مندوبية التخطيط: الادخار الوطني يستقر في 29,7% خلال الفصل الثالث من سنة 2025    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي        أسعار النفط تتجه لتسجيل تراجع بأكثر من 15 في المائة سنة 2025    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    تقرير: تراجع وفيات الأطفال وارتفاع الالتحاق بالتعليم المبكر في الصين    سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس        ثمن نهائي كأس إفريقيا.. اختبارات صعبة للجزائر وتونس والسودان وفي المتناول للمغرب ومصر    كأس إفريقيا للأمم تغير "صناعة اللعب"    قطاع المحاماة بفيدرالية اليسار الديمقراطي يعلن رفضه لمشروع قانون مهنة المحاماة ويحذر من المساس باستقلالية الدفاع    دياز يخطف أنظار الإعلام الإسباني ويقود أسود الأطلس للتألق في كان المغرب    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    سرقة القرن في ألمانيا.. 30 مليون يورو تختفي من خزائن بنك    وقف تنفيذ حكم إرجاع 38 مطروداً ومطرودة إلى عملهم بفندق أفانتي    أحكام بالسجن في حق المتابعين في الأحداث التي رافقت احتجاجات "جيل زد" بمراكش    كيوسك الأربعاء | إصلاحات ضريبية تدخل حيز التنفيذ غدا الخميس        المغرب يترأس مجلس إدارة معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة    كأس الأمم الأفريقية.. مباراة شكلية للجزائر ضد غينيا الإستوائية ومواجهة مصيرية للسودان    الجديدة 10 أشهر حبسا نافذا في حق يوتوبر بالجديدة    ارتفاع أسعار الإنتاج الصناعي بالمغرب خلال نونبر 2025 رغم تراجع بعض القطاعات    قطارات "يوروستار" تستأنف الخدمة    أنفوغرافيك | لأول مرة تتجاوز حاجز 300 مليون دولار.. مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو    ألمانيا وفرنسا تؤجلان القتال الجوي    إسرائيل تهدّد بتعليق عمل منظمات    صنع في المغرب .. من شعار رمزي إلى قوة اقتصادية عالمية    إطلاق حملة واسعة لتشجير المؤسسات التعليمية بإقليم الفحص-أنجرة    قتيل وثلاثة جرحى في حادث إطلاق نار وسط كندا    الحماس يغمر تدريبات "أسود الأطلس"    أسود الأطلس يتعرفون على منافسهم في موقعة يوم الأحد برسم ثمن نهائي الكان    السنغال تتصدر والكونغو الديمقراطية وبنين تعبران إلى ثمن نهائي "الكان"            قانون التعليم العالي الجديد: بين فقدان الاستقلالية، وتهميش الأستاذ، وتسليع المعرفة    ‬السيادة الديموقراطية…. ‬بين التدخل الخارجي ‬والفساد الداخلي!‬‬‬‬‬    الأطالس تجذب القر اء بتركيزها على جمالية الخرائط ومحتواها التعليمي    باحثون فلسطينيون ومغاربة يقاربون الأبعاد الروحية والإنسانية لأوقاف أهل المغرب في القدس    21 فنانا مغربيا يعرضون مشاعرهم وذاكرتهم في «ذبذبات داخلية» بالدار البيضاء    ميتا تستحوذ على أداة الذكاء الاصطناعي مانوس المطورة في الصين    من أشقاء إلى خصوم.. محطات رئيسية في العلاقات السعودية الإماراتية    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    تأسيس المكتب المحلي للأطر المساعدة بمدينة سلا    لجنة العدل تشرع في مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات    رسالة تهنئة من السفيرة الصينية يو جينسونغ إلى المغاربة بمناسبة عام 2026    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدبلوماسية الفاشلة لا تحقق الانتصارات، بل تقدم تنازلات
نشر في أزيلال أون لاين يوم 24 - 04 - 2013

حينما يكثر الضجيج ويرتفع الغبار يكون ضوء شمس الحقيقة خافتا، وحينما يسعى البعض جاهدا وبكل الوسائل والآليات أن يجعل من الفرع أصلا ومن الأصل فرعا وهكذا دواليك، تصبح مهمة استقراء المشهد مسألة صعبة ومعقدة. هذا الكلام ومثله يمكن تطبيقه بالحرف على المشهد المغربي الحالي وكل الضجة التي أثارت وتثار حول قضية الصحراء بعد التطورات الأخيرة.
