ذ. عبدالله عزيز في زمنٍ تتسارع فيه المدن نحو التصنيع والاكتظاظ والضجيج، يطرح كثير من أبناء تيزنيت اليوم سؤالًا عميقًا ومشروعًا: هل تتجه تيزنيت لتكون "مدينة الحياة البطيئة" بامتياز؟ مدينة هادئة، نظيفة، مستقرة، تتوفر على مقومات العيش الأساسية، لكنها في المقابل تفتقر إلى الصناعات الكبرى وفرص الشغل الواسعة. لقد أصبحت تيزنيت اليوم مدينة تتوفر على أغلب التجهيزات الضرورية: مستشفى إقليمي، مؤسسات تعليمية، طرق حضرية، بنيات رياضية، مرافق إدارية، وأحياء سكنية في توسع مستمر. كما تتميز بنمط عيش هادئ، وأمن مستتب، ووتيرة يومية بطيئة مقارنة بالمدن الكبرى. غير أن هذا الهدوء الجميل يخفي في باطنه إشكالًا بنيويًا واضحًا: غياب المصانع الكبرى والمشاريع الصناعية المولدة لمناصب الشغل. في الوقت الذي تعرف فيه المدن المجاورة مثل أكادير نموًا متسارعًا في عدد السكان، وتوسعًا استثماريًا في السياحة، والصناعة الغذائية، والخدمات، وتعرف فيه كلميم بدورها طفرة عمرانية وتجارية واضحة، تبدو تيزنيت وكأنها تسير في اتجاهٍ مغاير: الاستقرار بدل التسارع، والهدوء بدل الاكتظاظ، والسكن بدل التشغيل. هذا الواقع جعل فئة واسعة من شباب تيزنيت تختار الهجرة نحو المدن الكبرى بحثًا عن فرص الشغل، سواء نحو أكادير، الدارالبيضاء، مراكش، أو حتى خارج الوطن. بل إن آلافًا من الشباب وجدوا في العمل الموسمي أو الدائم بشركات فلاحية كبرى مثل AZURA متنفسًا اقتصاديًا، رغم قسوة ظروف العمل وبعد المسافة عن مسقط الرأس. وهنا تتضح المفارقة المؤلمة: تيزنيت مدينة صالحة للعيش، لكنها ليست دائمًا صالحة للشغل. مدينة تُغري المتقاعدين، والأسر الباحثة عن الراحة، والموظفين، لكنها تُربك الشباب الطامح إلى الاستقرار المهني. ومع ذلك، فإن هذا الواقع لا يخلو من قراءة إيجابية. فغياب المصانع الثقيلة، وقلة التلوث، وتوازن العمران، واحترام الإيقاع الطبيعي للحياة، كلها عناصر تجعل تيزنيت مؤهلة فعلًا لأن تصبح مدينة للحياة البطيئة (Slow City) على الطريقة الأوروبية: مدينة للصحة النفسية، ونقاء الهواء، والاستقرار الأسري، والعيش البسيط المتوازن. غير أن السؤال الجوهري يظل مطروحًا بإلحاح: هل نريد لتيزنيت أن تكون فقط مدينة هادئة للسكن؟ أم مدينة متوازنة تجمع بين الراحة وفرص العمل؟ إن التحدي اليوم ليس في تحويل تيزنيت إلى مدينة صناعية صاخبة، بل في خلق استثمارات ذكية تحترم طابعها البيئي، وتخلق فرص شغل حقيقية: في الصناعات الغذائية، الاقتصاد الاجتماعي، السياحة الإيكولوجية، الحرف المحلية، الرقمنة، والطاقات المتجددة. تظل تيزنيت أمام خيار تاريخي واضح: إما أن تتحول فعلًا إلى مدينة الحياة البطيئة المنظمة، أو أن تبقى مدينة هادئة تُصدّر شبابها إلى مدن أخرى وتكتفي بدور السكن والعبور. والسؤال مفتوح أمام الساكنة، المنتخبين، والمستثمرين: