تفاصيل مشروع تصميم الطيارات وإنتاجها وصيانتها وبصلاحيتها للملاحة    الاتحاد الاشتراكي دوخ كولشي.. بدا حروب سياسية بملتمس الرقابة وسالاها بالمطالبة برئاسة لجنة العدل والتشريع بدعم من وهبي    ليبيريا: كندعمو الوحدة الترابية ديال المغرب وسيادتو على صحرائه    ليبيريا تجدد تأكيد دعمها لمغربية الصحراء    البيجيدي يجدد الثقة في بووانو رئيسا لمجموعته النيابية    فلقاء جمعو بأخنوش.. المدير العام لمنظمة الفاو كينوه بالتجربة المغربية فمجال الفلاحة والصناعات الغذائية(صور)    المغرب متراجع بزاف فمؤشر "جودة الحياة"    واش تنادم معهم الحال حيث شافوه محيح مع العين؟ نايضة فالأهلي المصري بسبب سفيان رحيمي    توقيت مباراة المغرب والجزائر هذا اليوم ضمن منافسات بطولة اتحاد شمال إفريقيا    الحكومة تعمل على مضاعفة استيراد أضاحي العيد قياسا بالعام الماضي    سلطات بوركينا فاسو تطرد دبلوماسيين فرنسيين    ثلاثة نجوم مغاربة يزينون نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    ما الذي قاله هشام الدكيك قبل المواجهة الحاسمة أمام ليبيا؟    السفينة الشراعية التدريبية للبحرية الألمانية "غورتش فوك" ترسو بميناء طنجة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة (نصف النهاية).. المغرب يواجه ليبيا وعينه على الاقتراب من لقبه القاري الثالث و انتزاع بطاقة العبور للمونديال    البرلماني منصف الطوب يزف بشرى سارة لساكنة تطوان    توقيف ثلاثة أشخاص بعد الإعتداء على شرطي بنقطة المراقبة المرورية بمدخل مدينة أصيلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المغرب وليبيريا يجددان التأكيد على مواصلة تعزيز تعاونهما الثنائي    هل تغير أميركا موقفها بشأن عضوية فلسطين بالأمم المتحدة؟    تاجر مخدرات يوجه طعنة غادرة لشرطي خلال مزاولته لمهامه والأمن يتدخل    أصيلة.. توقيف ثلاثة أشخاص للاشتباه في ارتباطهم بالاتجار في المخدرات    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    تفويت مستشفيات عمومية بالشمال للخواص يجر وزير الصحة للمساءلة البرلمانية    تقرير دولي يكشف عن عدد مليونيرات طنجة.. وشخص واحد بالمدينة تفوق ثروته المليار دولار        سفيرة المغرب بإسبانيا تعلن عن التزام الرباط بإعادة فتح المعابر التجارية مع مليلية وسبتة رغم التأخيرات    هل يتراجع "الكاف" عن تنظيم نسخة جديدة من "السوبرليغ" في 2024؟    الدار البيضاء.. افتتاح معرض تشكيلي جماعي بعنوان : «التنوع المختزل في الريشة الإبداعية»    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    عزيز حطاب يكشف ل"القناة" حقيقة عودة "بين القصور" بجزء ثانٍ في رمضان المقبل!    اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بعد أمطار غير مسبوقة    رونالدو يكسب يوفنتوس في ملف تحكيم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أكادير تحتضن الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ    تنظيم الدورة الثانية لمعرض كتاب التاريخ للجديدة بحضور كتاب ومثقفين مغاربة وأجانب    إحباط محاولة تهريب 116 ألفا و605 أقراص مهلوسة إلى داخل التراب الوطني    بينهم سوري.. عقود عمل وهمية والإتجار بالبشر يطيحان ب5 أشخاص في فاس    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    استطلاع: الأسرة المغربية غير قادرة على حماية أطفالها من مخاطر "التواصل الاجتماعي"    الحكومة ‬المغربية ‬تؤكد مآل ‬تجديد ‬اتفاقية ‬الصيد ‬البحري    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه الدولة    موهبة كروية جديدة تُشغل الصراع بين المغرب والجزائر    تحداو ظروف الحرب وخرجو يبدلو الجو.. مئات الفلسطنيين قصدو البحر فغزة باش يستمتعو بالما والشمش (فيديو)        لماذا أصدرت شركة أبل تحديثاً لهواتفها يعالج الرمز التعبيري للعلم الفلسطيني؟    حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية    نشرة الأخبار: رقم قياسي في الملل    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    أرقام رسمية.. 3000 مغربي مصاب بمرض "الهيموفيليا" الوراثي وها شنو موجدة وزارة الصحة لهاد النزيف الدموي    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء عاصف مع ياسر عرفات في مراكش هدد فيه بأن «يد الثورة طويلة»
سألني القذافي: لماذا أرسلوا إلي سودانيا؟ فكان جوابي: ألسنا أمة عربية واحدة؟!
