آثار القرار الأممي 2797 على الجزائر والمغرب!    "الاستقلال" يطالب باستبعاد المفسدين    سدس عشر نهائي مونديال قطر لأقل من 17 سنة.."أشبال الأطلس" يرغبون في الزئير بقوة أمام المنتخب الأمريكي    "فيفا" يكشف حكام مبارتي "الأسود"    اختبار مزدوج يحسم جاهزية "أسود الأطلس" لنهائيات كأس إفريقيا على أرض الوطن    تساقطات مطرية تنعش السدود والمزروعات والجديدة وآسفي تتصدران بأعلى المعدلات    امطار متفرقة مرتقبة بمنطقة الريف    الترجمة الفلسفية وفلسفة الترجمة - مقاربة استراتيجية    نجاح واسع لحملة الكشف المبكر عن داء السكري بالعرائش    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    الوكيل العام يكشف خيوط "شبكة إسكوبار الصحراء" ويلتمس إدانة المتهمين    اليابان تسمح للشرطة باستخدام الأسلحة النارية لمواجهة انتشار الدببة    وزير الداخلية يدافع عن تجريم نشر إشاعات تشككك في نزاهة الانتخابات.. لا نستهدف تكميم الأفواه    "ملايير الدراهم لا نعرف هل تصل إلى المواطن أم لا".. التويزي يدعو إلى تقييم دعم الدقيق والغاز    تقرير رسمي يسجل تنامي الجريمة في المغرب على مرّ السنوات وجرائم الرشوة تضاعفت 9 مرات    المجلس الاقتصادي والاجتماعي يوصي بإجراء تقييم مرحلي للإصلاح الجبائي وقياس أثره على المقاولات الصغيرة    المغرب يستأنف الرحلات الجوية مع إسرائيل اليوم الخميس    وزير خارجية مالي: سيطرة المتشددين على باماكو أمر مستبعد    بعد القرار 2797.. تغييرات إدارية في بعثة "المينورسو" تمهد لمرحلة جديدة من الإصلاح    انتعاش مؤشرات بورصة الدار البيضاء    المنتخب الوطني يجري آخر حصة تدريبية بمركب محمد السادس قبل التوجه إلى طنجة    مجلس ‬المنافسة ‬ومندوبية ‬التخطيط ‬يستعدان ‬لوضع ‬النقط ‬على ‬الحروف الكشف ‬عن ‬جشع ‬الوسطاء ‬والمضاربات ‬غير ‬المشروعة    المنهجية ‬التشاركية ‬الاستشرافية ‬تنبثق ‬عن ‬الرؤية ‬الملكية ‬الحكيمة    وزير الفلاحة يتفقد مشاريع "الجيل الأخضر" بالجديدة وبنسليمان    إسلام آباد.. ولد الرشيد يجري مباحثات مع عدد من رؤساء وفود البرلمانات الوطنية المشاركين في مؤتمر البرلمانات الدولي    موريتانيا تُحرج البوليساريو وترفض الانجرار وراء أوهام الانفصال    قمة المناخ 30.. البرازيل تقرر تمديد المحادثات بشأن قضايا خلافية شائكة    مباحثات تجمع بنعليلو برئيس "الأنتربول"    الكونغرس يقرّ إنهاء الإغلاق الحكومي    بالصور .. باحثون يكتشفون سحلية مفترسة عاشت قبل 240 مليون عام    المديرية الإقليمية للشركة الجهوية متعددة الخدمات ابن مسيك سيدي عثمان مولاي رشيد سباتة .. تدخلات متواصلة لصيانة و تنظيف شبكة التطهير السائل    كيوسك الخميس | المغرب يضاعف إنتاج محطات تحلية المياه عشر مرات    تراجع أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    افتتاح مركز دار المقاول بمدينة الرشيدية    إسرائيل تشن غارات في جنوب لبنان    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    ديمقراطيون يكشفون عن رسائل مسرّبة تكشف اطلاع ترامب على فضائح إبستين الجنسية