سألني صديق : لماذا تجهد نفسك أنت وغيرك لتفنيد تقرير القاضي الألماني ميليس حول اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري؟. فقلت له لأنني مثل غيري نرى أن التقرير مسيس وهدفه إعداد الأرضية لأمريكا لتحارب سوريا وتبدل نظام حكمها وتحتل أرضها وتطبق عليها نظام الطوائف. التقرير لا يقوم على أي قرائن مادية، أنه مفبرك مثل تقارير المفتش السويدي بيليكس عما سمي بأسلحة الدمار الشامل العراقية. رد الصديق واسمه محمد وهو يهز كتفيه في احتجاج على عدم فهمي: أعتقد أنكم لا تفعلون أكثر من الضرب في الماء بعصا، أنكم لا تبدلون شيئا لا لساسة البيت الأبيض ولا للمفتش ميليس الذي يعمل تحت راية الخارجية الأمريكية، واستطرد آسف أعني تحت راية الأممالمتحدة. وأضاف أتعرف سيتواصل التحقيق بينما رئيس وزراء شارون يفرك يديه اغتباطا ويهنئ صديقه بوش كلما زادت واشنطن وحلفاءها الضغوط على دمشق وحزب الله اللبناني والفصائل الفلسطينية. سيخرج القاضي ميليس بتفريعات جديدة من تحقيقاته توصله الى كل شيئ في سوريا ولبنان حتى الأسلحة. تعجبت وقلت لمحمد، وما دخل الأسلحة هنا؟. رد بنبرة اليائس كأستاذ في مدرسة يحاول تلقين تلميذ بليد كلمة دولار. أنت لا تفهم كيف يسير العالم، سيجد المحقق العبقري ميليس مثلا خيوطا حول أغتيال الحريري تقوده الى مهندس سوري متخصص في المتفجرات وسيحدد رجال مخابرات في اسرائيل وواشنطن لميليس مكان وجود هذا المهندس. أتعرف أنه يعمل في معمل سوري يصنع صواريخ من طراز سكود التي يتجاوز مداها 450 كلم. سيطلب ميليس التحقيق مع هذا الخبير في البداية داخل سوريا ولاحقا خارجها. ستقدم الإغراءات الى هذا المتهم أو الشاهد الجديد، اذا قبل ستطلب لجان ميليس إخراج عائلته من سوريا حتى يتكلم بحرية أكثر ودون أن يخشى من انتقام نظام دمشق. في تقرير لاحق سيقدم الى مجلس الأمن بمباركة الوزيرة رايس، سيذكر ميليس أن مهندسين آخرين وخبراء عسكريين في سوريا وبناء على شهادات المهندس الأول -المفتاح- شاركوا في التخطيط لاغتيال الحريري. نظرت الى محمد وأنا مندهش، وقلت وهل يقبل العالم هذه الرواية؟. رد بنبرة من يكاد يفقد صبره. حسنا سيخرج خبراء في عدة مناطق من العالم وخاصة في بريطانيا وأمريكا ليؤكدوا أن عملية الاغتيال لم يقم بها هواة بل خبراء ضليعون في مجال التفجيرات وطرق أختراق الدروع. وستتدخل في هذه اللحظة الشرطة الدولية أو غيرها من الأجهزة الأمنية في الغرب لتؤكد أن أحد المهندسين أو أكثر سافر خارج سوريا قبل الاغتيال أو ربما تنقل أحد من عائلته الى مكان ما واشترى هاتفا خلويا واجهزة تحكم من بعد. تعرف مثل تلك الأجهزة التي يحرك بها الأطفال لعبهم من بعد. وسيقول ميليس أن مثل هذه الأجهزة استخدمت في عملية الاغتيال، ويطلب تفتيش معسكرات الجيش السوري ومصانعه ومنازل كبار رجالات الأمن والأستخبارات في سوريا، وبالطبع مراكز حزب الله في لبنان وخاصة جنوبه. لا تنس أنك أنت من بين الذين قالوا أن جنود نصر الله حققوا توازن الرعب مع إسرائيل ب 14 الف صاروخ تطال كل الكيان الصهيوني. توقف صديقي وهلة وقال أعني تطال الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط الكبير. نظرت الى محمد وسألته هل قرأ الموضوع في قصة غربية وهو يستنسخها الى الواقع العربي ؟. رد بامتعاض، لا. أنظر سيصدر الرئيس بوش أمرا رئاسيا بعد كل هذه الاكتشافات الخارقة لميليس العبقري، بتجميد ومصادرة أموال قادة سوريا ومهندسيها في البنوك الأمريكية والأجنبية. بريطانيا ستعلن أنها ستطبق الأجراء في الحين وستقول دول أخرى أنها ستحقق في الأمر. وأضاف محمد ألا تذكر الأمر الأمريكي قبل اغتيال الشيخ أحمد ياسين زعيم حركة المقاومة الإسلامية حماس بمصادرة أموال الحركة وقادتها في الخارج. هل نسيت أنهم صادروا كذلك أموال حزب الله وأن لم توجد. عاتبت محمد، وقلت بعد أشهر من صدور الأمر الأمريكي حول أرصدة حماس وحزب الله، ورد في تقرير للحكومة الأمريكية قدم للكونغريس أنه لم يتم العثور على أرصدة للحركة الإسلامية. اسكتني صديقي بإشارة من يده. غدا سيقولون في مكان ما أن لك أو لي أموال