الانتخابات الجزئية بفاس... "البيجيدي" يشتكي من "ممارسات فاسدة" و"طغيان المال الحرام"    وزير فلسطيني : المغرب تحت قيادة جلالة الملك من الدول العربية والإسلامية الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس    أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي يكثف هجماته في مختلف أنحاء القطاع    الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن "تمجيد الإرهاب" إثر بيان حول حماس    منتخب الهوند الجزائري ما جاش لدونور يلعب مع المغرب بسبب خريطة المملكة وخوفو من الكابرانات    خريطة المغرب تزعج الجزائر بالبيضاء    الوزارة تعلن تجهيز الفصول الدراسية بالابتدائي ب"ركن للقراءة" يضم 50 كتابا باللغتين العربية والفرنسية    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    رقعة التأييد الأوروبي للمغرب تتمدد والتشيك تؤكد دعمها للحكم الذاتي في الصحراء    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. المدرب الإسباني أوناي إيمري يجدد عقده مع أستون فيلا حتى 2027    مدرب فينورد سلوت مرشحا لخلافة كلوب في ليفربول    وزير : تقنيات الجينوم الجديدة أداة رئيسية للتكيف مع التغيرات المناخية    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    آيت الطالب: الحوار الاجتماعي في القطاع الصحي حقق العديد من مطالب النقابات    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    التعليم رجع كيغلي فوق صفيح ساخن. ملف الأساتذة الموقفين غادي بالقطاع لأزمة جديدة وسط رفض نقابي لتوقيع عقوبات ضدهم    وزير خارجية سيراليون : العلاقات مع المغرب بلغت "مستوى غير مسبوق"    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    وهبي لوزيرة العدل ديال الساو تومي فاجتماع دولي: تكلمي السيدة الوزيرة أنت كإمراة عندك الحق تتكلمي عشرين مرة    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    تهمة الاتجار في عملات أجنبية بدون ترخيص تطوق عنق الناصري وبعيوي    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    الأقمصة الرياضية التي أرعبت السلطات الجزائرية!    بسبب انقطاع شلّ مرافق مقاطعة مرس السلطان.. الداخلية تمنح بودريقة أسبوعا لاستئناف مهامه    وزير الزراعة والأمن الغذائي بنيجيريا: "نرغب في تعميق علاقات التعاون مع المغرب في المجال الفلاحي"    الفلاحة المستدامة.. القرض الفلاحي للمغرب والوكالة الفرنسية للتنمية يوقعان اتفاقيتي قرض    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الموت يفجع زوج دنيا بطمة السابق    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟    أسامة العزوزي يسجل في مرمى روما    الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    الأمثال العامية بتطوان... (577)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادات... في حق الزعيم الراحل علال الفاسي
تميز بقوة الفكر ونبل المواقف
نشر في العلم يوم 10 - 10 - 2010


الوحدة: منطلق أفكار علال الفاسي
المجاهد الأستاذ أبو بكر القادري عضو مجلس الرئاسة
انطلق علال في كل أعماله من إيمانه بالوحدة: وحدة الإله، ووحدة العقيدة، ووحدة الأمة، ووحدة الأفكار، ووحدة اللغة، ووحدة التراب، ووحدة العمل الوطني.
فعلال كان «موحدا» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وحس «علال» الوحدوي كان يدفعه دوما إلى أن يكون وحدة في جميع الميادين وهذا ما أضفى على حياته كلها طابع التميز، وأكسبه صفة التفرد، وارتقى به إلى مصاف المجاهدين الأفذاذ، الذين أحدثوا في مجتمعاتهم تأثيرا بعيد الغور، وجعل الأجيال تلو الأجيال تبقى مدينة له بما قدم لها من صدق التوجيه، وعصارة الأفكار، ونبل المقاصد.
حظي الزعيم الراحل علال الفاسي باهتمام كبير من قبل أعلام الفكر والسياسة والأدب وشهد له
الجميع بأنه كان بامتياز منظرا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وفقيها وعالما إسلاميا مجتهدا، وشاعرا مرهفا، فكان اجتماع هذه الخصال في شخصه قد جعل منه زعيما وطنيا وقوميا. وفي الأسبوع الماضي اقتبسنا جملة من المواضيع التي يعبر فيها انطلاقا من قناعاته حول الدين والمجتمع والوحدة العربية والوحدة الإسلامية. وخلال هذا الأسبوع نقتبس رأي المجاهد أبي بكر القادري رفيق درب في الوطنية.
