بدعم تقني صيني وتمويل إماراتي أوربي ومن الأوبك: أنبوب الغاز المغربي النيجيري ينطلق من الداخلة    حقوقيون يسجلون إخفاق الحوار الاجتماعي وينبهون إلى تآكل الحريات النقابية وتنامي القمع    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    وقفات الجمعة ال74.. المغاربة يجددون مطالبهم برفع الحصار وإنهاء "الإبادة" في غزة    الثقة التي وضعتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في الأطر الوطنية "عامل أساسي في النجاح الحالي لمنتخباتنا" (عادل السايح)    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    بعد 25 سنة.. شركة "FRS" تُعلن رسمياً توقف نشاطها البحري بين طنجة وطريفة    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    « بين التاريخ والرواية» كتاب جماعي يرصد مسارات أحمد التوفيق    إدريس لشكر : الديمقراطية في خطر وسط تزايد الاستبداد والمخاطر العالمية    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    دراسة تكشف عوامل جديدة مرتبطة بالخرف المبكر    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    حادثة سير مميتة تنهي حياة سبعيني بالفقيه بن صالح والسائق يفرّ هاربا    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    سوريا: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي "تصعيد خطير"    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    المغرب يودّع أحد رموزه الفنية.. محمد الشوبي يترجل بعد مسار طويل من الإبداع    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    تقرير: أخنوش يستخدم أمواله للسيطرة على الإعلام والصحافيون المستقلون يتعرضون لضغوط مستمرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    إجهاض محاولة لتهريب أزيد من 51 ألف قرص مخدر بميناء طنجة المتوسط    نجاح "خامس مهمة نسائية" خارج المحطة الفضائية الدولية    مجلس الدفاع في لبنان يحذر "حماس"    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    تفاؤل تجاري ينعش أسعار النفط في الأسواق العالمية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    في ساحة مسجد بدر بطراسة… رجل يقبّل طفلًا والأب يتصل بالشرطة    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    البكوري يقيم مأدبة غذاء على شرف جنود خفاء جماعة تطوان قبيل انطلاق الموسم الصيفي    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    لجنة الأخلاقيات توقف العديد من المسؤولين عن كرة القدم بين سنة وثلاث سنوات بسبب اختلالات في التسيير    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    عيد العمال.. الكونفدرالية ببني ملال "تحتج" في مسيرة حاشدة    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    اللاعب المغربي الذي أبهر العالم بأدائه المجنون … !    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    حين يتحول الانفعال إلى مشروع سياسي: في تفكيك خطاب بنكيران حول "القضية" و"الحمار"    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمير الخطابي رجل المبادئ والمواقف
نشر في شبكة دليل الريف يوم 29 - 03 - 2013

سنحاول من خلال هذه المقالة المتواضعة، قلت المتواضعة، بالمقارنة مع الشخصية الأمير محمد ابن عبد الكريم الخطابي الذي ما يزال فكره يتعرض للطمس والتشويش والتشويه والتحوير من طرف بعض الخصوم السياسيين الذين لا يريدون لمثل هكذا فكر أن يبرز على الساحة السياسية، لأنه يضرب ضمنيا مشاريعهم الفكرية ومشروعيتهم السياسية عرض الحائط، وبالتالي يبذلون كل ما في وسعيهم لتصدي لهذا الفكر أو تحويره وفق مصالحهم ليس إلا. لهذا اخترنا في هذه المقالة المتواضعة أن نقف عند بعض نقاط "الغموض" التي برزت في الساحة السياسية بمناسبة الذكرى 50 لرحيل الأمير لا على مستوى الوطني ولا على مستوى الدولي.
سالت كثيرا من المداد وما زالت تسيل عن هذا الرجل -مولاي موحند- الذي أبهر العالم بفكره التحرري، السياسي والإنساني من خلال شخصيته المتواضعة وأخلاقه الرفيعة وإنسانيته العالية ومبادئه الراسخة التي لا تقبل المساومة ولا تنازل ومواقفه الجريئة والشجاعة... والذي اعتبر وما زال رمزا للحرية وعنوانا للكرامة ومدرسة للعديد من الحركات التحررية على مستوى العالمي كأستاذ ومعلما وزعيما وقائدا... لذلك فمهما حاولنا أن نقول في حق هذا الرجل سيبقى قليلا جدا مقارنة بما يجب أن يقال في حق هذا المفكر والعبقري العالمي. الرجل الذي قضي أزيد من نصف عمره يحارب الاستعمار ويدافع عن استقلالية الشعوب المحتلة، والذي عاصر في حياته أحداثا جساما مرت بها البشرية وعايش تهافت الدول الامبريالية على توزيع المستعمرات، في عهد تكونت فيه أحلاف عسكرية وتكتلات سياسية، اقتصادية وهيئات دولية إلى غير ذلك مما أفرزه عالم القرن 20.