في بنوك سويسرا أو أوروبا. ضحكت، أنا وأنت لا نكمل الشهر إلا بالدين من البقال والجزار، فكيف لنا بأموال في بنوك سويسرا وأمريكا؟. رد محمد ومن يصدقك خاصة أذا صدر أمر رئاسي أو قضائي من واشنطنولندن، سيصدق الناس على الأقل الى حين ولن تعلن وسائل الإعلام أنه لم يعثر على سنتيم أو دولار واحد بعد ذلك. هذا يا صديقي هو عالم اليوم. كم مرة سمعت عن ثروات الشهيد ياسين ونصر الله زعيم حزب الله. توزيع الأكاذيب مهمة يعمل فيها متخصصون يبنون أدعاءاتهم على معطيات يتم تحويرها لتخدم عملية الخداع، الم يقولوا أن الحرب خدعة. طلبت من محمد أن يكمل قصته، آسف تصوره لما هو قادم. سيتحرك الموساد والمخابرات الأمريكية للتحدث عن ضخامة التهديدات الصاروخية والأسلحة التي توجد في حوزة سوريا وكيف تمرر الصواريخ الى حزب الله المصنف كمنظمة إرهابية في أمريكا وكيف يتعاون خبراء حزب الله في عمليات التصفيات في لبنان وسيكتشف ميليس أن الشيخ نصر الله هدد الحريري بالقتل، وحسب شاهد أكد أنه توعده بأنه سينسفه الى القمر. بعدها ستطالب المخلصة في تحرير الشعوب رايس تحرك المجتمع الدولي ضد آلة التهديد السورية اللبنانية. في مرحلة لاحقة ستحشد أمريكا اسطولها السادس في شرق المتوسط وتبحر حاملات طائرات أخرى من المحيط الهندي والخليج العربي نحو البحر الأبيض المتوسط. إسرائيل قد تقوم حينها بهجمات جوية على مواقع في سوريا ولبنان بحجة أنه كان يخطط فيها لعمليات ضدها. سيرد حزب الله بقصف شمال فلسطينالمحتلة يتدخل طيران البحرية الأمريكية ليقصف مئات الأهداف في سوريا ولبنان ليزيل التهديد المحدق بسفنه وبإسرائيل. قلت لصديقي محمد هذا شيء رهيب، وماذا سيكون رد العالم والعرب؟. رد صديقي وهو يبتسم بحزن : لا شيء سيحتج البعض بخجل، آخرون وخاصة الأمين العام للأمم المتحدة سيعبرون عن الأسف لسقوط مدنيين نتيجة القصف الأمريكي والأسرائيلي، وسيدعون لضبط النفس وسيطلبون من دمشق عملا جديا لاحترام للشرعية الدولية والتعاون مع ميليس ولجانه. وسيلوحون باستخدام القوة أذا لم تنزع اسلحة إرهابي حزب الله. لا تنسى هناك قرار من مجلس الأمن صدر حول الموضوع قبل اغتيال الحريري. في هذه الأثناء ستكون لجان العبقري الألماني قد تضخمت من أكثر من 100 فرد حاليا الى عدة مئات مزودين بالطائرات العمودية وخدمات الأقمار الصناعية. سيتقبل العالم كل هذه المهزلة ؟ رد طبعا لماذا لا. كل وسائل الإعلام تقريبا ستزرع هذه الأكاذيب في عقول الناس، ومن شذ على ذلك سيتهم بالعمالة لقوى الإرهاب ومافيا تهريب السلاح وأعداء الديمقراطية. سألته وما الحل ؟ رد محمد يجب أن نفعل مثل اسرائيل. إذا كانت سوريا تريد قتل الحريري ونفترض انها فعلت ذلك، كان عليها أن تعلن قبل 14 فبراير أن رفيق الحريري يشكل تهديدا لأمنها القومي وأنه يتعامل مع منظمات ارهابية وأنها ستعمل على تقديمه للعدالة لتقول كلمتها في أعماله الخطيرة، وأن كل الوسائل ستكرس من أجل هذا الهدف. بعدها كان يمكن لدمشق أن تحدد مكافئة للمطلوب -ليس لديهم اموال مثل بوش- لنقول 5 ملايين ليرة لمن يأتي برئيس الوزراء حيا او ميتا. بعد كل ذلك يمكن لساسة دمشق أن يقتلوا الحريري، تماما كما فعلت اسرائيل مع الشيخ أحمد ياسين وهو يخرج من المسجد على كرسيه المتحرك في غزة بعد صلاة الفجر. أتذكر أن شارون ووزير دفاعه موفاز صرحا بعد الاغتيال أن اسرائيل نفذت وعيدها وقد صفقت لها الإدارة الأمريكية. قلت لصديقي : هل هذه أفضل وأحدث طرق النظام العالمي الجديد ؟. رد محمد : يمكن أن تقتل عدوك عن سبق اصرار بالصواريخ على أبواب مسجد أو بالسم كما فعلوا مع عرفات وكما حاولوا مع خالد مشعل. كل ذلك حدث قبل ذلك باساليب مختلفة أتذكر هجوم تونس على قادة منظمة التحرير هل نسيت اغتيالات لندن وباريس وغيرها ؟. أجبت صديقي محمد، وقلت هذا شيء مرعب، يجب أن يعرف كل العرب والمسلمين ذلك. نظر صديقي معاتبا وقال أتريد أن يتخلصوا منا بشكل أو بآخر. هناك نظام ايشلون الأمريكي الذي يتجسس على كل المكالمات الهاتفية، وحتى عبر أجهزة التنصت المزروعة في كل مكان، ثم أضاف تحياتي وغادر دون مزيد من الكلام.