لقد كان أخونا «علال» داعية وحدة، وزعيم أمة، أدرك حقيقتها، واستوعب فكرها، وتقمص شخصيتها، ووهب لها حياته كلها، جهادا لكلمة الحق، ونضالا من أجل الحرية، واستماتة في الدفاع عن القيم الإسلامية المثلى، وصبرا على المكاره في سبيلها، وتحملا للمتاعب من أجل صيانتها، إلى أن لقي ربه وهو مجاهد في سبيل وحدتها وكرامتها.
لقد كان «علال» رجل الوحدة، آمن بها عن اقتناع وإيمان ويقين، ورفعها شعارا لأعماله الوطنية التي نذر حياته لها، والتي ضحى من أجلها أشرف وأعظم ما تكون التضحية في سبيل المبادئ الخالدة.
فكان البعد الوحدوي في تفكيره، وأثر الوحدة في ممارستها ومواقفه وأعماله كلها، أبرز معالم فكره السياسي، وأوضح سمات نضاله الوطني، حتى صار رمزا للوحدة، واسمه رديفا لها، وعنوانا عليها.
إن مرتكزات الفكر الوحدوي لدى أخينا «علال الفاسي» تقوم على أساس المفاهيم التي حركت حوافز النضال الوطني في بداياته الأولى، ولذلك كانت أصيلة، عميقة الجذور، ذات أبعاد متعددة، ولكنها تنطلق أساسا من البعد الإسلامي، الذي يعتبره «علال» الأصل الأصيل الذي يدفع إلى العمل الوحدوي في مختلف أشكاله، وتنوع مناحيه.
فالقرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة، وهما المنبعان الأساسيان اللذان استقى منهما «علال» أفكاره ومبادئه، يعتبران الوحدة من القيم الأساسية التي تجب المحافظة عليها، سواء أكانت وحدة الأمة أو وحدة الأفكار أو وحدة العمل أو وحدة التشريع، فالأمة الإسلامية أمة واحدة (وان هذه أمتكم أمة واحدة) (وكلكم لآدم، وآدم من تراب) و (إنما المومنون إخوة) و (المومن للمومن كالبنيان يشد بعضه بعضا).
هذه الآيات والأحاديث وأمثالها، هي المنابع التي استقى منها «علال» وتشربت بها روحه، وهي التي أمدت عقله في فترة مبكرة من حياته بالتوجيهات التي قادت مسيرته النضالية، مما انعكس أثره على الحركة الوطنية التي أرادها «علال» فكانت حركة سلفية العقيدة، وطنية المنهج، عربية الملامح، إسلامية المرمى، إنسانية المقاصد.
لقد انطلقت الحركة التي قادها «علال» من منطلق عقيدة التوحيد التي هي الحجر الأساسي في البناء الوطني، والهوية الثقافية والفكرية والعقائدية والحضارية لشعبنا وأمتنا.
إن علال يدعو إلى الرجوع إلى مفهوم الأمة التي دعا إليها القرآن بقوله: «وأن هذه أمتكم أمة واحدة) ويعتبر الأمة الإسلامية أمة واحدة، حدودها هي دار الإسلام، وشعارها توحيد الله، وإقامة العدل بين الناس فالأمة الإسلامية واحدة، ولا نجاح لها إلا بتوحيد صفها، والرجوع إلى أهلها، والتشبث بمبادئها، والتحرر من كل تبعية لأفكار غيرها.