قبل تفجّرها    انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية ستسجل رقما قياسيا جديدا في 2025    برنامج طموح يزود الشباب بالمهارات التقنية في مجال الطاقة المستدامة    تعاون أمني مغربي–إسباني يُفكك شبكة لتهريب المخدرات بطائرات مسيرة    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    أشبال الأطلس يرفعون التحدي قبل مواجهة أمريكا في مونديال الناشئين    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط للنهوض بالثقافة الرقمية والألعاب الإلكترونية    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    ليلة الذبح العظيم..    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البقالي يتحدث عن "التغيير الثوري" من داخل زنزانته بسجن طنجة
نشر في شبكة دليل الريف يوم 05 - 03 - 2013

إضاءة : ليست هذه المحاولة أكثر من وقفة تأمل تفرضها بعض التواريخ على ذاكرتي، وتأتيني صاخبة صاعقة بلا استئذان أو سابق تخطيط، لذا فإن القلم الذي ينزف دما، والذي يجسد الفم والرصاص والحلم1 سيكون المقرر في ما ستكشف عنه الورقة من أفكار/ مواقف ورؤى مستقبلية من خلال هذه المناولة المتواضعة التي تخطها أيدي أسير الحرب الطبقية في وطن سمي مغربا ...
يناير الحرقة والإحتراق
ليس خاف على أحد أن الشعب المغربي راكم من التجارب والخبرات الثورية ما يؤهله لأن يقود الهجوم الشعبي ضد النظام الكمبرادوري، وأن يحول سبل التصدي إلى أفق المواجهة الحمراء، كما أنه لا يمكن لأحد أن يهرب من صور الشهداء وقرون الاعتقالات التي أمضاها خيرة من استطاع أن يحمل الفكر الثوري البديل، لكن ما يتناساه الكثيرون أو يسعون إليه عبر إمعان شديد وسبق إصرار خدمة لأغراض طبقية تترجم مصالح مشروع رجعي مآله الإنهيار التام، هو التركيز على ضرورة محو لمسات التواجد الشيوعي في مختلف مراحل صنع هذه الخبرات والتجارب، وهو الأمر الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستمر إلى ما لانهاية ... فمن أجل التذكير وفي سبيل التغيير الثوري، سأحاول أن أقف عند بعض اللحظات التاريخية الفارقة في وجداننا وذاكرتنا وعقلنا.
لن ألجأ إلى تحليل كرونولوجي صارم للأحداث والتواريخ ودلالاتها السياسية، بل هي محاولة إطلالة من كوة الزنزانة إلى فضاء الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية الواسع، ولتكن البداية مع أحداث يناير 1984، والتي أسالت بالمناسبة من الدم أكثر مما أسالته من المداد في سبيل كشف الحقيقة الجوهرية لمنطق الصراع وجدل المتناقضات، إنها الرغبة الكامنة في التحرر والإنعتاق من براثين التفقير والتجهيل والطبقية، لكن كثرة اللهاث والمتهافتين على تشويه الحقائق التاريخية وخدمة أجندة مصالح الرأسمال في هذا الوطن المقطع الأوصال، تسير في اتجاه خلق أكثر من بلبلة وتشويش على موقع هذه النقطة المضيئة في تاريخ شعبنا ضمن هذا المسار الثوري العام، الذي دشنه الشعب المغربي مباشرة بعد المعاهدة الخيانية ''إيكس ليبان'' وقراره الجريء بالاستمرار في امتشاق البندقية إلى أن يسقط الإستعمار بشكليه القديم والجديد.
