تركز الأبواق الإعلامية الدعائية المغرضة الموجهة للداخل الجزائري ولمخيمات الاحتجاز بتيندوف على دق طبول الحرب، وتقديم لقطات عن رمي مفرقعات من وراء جدر، باعتبارها إيذانا بدخول ملف الصحراء منعطفا خطيرا يهدد المغرب بالعصف بكل مكتسباته الوحدوية والتحررية، فيما المعطيات الواقعية القائمة في الأقاليم الجنوبية المغربية تشير كلها إلى أن هذه المنطقة الآمنة والغالية من التراب الوطني المغربي، هي على أهبة الاستعداد للدخول إلى عصر وتاريخ جديدين من البوابة الأطلسية الواسعة والشاسعة المفتوحة على كل من أوروبا وإفريقيا وأمريكا، لا يتعلق الأمر بانفتاح جغرافي وطبيعي فحسب، وإنما بانفتاح لمشاريع النماء والرخاء ولشراكات "رابح- رابح" التي يُعد المغرب رائدها القاري والدولي في المنطقة، وتعتبر صحراؤه جوهرة هذه الشراكات التي تتطلع إليها دول غرب إفريقيا للعبور نحو أوروبا وتشرئب إليها أعناق الدول الأوروبية من أجل الربط القاري مع العمق الإفريقي، وتسعى إليها دول القارة الأمريكية شمالها وجنوبها، للانفتاح القوي على العالم تجارة وصناعة وفلاحة وطاقة وتبادلا للخبرات ونقلا للتكنولوجيات واستثمارا للأموال في ما يعود بالنفع والخير على جميع الشركاء على الضفة الأطلسية الإفريقية الواعدة. لقد هيأ المغرب أرض صحرائه بالبنيات التحتية من طرق ومسالك ومعابر وجسور وموانئ ومطارات وشبكات مياه وكهرباء واتصالات، لتكون مؤهلة، في هذا اليوم الموعود الذي أعلن عنه الخطاب الملكي السامي بمناسبة تخليد الذكرى الثامنة والأربعين على انطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، للدخول في عصر جديد من الاستقطاب القوي والسريع والمتنوع للاستثمارات الوطنية والقارية والدولية التي تطرق باب الصحراء، في مجالات حيوية وواعدة بدءا بأنبوب الغاز الضخم "نيجيريا المغرب" الذي تشكل الصحراء المغربية جسره نحو أوروبا والعابر لأزيد من 11 دولة غرب إفريقيا، والمطل على الشريط الساحلي الأطلسي الإفريقي، فبالإضافة إلى ما سيوفره هذا الأنبوب الغازي الضخم لأوروبا من مصادر مضمونة وآمنة للطاقة، فإنه سيشكل نواة قوية للاندماج الجهوي والتنمية المستدامة لدول الساحل الأطلسي. أنبوب بهذا الحجم من الرهانات الكبرى، وبما قطعه من أشواط كبيرة في التمكين له على أرض الواقع (دراسات الجدوى، توقيع اتفاقيات ومعاهدات، جلب وجذب التمويلات…) لا يمكنه إلا أن يكون ناجحا وعامل استقرار في المنطقة، وزيادة التبادل والتقاسم والتعاون بين دول الشمال والجنوب. هناك مشاريع استثمارية حيوية أخرى تستقطبها الصحراء المغربية في مجالات الفلاحة والسياحة والصيد البحري، ستشكل كلها عناصر التحول الجوهري في اقتصاد المنطقة، وتمثل نموذجا للنجاح التنموي الرائد في إدماج الصحراء ليس فحسب في ركب التنمية الوطنية وفي النسيج الاقتصادي المغربي، وإنما في محيطها القاري والدولي، بجعلها قطبا جهويا حقيقيا للتبادل وإرساء علاقات دولية جديدة مبناها على تحقيق المصالح المشتركة التي تعود بالنفع على القارة الإفريقية بالخصوص، وعلى الاستقرار في الضفة المتوسطية التي تشكو من مشاكل الهجرة والتهريب والإرهاب وعدد من الانفلاتات الأمنية الأخرى. إن الخطاب الملكي السامي بعباراته القصيرة والمركزة والقوية قد لخص معنى أن تكون دولة باسطة لسيادتها الكاملة على ترابها الوطني، جادة وواثقة في خطواتها البناءة، ذات مشروع حضاري وتنموي تواجه، بقوة اقتراحية وإبداعية رائدة، معضلات التنمية، وتستثمر موقعها الجيوسياسي في تحسين العيش المشترك وتيسير سبل التفاهم وتبادل الخيرات والأرباح، وفي مد الجسور والقنوات، بدل الركون إلى خطابات الانغلاق والانسداد وقطع العلائق، ونزعات الانتقام والعنف والكراهية. هذا هو الفرق بين من يعمل على إطفاء نيران الحروب ووأد الفتن والبحث عن الفرص الممكنة والمتاحة لتوطيد دعائم الاستقرار والازدهار الذي يعم الجميع نفعهما، ومن يعمل ليل نهار على قطع العلائق والأرحام، وتخريب الصلات والروابط، وتجميد حركة التاريخ عند أحقاده وأمراضه المزمنة. المغرب يرد على العدوان العشوائي اليائس والمخذول بالمشاريع المستقبلية الكبرى والهائلة التي ستغير ليس فحسب وجه المنطقة الصحراوية، بل الواجهة الساحلية الأطلسية التي ستكون منارة لإفريقيا الناهضة، ومحجا لكل القوى العاملة والمنتجة ولرؤوس الأموال المتحركة، ومنصة لإطلاق حزمة من الأوراش التنموية والمبادرات والاستثمارات والشراكات المربحة المؤطرة بقيم الجدية والمصداقية والموثوقية والواقعية والمشروعية التي تتحلى بها الديبلوماسية السياسية والاقتصادية المغربية، في تحد عملي وإيجابي، ليس فحسب ضد البوم الناعق الذي يرمي بمفرقعاته من وراء الجدر العازلة، بل ضد قوى الاستعمار والهيمنة على إفريقيا وعلى مقدراتها وثرواتها ومصالحها.