مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    الوداد يعود بانتصار ثمين من آسفي    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    قنصلية المملكة بكورسيكا تحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    تتويج إسباني وبرتغالية في الدوري الأوروبي للناشئين في ركوب الموج بتغازوت    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرتكزات حماية حقوق الإنسان في صناعة التشريع بالمغرب

إن الاحتفال بالذكرى الخمسين لإحداث البرلمان المغربي يشكل فرصة مواتية لتقييم الدور الذي يضطلع به البرلمان في صناعة التشريع والوقوف عند مساهمته في ترسيخ حماية حقوق الانسان، ومقاربة السبل والصيغ التشريعية القادرة على تحويل إشارات ومضامين التحول الديمقراطي ببلادنا نحو دولة الحق والمؤسسات، بواسطة قوانين وطنية تتفاعل مع طموحات جميع المكونات السياسية والحقوقية ببلادنا.
أولا- الضمانات الدستورية لحماية الحقوق الأساسية والحريات العامة
إن مكانة منظومة حقوق الإنسان في النسق السياسي المغربي المعاصر دفعت بالدولة إلى تعزيز ضمانات احترام حقوق الإنسان من خلال الدستور الجديد، "فتعهد المملكة المغربية بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا" يؤكد اعترافا صريحا بالتزاماتها بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، وبأنها تشكل جزءا لا يتجزأ من التشريع المغربي.
فترسيخ حماية حقوق الإنسان في تصدير الدستور المغربي لعام 2011 هو بمثابة إعلان عن إدراج حماية حقوق الإنسان ضمن الثوابت الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي المغربي، كما هو الشأن بالنسبة للدعامات الأخرى كالإسلام والملكية الدستورية والوحدة الترابية. فالإقرار بالتشبث بحماية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها في ديباجة أسمى قانون في البلاد هو تعبير حقيقي عن الإدارة السياسية للدولة في توطيد احترام الحقوق والحريات للمواطن.
إن مرجعية الدستور تمثل في حد ذاتها دعامة أساسية لحماية حقوق الإنسان على المستوى الوطني، وتشكل تعبيرا قويا عن الطابع العالمي والبعد الكوني لحقوق الإنسان، لأن الدولة تتعهد وتضع على عاتقها التزامات دولية مرتبطة بضمان الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والاعتراف بالكائن البشري كمحور للحقوق المتساوية اللصيقة بالكرامة الإنسانية.
ويلاحظ اتساع دائرة الحقوق الأساسية والحريات العامة المعنية بالحماية الدستورية في وثيقة 2011 التي تتضمن 21 فصلا مقارنة مع دستور 1996 الذي أورد 11 فصلا، كما نص الدستور المغربي الحالي على ضمانات جديدة لحماية حقوق الإنسان :
-المساواة في الحقوق: " يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية..."، (الفصل19 )
-عدم التميز في الحقوق: "حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان..."، (تصدير الدستور )
-الحق في الحياة: " الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق"، (الفصل 20 )
-الحق في السلامة الشخصية: "لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه"، (الفصل 21 )
-الحق في عدم التعرض للتعذيب أو غير من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية: "لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد،جريمة يعاقب عليها القانون"، (الفصل22 )
-الحق في المساواة أمام القانون: "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له " ،(الفصل 6) -الحق في عدم الخضوع للاعتقال التعسفي: "لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته،إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون. الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات"، (الفصل 23)
- الحياة الخاصة وحرمة المنازل وسرية المراسلات: "لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة. لا تنتهك حرمة المنزل. ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات، التي ينص عليها القانون. لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها"، (الفصل24 ) -الحق في الحصول على المعلومة: "للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام"، (الفصل 27 )
- كما ينص الدستور الجديد على الاعتراف بالأمازيغية والحسانية والروافد الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية وعلى حماية الحقوق الفئوية، لا سيما حقوق النساء والأمهات وللأطفال والأشخاص المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.
ثانيا : ضرورة تنزيل الوثيقة الدستورية وتكريس سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية
إن الدولة المغربية تأخذ مرجعية تعاملها وسلوكها في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان من المواثيق الدولية التي التزمت باحترام وتطبيق مقتضياتها كما هي متعارف عليها عالميا في تصدير الدستور. ومن ثم فإدماج المعايير الدولية لحقوق الإنسان في التشريع الوطني ، وملاءمة القانون الداخلي لقواعد القانون الدولي يتناسب مع تعهد الدولة المغربية بالالتزام باحترام حقوق الإنسان حتى لا تسقط في مسألة التعارض بين مقتضيات قانونية دولية وأخرى وطنية في مجال حماية الحقوق المتأصلة للمواطنين المغاربة.
