يوم بيوم نورالدين مفتاح يكتب: عكاز الطريق نور الدين مفتاح نشر في 11 ديسمبر 2025 الساعة 13 و 10 دقيقة هل يمكن في بلد مؤسسات أن يمرَّ ما جرى في فضيحة لجنة التأديب والأخلاقيات باللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة مرور الكرام أو بالأحرى مرور اللئام؟ لقد حركت المجزرة الأخلاقية المجتمع برمته، ووصل الصدى إلى البرلمان، وأجمع الطيف الحقوقي على إدانة ما اقترف من جرائم في اجتماع كيدي انتقامي ولا إنساني. وبالطبع كان الجسم […] نور الدين مفتاح [email protected]
هل يمكن في بلد مؤسسات أن يمرَّ ما جرى في فضيحة لجنة التأديب والأخلاقيات باللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة مرور الكرام أو بالأحرى مرور اللئام؟ لقد حركت المجزرة الأخلاقية المجتمع برمته، ووصل الصدى إلى البرلمان، وأجمع الطيف الحقوقي على إدانة ما اقترف من جرائم في اجتماع كيدي انتقامي ولا إنساني. وبالطبع كان الجسم الصحافي مذهولا من هول ما جرى، وأجمع الزملاء على أن ما كان يفترض أنه «قضاء زملاء» ما هو، بعد تسريب الفيديو، إلا «قضاء على الزملاء» وقضاء على ما تبقى لهذه المهنة من سمعة وصيت، وقضاء على صورة التنظيم الذاتي في البلاد. وإذا كانت الضربة القاصمة، في الاجتماع الذي أصبح يعرف ب«فضيحة إش إش»، قد حركت جمعية هيآت المحامين بالمغرب ونقيب المحامين بالرباط، وتم توقيع عريضة من طرف أكثر من 200 صحافية وصحافي، وهم من نظم وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة الثقافة بالرباط مطالبين بسحب مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة من البرلمان، فإن القضاء الذي مُست هيبته في شريط الاجتماع المسرب لم يتحرك على الرغم من أن رئيس مجلسه الأعلى المنتدب السيد محمد عبد النبوي ذكر بالاسم، ووكيل للملك ذكر أيضا بالاسم. بل إن الذي تحرك هو رئيس اللجنة المؤقتة المنتهية ولايتها واضعا شكاية ضد حميد المهداوي بسبب ما وصفه ب«إفشاء السر المهني»! كما خرج هو والعضو الذي تلقى منطوق الحكم على المهداوي من جهة خارجية بالهاتف خلال الاجتماع الفضيحة باعتذارين، ليس للضحية الأساسية ولا للمهنة، ولكن لهيئة الدفاع! وهما الاعتذاران اللذان تم رفضهما من طرف المحامين.
إن التحجج بمدى مشروعية تسريب الشريط الفضيحة أو بقانونية نشره أو بالبعد الأخلاقي لكشف وجوه أعضاء اللجنة أمام الرأي العام، لا يمكن أن يصمد أمام المصلحة العامة، وأعضاء لجنة الأخلاقيات لم يكونوا في اجتماع له علاقة بالخصوصية أو بالحميمية، ولكنه اجتماع باسم المجتمع الذي يطلب ممّن يستمد سلطته الرابعة منه من الصحافيين أن يتحلوا بالمسؤولية، والمفروض أن هذه اللجنة هي حارسة هذه المسؤولية، فإذا شط الحارس لابد أن يكشف أمام المجتمع، فهو الحسيب الأعلى في مهنتنا عكس باقي المهن.