نشر في المساء يوم 02 - 09 - 2010


الحلقة العشرون :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب


كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]

كم قضيت من الوقت في ليبيا في انتظار أن تلتقي العقيد معمر القذافي؟
- قضيت عدة أيام، أذكر أني أُبلغت بأن الموعد مع «الأخ القائد»، وهو اللقب الرسمي للرئيس الليبي، سيكون قبل موعد الإفطار. وفعلا، ذهبت مع أحد المرافقين، إلى الثكنة العسكرية «باب العزيزية»، وهو المقر الرئيسي للعقيد معمر القذافي في العاصمة الليبية طرابلس. لاحظت أن الحراسة عادية، ولم أخضع لتفتيش ذاتي. وبعد المرور عبر عدة بوابات، حيث سارت السيارة مسافة طويلة داخل القاعدة، وصلنا إلى خيمة كبيرة نصبت قرب مكاتب يبدو أن القائد الليبي لا يستعملها عندما لا يستقبل ضيوفا، لكن جميع الضيوف يستقبلون داخل الخيمة. هناك وجدت طلال سلمان، رئيس تحرير «السفير»، ووليد الحسيني، رئيس تحرير مجلة «الكفاح العربي»، وأُخبرت بأن الحوار سيكون أساسا مع «الشرق الأوسط» وأن حضور سلمان والحسيني هو لأمر آخر. كنت اتفقت مع عثمان العمير، رئيس تحرير «الشرق الأوسط»، على أنه عندما أجري الحوار مع القذافي أخبره فورا عبر الهاتف. ولأني أعرف أن المكالمات الهاتفية، خاصة إلى الخارج، تتعرض إلى التنصت عليها. وبالتأكيد حين يتعلق الأمر بصحافي ويقيم في فندق حكومي وسيلتقي العقيد القذافي، لا بد أن نتوقع أن تكون هناك مراقبة صارمة. كان الاتفاق مع الأخ العمير على أن أقول له عبر الهاتف، إذا كان الحديث معقولا وقابلا للنشر، إن «طقس طرابلس سيىء جدا ومشبع بالرطوبة»، وإذا كان يتعذر نشر الحوار أقول: «الطقس هنا جميل جدا ومنظر البحر بديع»، أي أن أقول كلاما معكوسا، وهو سيفهم من ذلك تقييمي للحوار الذي اشترط الليبيون، قبل إجرائه، كما أسلفت، نشره بالفاصلة والنقطة.
وما الذي جرى بعد وصولك إلى خيمة القذافي؟
- بعد أن انتظرنا قليلا داخل هذه الخيمة، جاء العقيد معمر القذافي، كان يضع كوفية فلسطينية على كتفيه، تعبيرا عن تضامنه مع الانتفاضة الفلسطينية المندلعة في ذلك الوقت، والتي انطلقت شرارتها في ديسمبر عام 1987، وكان يرتدي سترة وبنطلونا بلون أخضر فاتح. وبعد أن رحب بنا ترحيبا مقتضبا، وضعت المسجل فوق طاولة صغيرة كانت أمامه. كنا جلسنا قبالته في كراس بعيدة نسبيا عن مكان جلوسه، وضعت الكراسي وكأننا في قسم دراسي وأمامنا معلم.