شكلت مقاومة محمد بن عبد الكريم الخطابي تجربة فريدة من نوعها ليس فقط في نجاحاتها العسكرية التي أبهرت العالم بل أيضا من حيث الفكر التحرري السياسي والتنظيم الذي كان يرمي من خلاله تدشين مشروعه تحرري حضاري وتحرير منطقة الريف أولا والمغرب ثانيا، في أفق تحرير جميع تراب شمال إفريقيا. فهكذا انكب على إرساء دعائم جمهوريته القادرة على تحديث الريف، فخلق إطارا سياسيا ينظم المقاومين ويوحد صفوفهم، وأسس نظاما قضائيا وإدارياً لتنظيم القبائل وحفظ الأمن والاستقرار من خلال دستور تشرعي.
لا يعني هذا أن الخطابي كان جاهلا للتحولات الفكرية والسياسية والاقتصادية التي يشهدها التاريخ المعاصر لأوربا وباقي الدول العالم المتقدم في علاقتها بالدول العالم الثالث، بل كان رجل سياسي ودبلوماسي محنك واعي بكل المؤامرات التي تحاك ضد الشعوب المستضعفة، لذلك لم تكن مقاومته للاستعمار تسيبا سياسيا كما تصفه بعض الكتابات التقليدية، بل كان موقفه واضحا وصريحا من الاستعمار وإعلانا من الريف المغربي الذي ينادي بحق شعوب المغرب الكبير في الاعتزاز بثقافتها وتراثها.
أما الردود الأفعال التي تلقتها الجمهورية بكونها "إنفصالية" فهي مجرد محاولة لتشويه صورة الرجل ولتشتيت مشروعه الذي كان يطمح إليه ليس إلا، وأكثر من ذلك أن هذه المواقف الجاهزة لا صلة لها بمواقف الأمير لا من قريب ولا من بعيد، وحتى إذا أخذنا بهذا القول فعن ما كان "سينفصل" الأمير؟ هل عن السياسة الفرنسية التي كان يقودها مقيمها العام "اليوطي"؟ فإذا كان الأمر كذلك فالأمير بالفعل كان انفصاليا لأنه لم يقبل ولن يرضخ للسياسة الاستعمارية في المغرب، أما القول بأن الأمير كان يريد "الانفصال" من خلال جمهوريته عن المركز أي عن "السلطان" فهذه مجرد أكاذيب ليس إلا، لان "السلطان" آنذاك كان قابع في القصر كدمية بين أيدي المستعمر يمضي على وثائقه ويستجيب ويلبي لمطالبه وسياسته... وأكثر من ذلك يذهب الكثير من الجهلاء بالتاريخ الريف قبل "مولاي وحند" أو بعده إلى ربط هذه التجربة -الجمهورية- بمصطلح "الريفوبليك" الذي كان من إبداعات المخزن والذي يحاول من خلال سياسته تقسيم المغرب إلا ما يعرف في "التاريخ الرسمي" ب "مناطق السيبة" أو ب "المغرب النافع" و"غير النافع"، فمن غير المقبول رد الأصل اللغوي لمقولة "الريفوبليك" إلى الجهاز التنظيمي الذي أطر المقاومة الريفية، أو الاعتقاد أن هذه التجربة كانت مجرد امتداد للواقع التقليدي الذي عاشته قبائل الريف في تاريخها.
إن المقاومة الريفية لم تكن خالية من البعد السياسي كما يعتقد البعض، وسياسة الأمير الخطابي لم تكن ممارسة عفوية، بل كانت على عكس من ذلك هي إستراتيجية وتخطيط وتدبير واضحا، سياسة مبنية على المبدأ والموقف والهدف التي بدون هذه العناصر الثلاث الأخيرة تبقى السياسة مكرا وخداعا ونصبا للفخاخ واحتيالا على التاريخ ليس إلا، وخير دليل على ذلك تجربة جمهوريته التي عمرت خمس سنوات من التدبير السياسي والنضج والبناء التنظيمي والقانوني.