وإن الذين يقولون بأن مهنتنا لا يجب أن يتطاول عليها غير المنتسبين إليها، وأن قضاياها وحتى فضائحها يجب أن تبقى حكرا على أبنائها مجانبون للصواب أيضا، فالصحافة، عكس المهن الأخرى، جماهيرية تتعامل مع الرأي العام وتأخذ من المجتمع تفويضا للبحث عن الحقيقة ومراقبة ممارسي الشأن العام، أي باقي السلط، ولذلك تعتبر الحرية بالنسبة للصحافة كالأوكسجين بالنسبة للإنسان، ومخافة أن ينزلق استعمال الحرية إلى الشطط والتجاوز، ابتدع المهنيون في 1971 ما يعرف بإعلان ميونيخ لواجبات وحقوق الصحافيين لمأسسة المسؤولية في العمل المهني باسم المجتمع: «جميع واجبات وحقوق الصحافيين تنبثق من حق الشعب في أن يعرف الحقائق والآراء، يقول الإعلان، وإن مسؤولية الصحافي تجاه الجمهور تسبق وتعلو على أي مسؤولية وخاصة مسؤوليته تجاه المؤسسة التي يعمل لديها أو السلطات العامة الأخرى».
إن التنظيم الذاتي الذي تطور بعد هذا إلى عشرات التجارب المختلفة عبر العالم، لم يسبق أن تعرض لمثل هذا الطعن في التاريخ، ولعل ما زاد من حدة هذا السقوط المدوي هو غياب الجمهور عن تركيبة اللجنة، وبالتالي أصبحنا أمام طرفين متخاصمين واحد منهما هو خصم وحكم باسم نفسه وأحقاده وتصفية حساباته وليس باسم المجتمع.
جل التجارب الدولية للتنظيم الذاتي يحضر فيها الجمهور لأنها بدونه تنزلق إلى الفئوية المهنية (corportisme) بل إنه في كندا ينتخب المهنيون رئيسا لهيئتهم من الجمهور. وحتى مجلس الدنمارك الذي استشهد به الوزير بنسعيد على أنه معين من طرف الحكومة، فهو ليس كذلك، ويتكون من 8 أعضاء، اثنان يعينهما ما يوازي المجلس الأعلى للسلطة القضائية عندنا، واثنان من نقابة الصحافيين، واثنان عن الناشرين، واثنان من جمهور المستهلكين ! وهو كباقي مجالس العالم بدون عقوبات زجرية.
وعموما لا توجد هذه العقوبات الزجرية على الإخلالات الأخلاقية إلا في ما ندر، ولا توجد هيئات بقوانين تشريعية إلا في حالتين أو ثلاث، وأغلب الهيئات عبر العالم تسمى لجانا للشكايات، وهي بالنسبة للصحافة كما هو الوسيط Ombudsman بالنسبة للمؤسسات الصحافية، حيث يتم تلقي شكايات المتضررين والتنبيه إلى الأخطاء، فلا هي محكمة اجتماعية ولا هي حارسة لولوج المهنة ولا هي قادرة على الحكم بإعدام صحافي أو ناشر كما هو موجود عندنا.
إن أقل مما جرى في لجنة أخلاقيات المهنة بألف مرّة كان يجب أن يقود إنسانا سويّا إلى الاستقالة والاعتذار للمجتمع وجبر الضرر، ولكن، في هذا الزمن الأغبر، نجد أن من يقدمون أنفسهم اليوم على أنهم حاملو مشروع إصلاح القطاع البديل عمن سبقوهم هم أصحاب المجزرة، وهم من يصرون على الاستمرار في لجنة مؤقتة ولدت لا دستورية وانتهت ولايتها في 7 أكتوبر الماضي، ومازالوا فيها بشكل لا شرعي إلى اليوم. وهؤلاء كلهم ينتمون لتنظيم واحد للناشرين يوجد وحده في جهة، فيما كل الجسم المهني في جهة أخرى، وتصر الحكومة على تمرير قانون فصل على مقاس هذه الجمعية تفصيلا لجعلها المنظمة الأكثر تمثيلية بمعايير لا يصدقها عاقل، وهي احتساب إلى حدود 20 حصة تصويت لمؤسسة واحدة بالنظر إلى رقم معاملاتها، أي أن التنظيم الأقل تمثيلية هو الذي سيقود تنظيما ذاتيا بلا انتخابات، وبعد فضيحة عالمية أبطالها أعضاء رئيسيون في قيادة نفس التنظيم.