يصعب استقراء المشهد لسببين اثنين:
- أولا: لأن هناك من نصبوا أنفسهم في هذه الاوقات قضاة على العباد. يجرمون كل من حاول أن يدلي برأي لا يتماشى والرواية الرسمية والموقف المخزني في قضية معقدة، ولكن أصول مشكلتها محددة وواضحة للعيان.
- ثانيا: لأن الكل (تقريبا وليس قطعيا لأن هناك استثناءات) يكتب ويصرح في القنوات والإذاعات والجرائد، يقدم الرواية الرسمية بشأن الصحراء عموما والموقف من المشروع الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية بشأن توسيع مهام بعثة الأمم المتحدة في الصحراء، المعروفة بالمينورسو، وكأنها قران مبين ومنزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الرواية الرسمية، باختصار، تقول بأن المغرب دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان في الصحراء وفي غيرها، بينما قادة البوليزاريو إرهابيون وأعداء يدعمهم جنرالات الجزائر وأعداء وحدة المغرب الترابية. هل هذا صحيح؟ أبدا، لا.
ولكن قبل تفسير ذلك أرى من الأهم الإشارة غلى أمر مهم وهو ملاحظة ترتبط بالتحركات التي تزامنت مع القضية بأملها، التحركات الرسمية أقصد، وذلك على المستويين الديبلوماسي والحزبي. على مستوى الديبلوماسية وخاصة في علاقة المغرب مع الدول تحرك وفد يقود ثلاثة أشخاص وهم: وزير الخارجية السابق ومستشار القصر حاليا الطيب الفاسي الفهري، وياسين المنصور، واحد من حاملي مفاتيح أسرار القصر والمخزن الأمنية والاستخباراتية، ووزير الخارجية الحالي، سعد الدين العثماني. الفاسي الفهري، كان مشاركا في الحكومة التي خرج المغاربة يوم 20 فبراير مطالبين، من بين ما كانوا يطالبون به، بإقالتها حين خرج الشباب يطالبون بمغرب الحرية والكرامة باعتبارها جزء أساسيا من منظومة المخزن الذي اتهموه شباب الحركة وقوى البلد بحماية الفساد والمفسدين والاستبداد والمستبدين.
إذا كان الملف يتعلق بملف كبير وذو صبغة كهذه تستدعي التحرك وربط علاقات مع الذول، فهذه على مستوى جميع الدول مهمة منوطة أساسا بعمل ومهمات وزارة الخارجية وانتهى كل شيء. أما في حالتنا فالأمر مرتبط اولا بالقصر، لأنه يمتلك مفاتيح القضية، والمؤسسة الأمنية نظرا لتجذر هذه العقلية في مسؤولي بلدنا منذ عقود من الزمان. اما وزير الخاجية فقد شارك في التحرك وكأنه فقط ليزين الديكور ويكمل المشهد حتى لا تنفضح الأمور أكثر، وإلا فكيف نفسر سكوت الحكومة ورئيس لأكثر من أسبوع حول ملف يهم الشعب الذي صوت على اغلبيتها. عفوا ليس الشعب المغربي كله، ولكن نسبة قليلة منه 25 في المائة، بشهادتهم هم أنفسهم.