يقول في محاضرة ألقاها أوائل الخمسينات بالأزهر الشريف: (ان العالم الإسلامي كله اليوم منتبه لضرورة الخروج من الهوة التي تردى فيها منذ أزمان طويلة، وهو ما ينفك يبحث عن وسائل التحرر من كل القيود الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تحول بينه وبين التطور والتقدم) ثم يكشف عن علة التناقض الذي وقعت فيه بعض البلاد الإسلامية عقب حصولها على الاستقلال السياسي فيقول: (ان الحركة التي أعقبت السلفية في العالم الاسلامي كانت والحق يقال لائكية متأثرة إلى أبعد حدود التأثر، بأفكار الثورة الفرنسية وما إليها، وأعظم منها الحركة التي قامت في تركيا، في حين نجحت الحركة السلفية في بلاد الهند وباكستان وإندونيسيا، في إعطاء الأعمال السياسية والشعبية صبغتها الروحية، ومحاولتها التوفيق بين حاجات الدين وحاجات العصر) وهي نظرة منه إلى واقع الأمة الإسلامية، مهد بها الى البحث عن السبل المؤدية إلى قيام وحدة إسلامية، تجمع بين أطراف العالم الإسلامي، وتحقق الأهداف المثلى التي تسعى إليها الأمة الإسلامية.
انه يبحث في الأسباب التي أدت إلى انتكاس وحدة العالم الإسلامي ويبحث في الوقت نفسه عن الأسباب التي تؤدي إلى بناء الوحدة من جديد؛ ويعتبر أن الفرقة أصل البلاء، ومصيبة المصائب، وهي التي جعلت المسلمين تحت سيطرة روحية وعقلية بعيدة عن الإسلام، وجعلت إلهاماتهم نفسها، لا تستمد إلا من المستعمر وفلسفته وصوفيته.
لقد جاء في كتابه: (دائما مع الشعب): (يجب أن نعمل لبناء عالم إسلامي متحد في مصالحه، كما اتحد في وجوده الثقافي والجغرافي، وهذا لا يعني أبدا أننا نحاول تكوين كتلة معادية لغيرنا، وإنما نرمي إلى بعث مجتمعنا الذي فككه الاستعمار والرأسمالية الأجنبية في صورة جديدة تنم عن روحانيتنا ورسالتنا الخالدة).
إن تفكير «علال الفاسي» في العمل على بناء الوحدة الإسلامية هو الذي قاده إلى بلورة فكرة التضامن الإسلامي التي كان متحمسا لها وأبرز دعاتها الصادقين، والتي أعطاها صبغتها السياسية، والهدف التي ترمي إليه.
يقول رحمه الله (ان التضامن الإسلامي، لا يعني العداء الديني أو المذهبي لأي كان، وإنما يرمي إلى تحرير الأمم الإسلامية من التخلف، ومن خوف اليوم والغد، والى تطهير عقولنا ومجتمعنا من خرافات العصور الوسطى، وأوهام المتلاعبين بالدين أو الاديولوجيات، وتسخير الشعوب لفائدتهم الشخصية).
وعمله ودعوته للتضامن الاسلامي لم تكن دعوة نظرية، وإنما عمل جهده لتخرج من حيز النظر إلى حيز التطبيق، ففي سنة 1965 شارك مشاركة عملية في المؤتمر الإسلامي الذي انعقد بمكة المكرمة والذي دعت إليه رابطة العالم الاسلامي التي كان أحد أعضائها المؤسسين البارزين العاملين على إنجاحها وتخطيطاتها لدعم أواصر القربى والتفاهم والتعاون بين الشعوب الإسلامية.
وبمناسبة انعقاد هذا المؤتمر ألقى خطابا ارتجاليا عظيما في حفل أقامه الملك فهد بن عبد العزيز وكان إذ ذاك وليا للعهد، وفي هذا الخطاب الذي بقي يلقى بالإذاعة السعودية المرة تلو الأخرى بضعة أيام شرح أهداف التضامن الإسلامي وضرورته ونجاعته.
ومن هذا المنطلق الإسلامي الوحدوي أولى «علال» عناية كبيرة بقضايا العالم الإسلامي وشؤونه، وجند إمكاناته للدفاع عن الشعوب الإسلامية المناضلة من أجل الحرية، ولمقاومة التحديات التي تعترض سبيل النهوض بالمستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدول الإسلامية، التي كانت تعاني من هضم لحقوقها وعدم إعطائها حق تقرير مصيرها كقضايا: إريتريا، وقبرص، والفليبين وتشاد، وكشمير وفلسطين وغيرها.