ماذا قال القذافي في بداية حواره معكم؟
- استهل العقيد معمر القذافي حديثه عن المعارضين الليبيين في الخارج، والذين كان يطلق عليهم توصيف «خونة ومرتزقة»، وقال إن عليهم العودة إلى بلادهم، وإنهم لن يتعرضوا لأذى. وقال القذافي في ذلك الحوار، الذي جرى في ماي 1988، إن جميع العرب والليبيين المقيمين في الخارج يمكنهم العودة إلى ليبيا، وإنه لا يوجد أي قيد على ممارستهم لحريتهم فوق أرض ليبيا. كان حوارا استثنائيا في مسيرتي المهنية، لأن المطلوب كان هو أن أطرح على العقيد القذافي أسئلة فيها الكثير من المرواغة، حتى لا يهاجم دولة عربية أو رئيس دولة عربية، ويضعنا في حرج، خاصة وأن الشرط هو أن نكتب كل شيء يقوله. كان الحوار استثنائيا من هذه الزواية. كنت كلما خمنت أنه سيقول كلاما صعبا، أقفز إلى موضوع آخر ولا أتركه يكمل ما يريد قوله. كان حوارا كله مرواغات من جانبي. كنت ألتقط أنفاسي عندما يعود إلى الأوضاع الداخلية في ليبيا، لأن كل ما سيقوله في هذا الصدد لا يوجد أي إشكال في نشره.
كيف كانت نبرة صوته وهو يجيب عن أسئلتك؟
- الثابت أن العقيد القذافي في كل لقاءاته الصحافية يتحدث بصوت خفيض. وعندما يطرح عليه سؤال، ينظر إلى أعلى قبل أن يجيب. وعادة ما يقفز من فكرة إلى فكرة، ولا يكترث إذا كان يجيب عن السؤال المطروح أو لا يجيب عنه. المهم أن يقول ما يود قوله.
ألم يقل شيئا يمكنه أن يحرجكم؟
- في معرض انتقاده للصحافيين العرب الذين يعملون في إذاعة «بي بي سي» و«مونتي كارلو» و«صوت أمريكا»، تحدث عنهم بطريقة سلبية جدا وكال لهم اتهامات بلا حصر. قال إنهم عملاء للاستعمار، وإنهم يعملون ضد أمتهم العربية، لأنهم وضعوا أنفسهم في خدمة الاستعمار حين عملوا في إذاعات استعمارية. بل ذهب إلى أبعد مدى حين قال: «لماذا يجبر عربي على إذاعة الشتائم والدعايات الاستعمارية باللغة العربية»، وأضاف: «إذا كان يقوم بذلك حتى يأكل ويشرب، فيمكنه أن يأتى إلى ليبيا وسنقدم إليه الأكل والشراب، ويجب أن نترك الإنجليز والفرنسيين والأمريكيين يذيعون بأنفسهم ما يريدونه بلغتهم العربية المكسرة، ولا يجب أن يجدوا عربيا يعمل معهم». وذهب العقيد القذافي بانتقاداته للصحافيين العرب إلى أبعد من ذلك، وقال «إنهم ليسوا سوى حمير، يأكلون تبنا يقدمه المستعمر»، في إشارة إلى ما يتقاضونه من رواتب، وزاد قائلا «وإذا أرادوا التبن فنحن على استعداد أن نقدم إليهم هذا التبن، عليهم فقط أن يأتوا إلى ليبيا». هذا الكلام نشرناه في «الشرق الأوسط» وخلق لي بعض الإحراج مع الزملاء في المنابر المشار إليها، لكنهم لم يكونوا يدركون أنه لا خيار كان متاحا لنا سوى نشره.
وماذا كان دور الصحافيين الذين كانوا معك في هذه الجلسة مع القدافي؟
-اقتصر دورهم على الحضور فقط، ولم يشاركوا في هذا الحوار إطلاقا، كانوا يستمعون فقط إلى ما يدور من أسئلة وأجوبة.
ماذا حصل بعد إجراء الحوار؟
- بعد أن انتهى الحوار، وكان ذلك قبل أذان المغرب بدقائق، التقطت لنا صور تذكارية مع العقيد القذافي، أثناء ذلك سألني «لماذا أرسلوا إلي سودانيا» (يقصد لماذا أرسلت «الشرق الأوسط» سودانيا لإجراء الحوار؟)، فقلت له: «أيها القائد أنت من دعاة الوحدة العربية، والسودانيون عرب، فما هو الفرق بين سوداني أو غير سوداني، كلنا ننتمي إلى الأمة العربية، ألسنا أمة واحدة؟». عقب القذافي علي قائلا: «كيف نعرف بأنكم تريدون علاقة جيدة مع الجماهيرية». قلت له: «بنشر هذا الحوار بالكامل».
