ماكرون يعتزم تعيين رئيس وزراء جديد خلال يومين والمعارضة تطالب باستقالته    أكثر من 3.2 مليون مسافر عبروا الموانئ المغربية خلال "عملية مرحبا 2025"    مونديال 2026 .. منتخب مصر يحجز ،من الدار البيضاء ،بطاقة العبور إلى النهائيات عقب فوزه على جيبوتي(3-0)    المغرب.. من الطموح إلى الريادة في التحول الطاقي العالمي                وفاة سيدة حامل بعد عملية قيصرية تُفجر جدلاً واسعاً حول ظروف التكفل الطبي    الضابطة القضائية تستمع لعدد من الحاضرين أثناء إضرام النار في الفنان "سوليت"    محكمة طنجة تُدين قاتل صديقه بثلاثة عقود من السجن    مهدي بنسعيد: المناظرة الوطنية حول الإشهار محطة حاسمة في مسار بناء منظومة وطنية مهيكلة وشفافة    الجزائر ترصد أكبر موازنة في تاريخها لعام 2026... نحو 131 مليار دولار منها 27 مليار دولار للدفاع    إسبانيا توقف تصدير الأبقار الحية إلى المغرب    12 قتيلا و2983 جريحا في حوادث السير    دار الشعر بتطوان تستضيف الدورة العاشرة من ملتقى الشعر العربي    الأنثروبولوجيا الإعلامية ودورها في فهم الصحافة في العصر الحديث    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    "جيل زد" تعلق الاحتجاجات يوم الجمعة    الدنماركي سوروب مدربا للأهلي المصري    حقوقيون: غالي وبن الضراوي يضربان عن الطعام ويتعرضان لتعذيب إسرائيلي    تأكيد تعيين سفير أمريكا في المغرب    انطلاق موسم التكوين للصناعة التقليدية    القطاع البنكي يقود نمو أرباح الشركات داخل البورصة خلال النصف الأول من 2025    بنكيران يتبرأ من أفتاتي بعد التوقيع على رسالة موجهة للملك ويدعو لعدم الانخراط في أي مبادرة مماثلة    إحداث أكثر من 72 ألف مقاولة في المغرب خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025    إسرائيل تختطف سفن «أسطول الحرية» المتجهة إلى غزة اليوم وتعتقل 150 ناشطا    مونديال الشباب: المنتخب المغربي ينهي تحضيراته تأهبا لمواجهة كوريا الجنوبية في ثمن النهائي    رونالدو أول ملياردير في عالم كرة القدم    محامي: غالي وبن ضراوي يخوضان إضرابا عن الطعام وإجراءات ترحيلهما جارية    ثلاثة باحثين بينهم الأردني، من أصل فلسطيني، عمر ياغي يفوزون بنوبل الكيمياء    ابتداء من يومه الخميس وإلى غاية يوم الأحد الجديدة تحتضن الدورة 14 من مهرجان «الأيام السينمائية لدكالة»    إسني ن ورغ 16 بأكادير: تاج ذهبي جديد يتوج إبداع السينما الأمازيغية والعالمية    الركراكي يوجه الدعوة لأنس باش لمباراتي البحرين والكونغو        "حكومة شعبية" وحسابات سياسية    ولد الرشيد يستقبل مديري وأصحاب المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية ورؤساء جمعيات الآباء في حوار جاد ومفتوح    مؤسسة وسيط المملكة تطلق مبادرة خاصة بالتنظيمات الشبابية الحزبية ضمن برنامج "منتديات الحكامة المرفقية"    انطلاق الدورة الخامسة للمعرض المغاربي للكتاب "آداب مغاربية"    تشخيص وضعية قطاع الصحة كشف أوجه قصور استدعت إصلاحا هيكليا (التهراوي)    انتحال صفة شرطيين يوقف شخصين بطنجة                الحجمري: الترجمة ضمن الاستشراق أداة لمساءلة الحاضر واستشراف المستقبل    أردني من أصل فلسطيني وياباني وبريطاني يفوزون بنوبل الكيمياء    الجامعة الوطنية للتعليم بالحسيمة تحمّل المديرية الإقليمية مسؤولية ارتباك الدخول المدرسي    "سبيس إكس" تطلق 28 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    استمرار احتجاز إسرائيل لنشطاء مغاربة يصل إلى البرلمان.. ومطالب لبوريطة بتدخل عاجل    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل وراثية    "فيفا": أكثر من مليون شخص يتقدمون لبرنامج المتطوعين الخاص ب"مونديال" 2026    مارين لوبان تنتقد خطة ماكرون لتشكيل حكومة جديدة: "مسرحية بلا نهاية"    الياسميني يترجم للفيلسوف "براندوم"    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطاحونة الكبرى...