وحرصا على تماسك الصف الإسلامي، وحماية وحدة الجبهة الإسلامية في جنوب شرقي آسيا، كان «علال» وراء الحملة العالمية لاستنكار مؤامرة تقسيم «باكستان» في سنة 1971، وعمل من أجل إبطال المؤامرة المدبرة ضد الوحدة الترابية لهذا البلد الإسلامي الشقيق وقال قصيدته المشهورة التي جاء فيها:
أبعد نيجيريا ترمى باكستان ويستفز حماها اليوم عدوان
ماذا جنته سوى أن كان رائدها حب السلام وإسلام وإيمان؟
أرض الطهارة لم تدنس محارمها ولاعراها من الأفكار بهتان
فهل يراد بها تحويل قبلتها وان تسود أصنام وأوثان
أم هل يراد بها تفريق وحدتها هيهات وحدتها عزم وإيمان
للشعب فيها سبيل ليس يصرفه عنه الذين لحق الشعب قد خانوا
قل «للعوامي» ومن يدعي «المجيب» إما
نهتك عن حرمة الأوطان أوطان
وعلى الصعيد الفكري اهتم «علال» ببلورة فكرة التضامن الاسلامي وأسس مجلة بهذا الاسم، نشر فيها مقالات رائدة في هذا المجال، كما عمل على تأسيس جمعية للتضامن الإسلامي.
اما اهتمام «علال» بقضية الشعب الفلسطيني، كقضية إسلامية دولية فإن القول فيها يتشعب ويطول، نظرا لاستغراق الرجل في خدمة هذه القضية طوال حياته، وكان عمله لها ونضاله في سبيلها آخر عمل يؤديه وهو على وشك لقائه بربه.
لقد كان يعتبر القضية الفلسطينية، قضيةإسلامية في المقام الأول، ويرى أن تحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين، فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وله في هذا المجال أعمال ومواقف وجهود لا يسع الوقت لتعدادها والتعرض لها، وهي تشهد على مدى تغلغل قضية القدس وفلسطين في فكره وسلوكه السياسي والوطني والديني.
والوحدة الإسلامية التي كان يدعو إليها ويعمل لتحقيقها، ليست مبنية على السلالة ولا على اللغة، ولكنها مبنية على العقيدة الإسلامية التي كان يعتبر أنها وحدها القادرة على إبراز الطاقة الكامنة في الأمة الإسلامية وهذه الوحدة لا تتحقق عن طريق إيديولوجيات غير إسلامية، ولا يمكن أن تتحقق بغير عقيدة الإسلام.
والوحدة الإسلامية لا تتعارض في نظر «علال» مع الوحدات الأخرى التي لابد من العمل على تحقيقها كالوحدة الوطنية والوحدة العربية والوحدة الإفريقية والوحدة الدولية، بل إنها تتلاقى في الأهداف والغايات وتشترك في المنطلقات والمرتكزات، وتشكل في مجموعها المجال الحيوي الذي استقطب اهتمامات «علال» وعمل طوال حياته في داخله بالقدر الذي كان يخلق التكامل والتجاوب بين هذه الوحدات التي تصب في نهاية المطاف في اتجاه واحد، هو خدمة الإنسان والذب عن حقه في الحياة، وصيانة كرامته، والنهوض بمستواه المادي والمعنوي. ولعل من أبرز القسمات الفكرية في الخط النضالي الذي التزم به «علال» ولم يحد عنه قط، أنه استطاع أن يوفق بين العمل لهذه الوحدات الخمس، بصورة خلت من التناقض والتنافر والتضاد، وعلى نحو أعطى لعمله الدؤوب على شتى الجبهات السياسية والفكرية والإسلامية والعلمية قيمة كبرى، وأضفى عليها صبغة الشمول والتطابق والتجانس.
لقد فهم «علال» الوحدة الوطنية التي تحرك داخلها منذ يفاعته المبكرة وشبابه الغض، فهما مطابقا لمقتضى الواقع المغربي، من مرتكز ان المغرب يمتاز بخصائص قلما تتوفر في بلد عربي وإسلامي غيره فهو موحد العقيدة، موحد المذهب، موحد العرش، موحد اللغة موحد التاريخ والحضارة والتراث، والوحدة الوطنية ذات الدعائم الثابتة، إنما هي جماع هذه العناصر المتداخلة التي لا يمكن الفصل بينها والتي تشكل في حقيقة الأمر، منظومة متجانسة، تقوي الكيان الوطني المغربي، وتخلق المناخ الملائم للتعايش والتساكن داخل الوطن الواحد الموحد.
