنجاز هذا الروبورطاج، أن أغلب الأطباء البياطرة، خاصة في القطاع الخاص، حريصون على التقيّد بضوابط التزامات مهنية صارمة، تتجاوز حدود التكتم على السر المهني وعدم إفشاء أسرار حيوانات تعاني من العقم أو الأمراض الجنسية، إلى التواصل مع وسائل الإعلام، إذ غالبا ما ينتظر البعض الضوء الأخضر من الهيئة.. وحتى حق الوصول إلى المعلومة «البيطرية» في الشق المتعلق بالمصحات الخصوصية يبدو صعبا، فهناك ضوابط صارمة تحاول ألا تحصر البيطرة في إطار حرفة حرة، فتُسيِّجها بمجموعة من الالتزامات التي يراد بها، حسب منطوق مدونة أخلاقيات المهنة، «ضمان المنافسة الشريفة بين المصحات الخصوصية»، بل إن المشرع حدد في الأدنى الحدود الدعائية لمصحة، بل إنه لا يرخص لسيارات المصلحة في هذه العيادات بوضع علامة إشهارية تحمل رمز العيادة وعنوانها، كما يمنع «الإشهار على أدوات تربية المواشي وأدوات التغليف»، بينما يسمح للعيادات الخصوصية الآدمية بوضع إعلانات في الشارع العام وبالترويج لخدماتها، المؤدى عنها طبعا دون قيد أو شرط، بشرط احترام المصحات المنافسة وعدم خرق ضوابط المنافسة التجارية.
لا يمكن أن تغوص في عالم الطب البيطري وتحاور طبيبا خصوصيا دون المرور عبر قناة الهيئة الوطنية أو الجهوية، التي غالبا ما تحيلك على تراتبية إدارية «تقليدية» تعيق العمل الصحافي في شقه الاستقصائي. لقد برر كثير من البياطرة الذين اتصلنا بهم عدم استعدادهم للرد على أسئلتنا بضغط العمل اليومي والالتزامات المهنية وبالمدونة أيضا. وحين تطلب لائحة بأسماء العيادات البيطرية الخصوصية من الهيئة، فإنك تحال مباشرة على الرئيس، الذي يحيلك، بدوره، على أحد نوابه، هذا الأخير يلح على كتابة الأسئلة وإرسالها عبر البريد الإلكتروني قبل اللقاء المباشر، فيما فضّل آخرون صيغة «سبّقْ الميمْ تْرتاحْ».. وأكبر دليل على أن المهنة تحاط بسياج السرية ويراد لها ألا تظل مجرد مهنة حرة هو التعامل المفرط في الحذَر لمدونة أخلاقيات البياطرة مع المعلومة، فالمادة ال25 تقول بالحرف: «على البيطري أن يرفض توظيف أي شخص سبق له أن عمل لفائدة زملاء في منطقته، ما عدا في حالة موافقة هؤلاء كتابة»، أما في حالة الرفض، فإن الموظف سيحال على البطالة.
في مكتب طبيب بيطري
يحرص أغلب البياطرة العاملين في القطاع الخاص على تقديم المعلومة في أدنى حجمها و»يهرولون» صوب المدونة كلما داهمتهم الأسئلة. يقول طبيب جراح في مصحة خاصة، أنهى للتو عملية جراحية لكلب مصاب باحتباس كلوي: «الحيوان يمرض كالإنسان.. هذه عيّنة من جسم صلب كان عالقا في كلية كلب خضع لعملية جراحية في مصحتنا.. الحمد لله لقد بدأ «المريض» يتعافى، بإمكان مالكيه زيارته وهو في غرفة العناية المركزة.. هناك حالات أصعب، وهي غالبا تهمّ حيوانات منزلية، وإذا طلب مني الانتقال لعلاج بقرة مثلا، لا أتردد في ذلك، لكنْ شريطة أن تكون في المجال الحضري للدار البيضاء. نحن رهن إشارة الزبناء ولدينا قسم للمستعجلات يعمل باستمرار، وإقامة المريض في المصحة تتراوح ما بين يوم واحد و10 أيام، على أبعد تقدير، لأن الطاقة الاستيعابية للمصحة تتراوح ما بين 30 إلى 35 «سريرا» (قفصا)، أما الأسعار فهي معقولة وفي متناول حتى الناس العاديين، فسعر فحص هي في حدود 400 درهم، في الغالب».. اختزل الطبيب الحوار في سرد سريع لدور المصحة وخصائصها، وكلما توقف عن الكلام، يستحضر بعض بنود مدونة «لا يراد لها أن تصبح مجرد فزاعة، على غرار كثير من المدونات».
خدمات «خصوصية» أخرى
تقدم المصحات البيطرية خدمات أخرى، فضلا على دورها العلاجي، الذي يبدأ بالتشخيص والعلاج ووصف الدواء ثم المتابعة، إذ غالبا ما تكون الاستشارة الطبية مقدمة لاستقطاب زبناء مُحتمَلين، أغلبهم من الطبقة الميسورة القادرة على تحمل الأعباء المالية لترويض ساق دجاجة مصاب بثمن يفوق سعر الدجاجة ذاتها بأضعاف.. يمكن للزبون أن يُخضع كلبا أو قطا لعملية تجميل ونظافة مقابل سعر «معقول»، أو يزيل تسوسا في طاقم أسنان حيوان أليف أو يضع شريحة «بيسْ» في جزء من جسم حيوان منزلي، يوضع تحت مراقبة جهاز «جي بي إس»، كي لا يتيه ويصبح عرضة ل»التحرش» به في الشارع من طرف كائنات من نفس فصيلته قُدِّر لها أن تعيش بدون مأوى قار.. وبإمكان الزبون أن يترك حيوانه المنزلي عهدة في «قفص» المصحة حين تقرر العائلة السفر وتستعصي مرافقة الحيوان في الرحلة. كما يستفيد الزبناء من خدمة مداومة بمجرد الاتصال برقم هاتفي في حالة حدوث حالة مرضية خارج الدوام الرسمي..
