تغير مفاجئ.. هكذا نشرت قناة "فرنسا 3" خريطة المغرب    فلقاء الخطاط مع وزير الدفاع البريطاني السابق.. قدم ليه شروحات على التنمية وفرص الاستثمار بالأقاليم الجنوبية والحكم الذاتي    مجلس المنافسة كيحقق فوجود اتفاق حول تحديد الأسعار بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين فسوق توريد السردين    برنامج "فرصة".. عمور: 50 ألف حامل مشروع استفادوا من التكوينات وهاد البرنامج مكن بزاف ديال الشباب من تحويل الفكرة لمشروع    الغالبية الساحقة من المقاولات راضية عن استقرارها بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    أول تعليق من الاتحاد الجزائري على رفض "الطاس" طعن اتحاد العاصمة    جنايات الحسيمة تدين "مشرمل" قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا    خلال أسبوع.. 17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    الأمثال العامية بتطوان... (586)    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ عبد الله الشرقاوي، خطيب مسجد الصفاء بالبيضاء للتجديد:يجب أن نقاوم الانهزام النفسي بالقرآن إذا وقع الانهزام العسكري في الميدان
نشر في التجديد يوم 07 - 05 - 2003

أرجع الأستاذ عبد الله الشرقاوي (خطيب مسجد الصفاء بعين السبع البيضاء) ما تعيشه الأمة الآن من ابتلاءات إلى الجهل والظلم، وأشار الشرقاوي في هذا الحوار الذي خص به جريدة "التجديد" إلى أن الأمة لم تع بعد ما يقوله العلماء الذين أسكتوا عن الكلام وضيق عليهم متهما السلطات والزعامات العربية بأنها قامت بوضع حاجز بين العلماء والشعوب، وأن الحكام يلجؤون إلى الدين عندما يشعرون بالخطر، ودعا الشرقاوي وهو باحث في العلوم الشرعية إلى تعليم الأجيال ثقافة الجهاد كما أكد على ضرورة القراءة من أجل التعلم وليس التعلم من أجل القراءة مركزا على جمع كلمة المسلمين كخطوة أولى نحو إعادة النهوض ومعتبرا المنهج السلفي هو الوحيد القادر على جمع الطوائف المختلفة في الأمة.
بداية، نود أستاذ الكريم أن نستفسر عن أسباب الابتلاء الذي تعيشه الأمة اليوم؟
بسم الله الرحمان الرحيم، والحمد لله رب العالمين، تتعدد الأسباب التي أوصلت الأمة إلى هذه المرحلة التي يمكن أن نسميها "مرحلة القصعة"، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح >يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها،قالوا أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال لا بل أنتم كثير ولكن كغثاء السيل".
والملاحظ بالوصف الدقيق الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فقد قال "غثاء السيل"، ولم يقل غثاء النهر، لأن النهر له منطلق وله هدف، لكن السيل لا هدف له، بمعنى أن الأمة في مرحلة "القصعة" تغيب عنها الأهداف وتسير بدون غايات مضبوطة أو منطلقات صحيحة. ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا السبب هو الوهن، الذي هو حب الدنيا وكراهية الموت، فحب الدنيا يفجر الخلافات والشقاق بين الناس ويطلق عليه العلماء الانغماس في الشهوات والملذات يؤدي إلى التنافس على الرئاسة والقيادة من أجل هذه الملذات. وإذا وصلت الأمة إلى هذه المرحلة الخطيرة ستختار قيادتها وزعامتها من المترفين، لأن الأمة تحب الدنيا، ثم إن هؤلاء المترفين الذين يتولون الزعامة يحرصون على ازدياد ثرواتهم، ويتنكروا لمبادئ العدل والأخلاق وللصالح العام (وهذا ما نلاحظه من سرقة للأموال العامة وغمط حقوق المستضعفين) ، فيؤدي ذلك إلى انحراف منهج القيادات في تسيير المجتمعات بسبب اشتغال القيادات بملذاتها وقضاياها الخاصة، وبالتالي إلى كارثة خطيرة ألخصها في قوله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرنا تدميرا)
وفي قراءة أمرنا مترفيها أي جعلنا الأمراء من المترفين.