إن أول مظهر من مظاهر التشويه للأحداث والوقائع هو التركيز واختزال ومحاولة تصوير هذه الوقائع في منطقة جغرافية ضيقة من الوطن، وذلك خدمة لأغراض شوفينية محضة، علما أن هذه السنة سيسقط فيها شهيدين عملاقين من معتنقي الماركسية اللينينية2 في الحركة الطلابية موقع مراكش، كما أنه سيتم تحريف خطاب من يجسد ''أعلى سلطة في البلاد'' بهذه المناسبة حين نعت جميع الثوار والمنتفضين من الناظور إلى مراكش بعبارة الأوباش، وسيتم تغذية أفكار الجيل الناشيء لما بعد هذه الأحداث وقولبة مشاعرهم في اتجاه اصطناع حقد من نوع آخر من طرف النظام تجاه ''الريفيين'' مع التغاضي التام والنهائي عن توجيه مختلف ''الاتهامات'' في شأن اندلاع الأحداث المرتبطة بهذه الإنتفاضة إلى الماركسيين اللينينيين بالمغرب سواء كانو ريفيين أو سوسيين أو شلوحا أو عربا أقحاحا، وهو ما يكشف حقيقة أساسية : الحقد الدفين للتغيير الثوري والإنبطاحية التامة أمام سطوة مشاريع البرجوازية بمختلف تفريعاتها السياسية والإديولوجية والإقتصادية، إنه الإلتقاء الطبيعي والموضوعي بين تيارات نفس الفكر المسيطر على أرضية العداء للفكر الثوري المادي. لكن بالمقابل، كيف ينبغي أن أنظر إلى هذه المحطة التاريخية ؟ إنها حلقة في مسلسل تطور الثورة المغربية بشكلها المتميز أمميا، فالشعب المغربي بمساهمات مثقفيه الثوريين ومناضليه المخلصين ينتج ويراكم الخطوات النضالية ويحقق قفزاته النوعية بما يستجيب لدرجات تنظيماته ومدى انصهارها في بوثقة النضال الشعبي ضد الأوليغارشية الحاكمة الناهبة لثروات الوطن والمستفيدة من خلال الاستمرار في حماية مصالح المستعمر المباشر عبر فرض السياسات اللاوطنية واللاديمقراطية واللاشعبية على مختلف الأصعدة والمستويات. إنها محطة اصطدام مباشر بين المشروعين : الرجعي والثوري، وهي نتيجة واستمرار لمحطات سابقة لا تنفصل عنها ولا تستقل.
إذن تَمر 19 يناير، وتحضر 20 زبيدة وعادل، وتنتصب القضية الفلسطينية كقضية وطنية في وجدان الشعب المغربي وكخلفية للصراع لدى الماركسيين اللينينيين بالمغرب من أجل تعميق فضح التكالب الثلاثي (الإمبريالية العالمية والصهيونية والرجعيات الحاكمة بمختلف دول الاستعمار الجديد)، حيث يكشفون مختلف مخططات المقامرة بهذه القضية من عمان إلى الرباط، كيف لا والتاريخ لا ينفك يؤكد هذه الحقائق المطلقة : تمر السنوات ويتجرأ النظام الكمبرادوري على اغتيال التلميذة سناء مبروكي والطالب عبد الرزاق الكاديري في سيناريو مشابه ومحاك في جوهره لنفس الذي أحبك فترة اغتيال الخليفي وأجراوي ... إنه مكر التاريخ الذي لا يرحم، يجلس القرفصاء ويسجل ...
