أوجار من الناظور: الإنجازات الحكومية تتجاوز الوعود والمغاربة سيؤكدون ثقتهم في "الأحرار" عام 2026    تطبيق "يالا" يربك الصحافيين والمشجعين قبل صافرة انطلاق "كان المغرب 2025"    كأس العرب.. السكتيوي: تحدونا رغبة كبيرة في الفوز على المنتخب الإماراتي وبلوغ النهائي    عشرة قتلى على الأقل إثر إطلاق نار عند شاطئ بونداي بأستراليا خلال احتفال بعيد يهودي    توحتوح: المغاربة لم يفقدوا الثقة في السياسة بل في من أخلفوا الوعود    آيت بودلال: قميص المنتخب شرف كبير    احتفال يهودي بأستراليا ينتهي بإطلاق النار ومصرع 10 أشخاص    تمديد فترة الترشيح للاستفادة من الدورة الثانية من برنامج "صانع ألعاب الفيديو" إلى 21 دجنبر الجاري    ائتلاف يدعو إلى وقف تهميش المناطق الجبلية وإقرار تدابير حقيقية للنهوض بأوضاع الساكنة    أمن مولاي رشيد يوقف 14 مشاغبا اعتدوا على الأمن وألحقوا خسائر بسيارات عمومية    تخصيص 24 ملعبًا لتداريب المنتخبات المشاركة في كأس الأمم الإفريقية 2025 بالمغرب    قبل أيام من انطلاق الكان... لقجع يؤكد الإنجازات التي حققتها الكرة المغربية    شغب رياضي يتحول إلى عنف خطير بالدار البيضاء    بعد فاجعة فاس... لفتيت يحرك آلية جرد المباني الآيلة للسقوط    دعم 22 مشروعًا نسويًا بالمضيق-الفنيدق بتمويل من المبادرة الوطنية    إسرائيل تندد ب"هجوم مروع على اليهود"    قتيلان و8 مصابين في إطلاق نار بجامعة براون الأمريكية    مقتل 10 أشخاص في إطلاق نار خلال فعالية يهودية في سيدني    قوات إسرائيلية تعتقل 25 فلسطينيا    استقالات جماعية تهز نقابة umt بتارودانت وتكشف عن شرخ تنظيمي.    مجلس النواب والجمعية الوطنية لمالاوي يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون البرلماني    الجيش الموريتاني يوقف تحركات مشبوهة لعناصر من ميليشيات البوليساريو    إقبال كبير على حملة التبرع بالدم بدوار الزاوية إقليم تيزنيت.    "الفاو" ترصد إجهادا مائيا يتجاوز 50% في المغرب.. والموارد المتجددة للفرد تهبط إلى 776 مترا مكعبا    مباراة المغرب-البرازيل بمونديال 2026 الثانية من حيث الإقبال على طلب التذاكر    كرة القدم.. إستوديانتس يتوج بلقب المرحلة الختامية للدوري الأرجنتيني    طلبة المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأكادير يعلنون تصعيد الإضراب والمقاطعة احتجاجاً على اختلالات بيداغوجية وتنظيمية    زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب غرب إندونيسيا    ألمانيا: توقيف خمسة رجال للاشتباه بتخطيطهم لهجوم بسوق عيد الميلاد    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    أخنوش من الناظور: أوفينا بالتزاماتنا التي قدمناها في 2021    جهة الشرق.. أخنوش: نعمل على جلب شركات في قطاعات مختلفة للاستثمار وخلق فرص الشغل    مسؤول ينفي "تهجير" كتب بتطوان    افتتاح وكالة اسفار ltiné Rêve إضافة نوعية لتنشيط السياحة بالجديدة    إطلاق قطب الجودة الغذائية باللوكوس... لبنة جديدة لتعزيز التنمية الفلاحية والصناعية بإقليم العرائش        البنك الإفريقي للتنمية يدعم مشروع توسعة مطار طنجة    إسرائيل تعلن استهداف قيادي بارز في "القسام" بغزة و"حماس" تتهمها بخرق وقف إطلاق النار    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    محمد رمضان يحل بمراكش لتصوير الأغنية الرسمية لكأس إفريقيا 2025    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    تعاون غير مسبوق بين لارتيست ونج وبيني آدم وخديجة تاعيالت في "هداك الزين"    من الناظور... أخنوش: الأرقام تتكلم والتحسن الاقتصادي ينعكس مباشرة على معيشة المغاربة            المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    الممثل بيتر غرين يفارق الحياة بمدينة نيويورك    بنونة يطالب ب «فتح تحقيق فوري وحازم لكشف لغز تهجير الكتب والوثائق النفيسة من المكتبة العامة لتطوان»    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    يونيسكو.. انتخاب المغرب عضوا في الهيئة التقييمية للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي    تناول الأفوكادو بانتظام يخفض الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية    تيميتار 2025.. عشرون سنة من الاحتفاء بالموسيقى الأمازيغية وروح الانفتاح    منظمة الصحة العالمية .. لا أدلة علمية تربط اللقاحات باضطرابات طيف التوحد    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ عبد الغني العمري الحسني : تعقيب على نداء الكنانة .
نشر في الجسور يوم 04 - 06 - 2015

بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

في البداية، لا بد أن نذكر أننا لسنا في معرض المنافحة عن حكام مصر، وعن مؤسساتها الرسمية؛ لأنهم المعنيون بذلك والجديرون به. وقد سبق لنا أن أعلنّا موقفنا من الإفتاء بقتل الإخوان إبان فض الاعتصامين، والآن نعلن مخالفتنا لأحكام القتل (الإعدام) الصادرة على ذلك العدد الكبير من المسجونين. وكنا نود أن يوفق حكام مصر، إلى ما يُبقي على آصرة الأخوة قائمة بين أبناء الشعب الواحد؛ ولكن يبدو أن القدر يجري بما لا يتمنى الناس، والحكم لله أولا وآخرا.

ثم بعد هذا، لا بد أن نلاحظ تأخر مثل هذا النداء، إلى ما بعد الحكم على مرسي والقرضاوي بالقتل (الإعدام). وهذا يدل على أن النداء جاء دفاعا عن أشخاص بعينهم، لا دفاعا عن الشعب المصري أو عن الإسلام. رغم أن الشهادة غاية كل مؤمن بالآخرة، من علماء وغيرهم. والاستشهاد ظلما، لا يُنقص من أجر الشهيد شيئا؛ بل يرفعه. وجل من استشهدوا ظلما في تاريخنا، من خلفاء (حكام ربانيين) ومن كبار العلماء، إنما ارتضوا ذلك ليحقنوا دماء المسلمين من بعدهم، لا ليكونوا سببا في اقتتالهم. وإن علماء المسلمين، الذين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين إما تنظيميا وإما فكريا، يريدون بهذا البيان، أن يزيدوا من تسعير الفتنة في مصر، وفي البلاد العربية الأخرى من بعدها. وهذا خلاف ما درج عليه الصالحون من سلفنا كما ذكرنا. ولنبدأ بعرض ملاحظاتنا على هذا البيان (الصادر بتاريخ: 27 مايو 2015) بالتفصيل:

1. الترويسة: إن ورود البيان باسم علماء الأمة، فيه كثير من التدليس والتهويل؛ لأن الموقعين عليه هم من أتباع جماعة الإخوان المسلمين، إما تنظيميا وإما أيديولوجيا. وللأمة علماء غيرهم، لا يرون ما ذهبوا إليه، لو كانوا يأبهون. ولكننا قد اعتدنا احتكار الإسلاميين للخطاب الديني، وكأنهم وحدهم المعنيون بالدين.

2. الديباجة: ذُكر في الديباجة أن الأحداث الجارية في مصر، صار لها من الزمان ما يقارب العامين؛ وهو ما يؤكد أن البيان لم يأت لِما ذُكر من بلاء لا يُنكر، وإنما لِما جدّ من حكم بالإعدام على الدكتور القرضاوي، الذي يريد أن يظهر سلطته العلمية، بتحريك كل أتباعه من جميع الأصقاع. وقد قلنا إن خلاف ذلك، هو ما كان أليق به، إن كان يراعي الله في المسلمين.