من خلال مواقف الأمير نستشف أن تجربة الريف التنظيمية كانت مجرد تمهيدا لبناء دولة وطنية مغربية عندما سيقوم بالقضاء على المستعمر من خلال إجلاء كل جيوشها عن كل شبر أرض من هذا الوطن، تجربة لا تستنسخ أساليب الحكم الغربي الذي آل إلى مشروع الهيمنة، ولا للنظام الاستبدادي السلفي الشرقي الذي يدعو إلى الدولة الدينية، بل كانت رغبته قوية في بناء دولة وطنية مستقلة بذاتها تعتمد التعاقد الدستوري الديمقراطي يحتكم إليه عامة الشعب، لكن هذه المواقف التي كان يتبناها الأمير ستجعل الممارسة السياسية عنده تخالف أشد المخالفة خطاب "نخب الحركة الوطنية" التي انفصلت عن الشعب واعتزت بغربتها عنه، هذه "النخبة" التي اختارت العمل السياسي التفاوضي مع المستعمر وبالتالي كانت نتيجته بيع المغرب في معاهدة الخزي والعار "إيكس ليبان" التي من خلالها سيحصل المغرب عن "الاستقلال الشكلي" الذي سماه الأمير ب "الاحتقلال" وكان موقف الأمير من هذه المعادة واضحا، وهكذا ستتقلد هذه "النخبة" زمام الأمور بعدما سلمت "الحكم" من القوي الاستعمارية، وكانت النتيجة إرساء دولة وطنية استبدادية في المغرب الذي من خلالها سيضيع حلم الأمير ومشروعه المجتمعي الذي كان يناضل من أجله، وبالتالي خاب أمل الخطابي ، لأنه لم يعد يخاصم الاستعمار فحسب بل يخاصم حتى عملاءه من داخل البلاد.
ما هو جميل في الذكرى 50 لرحيل الأمير أنه برزت بعض الأطراف السياسية المحسوبة على المخزن تتحدث حتى هي عن "مولاي موحند" ووقفت هي الأخرى إلى تخليد هذه المحطة، وهذا شيء عادي عندما يتعلق الأمر ببطل العالمي، لكن ما لا ليس عادي ولا بجميل هو أن هؤلاء الأطراف يتحدثون عنه من أجل الاستغلال السياسي ومخزنة مشروعه التحرري ليس إلا. وأكثر من ذلك أن هؤلاء ليسوا في المستوى بعد للحديث عن الأمير الخطابي وعن مشروعه الفكري السياسي، لأنه لا يمكن لحاملي الفكر المخزني العروبي القومي الاستبدادي أن يتقاطع مع الفكر التحرري التنويري الذي كان يتبناه الأمير، وبالتالي إذا كان هؤلاء يملكون إرادة حقيقة للحديث عن الأمير فيجبوا عليهم أن يتبنوه كفكر وكمبادئ ومواقف وهذا ما لا يقدرون عليه، لأن عبد الكريم لم يكن ينافق الاستعمار ولا أذناب الاستعمار وما كان يشارك في الحلول النصفية وخير دليل موقفه من معاهدة "ايكس ليبان" ومن "دستور 1962"، كما أن "مولاي موحند" لم يكن مخزني ولم يرتدي "شاشية المخزن" بل كان بطل تحريري ورجل المبادئ والمواقف وأكثر من ذلك فالمخزن وبيادقه هم من حطموا مشروعه الفكري والسياسي الذي كان يدافع عنه بالتعاون مع القوى الاستعمارية، وكل ما كان يجري في المغرب آنذاك كان بمشاركة المخزن وبموافقة منه لأن هذا الأخير هو الذي أمضى على "معاهدة الحماية"، إذن لا مجال للحديث عن الأمير وعن فكره ومشروعه في إطار مشروع مخزني، ومن يذهب عكس ذلك فهو يريد تحوير وتجزيء فكره ليس إلا. وبالتالي نقول أن من اختار أن ينخرط في المؤسسات المخزنية لا يستطيع أبدا أن ينتمي إلى المشروع الديمقراطي للأمير الهادف إلى تحرير المغاربة من جميع أنواع وأشكال الاستعمار والتبعية والعبودية.
