قال محمد بنعيسى رئيس مرصد الشمال لحقوق الانسان إن عملية استقطاب و تجنيد شباب مدن شمال المغرب للقتال ضمن صفوف ما يسمى "تنظيم الدولة الاسلامية" (داعش)، عرفت تراجعا في الآونة الأخيرة، بشكل ملفت للانتباه، و بخاصة في مدينة الفنيدق باعتبارها كانت مركزا للاستقطاب لصالح "داعش"، و التي قدمت موارد بشرية كبيرة لصالح التنظيمات المتطرفة في العراقوسوريا طيلة ثلاث سنوات، قبل أن يخمد الوضع "وكأن قوسا قد جرى إغلاقه". و أرجع بنعيسى في تصريح صحفي له السبب الرئيس في حدوث هذا الخمود في المنطقة إلى مقتل عبد العزيز المحدالي، معتبرا أن هذا الحادث شكل منعطفا حادا في مسار الاستقطاب والتجنيد في الفنيدق وبعض نواحيها "لأن هذا الشخص كانت لديه مسؤولية مباشرة في تجنيد الكثير من الشباب المحليين، أو لنقل إنه كان هو العامل الأساس لانضمامهم إلى هذا التنظيم (داعش) ، و قبله (جبهة النصرة )". و لفت بنعيسى إلى أن أعداد المرشحين للقتال في صفوف "داعش"، عرف تناقصا "بشكل مهول بعد مقتل عبد العزيز المحدالي حتى تبخروا تماما هذا العام". و أضاف أن تزايد أعداد القتلى من المدينة نفسها بات عاملا مثبطا للهمم، وكان من الصعب إقناع الشبان بالانضمام إلى "داعش" في وقت يسقط فيه ما بين 7 و8 شبان من تطوان ونواحيها قتلى، وهو ما يدلل على أن "فكرة الهجرة من أجل الموت لم تعد تمتلك جاذبية كبيرة في صفوف الشباب، لأن الأبطال المزعومين كالمحدالي سرعان ما نُسي أمرهم أو تحولوا إلى موضوعات للشك". و أوضح بنعيسى أن الخلايا المحلية لاستقطاب الشباب من أجل الالتحاق بتنظيم كانت تبذل مجهودات أكبر لإقناعهم بعد فقدان المحدالي، ولذلك كان لتدخل السلطات مفعول مساعد على وقف الموجة الثانية. إن عدد الخلايا التي جرى تفكيكها في الفنيدق أو تلك المرتبطة بتطوان أو بمناطق أخرى بالمغرب، وكان لفاعلين نشطين في الفنيدق صلة بها، كان عددا ضخما مقارنة مع مناطق أخرى. مؤكدا على أن تنظيم "داعش" بالفنيدق تعرض لعملية تجفيف حقيقية لقواعده في الاستقطاب والتجنيد والتمويل، حتى وإن تشكلت لدى شبان محليين قناعة بالانضمام إلى التنظيم فإن قدرتهم على تنفيذ خطتهم كانت محدودة أو في كثير من الأحيان مستحيلة، لأنهم لم يعثروا على أشخاص يساعدونهم على التخلص من رقابة السلطات، أو تمويل رحلاتهم كما كان يحدث بفضل الإرشادات العملية لعبد العزيز المحدالي، وحتى لو كانت لديهم الإمكانات لِفعِل ذلك، فإن هواجس اعتراض طريقهم في الحدود المغربية كانت عاملا معيقا ليجد المتطرفون في الفنيدق على الخصوص أنفسهم في وضعية حصار شديد. في نفس السياق نبه بنعيسى إلى أن التناقص أعداد الشبان الذين ينضمون إلى "داعش" من مدينة الفنيدق، يقابله ارتفاع عدد الذين يفعلون ذلك من مدينة مارتيل وتطوان، على عكس ما كان عليه الحال من قبل، وبالأخص فيما يتعلق بمدينة مارتيل. لقد كان التفسير المحتمل لهذا التغير هو أن وجود اسم الفنيدق على جواز سفر قد تحول إلى مشكلة، ومع تركيز سلطات مراقبة الحدود في مطار الدارالبيضاء عليه، فإن الشبان المنحدرين من مدن أخرى بشمال المملكة لم يكونوا يلقون مشاكل كبيرة في تجاوز عقبات الحدود. مبرزا أنه و بالرغم من كل شيء، فإن الأعداد المعنية لهذا العام تبقى قليلة في حالة تطوان، فيما بقيت أرقام مارتيل في مستوى منخفض، ولم تصل إلى حجم مثير للفزع كما كان يحدث مع الفنيدق. و في هذا الاطار قال ذات المتحدث إنه وطيلة هذا العام، أيضا، لم تنفذ السلطات عملية تفكيك لخلايا في تطوان أو مارتيل أو نواحيها، وحتى في طنجة، ويبدو أن المشكلة لم تعد كبيرة. ومع ذلك، من الضروري أن نقول بأن هذه المؤشرات العملية أو الظاهرية لا يجب أن تخفي علينا حقيقة أن "داعش" مازالت مستمرة في مناطق شمال المملكة، وكل ما يحدث الآن في رأيي هو انحناءة تكتيكية، وقد نرى موجة هجرة جديدة إن ظهرت بؤرة توتر أخرى، وقد وقع ذلك في 2004 في قضية العراق، وعادت في مشكلة سوريا، وستعود مرة أخرى بشكل مؤكد.