ويندرج في إطار التعهد بحماية حقوق الإنسان في الوثيقة الدستورية الحالية، قيام الحكومة الحالية بتنزيل المقتضيات الدستورية في مجموعة من التشريعات الوطنية التي تأخذ بمرجعية المعايير الدولية للحريات العامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وتفعيل دور القضاء كسلطة مستقلة تضمن العدالة الاجتماعية وتعزيز ودعم حقوق الإنسان وحمايتها من تعسف السلطة.
فكونية حقوق الإنسان الواردة في تصدير الدستور هي فكرة يرتبط إنجازها بوضع تشريعات وطنية لحماية هذه الحقوق وإنشاء آليات قانونية ومؤسساتية لتنفيذها، بل ثمة شروط أساسية تقوم على ضرورة خلق وعي مجتمعي بحقوق الإنسان، وهذا يتأتى بوجود مؤسسة تشريعية فعالة تضمن تعزيز حماية حقوق الإنسان وعدم المساس بها.
فتفعيل البرلمان المغربي للمبدأ الدستوري المتعلق بسمو المعايير الدولية على التشريع الوطني هو الخطوة الرئيسية لترسيخ فكرة كونية حقوق الإنسان. فتنمية القيم والسلوكيات المتعلقة بحماية حقوق الإنسان يجب أن تدفع المؤسسة التشريعية إلى تحمل مسؤولية ضمان هذه الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة المغربية، والذي سيفضي في ذات الوقت إلى تحويل الاعتراف بمبدأ كونية الحقوق الاساسية والحريات العامة إلى واقع عملي بإرساء دعائم الحماية التشريعية لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا.
فضمان كونية حقوق الإنسان، يقوم أساسا على المؤسسة البرلمانية التي تعمل على وضع قوانين تتلاءم مع المعايير الدولية وترصد تنفيذ مقتضياتها والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في مجال اختصاصها.
إن الهدف من وضع معايير دولية لتطبيق حقوق الإنسان هو تأصيل فكرة كونية حقوق الإنسان وتجاوز قيود السيادة الوطنية، حيث تتعهد الدول أمام المجتمع الدولي، من خلال مصادقتها على مجموعة من المواثيق الدولية، على تعزيز واحترام مبادئ حقوق الإنسان والامتثال للمعايير الدولية لتحقيق المستوى المطلوب إنجازه، في مجال الحريات العامة والحقوق الأساسية للكائن البشري.
إن وضع المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، ليس المقصود منه هو فرض القواعد الدولية على الدولة، فتتم إساءة فهم أولوية القانون الدولي على التشريع الوطني، إن الأمر لا يرتبط بمساس بالسلطان الداخلي، وإنما هو تعبير عن تناسق في الممارسة القانونية للدولة.
إن الحديث عن الخصوصية، في ما يخص تعارض القانون الدولي والقانون الداخلي في مسألة حقوق الإنسان، هو مخالف للصواب، لأنهما أصلا لا يوجدان في نفس المرتبة، ولا يتمتعان بنفس القيمة حتى يتعارضان. وإنما العلاقة التي تربط بينهما، هي علاقة الخضوع التي تحكم التشريع الوطني تجاه المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وهذا السبب هو الذي جعل القاعدة الدولية، قاعدة آمرة لا يجوز نقضها أو تعديلها إلا بقاعدة لها نفس القيمة القانونية، مادامت هي الأصل في التدرج.
ومن هذا المنطلق، فكل دولة تلتزم باحترام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، هي بالضرورة خاضعة لمبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي، وهو ما يفرض على المحاكم الداخلية إعطاء الأولوية في التطبيق للقانون الدولي في مجال حقوق الإنسان. وهذا ما يفسر لماذا تتعهد الدول الأطراف في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، باتخاذ مجموعة من التدابير التشريعية والإجراءات القانونية، وما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي لمواطنيها بالحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، التي صادقت عليها الدولة.