جاء في الديباجة أيضا: "ومعاداة فجة للإسلام والمسلمين، بمحاربةٍ لمنهجه، وقتلٍ لعلمائه، وتطاولٍ على قيمه وثوابته ومقدساته، وموالاة لأعدائه، ومعاداة لأوليائه": وهذا ليس صحيحا، لكون نظام الحكم في مصر اعتدى على جماعة الإخوان المسلمين، لا على المسلمين أجمعين، ولا على الإسلام من حيث هو دين. ذلك لأن حكام مصر الحاليين ليسوا كافرين؛ لا هم ولا من يخالف الجماعة في الرأي من أهل العلم والدين. وهذا الخطاب الراديكالي من أصحاب الأيديولوجيا الإسلاميين، هو من الأسباب الرئيسة للخلاف بينهم وبين باقي الأمة، لو كانوا يعقلون.

وجاء في الديباجة أيضا: "فإننا - صدعًا بالحق، ودفعًا للباطل، وبيانًا للناس، كما أمرنا الله تعالى - نعلن للأمة الموقف الشرعي من هذا النظام، والواجب نحوه": والحقيقة أن ما سيذكره البيان من نقاط، لا يُعتبر موقفا شرعيا على التمام، بسبب ما يُخالطه من مواقف سياسية أيديولوجية بالأساس، سنبيّنها إن شاء الله في حينه. وأما الصدع بالحق، فإن علماءنا قد تخلوا عنه منذ أمد بعيد. ونقصد بالحق، ما هو حق عند الله، لا ما هو حق باعتبار ما.

3. النقطة:1: جاء فيها: "أن المنظومة الحاكمة في مصر منظومة مجرمة قاتلة، انقلبت على إرادة الأمة واختيارها، وخطفت رئيسها الشرعي المنتخب": في حين أن ما وقع من انقلاب على حكم الإخوان كان بإيعاز من عدد كبير من أفراد الشعب في 30 يونيه كما هو معلوم. ولسنا نناقش هنا مدى أحقية ذلك، ولكنّ مرادنا محاكمة أصحاب البيان إلى المبادئ التي يحيل إليها البيان نفسه؛ وليست إلا الديموقراطية. واعتبار مرسي رئيسا شرعيا، بمجرد انتخابه من قِبل شطر من الشعب، يجعل من السيسي رئيسا شرعيا بالمعيار نفسه. نقصد من هذا كله، أن الديموقراطية ليست من الدين، حتى نعتبر على أساسها رئيسا ما شرعيا؛ إلا إن كان يُقصد من كلمة "شرعي"، معنى "قانوني". أما إن كان المراد النسبة إلى الشريعة، فإنها لا تصح، إلا من وجه غير الديموقراطية. ولا يخفى ما في البيان من تدليس، باستعمال كلمة "شرعي"، بغير معناها الذي عند العلماء، على الأقل.

ثم إن الانقلاب لم يكن على إرادة الأمة واختيارها، لأن شعب مصر كله ليس إلا جزءا من الأمة، لا الأمة. والانقلاب كان على شطر من الشعب، من شطر من الشعب. فالأمر لا يعدوا أن يكون مغالبة سياسية داخل قطر مصر وحده. فلمَ يُلبس لبوس ما هو متعلق بالأمة، وكأن مرسي كان خليفة وليس رئيسا. والجدير بالذكر، هو أن مرسي لم يكن يصلح للرئاسة من البداية، لولا حسابات جماعته التي أقحمته في "اللعبة" إقحاما. فما لهؤلاء الناس، لا يعتبرون شيئا من ذلك؟!.. أم إن مصائر الشعوب صار يُتلاعب بها، من أجل أغراض الجماعات والأشخاص؟!.. نحن بعيدون من مصر جغرافيا، ومع ذلك، ما راقنا أسلوب مرسي في الحكم!.. ليس الأمر مزاجا هنا يا قوم؛ وإنما هو سياسة قد يُحسنها بعض الناس، ويُخفق فيها آخرون. ولا علاقة لهذا بكون المحسن لها أقرب إلى الله من الفاشل، أو بالعكس. ولقد خلط الإخوان كثيرا بين المفاهيم الدينية والمفاهيم السياسية، حتى عاد ذلك وبالا عليهم.

