تجهيز محاكمة مستعجلة لموظف بمصالح الخزينة العامة التابعة لوزارة المالية بتهمة تسريب معلومات ترتبط بالسر المهني، يجب أن تثير لدينا العديد من مظاهر القلق والانشغال، لأننا نعاين في هذه الحالة تماسا حادا بين الحفاظ على السر المهني ومحاربة الفساد. لا أدري ما إذا كان الموظف المعني بهذه القضية هو الذي قام فعلا بتسريب الوثائق موضوع القضية، ولكن نشر وثائق تؤكد وجود حالة فساد كان يجب أن يقود إلى غير ما سارت عليه الأمور لحد الآن. كان يجب أن ينطلق التحقيق النزيه مما إذا كانت الوثائق المسربة صحيحة وسليمة، أم أن الأمر يتعلق بتلفيق، وإذا أفضى التحقيق إلى إقرار صحة وسلامة الوثائق وجب الانتقال إلى التأكد من قانونية تبادل التوقيعات بين مسؤولين سامين سابقين بوزارة المالية للاستفادة من تعويضات مالية شهريا تفوق راتبهما الشهري، وإذا اتضح أن هذا التصرف كان منافيا للقوانين والأخلاق، فأين يكمن إفشاء السر المهني يا ترى؟ إن الأمر يتعلق بالكشف عن عش خطير من أعشاش الفساد كان يجب أن يجازى الموظف عليها بالخير وليس بالشر. أعتقد أن تهمة إفشاء السر المهني غير موجودة في هذه الحالة، لأن الأمر لا يتعلق بسر من أسرار المهنة، بقدر ما يتعلق بسر من أسرار الفساد المالي والإداري الذي كان ولا يزال سائدا، وهذه المهمة في هذه الحالة تفتقد إلى أبسط عناصر الفعل الجرمي، لأنها حتى في حالة ثبوتها تتعلق بالكشف عن حالة فساد، والدليل على أن الأمر كان يتعلق بشبهة أن وزيري المالية الحاليين قررا عدم الاستفادة من هذه التعويضات الخيالية نأيا منهما عن شبهة الفساد. تبقى الإشارة في الأخير إلى أن مسؤولية الجريدة التي نشرت الوثائق مؤكدة في الدفاع إلى آخر رمق عن هذا الموظف البسيط الذي أريد له أن يكون قربانا لطقوس تكرس تجذير حالة الفساد. وأخال أن الحكومة التي أثقلت مسامعنا بشعارات محاربة الفساد لا يمكن أن تكون إلا محل إحراج كبير فيما يحدث في هذه الحالة.