كذلك ظهرت خلال هذه الذكرى بعض الأطراف من "الحركات الاسلاموية" التي تقول بأن الخطابي كان يدافع عن الإسلام أو عن العروبة أو شيئا من هذا القبيل... قد لا يختلف اثنان بأن "مولاي موحند" كان مسلما حقا، لكنه لم يكن إسلامويا فمواقفه كانت واضحة تجاه استغلال الشعور الديني مع العلم أنه استغل الوازع الديني في جمع القبائل الريفية لأن لم يكن لديه من خيار آخر غير ذلك وفي الأخير اعترف بذلك، وقال أن الإسلام الذي يقدم في المغرب والجزائر بعيد كل البعد عن الإسلام الحقيقي ويقصد هنا الإسلام الذي تروجه "الزوايا السياسية" تلك الزوايا التي كانت تتعاون مع المستعمر بدل أن تدافع عن الوطن، وقال أنه لن تستطيع "الدول الإسلامية" أن تستقل إلا إذا تحررت من التعصب الديني، فالأمير لم يكن يؤمن ب "إسلام الكسكس" بل كان يؤمن بالإسلام الحقيقي، الإسلام الذي يضمن للإنسان كرامته وحقوقه وحريته، وأكثر من ذلك فعبد الكريم أعلنها في أكثر من موقف أنه متأثر بالسياسة الزعيم مصطفي كمال أتاتورك، والكل يعرف من يكون هذا الأخير وكيف كان يفهم الإسلام ومواقفه تجاه استغلال الشعور الديني وكيف قاد تركيا لتصبح اليوم من الدول الكبر وذلك بفضل سياسته العلمانية، وبالتالي من يريد "خوجنة" أو "أسلمة" فكر الأمير يريد تحوير فكره التحرري وحصره في مصالح فئوية ضيقة ليس إلا، وهذا لا ينسجم لا من قريب ولا من بعيد ومواقف الأمير وفكره التنويري العقلاني.
كما عرفت هذه المحطة -الذكرى 50- ظهور بعض الأطراف من خلال تصريحاتهم وكتاباتهم التي يتحدثون عنها عن استرجاع رفات الأمير من القاهرة إلى المغرب، جميل جدا أن يرفع مثل هكذا مطلب، لكن وفق أي أرضية؟ ووفق أي شروط؟ وأية مواقف؟ فالنطرح تساءل الذي من الممكن له أن يجيب ضمنيا على مثل هكذا مطلب، لماذا لم يعد الأمير الخطابي عندما طلب منه محمد الخامس ذلك إبان "الاستقلال"؟ لماذا رفض "مولاي موحد" الرجوع؟ لأن الأهداف التي كان يدافع عنه غير متاحة والشروط الموضوعية التي كان يسعى إلى تحقيقها في هذا البلد لم تتحقق بعد وبالتالي رفض العودة إلى المغرب في ظل تلك الشروط، فعبد الكريم كان يحمل مشروع تحرير البلاد من كل أنواع الاستعمار سواء كان عسكرا وسياسيا وثقافيا واقتصادا... وهذا ما لم يتحقق إلا حد الآن، وبالتالي من يطالب اليوم باسترجاع رفات الأمير يجب أن ينسجم مطلبه ومواقف الخطابي، وأكثر من ذلك ألا نعتقد الآن أن عبد الكريم ما زال يكافح من قبره وهو ميت؟ إذن لا حديث عن استرجاع رفاته في ظل غياب الشروط الموضوعية التي عبر عنها الأمير في أكثر من موقف وإلا ستكون الخيانة العظمى لمشروعه الفكري والتحرري لمن يذهب عكس ذلك، فنحن لا نريد 6 كيلوغرام من تراب لندفها في أجدير وانتهى الأمر، وهناك من يطالب باسترجاع رفاته إلى الرباط وهذا لا علاقة له بمواقف الأمير بتاتا الذي كان يسعى إلى تحرير بلاده والعودة إلى مسقط رأسه أجدير لتناول "البصارة" والعيش وسط الناس، إذن من يتحدث اليوم عن استرجاع رفات الأمير يجب أن يناضل من أجل استرجاع فكره ومشروعه التحرري أولا، وهذه المسألة تتعلق بأبنائه لأن هم الذين لديهم الأحقية في طلب ذلك، لكن ما يجب عليهم هو التزام لمواقف والدهم وروحه الحقيقية التي تتمثل في مشروعه التحرري.