ويمكن أيضا أن نبين هذه القضية حينما تصل الأمة هذه المرحلة (مرحلة القصعة) عن طريق قصة فرعون، ففرعون كان طاغيا وجبارا، وقيل له: لماذا أنت ظالم؟ فأجاب: لأني لم أجد من يردني عن الظلم، والقرآن الكريم يبين علاقة فرعون بالذين أطاعوه في فسقه: (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين)، فقد حكم القرآن على فسق هؤلاء وانحرافهم فيستحقون هذه الكارثة.
لأن الكتب السماوية تمنع المؤمنين بها من ظلم أي أحد كما تمنع أي أحد من ظلمهم.
والسبب الذي جعل الأمة تعيش هذا الهوان هو بعدها عن العقيدة الإسلامية التي تربي الكرامة والشجاعة في المسلمين وعندما تضيع العقيدة تضيع جميع الحقوق، فالطغاة كانوا كذلك، لأنهم لم يكونوا يحاسبون من طرف الأمة.
كما أن الأمة تتقن الجانب النظري ولا تتقن الممارسة والتخطيط الأرضي، فالأمة الآن تشتغل بالمثاليات و تحب الخلاف، فحتى الخلاف الفقهي الذي يعتبر رحمة حولناه إلى عناد، والاختلاف المذموم المبني على الجهل هو الذي يعطي فرصة للضعف، والله سبحانه وتعالى يقول (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، فإذا كان جمع الكلمة فيه قوة للمسلمين، فإن أعداءنا يتقنون زرع الخلافات بين المسلمين في دينهم، ولذلك أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" بأن السبب الذي يجعل الخلاف بين الناس ويبث فيهم التفرقة يرجع إلى أمرين: الأول هو الظلم والثاني هو الجهل، وابن خلدون يقول: "إن الظلم سبب خراب العمران"، والظلم انتشر في المسلمين مع أن الله تعالي يقول في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)، ولما انتشر الظلم بيننا أصبحنا لقمة سائغة لأعداء المسلمين.
ذكرت أستاذ أن الجهل والظلم أسباب كبرى لما نحن فيه من هوان، ولكن الجهل يزيله العلماء بنشر العلم، والظلم يدفعه العلماء العاملون كذلك بكلمة حق يوجهونها للظالم حاكما أومحكوما، ألا ترى بأن هناك دورا حيويا للعلماء في الأمة وبغيابهم انتشر الجهل والظلم؟
نعم يا أخي، ولكن يبدو لي أن العلماء يؤدون واجبهم، فلازالت الأمة لم تصل بعد إلى الوعي بما يقوله العلماء، فأنا لا أقول إن العلماء قد سكتوا عن الحق بدليل أن أغلبهم في السجون وأغلبهم أسكتوا عن الكلام وضيقوا عليهم، وأعطيت الفرصة للذين يهدمون وينشرون المذاهب الهدامة عبر الإعلام وفي الندوات والمحاضرات في الأماكن العمومية، فالعلم لا ينشر إلا إذا قرن بالحرية، نعم أنا أتفق معك على أن العلماء عموما يحتاجون إلى رفع مستواهم العلمي، لقد كان هناك نقص في العلماء، وهو نقص طبيعي، فلما تذهب الغفلة والغفوة، ويستيقظ الناس فإنهم يستيقظون بسرعات متفاوتة، ولكن لازالت الشعوب لم تع وظيفة العلماء بل هناك حاجز بين العلماء والشعوب.