أما على المستوى الحزبي فسأركز على تحرك التنظيمات الشبابية الحزبية التي نظمت ندوة مساء الثلاثاء 23 أبريل 2013 بأحد الفنادق الفاخرة بالعاصمة الرباط تحت شعار: "قف... سيادتنا". حضرت جانبا من أشغال الندوة التي كانت عبارة عن مداخلات لجل المسئولين الوطنيين للشبيبات الحزبية المعروفة والغير المعروفة. خلال الندوة تناولوا كلمات عبروا فيها عن مواقفهم بشأن قضية الصحراء ومستجدات القضية وما ينبغي فعله. وبعد الندوة خرجت بانطباع وحيد وهو انني كما لو كنت أستمع لكلمة للملك او رئيس الحكومة. قالوا موقفا واحدا بتعابير مختلفة أصابت الحاضرين بالملل ولذلك غادر أكثر من تلثي الحاضرين القاعة حتى قبل أن يتوالى على المنصة نصف المشاركين.
والتي استوقفني خلال الكلمات هو قول احدهم: "المغرب دولة حقوق الانسان. ولا نحتاج غلى من يعلمنا معنى حقوق الإنسان الكونية والديمقراطية والكرامة. لا نحتاج لدروس أمريكا. (وصرخ بصوت مرتفع تحت تصفيقات الحاضرين القوية) المغرب وتاريخه وحاصره درس في حقوق الإنسان لكل الأمم". وختم حديثه يتوجيه التحية للديبلوماسية المغرب وتهنئتها على ما حققته من انتصارعظيم.
بالله عليكم: هل المغرب درس للأمم في حقوق الإنسان.
وما زاد من استغرابي هو وجود وجوه عديدة من المشاركين، في المنصة، كانت تقود مسيرات حركة 20 فبراير شهورا طوال، يصفقون ويحيون وزيدون. قولوا لي من فضلكم ما الذي تغير في مغربنا قبل وبعد 20 فبراير على جميع المستويات والأصعدة. قولوا للشعب المغربي: لماذا لا تزال عظام المعطلين تهشم أمام قبة البرلمان بالشارع الرئيسي للعاصمة الرباط يوميا، لماذا لا يزال هناك العشرات من المعتقلين السياسيين وضحايا الانتهاك لا يزالون يقبعون في سجون الظلم والوطن، لماذا تزداد فئات واسعة من الشغب المغربي أكثر فقرا، في الوقت الذي تزداد فيها كميشة من الناس يوما بعد ثراء وثراء فاحشا حسب تصنيفات التقارير والمجلات المتخصصة، ما معنى أن هناك 4 ملايين مغربي يعيشون في دور الصفيح والبراريك في كل المدن والقرى وهناك من يملك في كل مدينة قصر وضيعات. ما معنى ما تتعرض له الجامعة من اغتصابات أمنية بعد كل الظلم المادي والمعنوي والبوليس-الأمني الذي طالها عقودا من الزمن، متى ينتهي ظلم هذا الوطن لأبناءه ومتى ينتهي عزل العشرات من القرى والبوادي عن هذا العالم في سنة 2013. من يقدر أن يفسر ما يعانيه العشرات من المواطنين من تضييق في أرزاقهم ومتابعة لتحركاتهم من طرف الأجهزة الأمنية صباح مساء. متى ينتهي كل هذا وذاك. بل متى نقول الحقيقة على الأقل لهذا الشعب المقهور.
أما الصحراء فلا شك في أنها تتوق إلى الكرامة والديمقراطية بقدر ما تتوق أن لا تكون يوما تحت سلطة الجنرالات أو تحت رحمة المخزن المغربي. لا شك في أن هناك رؤس وبارونات يلعبون بالعشرات والمئات من شباب تلك المناطق لأهدافهم ولزعزة أمن وحياة سكان المناطق. لكن بنفس التأكيد، لا شك في أن المخزن المغربي قد ارتكب ولا يزال أخطاء فادحة طيلة عقود في حق هذا الوطن كله وهذا الشعب كله. الكلام ليس فيه مراوغة ولكن اعتقد بأن الحقيقة هو أن سكان الصحراء يوم يثقون ثقة كاملة على أن العيش في المغرب وتحت حماية سلطة ديمقراطية نابعة من إرادة الشعب وخاضعة لمصالحة ولا تقترب من حقوقه ولا تعتدي عليه، بل تراعي اختياراته ومصالحه، أكيد أنه آنذاك لن يفضلوا غير الوحدة مع الغرب وفي المغرب.