ثم ذكرت النقطة الأولى ما لاقاه الإخوان من تقتيل ومن تشريد على يد الحكام الجدد، وهو حق لولا بعض المبالغة في نهاية الفقرة؛ لكن لم تذكر عناد الإخوان وتصلبهم عند فقدهم الحكم. ولم تذكر تغلغل التنظيم في النفوس قبل التغلغل في الأجهزة والإدارات؛ وهذا لا يمكن أن يقبله أي نظام حكم في العالم؛ لأن التنظيم إما أن يحكم هو، ويُخضع غيره، وإما أن يفسد على الحاكمين حكمهم؛ لا يمكن أن يكون غير هذا. والواضح أن الإخوان لم يتركوا مجالا لمخالفيهم، إلا أن يضعوهم في السجون وينكلوا بهم. والمصيبة أنهم يرون حقهم في الحكم حقا إلهيا، وكأنهم مبعوثون إلى الناس من قِبل الله. وهذا نتيجة التربية الأيديولوجية التي انتهجوها، بديلا عن التزكية الشرعية الربانية؛ وإن كانوا هم لا يشعرون بالفرق.

4. النقطة:2: ورود الكلام بصيغة الوجوب الشرعي على الأمة، من أجل التصدي لحكام مصر، فيه مخالفة للشرع نفسه، لخلطه بين حكم الأمة العام في زمن وحدتها، وحكم الوطنية القطرية الذي ما زال ساريا في وقتنا. وإلغاء هذا الأخير، هو من عدم ضبط الأحكام الشرعية الآن. وأما المخالفة الأخرى، فهي جعل بعض الأمة في مواجهة البعض الثاني؛ وكأن الأمر مواجهة بين الحق والباطل. وسواء أكانت المواجهة بين عموم الأمة وحكام مصر، أم كانت بين المصريين وحكامهم، فإن المفاسد التي في هذه المواجهة، لا يُمكن أن تكون مقصودة للشرع الحكيم. وأما إن قيل إن هذا يدخل في مقاتلة الفئة الباغية، فإننا نقول: ما نحن بصدده غير هذا؛ لأن الفئة الباغية تكون في مقابل فئة أهل الحق، كما كان الشأن مع علي عليه السلام في مواجهة مقاتليه. أما اليوم، فنحن في زمن فتنة وشتات، لا يضمن أحد لفئة أن تكون على الحق المبين. ولهذا فإن كل ما يخفف من حدة الصراعات الداخلية والاقتتال، يكون هو مقصود الشرع، لا غيره. وهذه هي المقاصد العليا للإسلام الآن، لا ما جاء في البيان.

5. النقطة:3: إن ما ذُكر من موالاة الصهاينة ومعاداة المقاومة الفلسطينية، وكونه خيانة للدين والوطن، ليس بالبساطة التي يريدها البيان. ذلك لأن "حماس" تنتمي إلى جماعة الإخوان، وهي تعمل للجماعة بقدر ما تعمل للإسلام، إن لم يكن أكثر. ولقد ضحت بشطر من شعب فلسطين في الحرب الأخيرة، من أجل دعم الجماعة داخل مصر سياسيا. وهذا عمل لا يُقره الشرع أبدا. واستعمال البيان للقضية الفلسطينية مغرض، يراد من ورائه إلصاق التهمة بالمصريين. وهذا من الإرهاب الديني والفكري، الذي لا يكون من صفات أهل الإيمان قط. والآية التي خُتمت بها الفقرة، لا ينبغي أن تُنزل على هذا الوضع الملتبس؛ لأن المؤمنين فيها، هم من يكونون في صف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو في صف أحد الخلفاء الربانيين. أما اليوم فالأمر مختلط؛ قد تجد مؤمنا وسط الكافرين، وتجد الكافر مع المؤمنين؛ بسبب غلبة المعايير الدنيوية (ومنها الديموقراطية) على المعايير الشرعية.

6. النقطة:4: إن هذه النقطة فيها تحريض على الحكام والقضاة والمفتين والضباط والإعلاميين، وإن قُيّد في ظاهر اللفظ ب "الضوابط الشرعية"؛ لأن هذه الضوابط صارت تُفهم بحسب مذهب كل طائفة وفرقة. وقد قُتل أقوام بأقل من هذا الخطاب في السابق. ونحن نرى أن البيان بهذا الخطاب، يريد أن يعلن بداية الحرب الأهلية في مصر. وهذا لا يمكن أن يكون موافقا للشرع، مهما بلغ ظلم الظالمين الآن.