كان ذلك شرطهم؟
- نعم. لذلك أجاب إجابة مقتضبة، وقال: «طيب، ستنشرونه بالكامل إذن؟»، أجبت ب«نعم». ثم أردت أن أقف على مدى رضاه بإجراء الحوار وبزيارتي لليبيا، فاستفسرته حول ما إذا كان ممكنا إجراء استطلاعات ميدانية والالتقاء بسجناء ليبيين أطلق سراحهم وكذا بليبيين عادوا من المنفى، وسؤال الناس في الشارع حول رأيهم في القرارات التي اتخذها، فكان رده: «أنت حر في أن تفعل ما تريده، وحتى إذا وجدت عيبا وخللا من خلال هذه التحقيقات، فعليك أن تكتبه حتى نستطيع معالجته». صافحته بعد ذلك وشكرته على ما أتاحه لي من وقت. وخرج بعدها من الخيمة راجلا في اتجاه ما خمنت أنه مكان إقامته.
كم استغرق الحوار من وقت؟
- حوالي ساعة. كان حديثا طويلا، ونشر في صفحة كاملة.
وما الذي فعلته بعد ذلك؟
- بعد أن عدت إلى مكان إقامتي، أول شيء قمت به هو الاتصال بالأخ العمير، حيث أخبرته بأن طقس طرابلس «سيىء جدا بسبب الرطوبة، وسأحاول العودة على متن أول طائرة تتجه إلى المغرب»، ولم أتطرق مطلقا للحوار أو ما جرى فيه. طبعا، فهمت من الليبيين ألا أغادر ليبيا حتى ينشر الحوار. وبالفعل، أفرغت الشريط وأرسلته عبر فاكس الفندق، وبقيت أنتظر ماذا سيحدث وأنا طبعا منقطع عن العالم، وليست لدي إمكانية ربط اتصال بسهولة مع لندن. ما حدث أن الحوار نشر في «الشرق الأوسط» كما أرسلته، وكانت هناك رحلة يومية تربط بين طرابلس وروما، انطلاقا من الأخيرة، وحملت تلك الرحلة نسخا من العدد الذي نشر فيه الحوار، وهذا ما علمت به من بعض موظفي ما يعرف ب«الإعلام الخارجي»، كما فهمت أنهم شعروا بالرضى على الطريقة التي نشر بها الحوار.
ماذا حدث بعد أن نشر الحوار؟
- زارني مسؤول الإعلام الخارجي في الفندق، وقال لي: «اعتبارا من الآن أنت تحظى بثقة الأخ القائد». شكرته على زيارته وعلى ما نقله إلي. لكني قلت مع نفسي «فعلا إن هذه مصيبة وضعت فيها نفسي»، لأنه بناء على هذه «الثقة» وفي أية مناسبة سأكون مضطرا إلى زيارة ليبيا. ودون مزايدة، أقول إنه لم يكن هناك أي شيء يغري بالتردد على طرابلس. الذين يبحثون عن دعم أو مساعدات أو إكراميات، ربما يكون لديهم مبرر، لكني كنت أزور ليبيا كصحافي يبحث عن مادة صحافية ليس إلا. وثمة مسألة أخرى، وهي أن الليبيين يعتقدون أنك يمكن أن تنشر أي شيء يقولونه، حتى لو كان سبابا في حق جهة ما أو أي شخص.
وما الذي جرى بعد أن عدت إلى المغرب؟
- نعم، بعد أيام صعبة في ليبيا عدت إلى المغرب، وتحدثت إلى عثمان العمير بالتفصيل حول ما حدث في زيارتي إلى ليبيا. والمؤكد أنه نقل ما جرى إلى أصحاب مؤسسة «الشرق الأوسط»، والمؤكد أيضا أني حظيت بثقة كبيرة. وكان ذلك مدخلا لتوسيع دائرة نشاطي لتشمل القارة الإفريقية. وهذه المهمة أفادتني كثيرا لأنها جعلتني أكتشف القارة الإفريقية. قبل ذلك، كنت عينت مراسلا في الجزائر وآخر في تونس، كما عينت مراسلا في موريتانيا، وعززت طاقم المكتب، كما اعتمدت شبكة مراسلين في مدن مغربية، إلى الحد الذي أصبح معه عدد العاملين في مكتب «الشرق الأوسط» يزيد على عدد المحررين في صحيفة مغربية.
