هل الاعتراف بدولة فلسطين مجرد سراب؟ بالنظر إلى صور الإمعان في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وآلة الجوع التي تفتك يوميًا بعشرات الفلسطينيين في القطاع، وتسارع موجة الاستنكارات والاحتجاجات الحادة في كل بقاع العالم، أخذت بعض الحكومات الغربية تتوجس من هذه الموجة واتساع رقعتها؛ وسعيًا إلى التخفيف من حدتها، أو بالأحرى محاولة التحكم في تداعياتها، من انقلاب جمهور الناخبين عليها ونزع الثقة منها؛ عمدت – في الآونة الأخيرة – إلى إطلاق تصريحات نارية، متوعدة السياسة الإسرائيلية من مغبة شلالات الدماء الفلسطينية التي أضحت واجهة رسمية في كل وسائل الميديا، الرسمية منها والشعبية. وفي آنٍ، عبرت عن تصميمها على الاعتراف بقيام "الدولة الفلسطينية". لكن بعض المراقبين السياسيين اعتبروا هذه "التصريحات"، والنوايا "بالاعتراف" مجرد "ذر للرماد في العيون"، ولونًا من سياسة الحرباء التي تنهجها معظم حكومات الدول الغربية، والتي افتضحت نواياها للعالم، وباتت – في عمقها – لا تراوح نطاق سياسة "ازدواجية المعايير" (Double Standards) التي ما زالت متداولةً وجارٍ بها العمل على كثير من الجاليات الأجنبية، فضلًا عن توظيفها في كثير من المواقف السياسية، سواء تجاه هذا البلد أو ذاك. ولئن كانت إسرائيل تدرك – على لسان بعض ساستها – بأن تنامي موجة التنديد بسياسة إسرائيل واستنكار فظائعها في غزة، يعد بمثابة "تسونامي سياسي عالمي" ضد إسرائيل – من الصعب مواجهته – فإن هذه الأخيرة ماضية في عنجهيتها، وكأن لسانها يصدح على ألسنة كثير من الأجنحة المتطرفة الحاكمة: "أنا ربكم الأعلى"، غير مبالية ولا مكترثة بدوي الاحتجاجات التي باتت تصم آذانها، لا بالداخل ولا بالخارج. ترامب أو "العين بصيرة واليد قصيرة"! معظم تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في بضعة أشهر الأخيرة، بخصوص "قضية غزة" لا تنفك عن إكالة الاتهامات وتحميل المسؤولية لحركة حماس، بوصفها "الحجرة العثراء" في كل مساعي إيقاف الحرب والإفراج عن الرهائن. وإذا تعلق الأمر بموقف أمريكا من عزم دول غربية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كان جوابه دوما: "هي تصريحات لا ثقل لها، ولا تؤخذ على محمل الجد!" وهو موقف يتساوق حرفيًا مع سردية إسرائيل التي ترفض – بالمطلق – وجود كيان اسمه فلسطين، متنكرة حتى لوجود "السلطة الفلسطينية" والتي تعتبرها واقعيًا مجرد فيلق أمني يعمل تحت إمرتها، وظيفته تعقب الجانحين الفلسطينيين وإحصاء أنفاسهم. لكن – على إثر توالي صور فظاعة الجوع الذي بات بشكل يومي يفتك بأطفال وشيوخ غزة – ظهر ترامب "بنفس مكلومة"، وصرح بأنها صور لا يمكن القبول بها، وسيتصل – في شأنها – بنتانياهو!