الكثير من الدارسين للتاريخ السياسي المغربي يعتبرون أن نهاية حكومة عبد الله إبراهيم، كانت اغتيالا للديمقراطية التي راهن عليها مغرب الاستقلال، بعد محن المقاومة و الكفاح والتضحيات الجسام. لذلك علق البعض على أن الاستقلال الذي تحقق بصيغة «إيكس ليبان»، كان بداية لمسيرة إحباط تلو إحباط. لقد رسمت حكومة عبد الله إبراهيم خطة عمل وبدأت تحقق بعضا من أهدافها، قبل أن يتم إقبارها بتخطيط من الأمير مولاي الحسن، الذي لم يكن يخفي حماسه للحكم. وقد اعترف لعبد الرحيم بوعبيد، وزير الاقتصاد في هذه الحكومة بهذه الرغبة. لم تعش حكومة عبد الله إبراهيم أكثر من 20 شهرا، على الرغم من أنها فتحت أوراشا كبرى. وسيعترف أحمد رضا اكديرة، الذي كان رجل ثقة الحسن الثاني ومهندس كل المحطات السياسية لبداية عهد الاستقلال، بعد سنوات، أنه تم تشكيل «حكومة ظل» كان يرأسها الأمير مولاي الحسن، وبعضوية آخرين، لتكون موازية للحكومة القائمة آنذاك. ولم يكن هدفها الأساسي غير إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم. وهي الحكومة التي اصطلح عليها وقتها ب»الطابور الخامس»، الذي تكون من أحمد رضا اكديرة، وأحمد الغزاوي، وإدريس المحمدي، وامحمد باحنيني وأحمد العلوي، بالإضافة إلى الجنرال الكتاوي والكولونيل محمد أوفقير آنذاك. ومنذ الأيام الأولى على تعيين حكومة عبد الله إبراهيم، تشكلت الحكومة الموازية، وكانت مهمتها إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم، باستعمال كل وسائل العرقلة والمناهضة والتنغيص والهدم والطعن من الخلف بنصب المكائد ووضع الدسائس. ومما سهل مأمورية الحكومة الموازية، أن ولي العهد الأمير مولاي الحسن كان يشرف على القوات المسلحة الملكية ومختلف أجهزة الأمن والمخابرات، وقد كانت علاقاته متينة مع أغلب المتحكمين في الإدارة، إذ اخترقت صلاته كل دواليب الدولة. في حين لم يكن يحظى عبد الله إبراهيم، رئيس الحكومة، إلا بدعم نسبي جدا من طرف حزب الاستقلال والنقابات والاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ولم يكن عبد الله إبراهيم يخفي أنه كانت تأتيه أخبار كثيرة، مفادها أن محمد العزاوي، المدير العام للأمن الوطني وقتها، كان يشترك مع مجموعة هامة من المناهضين للحكومة. ولم يكن هم هذه المجموعة غير السعي لإسقاط حكومة عبد الله ابراهيم. وبذلك ظلوا يوزعون الوعود بإسقاطها ولم يكن قد مضى على ولادتها سوى بضعة أسابيع. وقد لعبت جريدة «الأيام» الاستقلالية منذ صدور عددها الأول في 3 مارس 1959 مع «الطابور الخامس» دورا كبيرا في إعدام حكومة عبد الله إبراهيم. وخصصت كل صفحاتها الثمانية جميعها، آنذاك، للنيل من الحكومة، بل إن الزعيم علال الفاسي كان يوقع أحيانا افتتاحياتها. لذلك لم يكن غريبا أن تتوقف هذه الجريدة عن الصدور مباشرة بعد تنحية حكومة عبد الله إبراهيم.