دعنا ننتقل الآن إلى شخصية عربية أخرى، وأقصد هنا ياسر عرفات. كم التقيته من مرة؟
- حاورت ياسر عرفات مرتين، لكني التقيته خلال لقاءات عديدة، في المغرب وفي الجزائر وفي تونس.
وأنت تعمل مع «الشرق الأوسط»؟
-نعم، في جميع اللقاءات كنت أعمل مع «الشرق الأوسط». أول مرة التقيته فيها كانت في مارس عام 1985، عندما زار المغرب. والواقع أن الذي لعب دورا كبيرا في لقائي به هو الصديق الصافي سعيد.
صحافي لبناني؟
- لا، الصافي سعيد صحافي تونسي عاش في لبنان، وكان يعمل في صحيفة «السفير»، وهو متزوج من لبنانية، وعاش هناك إلى حين خروج المقاومة الفلسطينية في صيف عام 1982 من لبنان. وبعد خروج المقاومة، انتقل الصافي سعيد إلى باريس، ومنها انتقل إلى المغرب مراسلا لمجلة «كل العرب» التي كانت تصدر آنذاك من العاصمة الفرنسية. والصافي سعيد من الزملاء الأعزاء في المجال المهني، على الرغم من أنه إنسان صعب التعامل وحاد الطبع، لكن له قلبا كبيرا جدا، وهو على المستوى المهني صحافي ممتاز جدا. لكن هذا الطبع الحاد والهائج جعله لا يستطيع أن يقيم في المغرب مدة طويلة لأنه تعرض لمضايقات كثيرة، وأتذكر أنه اعتقل مرة في المغرب لأنه أراد أن يصور الرئيس الكاميروني المخلوع أحمدو أهدجو الذي كان عضوا في الأكاديمية الملكية المغربية، وحاول التقاط صور له على الرغم من إدراكه أنه كان ممنوعا تصويره، إذ لم يكن المغرب يريد إحراجا مع الذين انقلبوا عليه في الكاميرون. اعتقل الصافي سعيد لهذا السبب، لكني تمكنت من إجراء اتصالات أدت إلى إطلاق سراحه.
إذن الصافي سعيد هو الذي سهل لك مأمورية اللقاء مع ياسر عرفات؟
- نعم، لأن الصافي سعيد كان يعرف ياسر عرفات جيدا، إذ كان معه أثناء حصار بيروت، ثم إنه استطاع أن يصل إليه وهو محاصر في طرابلس (شمال لبنان). كنت أعرف من الفلسطينيين خالد الحسن (أبو السعيد) الذي ربطتني به صداقة، كما كنت أعرف خليل الوزير (أبو جهاد)، لكني لم أكن أعرف ياسر عرفات (أبا عمار). عندما كنت أتابع دراستي في كلية الآداب في الرباط، ارتبطت، في إطار علاقة سياسية، بحركة «فتح». كنا كطلاب، متعاطفين جدا مع القضية الفلسطينية وحركة «فتح». طلب الصافي سعيد، ونحن في مراكش، أن يلتقي مع ياسر عرفات، وأبلغ مرافقين للزعيم الفلسطيني بأني سأحضر معه.
وماذا كانت مناسبة زيارة عرفات للمغرب؟
- كانت المناسبة اجتماع لجنة القدس في مراكش. وكما أسلفت، فقد ارتبط الصافي سعيد بعلاقة قوية ومتينة جدا مع عرفات، لذلك اتصل بحراسه الشخصيين وقال لهم إننا سنحضر إلى حيث كان يقيم أبو عمار، في فيلا بمراكش. وبالفعل، ذهبنا إلى حيث يقيم ياسر عرفات، ووجدنا إدريس البصري جالسا في صالون الانتظار ومعه مسؤول آخر لم أعد أتذكره. ويبدو أن إدريس البصري جاء ليبلغه رسالة شفوية من الملك الحسن الثاني. وأكثر ما أثار استغرابي أن ياسر عرفات طلب منا الدخول إلى غرفة نومه. وجدناه ممددا على كنبة ويجري له طبيب عملية تدليك لأنه كان يعاني مشاكل صحية في الظهر. وما أن دخلنا عنده حتى نهض بسرعة وطلب من مرافقيه أن يحضروا له كوفيته، وارتدى الجاكيت الشهير، وشرع يتحدث إلي بلهجة حادة وغاضبة.