من الذي وضع هذا الحاجز؟
السلطات، لأن السلطات والقيادات والزعامات تخشى على نفسها، ولذلك تمنع العلماء من كلمة الحق وأعطيك مثالا من التاريخ الماضي: فالحجاج بن يوسف الثقفي، الذي يعتبر مثالا في الظلم، ذبح العلماء واضطهد هم، إذ نجده يمنع أنس بن مالك من أن يتحدث في السيرة النبوية، وذلك لأن السيرة تعطي للمجتمعات كيفية تطبيق الدين من جهة، ثم إن السيرة تجعل الإنسان يقارن بين الحاضر وبين العهد الأول. وإذا قارن الناس بين العهدين، سيلاحظون الفرق بين السماء والأرض، فيهبون لتغيير واقعهم، وهذا لا يقبله الذين يتحكمون في رقاب العباد، ولذلك أشغلوهم بالهوى والموسيقى وعبدة الشيطان وكرة القدم المبالغ فيها وكذا المقاهي والمسرحيات... وصدق الشاعر القائل:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبني وغيرك يهدم
الزعماء يدركون دور الدين وتأثيره، ويوظفونه إذا كان في مصلحتهم ، ولكن إذا كان ضد مصالحهم، كما ذكر قبل قليل، فإنهم يقومون بالمنع؟ ما رأيكم أستاذ الكريم؟
فهذا دليل على أن الدين عند العدو والصديق ليس مخدرا للشعوب عبر التاريخ، فإذا كانت كلمة التخدير يمكن أن تطلق على الديانات المحرفة، ولا أقول السماوية، فوراء أي حركة تحررية دين، لكن الإسلام يمتاز بمميزات أساسية، فأول مفتاح الإسلام تكبير الله، وليس تكبير العباد، ولذلك نظم الله سبحانه وتعالى في حياتنا بكاملها ، فالمسلم يبدأ يومه بالتكبير (الصبح) وينتهي بالتكبير (صلاة العشاء) ويتخلل التكبير الحياة اليومية كلها، فالإسلام في العبادات يجعل الله هو "الأكبر"، لكن في غير دين الإسلام فالمصالح هي الأكبر، فوظيفة المسلمين هي تكبير الله سبحانه وتعالى، ونلخص هذا التكبير في جعل كلمة الله هي العليا، فأعظم آية في القرآن الكريم هي آية (الكرسي)، بدأت بالتعريف بالله عز وجل الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتمت هذا التوحيد بإعلاء لكلمته وجاء في آخر الآية: وهو العلي العظيم، في الفتوحات والجهاد نستخدم كلمة الله أكبر، وكذلك عند الصعود إلى المناطق الجبلية نستخدم الله أكبر، فالشريعة جاءت لإخراج المكلف من داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا كما كان عبد الله اضطرارا، كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله، فالعبودية
لله تحررنا من عبودية الأشخاص والأوهام والخرافات، ولذلك فالإسلام "شخصية" هؤلاء الناس (الحكام) عندما يشعرون بالخطر، ويعرفون ألا ملجأ لثقافتهم يلجؤون إلى الدين، فما وقع في العراق من خيانة هو سبب الثقافة العلمانية، والثقافة البعثية، فسقوط الجيوش العربية ولا أسميها الإسلامية في 48 و67 و70 وغيرها دوما يكون بسبب الخيانة، لماذا لأن الجيوش تربي بالعلمانية وتربي على الفراغ الروحي، لا يتلقون تدريبا يعرفون فيه الله عز وجل ويتربصون فيه إحدى الحسنيين، فلم يبق للحكام إلا أن يتصالحوا مع الإسلام وأن يهيئوا الشعوب للإسلام إذا أرادوا أن يبقوا في حكمهم.
بعد هذا الزلزال والكارثة الجديدة التي أصابت الأمة ما هي الدروس والعبر التي يمكن أن نستفيد منها؟
الدروس ألخصها في كلمة واحدة يجب أن نكتبها بماء الذهب وهي "أن كل من لا يستفيد ممن سبق يكن عبرة لمن لحق"، فإن لم تستفد يستفاد منك، هذه هي القاعدة.