نشر في هسبريس يوم 15 - 07 - 2018

لعل الكثير من المواطنين في بلدي، الذين تضامنوا مع موت بائع السمك محسن فكري بطريقة تشبه مصاصي الدماء وأبطال أفلام "الزامبي"، التي اشتهرت في أمريكا في السنوات العشر الأولى من القرن الواحد والعشرين، قبل سنتين، لم يكن تعاطفا معه وفقط، لم يكن رفضا لأن تزهق روح تبحث عن لقمة عيش، على رصيف الشارع، رصيف الحياة، بتلك البشاعة. بل كان الأمر، إلى جانب التعاطف، رفض لممارسة الطاحونة الكبرى التي تتسع دائرتها يوما بعد يوم، فالوطن، صار طاحونة مجنونة لا تبقي ولا تذر، الوطن غدا طاحونة وَحَبُّ رحاها هم الفقراء والمهمشين، هم السواد الأعظم في هذا المغرب الأقصى، هذا المغرب الأقسى...
أما أرباب الطاحونة فيتفرجون على "طحين" الشعب في ساديَّة هتليرية...
ليطرح السؤال الفأس، كم عدد المطحونين في هذا البلد؟ وإلى متى سيستمر هذا الطحن...؟
كم من تلميذ طُحِن حقه في أن يجد مكانه في المدرسة، وكم عدد الأقسام التي تُرتِّب تلاميذها في حجرات بئيسة وكأنهم في علب سردين؟ كم من النساء والأطفال المنسيين في الجبال والدواوير المعزولة، متروكين لغطرسة الطبيعة، معلقين بين برد لا يرحم، أو صهْدٍ لا يرحم، حتى لَتغدو كل أحلامهم، مدفأة وكسرة خبز تسكت البطون المحتجة؟ أو بيت يقيهم حر الشمس، وعهر الشارع...
كم من العمال الذين تقتل إنسانيتهم تدريجيا، ويصبحون مع مرور الوقت."ربوهات" بليدة، تشتغل ليل نهار في شركات أجنبية، بدراهم لا تكفيهم حتى ليعيلوا أنفسهم، فكيف بذويهم؟
إنها أسئلة ما عاد المواطن يطرحها، لأنها موجعة، ولأن أنياب الطاحونة لا ترحم، وتغتال كل من قال "لا" ...
كم من المعتقلين الذين نسوا في الزنازين حتى تعفنت أحلامهم، وتأكسدت انتماءاتهم لهذا الوطن/ الطاحونة؟
إنها الطاحونة الوطن، أو الوطن الطاحونة، تُفقر وتُجهل، كي نبقى حطَبها ووقودها، فإن كان "فكري" بائع سمك "بو سيف" يعرفه، فإن شريحة كبيرة من الشعب ما كانت تسمع بهذا الاسم قبل الحادثة، وشريحة أكبر كانت تسمع به، لكنها كانت تدرجه في خانة الحلال/المحرم، الممنوع، لأن دراهمنا الحقيرة لا ترقى لشراء سمكة واحدة منه، نحن البلد الذي يتمتع بثروة بحرية تصل إلى 3500كلم، لا نعرف من الأسماك سوى، السردين، الشرن، كابايلا، يعني، كل ما لا يتجاوز ثمنه 20 درهما، حتى إن الواحد منا، لَيَتَجنب أن يمر بجانب "مارشي الحوت"، كي لا يحس كم هو جيبه فقير...
هذا حال المغاربة مع سمكهم، السمك الذي ذهب بروح شاب ثلاثيني، بصورة تجعلك أمام كوابيس مزعجة بعد مشاهدتها...، السمك الذي كان سببا في احتجاج شباب لم يرض عن واقع أليم، فوزعت "العدالة" سنوات طويلة من السجن، حتى ليخيل إليك، أنها لن تنهي..
الوطن الطاحونة، هذا هو الوصف الذي يليق ببلدي، ولقد تعلمنا، وبُرمجنا أن نكون "مازوشيين" أي، أن نحب الوطن رغم كل هذا الظلم والحيف، أن نقول، سمعنا وأطعنا، أن نقول عاشت الطاحونة، أن نشاهد في قنوات تافهة برامج للطبخ، لا يعرفها أكلاتها السواد الأعظم من الشعب، فقط نشاهدها ولا نعرف حتى نطق أسمائها، ونترك لخيالاتنا المعطوبة/ المكبوتة، أن تتلذذ بها في الحلم... نحن الذين نعدُّ الدراهم عدّا، قبل أن ندخل السوق، لا نطرح السؤال المزعج:
هل نحن فقراء قدرا؟ هل الله هو الذي حرمنا من أن نحصل على حصتنا في ثروات بلدنا...؟
موت محسن فكري، واعتقال المناضلين في كل من جرادة والحسيمة وغيرهما، ما هو إلا صورة صغيرة لطاحونة عملاقة، تطحن كرامة المواطن في المستشفيات، في النقل، في التعليم، في الشغل، وفي كل شيء، طحن بنظام المداومة، حتى أننا أَلِفنا أن نكون حبوب الطاحونة الكبرى، وحين جاءت واقعة سماك الحسيمة، وقبله مي فتيحة، ولحقهما شباب الريف صدمنا سؤال استشرافي:
من المطحون القادم، أنا أنت، أم ...؟
* أستاذ وباحث جامعي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.