أدخل يوم 24 من يناير الذي طالما خلدت فيه ذكرى من حرموا من حقهم في التعبير، ذكرى من غيبوا عن وجوه الأحبة والرفاق، ذكرى من اقتلعوا من تصفح الكتب الحمراء لأجد نفسي هذه السنة من بينهم، واحدا من بسطاء هذا الشعب المقاوم البطل الذي يأبى إلا أن يكمل نسج حكايته للأمم ولعب دوره في التاريخ كبطل حقيقي لا يقهر. فما معنى أن تكون معتقلا سياسيا الآن وهنا ؟ إنه منطق الصراع الطبقي والانخراط الواعي والمسؤول في قبول الإنتماء إلى ما يشكل أمانة في عنق الثوري3، فكوني من بين أبناء الشعب الكادح الذي أتيحت له اقتلاع وتحصين فرصة ضمان مقعد في المؤسسات التعليمية، واكبت بجد ومثابرة فك حروف أبجدية الواقع والنضال المرير ضده بدء من الحس الطبقي بواقعنا البئيس ووصولا إلى الوعي به بذاته ولذاته، فلم يكن لي من بد سوى تلمس طريقي الخاص نحو الخلاص عبر المساهمة في إتمام المسير الثوري إلى الأمام من أجل استكمال ما تبقى من المهام المطروحة على عاتق كل من ينتمي إلى نفس الخندق. وكان لا بد لي كما يقول العلي أن أكون منحازا لطبقتي، منحازا للفقراء4. ولم يكن الطريق أبدا مفروشا بالورود، ولا تزال الأشواك تحاصرنا من كل حدب وصوب، لكن تسلحنا بالأمل والعمل هو السبيل الوحيد بأن نتجاوز كل التحديات وأن نشرع في الإنتاج الفعلي والفعال لخطوات تضاهي أو تحاول أن ترقى إلى مستوى التضحيات الجسام لمن سبقنا في الدرب نفسه إلى أن نصنع جنتنا على الأرض أو نقتلع من السماء جنتها على حد تعبير غسان5، ولن نرض دون ذلك بأقل من أن تنضاف أسماءنا إلى زروال وكمال ...
اختصارا لست في سوق للمساومة على الموقف والمبدأ، بل أعيش لحظات من ملحمة القيد والحرية6 الخالدة، والتي لن تزول إلا بإحلال الإشتراكية على الأرض بشكل مادي وملموس.
إن الزج بالمناضلين في أقبية السجون ونهج الرجعية الحاكمة خيار قمع الأصوات المناضلة الحرة يؤكد بالملموس اعتبارنا الدائم للإعتقال السياسي قضية طبقية، والذي لا يمكن أن يحل إلا وفق قوانين الصراع الطبقي نفسه، إذ في غياب ممارسة ديكتاتورية الأغلبية ضد الأقلية من مغتصبي الحقوق الجماعية ومدجني البشرية عبر فرض نمط حياتهم يستحيل الحديث عن هدم الزنازين التي لا تصلح إلا أن تحول إلى فضاءات لتربية الدواجن7 وإطلاق العنان لصراع الأفكار بكيفية ديمقراطية متكافئة، ليس بالفهم البرجوازي للديموقراطية، بل وفق ما يحدده الوريث الشرعي لخير ما أنتجته البشرية من أفكار إلى حدود القرن التاسع عشر. هكذا فقط يمكننا أن نساهم في ولوج عهد جديد يستحقه الإنسان باعتباره سيد الطبيعة الأول الذي يتحكم فيها ولا تتحكم فيه.
وكي لا أفوت الفرصة بهذا السياق، فإني لا أزال متشبثا ببراءتي وأدين الحكم القاسي في حقي وباقي المعتقلين السياسيين بجميع زنازين القهر والعار، والذين لا يستحقون إلا اعتناق حريتهم والعودة إلى الشوارع قصد الإحتجاج والاعتصام والتظاهر من أجل الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية، إنه الحق الطبيعي والمكان الملائم لكل صوت حر يتوق إلى غد أفضل لكل من يتقاسم الإنتماء إلى نفس الوطن. ومع كل لحظة يعمر فيها المستغل ويكثف من سبل تفقيره لأبناء الشعب تزداد عزائمنا صلابة وتتقوى الحرقة بداخلنا لمزيد من الإحتراق كي نتمكن من إنارة الدرب وإضاءة الطريق للحاضرين والقادمين قصد استكمال مشوار التحرير الثوري بلا كلل.