والله سبحانه وتعالى جعل منافذ الاعتبار في البصر والسمع والعقل، ففي سورة (ق) تحدث الله تعالى عن العلم، وبين أن أصل الإيمان هو العلم ثم انتقل إلى التاريخ: (كذبت قبلهم قوم نوح...) وبين أيضا: (كم أهلكنا قبلهم...) ثم قال (فهل من محيص)، فالله تعالى يقول لنا: انظروا في الماضي، وأول ما نستفيد منه أننا لم نقرأ التاريخ، ويجب أن نقرأه وأن نعرف أسباب الانهزام، هذه هي النقطة الأولى، إذا أردنا أن نجنب أنفسنا أسباب الهلاك.
وأنا أتعجب كيف أن أمة لديها كتاب يحمل تجارب ملايين السنين، ويضم أسباب الانهزام وأسباب الانتصار...
فالتاريخ الآن يعيد نفسه في بغداد، فما حدث في عهد التتار يتكرر اليوم، فإذا رجعنا إلى كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير قال رحمه الله: فأصبنا بالبلاء والغلاء، ثم أشار إلى أن التتار يمنع الناس من دفن أمواتهم فانتشرت الروائح الكريهة، وذلك بسبب الخلاف الموجود بين الأمة الإسلامية، حتى هيأ الله سبحانه وتعالى القائد قطز، الذي لم يكن تلميذا لا للسياسيين بالمفهوم السياسي، ولا للأحزاب وللعلمانيين، وإنما كان تلميذا لسلطان العلماء العز بن عبد السلام، فكان توحيد الأمة على يده، وكذلك صلاح الدين الأيوبي.
وأول خطوة هي جمع كلمة المسلمين، وتعليم الأجيال ثقافة الجهاد لماذا؟ لأنني أنا شخصيا وقعت في الإحباط في اليوم الذي سقطت فيه بغداد، لكن لما رجعت إلى القرآن الكريم استيقظت من غفوتي، لقد رفضت أن أكلم أي أحد من الناس أو يكلمني يومها، إلا بعد أن قرأت كتاب الله: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون). والوهن عند بعض المفسرين هو الضعف النفسي في المعارك، فالانهزام العسكري يتحول إلى انهزام نفسي، وهذا هو ما يريده الأعداء، والقرآن يقول للمؤمنين (لا تهنوا ولا تحزنوا) ويقول: (فكم من نبيء قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم) فالعبرة أن ننشر ثقافة الجهاد، وذلك بتصحيح "التعليم الشعبي" ولا أقول التعليم المدرسي وحده الذي يصنع نخبة معينة، التعليم الشعبي عبر وسائل الإعلام وكل الوسائل الأخرى حتى نزرع ثقافة الجهاد، فإذا وقع الانهزام العسكري فيجب أن نمنع وقع الانهزام النفسي، وأن نبعد من الناس اليأس والإحباط، لأن اليأس يكون فرصة للأعداء لمعاودة الكرة، فالحقائق الدينية عندنا مغلفة بما يصونها، ويعتبر هذا الخلاف من أقدم الخلافات المرتبطة بالحقائق الدينية وهو الجهاد، بدليل أن الجهاد الذي يقول عنه النبي أنه ماض
إلى قيام الساعة مرتبط بكرامة الناس. فالرسول صلى الله عليه وسلم، الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يتمنى أن يغزو فيُقتل ثم يغزو فيُقتل ثم يغزو فيُقتل. فيجب أن نعلم الناس أنه إذا كان موت الإنسان نهاية فبالنسبة للمجاهدين هو بداية للتكريم الإلهي.
وأنا شخصيا حينما رأيت ما رأيت بدأت أجعل خطب الجمعة في ثقافة الجهاد، وأحاول أن أبث هذه القيم في الناس حتى نؤدي ما علينا حسب طاقتنا والله أعلم بالصواب.