وإلى حدود كتابة هذه السطور يصر وزير القطاع على قانون يرفضه كل المهنيين، ومؤسستين دستوريتين هما المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. ويقول السيد بنسعيد، عندما يتعلق الأمر بفضيحة «إش إش»، إنه لا يتدخل في اللجنة المؤقتة لأنها مستقلة، ولكنه في نفس الوقت هو من يقود قطار تشكيل ملامح مجلس وطني للصحافة غير مسبوق عبر العالم، سيكون أقرب إلى مجلس تصفية حسابات منه إلى مجلس يمثل إرادة المهنيين للامتثال لواجباتهم اتجاه المجتمع.
الوزير مسؤول عن لجنة مؤقتة معينة من طرف الحكومة وقد انتهت ولايتها وهي لم تنته، ومسؤول عن التشريع، ومسؤول عن خرق المادة 28 من الدستور بضرب مبدأ الانتخاب للمجلس، ومسؤول عن الإقصاء، ومسؤول عن تكوين لجنة للدعم العمومي للصحافة خول له القانون تعيين ناشرين ضمنها فعينهم من نفس الجمعية وواحد منهم بطل في شريط «ها التشيطين»! والوزير مسؤول عندما يقول إنه أخذ بعين الاعتبار 80٪ من ملاحظات المجلسين الحقوقي والاقتصادي والاجتماعي، لكنه حافظ على نفس النص المعيب ويعض عليه بالنواجد، وهو نفس النص الذي كان قبل أن يصدر المجلسان تقريريهما، والوزير مسؤول وهو يصم آذانه على حكم مجتمعي على طريق وصفه أستاذ القانون والوزير الأسبق للاتصال محمد الأعرج بالانحراف التشريعي، وندد به كل وزراء الاتصال السابقين والشخصيات الإعلامية الوازنة في البلاد، و35 منظمة مهنية وحقوقية والفيدرالية الدولية للصحافيين.
إن المعادلة التي نحن أمامها اليوم هي كالتالي: جريمة مكتملة الأركان في حق زميل ومن ورائه التنظيم الذاتي للمهنة يكافأ أصحابها من طرف الحكومة بقانون مجلس للصحافة مفصل على مقاس من اقترفوا الفضيحة. هذه هي الحقيقة المرّة!
ودعوني أختم بعد كل هذه السوريالية بما جاء في خلاصة المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول هذا الموضوع، من خلال لجنته التي يترأسها الكبير محمد العبادي وتضم في عضويتها أسماء وازنة، حيث تقول: «كان من الأنجع إجراء تعديلات محدودة تهم كيفيات تنظيم انتخابات أعضاء المجلس الوطني للصحافة .. مع العمل لاحقا على إطلاق مسلسل تشاوري موسع مع جميع الأطراف المهنية والفعاليات المجتمعية المعنية من أجل بلورة إصلاح شامل ومتوافق عليه لقطاع الصحافة والنشر يأخذ بعين الاعتبار التحولات العميقة التي يعرفها ويمكن من تجاوز الإشكاليات التي واجهتها التجربة الأولى للمجلس الوطني للصحافة».
والمضحك المبكي أن مشروع الوزير بنسعيد استبدل ممثل هيئات المحامين في المجلس بممثل عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وفي تقرير هذا الأخير يقول إنه غير متفق مع وجود ممثل له في مجلس الصحافة!! بعد الختام، إليكم عكاز الطريق، هل تعرفون أن من سيشرف على انتخابات وانتدابات المجلس الوطني للصحافة حسب مشروع قانون بنسعيد هي نفس لجنة Un petit mot (ها التشيطين .. ها التشيطين).