7. النقطة:5: تأكيد العلماء على أن مرسي هو الرئيس الشرعي، هو من قلة العلم والفقه؛ لأن العلم يُدخل في اعتباره إرادة الله وقدره، إلى جانب الاعتبارات الأخرى. وهؤلاء المتمسكون بمرسي بعد كل ما جرى، لم يبلغوا حتى فهم الكفار (العقلاء) في النوازل. والبراغماتية التي لهم (للكفار)، من هذا الباب. إن التمسك بخلاف مراد الله، يجعل العبد يصارع القدر، وهو غالِبه. وإن العلماء بفقدهم لهذا العلم، يفقدون أهلية الإفتاء فيما هو من الشأن العام. وعليهم أن يبقوا في حدود ما يُحسنون من الفقه، إن كانوا يريدون السلامة عند الله. وإن إلزام الأمة بعد ذلك بالسعي إلى تحرير مرسي، لهو من الجنوح في القول؛ وكأنه الخليفة الذي لا يُستعاض عنه!.. ما هكذا الأمر!..

8. النقطة:6: إن من يحض البيان على إطلاق سراحهم من الذين رفضوا الانقلاب، كان ينبغي أن يُنصحوا من قِبل جماعة الإخوان، بدل أن يُشحنوا ويوهموا أنهم مجاهدون في سبيل الله وإعلاء كلمته؛ بينما هم في الحقيقة يقدّمون قرابين من أجل وصول القيادات إلى الحكم. وليت من وصل إلى الحكم كان سيحكم بما أنزل الله، حتى لا تذهب الجهود سدى!..

9. النقطة:7: إن التحذير من إعانة حكام مصر، لا يمكن أن يُعتبر إلا إن كان مقيّدا بالمحرمات الشرعية. أما ما يصب في مصلحة الشعب عامة، أو ما يكون من قبيل التنفيس عن المستضعفين، فإنه يكون قربة إلى الله. ولا داعي إلى أن يُعمي كره قوم، عما ينبغي أن يراعى عند النظر إلى البلد بأكمله. ما هكذا يكون فقه الشريعة، ولا هكذا يكون العمل للأمة!.. ثم إن الاستدلال بقول الله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}، ليس في محله من كل الوجوه؛ لأن الظلم صنوف، منها ما يعنيه البيان، ومنها ما يتستر عليه، من قبيل ظلم الجماعات لأتباعها، وظلمها لشعوبها، وظلم الفقهاء في أحكامهم وفي فتاواهم، وظلم الأفراد لأنفسهم. ولعل الظلم لا يسلم منه واحد من الأمة الآن، لو محّصنا. فلا سبيل إلى هذا التدليس المتحامل.

10. النقطة:8: إن الهجوم على شخص شيخ الأزهر، من غير اعتبار لشيء مما لديه، لهو من الظلم، وإن كنا لا نوافقه على كثير من مواقفه. فعلى الأقل هو عالم كهؤلاء الذين ينتقدونه. وعليهم جميعا -إن كانوا منصفين- أن يعيدوا النظر في هذا العلم الذي صار بلاء على الأمة؛ والذي ينطلق منه كلا الطرفين في إثبات ما يُنكره كلاهما.

11. النقطة:9: أما ما ذكره البيان عن المفتي، فإننا نوافق عليه بشدة. وذلك لأن الإفتاء بالقتل، والتصديق عليه، ليس أمرا هيّنا. وإن الفتنة التي تعرفها الأمة، لا يُحكم فيها كما في أزمنة الرخاء والاستقرار. اليوم يكاد المرء لا يدري لمَ قتل إن هو قتل. وإنّ تساهل القضاء ودار الإفتاء في القتل، يزيد من الفتنة ولا يُنقصها. وهذا يدخل في الفقه المراعي للسياقات، الذي ندعو إليه دائما.

12. النقطة:10: وهي في الحقيقة دعوة إلى استعمال العنف المادي، من طرف الأفراد؛ وهو تعميم للفتنة لا نظن أنه سيُبقي على شيء إن استُمع لما دُعي إليه. ولا يخفى أن التأصيل الشرعي الذي يعتمده البيان، لا يُراد منه الوقوف عند الحدود، بقدر ما يراد إيجاد الأعذار لمن سيتعداها. وهذا تحايل على الشرع، قبل أن يكون إجراما مقنّعا. وإن كان هذا يدل على شيء، فإنما يدل على قلة الورع عند هؤلاء العلماء.