بدون أي مقدمات؟
- لم يرد حتى على التحية. ووقفت مذهولا وأنا أسمع تقريعا عنيفا من رجل أراه لأول مرة في حياتي. قال لي: «جماعتك هؤلاء يريدون أن يبيعوا صحيفتهم على حساب القضية الفلسطينية، أنا لا أسمح لهم بذلك». لم أكن أعرف عمن يتحدث؟ وما هو الموضوع؟ ولماذا كان يوجه إلي كلامه الغاضب؟ ثم استطرد في كلامه الذي تغلب عليه اللهجة المصرية: «لست أنا من يبيعون بي الصحيفة، أنا لا أسمح لأحد بأن يتاجر بالقضية الفلسطينية، ولا أسمح لأحد بالإساءة إلى الشعب الفلسطيني»، بل زاد مهددا: «قل لهم إن يدي طويلة ويمكن أن أصل إليهم في أي مكان». وهكذا ظل عرفات يوجه إلي كلاما على هذا المنوال وهو في منتهى الحدة. كان في سورة غضب لا يمكن أن تتصور.
وماذا كان ردك؟
- وقفت إلى جانب الصافي سعيد صامتا، لم أنطق بكلمة، ولم أكن أعرف ماذا أقول، لأني لا أعرف أصلا ما هو سر هذه الغضبة «المضرية» كما يقال. وعندما لم يتوقف أبو عمار عن الحديث الغاضب، انسحبت بهدوء إلى خارج الغرفة، أي إلى الصالون المجاور لها. وأشار إلي خالد الحسن بيده بأن التزم الصمت. كان موجودا معه وجيه حسن قاسم (أبو مروان) سفير فلسطين في المغرب.
وماذا وقع بعد ذلك؟
- بعد فترة قصيرة، جاء أبو عمار إلى الصالون، وهو ما يزال ثائرا، وسأل الصافي سعيد عن اسمي، وقال له: «إن اسمه طلحة جبريل»، وقال لي بحدة شديدة: «قل لهم يا طلحة ألا يمارسوا معي هذه الممارسات»، وزاد من جديد: «أنا يدي طويلة، الثورة الفلسطينية يدها طويلة، قل لهم ذلك». لم يحدث في حياتي أن شعرت بحرج مثل ذلك الحرج. وعندما سمع حرس ياسر عرفات صوته يزمجر، دخلوا إلى الصالون مدججين بالسلاح وحاملين رشاشات ومسدسات، وأنا لا أفهم أي شيء. وقفت صامتا ولم أقوَ حتى على الانسحاب خروجا من هذه الورطة. التزمت الصمت إلى أن هدأ ياسر عرفات، رحمه الله، ثم جلس على كرسي في الصالون، وقال للصافي سعيد وكأن شيئا لم يحدث، ما هي «أسئلتكما يا صافي». في تلك اللحظة ألهمني الله، وخاطبته قائلا: «القائد ياسر عرفات، أنا سعيد جدا بأن التقي بك. وعلى حد علمي، فإني أول صحافي سوداني سيجري معك حوارا»، وزدت: «أكيد أنك التقيت بمسؤولين وسياسيين سودانيين كثيرين، لكن أنا أول صحافي سوداني يلتقي بك ويجري معك حوارا». في الواقع، أنا قلت ذلك الكلام في إطار تهدئة الأمور لا أقل ولا أكثر، ولم أكن واثقا من كلامي حول أني أول صحافي سوداني يجري معه حوارا، ربما يكون ذلك صحيحا، وربما لا. المهم أن ذلك ما قلته. الذي أثار دهشتي أنه ضحك، وقال لي: «أهلا بك»، ورحب بي ترحيبا كبيرا. وقال وكأن شيئا لم يحدث: «تعرف يا طلحة أن السودانيين أنقذوا حياتي، وأنا لا أنسى لكم ذلك أبدا». ثم زاد: «جاؤوا عندي وأنا تحت الحصار في المقر الذي كنت أقيم فيه في العاصمة الأردنية عمان، وكان جعفر النميري ينتظرني في المطار، وذهبت معه في الطائرة إلى القاهرة». وأكثر ما أثار دهشتي عندما التفت نحو الصافي سعيد وقال له: «هؤلاء فرسان يا صافي».