لكنْ، رغم التطور الذي يعرفه الطب الخصوصي البيطري، أكدت سيدة في الخمسينات من عمرها ل»المساء»، بلهجة «تتعايش» في تعابيرها اللغة العربية بالفرنسية.. وهي تنتظر قدوم سائقها الخاص أمام باب العيادة، وجود تخصصات خارج الاهتمام، خاصة حين يتعلق الأمر بسلوك الحيوانات المنزلية: «الناس وصلو وفتحو كْلينيكات ديالْ الحيوانات وحنا مازال في الفقصة».. واعتبرت القضية مطلبا استعجاليا يساعد مالكي الحيوانات على حل المشكلات السلوكية الخاصة بحيواناتهم الأليفة، بعد أن «تغلبوا على كل المشاكل الخاصة بأبنائهم، الذين غالبا ما يرحلون إلى الخارج لمتابعة دراستهم، فتنوب عنهم القطط والكلاب في ملء الفراغ العاطفي.. إنهم يدللون الحيوانات أكثر من اللازم»، على حد تعبير عاملة نظافة في إحدى المصحات البيطرية.
من داء الكلب إلى الحمى القلاعية
كان مرض «اللسان الأزرق» من أكثر الأمراض انتشارا بين الحيوانات قبل أن يغزو داء الكلَب أو السعار قطيع الكلاب الخارج عن طوق الرعاية المنزلية. ومع مرور الأيام، تحوّلَ جنون البقر وأنفلونزا الطيور إلى أشد الأمراض فتكا بالحيوان، وكانت الهيئة البيطرية تواجه هذه الأمراض بعمليات تلقيح تهُمّ، بالدرجة الأولى، قطيع الأغنام وبقية الحيوانات الأليفة بالخصوص، كالحمى القلاعية والجرب والجذري والتسمم المعوي والدمل والسل وبوصفير، وأغلب الأمراض الحيوانية لا تعدي الإنسان.
ولأن داء الكلب كان أشدَّ الأمراض فتكا بالحيوانات، فإن منظمة الصحة العالمية قد خصّته بيوم عالمي، يكون فرصة للحد منه، عبر حملات تلقيح وتحسيس موسمية، مع توفير دفتر تلقيح لكل كلب. لكنْ يبدو أن المصحات الخصوصية نادرا ما تُعرَض عليها حالات مرض «اللسان الأزرق» أو السعار، لأنه لا يصيب الحيوانات المنزلية إلا في أندر الحالات.


أدوية لعلاج الحيوانات والبشر
هناك جدل قديم بين البياطرة والصيادلة حول أحقية الصيدلي قانونيا في بيع الأدوية البيطرية. وقد استند الرفض إلى ضرورة وجود أطباء بياطرة في الصيدليات الراغبة في تسويق أدوية خاصة بالحيوانات، إلا أن الغريب في القضية هو تداخل الاختصاصات، لوجود أدوية تُستخدَم لعلاج الإنسان والحيوان في الوقت نفسه. كما أن الصيدليات المتخصصة في بيع الأدوية البيطرية قليلة العدد، ويوجد أغلبها في الوسط القروي، بل إن النقابات حاولت التصدي لظاهرة بيع الأدوية البيطرية في الأسواق الأسبوعية في الوسط القروي دون ترخيص، لكنْ بلا جدوى، حيث ما يزال ترويج الأدوية البيطرية يتم في غياب مراقبة فعلية، على غرار تلك الحملات التي تقوم بها المصالح البيطرية لمكافحة الذبيحة السرية.
وقال زميل صحافي: «حين يمرض كلبي وتنتابه الحمى أقدّم له نفس الدواء المخصص لبني البشر، فيشفى سريعا»، لكنْ كثيرا من البياطرة يرددون عبارة «ما كل مرة تسلم الجرة»..
للحيوانات الأليفة حق في العلاج والتنشئة السليمة كي لا تصبح عرضة للتشرد، إذا كانت تحت سقف أسرة ميسورة الحال، تضع رقم هاتف البيطري في مقدمة الهواتف المهمة في أجندة دليل الهواتف، هذه الفئة تجاوزت حدود المطالبة بتقريب المصحات الخصوصية من المواطنين إلى الرغبة في أن تشمل التغطية الصحية الحيوانات الأليفة وفق برنامج تتبناه وزارة الصحة، مع توفير سيارات إسعاف ل»مرضى» الحيوانات، كي لا يظل نقلها حبيس سيارات نقل البضائع..
تبدو هذه المطالب سريالية في نظرأبناء الشعب البسطاء، الذين يعتبرون عرض حيوان أليف على طبيب نوعا من «التخاريف»، ليست إلا.





حسن البصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.