فبراير الخرق والإختراق
يودعني يناير كما تودعني باقي الشهور والأيام ولا أملك صلاحية ولا حق توديع أحد إلا بالقسر، الشهداء حاضرون بقوة في كل اللحظات، عيونهم مفتوحة على الغدر والخيانات، تراقب وتنتظر موعد حلول الربيع، موعد تفتح الأزهار رغم كثرة القاطفين، إلا أنه يستحيل عليهم وقف زحف الربيع8، ويشاء التاريخ أن يبدأ ربيعنا المعاصر في شهر فبراير الذي اعتدنا على أن نستحضر فيه الذكرى الأممية لمناهضة الإستعمار والإمبريالية وتحديدا يوم 21 فبراير، إلا أن مجموعة من الحسابات التكتيكية جعلت ''الشباب'' المغربي يختار يوم 20 من أجل المطالبة بإسقاط الإستعمار الجديد وإحداث التغيير الثوري، وما كان للماركسيين اللينينيين أن يتخلفوا عن الموعد، بل هم جزء من صناعة الحدث عبر تواجدهم الميداني في أكثر من موقع ومساهماتهم في إرساء قواعد النقاش وتوجيه بوصلة النضال نحو الأهم، فاضحين ومعرين كل الطروحات الانتهازية والانتظارية ومتجاوزين الإصلاحيين الجدد ومقولاتهم المهترئة، متحدين أيضا شعارات الظلاميين المعرقلين لتقدم عجلة التاريخ إلى الأمام.
إن الإنخراط العملي للماركسيين اللينينيين في جميع مواقع تواجدهم وبمقدار التفاوت الحاصل في الرؤى والتحليل لظروف الراهن وكيفيات التعامل معه، يعكس بالدرجة الأولى الإستمرارية التاريخية لفكر وممارسة الشيوعيين خلال مرحلة السبعينيات من القرن الماضي وتشبث الجيل الحالي من طليعة المناضلين -خريجي اليسار الماركسي اللينيني بالجامعة المغربية تحديدا- بالإجابة العلمية السديدة على واقع البنية الاجتماعية المغربية في تميزها، حيث تم الاتجاه الفعلي نحو تأسيس اللجان الشعبية وتم طرح النقاش الجاد والمسؤول في صفوف من يهمهم التغيير الثوري من أجل تطوير هذا العمل في أفق تأسيس المجالس الشعبية التي بواسطتها تستطيع الطبقة العاملة في تحالفها مع الفلاحين الفقراء والجنود الثوريين من فرض مشاريعها المستقبلية وتجسيدها على أرض الواقع في شكل خطوات عمل ملموسة.
وكما اتضح لاحقا فإن النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي في إطار موازين القوى التي تفرض نفسها إقليميا وعالميا، استطاع كسب بعض الوقت الإضافي لتأمين سيطرته الطبقية من خلال بعض الألاعيب الجديدة/القديمة قصد تأثيث المشهد العام لصالحه مستعينا بالورقة المنتهية الصلاحية والمجسدة في طرف من القوى الظلامية من أجل خدمة مصالح الرأسمال عبر تبويئها صدارة قمع الشعب وخنق الحريات العامة والفردية ومصادرة أبسط مظاهر التعبير والإبداع 9، إلا أن هذه الشروط نفسها هي التي تطرح بحدة راهنية ورهانية الدفع بالتغيير الثوري إلى أقصاه، فمن أجل دك علاقات الإستغلال وإقامة أخرى نقيضة بديلة يرفع شعار التغيير الذي لا يمكن أن يكون إلا ثوريا، أي أنه يتناقض مع نهج الإصلاحات الإجتماعية أو الحلول البين بين، وبالتالي فإنه يرتد ضد منطق الرتق والترقيع.