بعد الصدمة قام المفكرون والمحللون بوصف وتفسير ما حدث، ولكن القليل منهم من حاول فهم الأحداث على ضوء القرآن الكريم، الذي تحدثت قبل قليل، عن أنه يضم تجارب ملايين السنين، ويكفي أن يكون كلام الله تعالى لنلتجئ إليه ونستضيء بنوره لفهم واقعنا لماذا لا نفعل ذلك في رأيك؟ ففي القرآن أسباب الهزيمة وأسباب النصر، وحديث عن التأييد الإلهي والجند والملائكة والصبر والشجاعة والإعداد. لما تغيب هذه الأشياء في التحاليل الأرضية؟
نعم يا أخي وأنا أتفق معك، بل أبصم بأصابعي العشرة، وحتى التيار الإسلامي أو المتدينون يشتغلون بالحديث أكثر من الاشتغال بالقرآن، وفي الوعظ والإرشاد نستدل كثيرا بالسنة ولا نستدل بالقرآن، ومن المعروف أن في مثل ظروفنا التي تكثر فيها الخلافات يجب أن نكثر من القرآن أكثر من السنة، لأن القرآن لا خلاف فيه، والسنة نجد فيها الخلاف، فالبعض يضعف الحديث والآخر يقول حديث موضوع.
فثقافة القرآن الكريم مغيبة حتى في الوعظ والإرشاد، وربما لأن الناس ينظرون إلى الذي يكثر من الأحاديث على أنه عالم أكثر من الذي يستدل من القرآن، بل إن بعضهم، المتأثر بثقافة الانحطاط، يقول عن المستدل بالقرآن بأنه ليس بحافظ، أو ليس رجل سنة، وجزى الله خيرا الشيخ الشعراوي، الذي استطاع بتجربته العلمية وخبرته في بلاغة القرآن، أن يستخدم أسلوبا في التعامل مع القرآن تفهمه الجدة التي لم يسبق لها أن تعلمت، فأمي التي لم يسبق لها أن دخلت المدرسة عندما يشرع الشعراوي في الحديث تقول لي: اسكت،لذا يجب أن تستفيد من أسلوب الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله، أي أن نقرب القرآن إلى الناس ونرفع الناس إلى مستوى القرآن الكريم، وألا نهتم فقط بالقراءة ونعوذ بالله من الذين يقيمون حروفه ويضيعون حدوده، فالقرآن أمرنا بالقراءة من أجل التعلم، ولكن الذي حدث أننا نتعلم من أجل القراءة، ولذلك ندور في حلقة مفرغة، وكان العطاء العلمي عندنا شحيحا، لأننا مازلنا لم نقرأ وإنما نتعلم لنقرأ، ولذلك وجب أن نعود إلى القراءة من أجل التعلم، وأن نركز على جمع كلمة المسلمين، وأرى أن المنهج السلفي هو الوحيد الذي يستطيع أن يجمع الطوائف المختلفة،
بدليل أن الإمام البخاري وهو رائد المدرسة السنية يروي عن الشيعة في الصحيح، لكن الشيعة لا يروون عن أهل السنة، إذن فثقافة أهل السنة ليست ثقافة طائفية أو عنصرية، فمنهجهم يجب أن يبين للناس، وهجر المبتدعة يكون حينما يغلب الشر الخير، أما إذا كان الشر قد غلب الخير، فلا نهجر المبتدعة، بل نؤلف معهم ونعاشرهم من أجل تغييرهم، فهجر المبتدع يكون بمقصد شرعي، أي إذا كان هجره يؤدي إلى مصلحة الإسلام، أما إذا كان ذلك يوسع دائرة التفرقة فلا.
وأنت تلاحظ العراقيل بيننا أكثر من العراقيل التي بيننا وبين خصوم الإسلام، وهذه هي عقيدة الخوارج الذين يقبلون المشرك، ولكنهم يقتلون المسلم (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) ولكن يهدرون دم الموحد لأنه لم يتفق معهم في عقيدتهم، وهذه هي ثقافة البدويين.
وأختم بكلمة الحافظ المغربي بلا منازع حيث يقول رحمه الله: "لو سكت من لا يعرف لقل الاختلاف بين الناس"، والحمد لله رب العالمين.
حاوره: إسماعيل العلوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.