أية مصالحة؟ في الوقت الذي يطالب كل الديمقراطيين والحقوقيين وأحرار هذا الوطن بإعادة الاعتبار للتاريخ المغرب، والاعتراف بكفاح أبناءه لتحرير وطنهم وفي مقدمتها هذا البطل العالمي محمد بن عبد الكريم الخطابي، نجد أن الجهات الرسمية للدولة المغربية ما زالت تعمل على عكس ما هو منتظر منها في احترام رمز الوطن والوقوف إلى محطاتهم ومعاركهم الخالدة وذلك إجلالا وتكريما لما قدموه من خدمات لوطنهم، إذن عن أية مصالحة يتحدث النظام المخزني في ظل استمرارية تشويه رموز المقاومة وعلى رأسهم هذا البطل الذي نحن بصدد الحديث عنه؟ هل تسخير بيادقه وتحريكهم لشراء ذمم الضحايا بدريهمات هي المصالحة مع الريف؟ وأكثر من ذلك إلى متى ستبقى هذه الدول المتهمة في حرب الغاز بالريف غير معترفة ومعتذرة للشعب باستعمالهم للأسلحة الكيماوية المحظورة عالميا حسب معاهدة جنيف سنة 1925 التي حضرت استعمال الغازات السامة في الحروب؟ إن المصالحة الحقيقية مع الريف تستدعي الاعتراف أولا بالجرائم التي ارتكبت في حق الريفيين وكشف عن الحقيقة ما حدث سواء في الحرب الريفية وملف الغزاة السامة أو في انتفاضة 1958-1959 ثم انتفاضة 1984 ومعاقبة الجلادين المتورطين في هذه الأعمال الشنيعة المخلة بحقوق الإنسان، كما يجب على الدول المشاركة في حرب الغازات السامة بالريف -من بينها الدولة المخزنية- الاعتراف بهذه الجريمة الشنعاء والالتزام بتعويض الضحايا وإنصافهم.
كما لا ننسى مبادئ وأخلاق الأمير السامية التي تحترم حياة الإنسان والتي برهن عليها الأمير في أكثر من مناسبة في حياته سواء في مواقفه تجاه الشعوب المضطهدة أو في إطار تعامله مع الأسرى الحرب وكذا في تفاديه عدم دخوله مدينة مليلية لاسترجاعها رغم كون هذا الخطأ ندم عليه فيما بعد، إلا أن الأسباب الإنسانية جعلته يقرر عدم دخول مليلية تفاديا من ارتكاب المجازر الإنسانية التي ربما كانت ستغير مجرى الحرب الريفية على مستوى الدولي، وصف أحد الصحفيين الانجليز هذا الموقف بقوله "إن عبد الكريم الخطابي في هذا القرار لم ينسى أنه كان قاضيا، والقاضي يهدف إلى تحقيق العدل وليس إلى ارتكاب المجازر" كما إن الوجود الإسباني في مليلية كان مرتبطا بأوثاق ومعاهدات مع السلطة المخزنية المغربية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف ستكون صورة المقاومة الريفية وخاصة بطلها الذي نعت من قبل الدولة الغربية إثر معركة أنوال ب "نابليون الريف" لو دخل مليلية؟ وهل سترفع رايته لدى الرأي العام العالمي في كتاباتهم عنه؟
وختاما نقول من يريد الحديث عن الأمير لا يجب أن يتناوله من حيث كونه ريفيا وفقط، لأن هذا لا ينسجم مع فكره تخطى حدود القبيلة والوطن ليعانق هموم وقضايا الإنسان في كل مكان، فالإنسان في حجم الخطابي لا يمكن أن يكون "انفصاليا" ولا "شوفينيا" متعصبا للقبيلة أو الدين أو العرق أو اللغة، وأكثر من ذلك يجب أن ننسجم ومواقفه التحررية والتنويرية العالمية، ونتناوله باعتباره أولا وقبل كل شيء مفكرا تنويرا، الذي قام بالثورة الثقافية في المجتمع قبل أن يقوم بالثورة المسلحة، والذي سبق له أن مارس الفكر قبل أن يمارس السياسة، وثانيا باعتباره رجل جمهورية وليس فقيه أو مجاهد ناهض "الغزاة الصليبيين" كما تحاول أن تقدمه بعض الكتابات للقارئ المغربي، وبالتالي فعبد الكريم الخطابي هو رجل المبدأ والموقف والهدف الذي أسس مشروع سياسي مجتمعي ديمقراطي حداثي سعي من خلاله لإقرار دولة ديمقراطية حداثية تعترف بالحرية والعدالة والكرامة للشعب المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.