هكذا، فإن الجماهير الشعبية المنتفضة في أكثر من مدينة وحي وقرية ومدشر ابتداء من 20 فبراير خرجت لتخرق كل العادات القديمة المكرسة من طرف قوى الرجعية والإصلاح واستطاعت إلى حد كبير أن تخترق جميع المواقع البرجوازية الهشة والمتآكلة أصلا لتزيل كل العفن الماضوي بظلاميته وتسقط الأقنعة عن الوجه القبيح للكمبرادورية المعاصرة التي تختفي وراء مساحيق ''ضمان حرية الرأي والتعبير'' والتزين ببعض أشكال الحداثة المعطوبة المزيفة، كما أنها استطاعت أيضا أن تثبت بالملموس انتهازية وإصلاحية بعض القوى التي تحاول أن تخدر الشباب الثوري بأوهام حقوق الإنسان والتغيير ''الجذري'' نافرة من كل مفاهيم الصراع الطبقي ومقتضيات التغيير الثوري نفور المصاب من داء الجرب، فساومت على دماء الشهداء وطوت في ظرف أيام معدودة الخلافات المرجعية مع قوى الظلام فصارت تتحالف معها في خلطة عجيبة غريبة...
ومهما يكن من أمر أمثال هذه القوى، فإنها لم تكن ضمن حسابات الثوار ذات يوم باستثناء تواجدها الموضوعي الذي يستوجبه موقعها التحريفي في مسار الثورة وما تشكله من بلبلة على المشروع الثوري لكونها تشوش في أكثر من جبهة ضمن جبهات الصراع المفتوحة ضد كل من يتموقع في النقيض.
يحق لمن يوجد خارج أسوار المعتقل أن يهول من أمر جهاز القمع الطبقي بمقدار ما يحق لأسرى الحرب الطبقية من داخل زنازين القهر والعار أن يهون منه، كيف لا وحجم التضحيات ليس سيان ؟ لا نزايد ولا نناقص حد الحضيض، إنها الحقيقة التي تفقأ الأعين التي لا نامت ولا هنئت طالما هي في مزاد الردة والخيانة والغدر، يلهث بعض من كنا نمد إليهم اليد بالأمس القريب من أجل أن يرقوا إلى مستوى الفاعلين في صنع الأحداث التي ترجح كفة الانتصار للشعب المغربي، فيقبلوا بأقل من الحد الأدنى ويصير ذكر إسمهم عارا على الرفاق وعلى الدرب الأحمر كله، إلا أننا مصرون رغم كل ما يسببوه لنا من ألم مضاعف على المضي إلى الأمام إخلاصا لمن قاسمنا أنشودة الثورة ووفاء لتضحيات شهدائنا، ولا نلتفت إطلاقا ورائنا لأن الزمن وحده كفيل بكشف حقيقة أي كان. لقد صدئتم أيها الخونة المرتدون، لذا فلتتسابقوا وتتنافسوا نحو لعق أحذية أسيادكم فمصيركم لن يكون أقل من مآلهم في نهاية المطاف، والتاريخ بيننا يراقب ويسجل، إذ ''لا مفر لأي سلاح من عدالة الصدأ''10، وليس من أجل التبرير أو المزايدة أؤكد أن كل من تهافت وراء الإلتحاق بتنظيمات البرجوزاية الأشد رجعية في زمننا الحاضر- الآن وهنا- هم القلة (لأنهم يعدون على رأس أصابع اليد الواحدة) الفاشلة العاجزة على أن تطور نفسها فكريا وسياسيا، وعلى أن تتحمل مسؤولياتها تجاه شعبنا البطل والإنصهار في بوثقة النضالات الشعبية، آثرين بذلك الجلوس على الكراسي والتحلق حول الموائد المستديرة والمربعة، ليصير كل منهم بذلك بوقا رسميا للرجعية وعبدا ذليلا للرأسمال وأسيادهم الأوفياء في خدمة الأوليغارشية.