وقد جاءت التزامات الدول الأطراف بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان على نحو يختلف إلى نوعين:
النوع الأول: التزامات السلوك
تتجلى التزامات السلوك في تعهد الدول الأطراف في التشريع الدولي، بالامتثال والانضباط الفوري والسريع لمجموعة من المعايير الدولية لكي تحكم سلوكها في مجال حقوق الإنسان، وينعكس ذلك على قيام الدولة باتخاذ مجموعة من الإجراءات القانونية والتدابير التشريعية المناسبة، لضمان حماية حقوق بعض الفئات المحددة من الأفراد كالطفل والمرأة والمعتقل السياسي واللاجئ وغيره، وفي مجالات حقوقية معينة كمناهضة جميع أشكال التمييز لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية أو لغوية... ويندمج في إطار التزامات السلوك، ملاءمة الدولة لقانونها الداخلي مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان في هذه المجالات الحقوقية، وأيضا توفر سبل التظلم القضائي والإنصاف، لتمكين كل فرد من المطالبة بتوقيع الجزاء على من يعتدي على حقوقه الأساسية أمام المحاكم الوطنية.
النوع الثاني: التزامات التنفيذ التدريجي
يرتبط هذا النوع باتخاذ الدولة لمجموعة من التدابير الوطنية التي لا ترتبط بتحديد سقف زمني من أجل وضع برنامج عمل في أحد مجالات حقوق الإنسان. فمجموعة من المعايير الدولية يستدعي الالتزام بتطبيقها، احترام عدة مراحل وذلك تحت رعاية الوكالات الدولية المتخصصة، التي تقدم المساعدات الضرورية لتنفيذ التزامات الدولة كمنظمة العمل الدولية واليونسكو واليونيسيف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وينصرف الالتزام بالتنفيذ التدريجي، إلى عدم تحقيق التمتع الفوري بطائفة من الحقوق في فترة زمنية محددة، لاستحالة ضمانها للأفراد بشكل سريع، ولارتباطها بالتدابير المتخذة من طرف الدولة، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. مما يجعل الاستفادة منها يطبعها التدرج والتأني كالحق في التنمية المستدامة والسكن اللائق والتغطية الصحية، وتعميم التربية والتعليم تماشيا مع أقصى ما تسمح به الموارد المتاحة للدولة.
ويمكن أن نميز في مجال الالتزامات بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان بين الحقوق الفردية المطلقة والحقوق الجماعية المقيدة أو الخاضعة لأحكام التقييد. فبالنسبة للالتزامات المتعلقة بالحقوق الفردية المطلقة فهي لا تسمح للدولة بالتحفظ عليها، لأنها ترتبط بحقوق أساسية متأصلة في الكائن البشري كالحق في الحياة والحرية والسلامة الجسدية. لذلك، فالفرد يتمتع بهذه الحقوق بصفته الإنسانية، وينحصر دور الدولة، في هذا الإطار، في إعمال هذه الحقوق بدون أي قيد أو شرط وفي جميع الظروف.
فالالتزامات المتعلقة بتحريم الإعدام خارج القانون والتعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، تكتسي طابع القاعدة الآمرة التي لا يجوز نقضها أو المساس بها ولا تسمح بممارسة أي سلطات واسعة سواء تقديرية أو تفسيرية من طرف الدولة بشأن تطبيقها.
ومن جانب آخر، تخضع مجموعة من الالتزامات المتعلقة بالمعايير الدولية للحريات العامة التي يمارسها الأفراد بشكل جماعي لأحكام التقييد، حيث تمتع الدولة بسلطة وضع الشروط التي تقيد ممارسة هذه الحقوق داخل المجتمع، تحقيقا للحفاظ على النظام العام أو الأمن القومي أو الأخلاق العامة.
فممارسة حرية التعبير والرأي وحرية التجمع وحرية التظاهر وتكوين الجمعيات، تخضع للقيود والشروط المتعلقة بالنظام العام والأمن القومي، على أساس أن يكون منصوصا عليها قانونيا في التشريع الوطني، حتى لا تترك أي مجال للسلطات العمومية للإساءة في تفسيرها أو تقييدها بشكل تعسفي.
ثالثا: رهانات تأصيل حماية حقوق الإنسان في التشريع المغربي
لقد صادق المغرب على مجموعة من الاتفاقيات الدولية والتي تندرج في إطار ملاءمة البنية التشريعية مع المبادئ الكونية لحماية حقوق الإنسان و الانسجام مع دينامية تأصيل الحريات العامة في الوثيقة الدستورية الجديدة. وقد جاء الإعلان عن مصادقة الدولة المغربية عن البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب في ظرفية خاصة، حيث ادعى بعض المعتقلين الإسلاميين المتابعين في قضايا الإرهاب تعرضهم للتعذيب في معتقل سري بتمارة وهو ما تنفيه بشدة السلطات الرسمية والتي فتحت نتيجة ذلك أبواب المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتمارة لزيارة الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بالرباط والمسؤولين عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذين نفوا جميعا أي وجود لمعتقل سري بتمارة.
فالمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب تتفاعل مع خطاب الملك لتاسع مارس في الشق المتعلق بدسترة توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، واعتبار الدستور وثيقة الحقوق والحريات. وتجب الإشارة الى أن هيئة الإنصاف والمصالحة أوصت في تقريرها الختامي بأن المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب هي إحدى الضمانات الاساسية لعدم تكرار ما جرى في سياق معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي تبقى رهانا حقيقيا لمصالحة المغاربة مع تاريخهم وحفظ الذاكرة، وتجاوز مآسي سنوات الجمر والرصاص .
إن مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري تستدعي وضع نظام وقائي من خلال القيام بزيارات لمراكز الاعتقال والاحتجاز بشكل منتظم من طرف هيئات دولية ووطنية، وذلك من أجل الدفع بالدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع جميع أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
كما صادق مجلس النواب في 28 يونيو 2012 على قانون حماية الاشخاص من الاختفاء القسري وفق اتفاقية الامم المتحدة ل 20 دجنبر 2006 ، ويتضمن هذا القانون الجديد على خمسة واربعين مادة تعرف جريمة الاختفاء القسري والعقوبات المنصوص عليها، وإجراءات تسليم المجرمين المرتكبين لجريمة الاختفاء القسري وتحديد مفهوم ضحايا الاختفاء القسري، ومساطر التعويض في حالة ارتكاب جريمة الاختفاء القسري ومهام اللجنة الدولية لمناهضة جريمة الاختفاء القسري.
فالقرار 2000/37 الصادر عن لجنة حقوق الإنسان في الدورة 56، تناول مسألة الاختفاء القسري أو غير الطوعي، معتبرا أن الإفلات من العقاب يشكل أحد الأسباب الرئيسية لارتكاب جرائم الاختفاء القسري أو غير الطوعي، وتعرض الشهود أو أقارب المختفين للمضايقات وسوء المعاملة والترهيب، كما أن الإرادة السياسية للدول المعنية هي العقبة الأساسية التي تحول دون الكشف عن حالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي.
إن انخراط التشريع المغربي في دينامية الالتزام بالاتفاقيات المعايير الدولية لحقوق الانسان، يجعله يواجه رهانات مرحلة جديدة تتجسد في تنزيل حماية حقوق الانسان في الدستور المغربي ومواجهة العديد من الاختلالات التشريعية مثل عدم تشديد العقوبة في جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال، وعدم وضع قانون لحماية خادمات البيوت ومنع تشغيل الأطفال أو اتخاذ مجموعة من الاصلاحات المؤسساتية والقضائية، التي تروم مناهضة الإفلات من العقاب في جرائم حقوق الانسان وضمان الحقوق الأساسية مثل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحريات العامة مثل حرية الصحافة وحرية التجمع والتظاهر السلمي والحريات النقابية.
-1 ضرورة تشديد العقوبة في جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال
إن تزايد الاعتداءات الجنسية على الأطفال يشكل قلقا كبيرا ويدعو المشرع المغربي إلى ضرورة المبادرة بإدخال تعديلات في القوانين حتى تكون أكثر زجرية، ففي الدول الأوروبية مثلا يصل الحكم في حال ثبوت التهمة بالاعتداء الجنسي على القاصرين إلى 20 سنة سجنا نافذة، بينما لا يتجاوز الحكم في المغرب في مثل هذه الحالات وحتى إن كان الاعتداء مرفوقا بالعنف 10 سنوات، أما إذا كان الاعتداء من دون عنف ففي أقصى الحالات العقابية لا تتجاوز السنتين.
أكدت العديد من التقارير الوطنية على ازدياد مهول في حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال، وبعضها تتعلق باستغلال الأطفال في السياحة الجنسية بمدن مراكش وأكادير، والمتجسدة في ضبط شبكات متكونة من مغاربة وأجانب يقومون باستغلال الأطفال وبتصوير أفلام بورنوغرافية.
ويرجع انتشار مثل هذه الظواهر حسب هذه التقارير إلى عوامل أساسية من بينها:
- ضعف آليات ووسائل التدخل لمساعدة وحماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة على المستويين الصحي والقانوني.
- ضعف التنسيق بين الأطراف والهيئات والمؤسسات المرتبطة بالظاهرة.
- ضعف سياسة إعلامية تهدف إلى توعية الأسرة والطفل بخطورة الظاهرة، وبضرورة الإفصاح عنها قبل تفشيها.
- نقص في التشريع الجنائي المغربي، حيث ينبغي تعديل القانون الجنائي من أجل الرفع من العقوبات عندما يتعلق الأمر بارتكاب جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال.
(البقية ص: 8)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.