أما ما قيل إنه انتصار في الجولة الحالية فهذا غير صحيح. لأن الانتصار الحقيقي هو لو كانت هذه الدبلوماسية قادرة على إحراج إسبانيا التي تحتل مدينتي وعدد من الجزر دون أن تحرك هذه الدبلوماسية ساكنا. انتصار الدبلوماسية سيكون يوما يكون قرارها غير نابع من التبعية لفرنسا وأمريكا وغيرها من القوى التي تنتهك حقوق الإنسان في القدس وبغداد وكابل وتدعي المطالبة بحمايتها في الصحراء. المصداقية لا تمتلكها الدبلوماسيات التي تعتمد على الخارج لتصحيح أخطائها دون ان تستفتي الوطن ومصالحه في أمر ذلك.
متى كانت أمريكا التي تتدخل في الشؤون الداخلية لكل بلدان الدنيا دولة تحترم حقوق الإنسان ولا تنتهكها وهي التي تمتلك أكبر المعتقلات السرية الأكثر تعذيبا في العالم على طوال التاريخ. ومتى كانت تحمي حقوق الناس وهي التي شنت عشرات الحروب وقتلت الملايين وشردت الالاف في المشرق والمغرب لتحقيق مصالحها الإقتصادية، متى ومتى وتطول سلسلة التساؤلات.
أما ما نشر في الصحافة في تراجع الإدارة الأمريكية عن قرارها وسحبها للمشروع الذي تقدمت به فهذا ليس بريئا أبدا، خصوصا وان التاريخ القريب علمنا ان هذه الإدارة لا تتخلى عن مصالحها بأي وجه كان، مما يعني بالقطع بأن هناك صفقات دبرت تحت الطاولة جاءت نتيجتها على هذا الشكل، أخذا بعين الاعتبار التطورات الأخيرة للعلاقات المغربية مع بعض القوى العظمى وتنافس هذه الأخيرة على الظفر بقدر أكبر من الامتيازات. لا شك ان التقارب المغربي الفرنسي يؤرق الأمريكان، كما لاشك في ان الشراكة التجارية المغربية الإسبانية القوية في الشهور الأخيرة، لا يجعلهم مرتاحي البال. كما لا ننسى أيضا بان هذه الضجة جاءت مع مشاكل داخلية اقتصادية خطيرة أبرزها سحب الحكومة لأكثر من 15 من مليار سنتيم من ميزانية الاستثمارات وما يمكن أن يسببه ذلك من زعزعة اقتصادية في مستقبل الأيام.
الدبلوماسية الغربية وغيرها ستحقق الانتصارات يوم تكون نابعة من إرادة الشعب واختياراته لا من النزوات والإملاءات الفوقية الداخلية والخارجية. لأن إرادة الشعوب في طبيعتها تئن إلى التضامن كما تشتاق إلى الوحدة والابتعاد عن التفرقة والنزاعات. أما الدبلوماسيات التي يكون أصلها غير اختيارات الشعب فلا شك في انها دبلوماسيات فاشلة. ولذلك فهي عادة ما تقدم تنازلات ويعتبرها أبواقها بالانتصارات. متى كان الفشل يحقق الانتصارات يمكن للدبلوماسيات الفاشلة أن لا تقدم تنازلات وتتفرغ لتحقيق الانتصارات.
محمد الوحماني
الرباط - المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.