وقد أمدت هذه الرؤية الوحدوية أخانا «علال» بأسباب الكفاح من أجل حماية الوحدة الوطنية، ومن خلال الربط الدائم بين العناصر الآنفة الذكر، ووفق بناء فكري متكامل ، تبلور في العقيدة الاستقلالية التي هي خلاصة الفكر الوحدوي المغربي في أصوله الإسلامية والعربية والإفريقية والإنسانية.
لقد استمات «علال» في الدفاع عن الوحدة الوطنية، ودعا المنظمات الوطنية والعربية الى ربط علاقاتها مع بعضها، وتوحيد صفوفها، قائلا: (إن هذا العمل الموحد يستوجب أن تراجع المنظمات العربية في كل بلد علاقاتها مع بعضها، حرصا على أن تتوحد صفوفها، وتأتلف اتجاهاتها، وبناء على ذلك، فإنني أعرب عن أسفي المحض للانقسام الذي حصل داخل الكتلة الوطنية وأدعوا إخواني من جناحي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أن يبحثوا معنا فيها يسهل علينا العودة إلى قيام الكتلة بواجبها الذي يفرضه عليها ميثاقها الوطني).
عاش «علال» متشبثا بفكرة الوحدة على اختلاف أماكنها ومواقعها، مناضلا أقوى ما يكون النضال من أجل دعم الوحدة الترابية للبلاد، ونضاله في هذا المجال كان نابعا من تصوره لمفهوم الوحدة الوطنية التي تستند أساسا على وحدة الأرض ووحدة الكيان، متصديا لخصوم هذه الوحدة على اختلاف أنواعهم وتعدد أشكالهم، حتى أصبح رمزا لهذه الوحدة، والمنافح الأول في سبيل حراستها والذوذ عنها.
ودفاعه عن وحدة المغرب الترابية، لم ينسه انتماءه لمجموعة المغرب العربي الكبير التي كان يرى أنها النواة الأولى للوحدة العربية الكبرى، وأنها تمتد إلى ما بعد القطر الليبي الشقيق أي إلى بلاد الكنانة التي كان يرى أنها امتداد طبيعي المغرب الكبير.
لقد أدرك علال أبعاد الوحدة العربية بحكم انتمائه العربي القوي، وباعتبار أن المغرب عريق في عروبته، وجزء لا يتجزأ من الوطن العربي والأمة العربية، وباعتبار أن الوحدة العربية لبنة من لبنات الوحدة الإسلامية.
لقد طالب العرب أن يحققوا وحدتهم، ويتكتلوا مع بعضهم للوقوف صفا واحدا أمام المؤامرات الاستعمارية، فكتب قائلا: إن الحقيقة العربية لابد أن تتضح للجميع، وهي أن الشعب العربي لايرضى إلا تكتل أبنائه، ووحدة كلمته، والوقوف أمام الأجنبي صفا واحدا، وهو لايرضى كذلك أن يتحالف مجتمعا أو منفردا مع الذين ينكرون عليه حقه في الحرية والوحدة والاستقلال والقوة ولقد أفرد في كتابه: (الحركات الاستقلالية) فصلا مستفيضا لقضية الوحدة العربية، تعرض فيه للجامعة العربية وميثاقها بالتحليل والمطالبة بالتعديل، وأبدى اهتماما فائقا بالعمل العربي المشترك مؤكدا أنه اهتم بموضوع الوحدة العربية منذ أن كان بمصر: قائلا: (لقد شغلت هذه المسألة فكري منذ نزولي في مصر، وتناولت فيها الحديث مع مختلف الشخصيات المفكرة التي لم تكتم عني قلقها من الإهمال الشنيع الذي يصيب الشؤون الإجتماعية في الشرق العربي، والذي يهدد إذا دام لاقدر الله بتغلب ذوي النيات السيئة الذين يعملون لنشر مباديء أجنبية، من شأنها أن تضيع على العرب تراثهم الروحي والفكري، وتعبدهم لفلسفات غريبة عنهم، أجنبية عن ذهنيتهم، ولقد أدت هذه المذاكرات إلى تكوين لجنة صغيرة تضم بعض كبار العاملين من مصر والمغرب، وضعت مشروع ميثاق، وقد نشر «علال» في آخر كتابه (الحركات الاستقلالية) نص هذا الميثاق الذي يعتبر برنامج عمل لتقوية صف التضامن العربي، وتطعيم ميثاق الجامعة العربية بأفكار وتوجهات ومبادىء من شأنها إثراء التراث النظري لقضية الوحدة العربية.