من معركة المواجهة في سبيل التحرر من أجل التغيير الثوري أعلن أن ما من كائن ولد حرا طليقا غير مستعبد، بل الجوهري في القضية أن المرء يعيش من أجل أن يتحرر ويبني حريته من كل طوق وقيد كيفما كان شكله ونوعه، لذا فإني متفائل جدا بمستقبل الضرورة الضاحكة التي ستكسر الجدران والأغلال، ويبقى أن من لا يسعى إلى الإنخراط في درب النضال والثورة لا يستحق أن يعامل إلا معاملة العبيد، فمن يرضى بها يا ترى ؟؟
تمضي الأيام والشهور، وتحل الذكريات والقضايا والمحطات، ولا أزال أقبع في سجن القهر والعار حيث سبقني كثيرون، وحيث سيتوافد آخرون قد يخرجون وقد لا يخرجون، إلا إذا راكمنا كل نضالاتنا نحو تحطيم إله الإستعباد والإستغلال الطبقيين من أجل ولوج عهد الحضارة، عهد الإنسان : إحلال الإشتراكية ولا بديل عنها.
.................................................................
1 - جاء في إحدى لافتات أحمد مطر تحت عنوان ''قلم'' : جس الطبيب خافقي وقال لي : هل ها هنا الألم ؟ قلت له: نعم فشق بالمشرط جيب معطفي وأخرج القَلم! ** هز الطبيب رأسه .. ومال وابتسم وقال لي : ليس سوى قَلم فقلت : لا يا سيدي هذا يد .. وفم رصلصة.. ودم وتهمة سافرة .. تمشي بِلا قَدم !
2 - الشهيدين الطالبين القاعديين : الدريدي مولاي بوبكر ومصطفى بلهواري .
3 - التعبير للشاعر العراقي صاحب التوجه الشيوعي، مظفر النواب القائل : ''الشعب أمانة في عنق الثوري''.
4 - المقصود هو الكاريكاتوري الملتزم ناجي العلي، القائل :''أنا شخصيا منحاز لطبقتي، منحاز للفقراء، وأنا لا أغالط روحي ولا أتملق أحدا، فالقضية واضحة ولا تتحمل الإجتهاد ... الفقراء هم الذين يموتون، وهم الذين يسجنون وهو الذين يعانون معاناة حقيقية''.
5 - المقصود هو الشهيد غسان كنفاني القائل : '' لن أرتد حتى أزرع في الارض جنتي ... أو أقتلع من السماء جنتها .. أو أموت .. أو نموت معا''
6 - ''ملحمة القيد والحرية'' عنوان كتاب يتحدث عن تجارب بعض المناضلين الشيوعيين المنتمين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ويرصد معاناتهم وصمودهم أمام شتى أنواع وصنوف التعذيب الهمجي الذي تمارسة الآلة الصهيونية.
7 - أجد مجموعة تواتون صائبة في غنائها ما يفيد المعنى التالي : ''نطلق سراح المعتقلين ونربي الدجاج حيثما كانوا''
8 - تستوقفني عبارة الثائر الأممي الرفيق غيفارا : ''تستطيعون قطف الزهور، لكنكم لن تستطيعوا أن توقفوا الربيع، إنه الربيع يزحف'' وأقف مليا عند تجربته الشخصية ومساهماته الغنية في ترجمة التعاليم الماركسية إلى أرض الواقع ضد الإمبريالية، ومدى عشقه وتفانيه في خدمة المفقرين والمستضعفين الكادحين في مختلف ربوع العالم، فتحية إجلال وإكبار لهذا الشيوعي الفذ.
9 - تطفو على السطح مجموعة من النقاشات العقيمة من قبيل : احتجاج أحد مستوزري اللاحكومة الحالية على عرض لقطة ضمن فيلم سينمائي فوق طائرة، فيندلع النقاش المزعوم حول القيم. أو إلغاء إشهار لعبة LOTO من القناة الثانية مع إلزامها ببث إشهار وقت الآذان ... وهو ما يستهدف في العمق إلهاء الشعب عن قضاياه المصيرية والحاسمة.
10 - المقولة لمؤسس مجلة أنفاس المغربية عبد اللطيف اللعبي.
المعتقل السياسي عبد الحليم البقالي
السجن المحلي -طنجة-


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.