كان ياسر عرفات يشير إلى الأحداث التي تعرف باسم «أيلول الأسود» عندما اندلعت الحرب بين القوات الأردنية وقوات الثورة الفلسطينية عام 1970، وكان الملك حسين قرر تصفية قادة الثورة الفلسطينية، وعلى رأسهم ياسر عرفات، وانعقدت قمة طارئة في القاهرة بدعوة من الرئيس جمال عبد الناصر، وتقرر إيفاد الرئيس السوداني جعفر النميري آنذاك إلى العاصمة الأردنية عمان، ليخرج ياسر عرفات من الحصار. وبالفعل، استطاع بعض الضباط السودانيين، بخدعة شهيرة، الوصول إلى مخبأ عرفات وأخرجوه أيضا بخدعة، حيث استطاع أن يصل إلى المطار ويمتطي الطائرة مع النميري ويسافر إلى القاهرة ليشارك في القمة الطارئة التي كانت منعقدة هناك. وخلال تلك القمة، وقع الملك حسين وياسر عرفات اتفاقية لوضع حد للاقتتال. وعلى الرغم من أني لا أحب النميري وكنت معارضا لنظامه، فقد اعتبرتها التفاتة لطيفة من ياسر عرفات، ثم شرع يتحدث عن السودانيين الذين كانوا يقاتلون إلى جانب الثورة الفلسطينية. المهم أن أجواء اللقاء تغيرت تماما، وانتقلنا من النقيض إلى النقيض. لكن بقيت في ذهني سورة الغضب التي واجهني بها، وكان لدي حب استطلاع عارم لمعرفة سبب تلك الغضبة. وكانت المفاجأة التالية أنه اقترح علي أنا والصافي سعيد أن نذهب معه على متن الطائرة نفسها إلى اليمن، حيث كان سيسافر من مراكش بطائرة خاصة، خصصها له الملك الحسن الثاني، إلى عدن لتفقد القوات الفلسطينية التي كانت توجد هناك بعد خروجها من بيروت. بعد أن انتهى حوارنا معه حول أشغال لجنة القدس، قلت له «سيادة الرئيس لم أفهم لماذا غضبت علي تلك الغضبة وأنا لم أكتب أي شيء يسيء إلى الثورة الفلسطينية؟، فأجابني: «لست أنت، لكن صحيفتك «الشرق الأوسط» نشرت اليوم خبرا يقول إن أحد الذين اختطفوا طائرة يمنية لهجته فلسطينية»، ويبدو أن تلك العملية أحرجت ياسر عرفات، لأنه كان ذاهبا إلى اليمن. وربما كان يريد أن يذهب إلى هناك للاعتذار إلى اليمنيين عما ما حدث. وقد كان يعتقد أن «الشرق الأوسط» أرادت تعكير العلاقة بينه وبين اليمن وأبرزت أن مختطف الطائرة اليمنية فلسطيني. الواقع أني استغربت أن يثير خبر عادي كل تلك الثورة. لكن تلك كانت طريقة ياسر عرفات. وبعد أن خرجنا من عنده، عدت إلى الخبر المنشور، فوجدت أن الصحيفة نشرته فعلا نقلا عن وكالة «رويترز»، ولم يكن هناك أي قصد للصيد في الماء العكر، كما اعتقد ياسر عرفات. لكن ذلك هو الذي حدث، وكان هو أول لقاء لي مع ياسر عرفات على النحو الذي أشرت إليه.
وماذا عن إدريس البصري الذي جاء في مهمة للقاء عرفات؟
- الطريف أن عرفات ترك ادريس البصري ينتظر، وخصص لكل واحد منا (أنا والصافي) وقتا طويلا لإجراء الحوار الذي جئنا أصلا من أجله. وكان بالفعل حوارا ممتعا.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.