13. النقطة:11: إن مطالبة الملوك والرؤساء والمثقفين بمعاداة حكام مصر، والعمل على إعادة الأمر إلى ما كان عليه قبل سقوط الإخوان، هو توسيع لدائرة الفتنة، حتى لا يسلم منها بلد من البلدان؛ وهذا بعكس ما يأمر به الشرع. ذلك لأن كل بلد فيه من هو موال للإخوان، وفيه من هو معاد لهم. وإن تحرك طرف إلى اتجاه، فلا بد للطرف الآخر أن يتحرك إلى الاتجاه المقابل. والمطلوب الآن، الحد من هذا الاصطفاف الأعمى، الذي لم يعد الناس فيه يحسبون حسابا للآخرة، وإن زعموا أنهم مناصرون للدين.

14. النقطة:12: وهي استهجان لمواقف الموافقين لحكام مصر، وتثمين لمواقف المعارضين؛ وهو أسلوب "مباشر" في الحض على الاصطفاف، من دون مراعاة لانعكاسه على الأمة في المستقبل.

15. النقطة:13: وهذه تحريض على المواجهة بين الطرفين، لا تكون نهايته إلا إلى غضب الله، وخسران الدين.

إن هذا البيان، لا يُعتبر بيانا صادرا عن علماء الأمة كما زُعم له؛ وإنما هو بيان لجماعة الإخوان المسلمين، تريد من ورائه الثأر لما أصاب أعضاءها في السابق، وما يصيب رموزها الآن. وإن كل ما جاء فيه، إنما هو تسعير لنار الفتنة في بلاد مصر، وإعلان للحرب الأهلية فيها، من غير مراعاة لله في ذلك كله. هذا، وإن تكفير السيسي، الذي سمعنا أحد هؤلاء "العلماء" يفوه به، لا يُمكن أن يُقبل مهما بلغ ظلمه؛ لأن الكفر لا يثبت إلا ببيّنة لا شبهة فيها. وإن من لا يتمكن من إمساك نفسه من تعدي حدود الله، ليس خليقا أن يدل غيره على الحق.

وإن العمل بما جاء في هذا البيان من توجيه، لهو مما ينبغي أن يُنكر، وأن يُعمل على وأْده وتجاوزه. هذا إن كنا نريد بالإسلام وبالأمة خيرا. أما إن كان اعتبار جماعاتنا يسبق اعتبار الدين والأمة، فلنعلم أننا على الباطل الذي لا مراء فيه. هذا، وإن المسلم لا ينبغي أن يتعلق بحُكم مخصوص، لفرد مخصوص؛ وقد تنازل أئمتنا عن الحكم لمن هو أدنى منهم مكانة؛ فكيف بهؤلاء المتمسَّك بهم وهم مفضولون؛ والله يولي من يشاء ويعزل من يشاء. وعلى المسلم في المقابل، أن يلتزم بأحكام الشرع في نفسه أولا، حتى يستنير قلبه بعمله، فيرى بوضوح حقيقة الصورة الماثلة أمامه. وإن كل كلام غير هذا، مما يعتمده الديماغوجيون، لهو من خطابات الشيطان، التي يريد أن يهلك بها من يتبعه ويُرديَه. فحذار من طاعة المخلوقين في معصية الله!..

وفي الختام، ندعو كل الموقعين على هذا البيان إلى التراجع عنه، إرضاء لله، وحقنا لدماء المسلمين؛ وندعو كل علماء الدين إلى تمحيص علمهم بالعودة فيه إلى العليم الخبير سبحانه، وبالعمل على تنوير قلوبهم عن طريق الاتصال بنور النبوة المستمر في هذه الأمة إلى قيام الساعة؛ حتى يفقهوا عن ربهم في علمهم، ويكونوا مهتدين.

وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين.

(كُتب هذا التعقيب، بعد مرور ما يقارب 180 يوما، من الاعتصام المفتوح للشيخ وأسرته؛ بسبب اضطهاد الحكومة وأجهزتها الذي ما زال مستمرا إلى الآن).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.