وقرن «علال» بين الوحدة العربية وبين الوحدة الإسلامية وربط بينهما ربطا محكما في تحرك عملي، داعيا للخروج بالفكرتين إلي حيز الوجود، على أساس أن الوحدة الأولى مكملة للوحدة الثانية، وأن الأخيرة لاسبيل إلى قيامها إلا استنادا على الأولى، وهو هنا يختلف اختلافا بعيدا مع دعاة القومية العربية التي لاتقوم على أساس من دين أو عقيدة، كما يختلف مع القائلين بالتضامن الإسلامي دون اعتبار للعروبة.
وهذا ما يميز مدرسة «علال» الفكرية والعقائدية، ويطبع العقيدة الاستقلالية بطابع التوازن والجمع بين العروبة والإسلام، في منظومة واحدة، لاتناقض ولا تعارض بين عناصرها.
لم تثن هذه القضايا الوطنية والعربية والإسلامية لتصرف «علال» رحمه الله، عن إيلاء الوحدة الإفريقية قسطا من عنايته، فلقد انطلق من حسه الوحدوي يؤدي كل وسيلة من شأنها أن تعجل بوحدة إفريقيا، وحدة حقيقية.
ولا يمكننا أن ننسي مواقفه وأعمال في هذا المجال، كما لاننسى مشاركته العملية الفعالية في مؤتمر «باندونغ» الذي كان النواة الأولى لحركة عدم الانحياز.
لقد دعا «علال» في محاضرة ألقاها بالمعهد السياسي الدولي بالهند إلى بلورة ميثاق «باندونغ» في واقع حي وعملي قائلا: (إن على أحرار إفريقيا وآسيا معا أن يعملوا على تكوين حركة مشتركة لجعل ميثاق، «باندونغ» حقيقة واقعية، وليست مجرد حبر على الورق) وجدد قبل وفاته بقليل الدعوة إلى إعادة الروح لميثاق «باندونغ» بعد أن رأى تدهور الأوضاع في العالم الثالث، وعودة الأطماع والدسائس الأجنبية إلى ممارسة دورها في إعاقة تطور الشعوب الإفريقية والأسيوية..
إن «علال» وهو يدعو إلى هذه الوحدات الأربع، لايغفل أن المجموعة البشرية بأجمعها لابد أن تلتقي على كلمة سواء ولابد أن تكرس اهتمامها لمبدأ المساواة بين بني البشر ولحق الشعوب جميعها في الحياة الحرة الكريمة في ظل العدالة والسيادة والأمن والسلام.
لقد كان علال في اتجاهه الوحدوي من أبرز مفكري الإسلام في العالم، وكان يرى أن مستقبل البشرية، مرهون بالتعايش بين الأمم والشعوب، وبدعم سياسة عدم التبعية وباحترام حقوق الإنسان، وبقيام تعاون دولي في إطار من الثقة والاحترام المتبادل وعدم تدخل الدول الكبرى في سياسات الدول النامية.
لقد ناضل «علال» في سبيل الأفكار التي آمن بها، وجاهد الجهاد المرير الطويل في سبيل وحدة العقيدة ووحدة النضال ووحدة المواقف، لأنه كان زعيم الفكر الوحدوي ولأنه كان مومنا كل الإيمان بضرورة العمل المشترك الموحد.
لقد كان رحمه الله رجلا وحدويا، مناضلا صلبا ضد تمزيق الصف، سواءا كان ذلك بالدسائس السياسية أو المؤامرات الفكرية أو بالأطماع الاقتصادية، وسواء استهدف ذلك وحدة الأرض أو وحدة الكيان أو وحدة العقيدة أو وحدة اللسان أو وحدة الأصل، فرحمه الله رحمة واسعة، وجازاه على ما قدم لبلاده وأمته، واسكنه في جنات الخلد مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.