"الأحرار" يفوز بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة فاس الجنوبية    إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين برسم 2024 يقترب من الانتهاء    نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي تجدد التأكيد على موقف بلادها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي    المنصوري: 8500 مغربي استفادوا من برنامج الدعم المباشر للسكن    صديقي : المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب فرصة للترويج للتجربة المغربية    جنيف .. تحسين مناخ الأعمال وتنويع الشركاء والشفافية محاور رئيسة في السياسة التجارية للمغرب    الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار دولار    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    أحكام بالحبس لمسؤولي موانئ تلاعبوا في صفقات بعدة مدن    امن طنجة ينهي نشاط متورط في قرصنة شبكة الاتصالات المغربية    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        تفاقم "جحيم" المرور في شوارع طنجة يدفع السلطات للتخطيط لفتح مسالك طرقية جديدة    جماهري يكتب.. 7 مخاوف أمنية تقرب فرنسا من المغرب    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    حيوان غريب يتجول في مدينة مغربية يثير الجدل    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اتجاه إلى تأجيل كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025 إلى غاية يناير 2026    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    انتقادات تلاحق المدرب تين هاغ بسبب أمرابط    المنتخب الوطني الأولمبي يخوض تجمعا إعداديا مغلقا استعدادا لأولمبياد باريس 2024    مفوض حقوق الإنسان يشعر "بالذعر" من تقارير المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    إساءات عنصرية ضد نجم المنتخب المغربي    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    نوفلار تطلق رسميا خطها الجديد الدار البيضاء – تونس    إقليم فجيج/تنمية بشرية.. برمجة 49 مشروعا بأزيد من 32 مليون درهم برسم 2024    تفكيك عصابة فمراكش متخصصة فكريساج الموطورات    هل تحول الاتحاد المغاربي إلى اتحاد جزائري؟    "إل إسبانيول": أجهزة الأمن البلجيكية غادي تعين ضابط اتصال استخباراتي ف المغرب وها علاش    للمرة الثانية فيومين.. الخارجية الروسية استقبلات سفير الدزاير وهدرو على نزاع الصحرا    شركة Foundever تفتتح منشأة جديدة في الرباط    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك ب "الملياردير المتغطرس"    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    الصين تدرس مراجعة قانون مكافحة غسيل الأموال    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    الولايات المتحدة.. مصرع شخصين إثر تحطم طائرة شحن في ألاسكا    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    إيلا كذب عليك عرفي راكي خايبة.. دراسة: الدراري مكيكذبوش مللي كي كونو يهضرو مع بنت زوينة    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد مكي أحمد يحيى السفير السوداني بالرباط ل"التجديد":"جون قرنق أعطى ضمانات للدول العربية والإسلامية بأنه ليس ضد العروبة والإسلام
نشر في التجديد يوم 01 - 12 - 2004

قال السفير السوداني بالمغرب السيد أحمد مكي أحمد يحيى إن عدم توجيه الدعوة إلى السودان لحضورمنتدى المستقبل الذي سينعقد في الرباط بعد أيام حول مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا لا يستند إلى أي مبرر، رادا ذلك إلى ما يجري في دارفور. وعن القرار رقم 1574 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في الأسبوع الماضي حول أزمة الجنوب السوداني، إثر اجتماع تاريخي عقده لأول مرة في إفريقيا بنيروبي، ونص على ضرورة توصل الحكومة السودانية وجيش تحرير الجنوب بزعامة جون قرنق إلى اتفاق نهائي للسلام في الجنوب قبل نهاية العام الجاري، قال السيد أحمد يحيى إنه جاء تتويجا لمسار انطلق قبل حقبة طويلة من الزمن، نافيا أن تكون حكومة الخرطوم قد قدمت تنازلات للطرف الآخر، وأكد أن جون قرنق زعيم الجيش الشعبي الجنوبي رجل وحدوي وأنه قدم ضمانات لعدة جهات منها الدول العربية والإسلامية بأنه ليس ضد العرب والعروبة والإسلام أو ضد وحدة السودان.
حول قضايا الاتفاق وآفاق السلام في الجنوب وتداعياته ومستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب، والهوية السودانية والدور الأمريكي وقضية دارفور كان لجريدةالتجديد هذا الحوار الهام مع السيد أحمد مكي أحمد يحيى، فيما يلي نصه:
اتفاق مجلس الأمن نهاية مسار طويل
في الأسبوع الماضي عقد مجلس الأمن الدولي بكينيا اجتماعا هو الأول من نوعه في القارة الإفريقية خصص للوضع في جنوب السودان، وأصدر قرارا يقضي بأن يتوصل طرفا النزاع، أي حكومة الخرطوم والجيش الشعبي لجون قرنق، إلى اتفاق نهائي قبل حلول عام ,2005 ما هو الإطار العام الذي تم فيه عقد هذا الاجتماع؟
بسم الله الرحمان الرحيم. أولا نشكر لجريدة التجديد اهتمامها بقضايا الأمة والقضايا العربية والإسلامية وقضايا السودان خاصة، ونشكركم على إجراء هذا الحوار لتوضيح الرؤية فيما يخص الملف السوداني. فيما يتعلق بهذا السؤال، فاجتماع مجلس الأمن في كينيا هو في تقديري تظاهرة إعلامية سياسية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية لإثارة الاهتمام إلى مفاوضات نيفاشا المتعلقة بجنوب السودان، ولذلك لم تأت الجلسة بجديد وإنما أقرت بواقع نجاح المفاوضات في نيفاشا، بل رأت الولايات المتحدة الأمريكية التي توجد على رأس مجلس الأمن في هذه الدورة أن تعقد هذه الجلسة في نيروبي، ولذا كانت جلسة مراسيمية أكثر مما كانت جلسة ذات عمق وبعد يتعلق بموضوع السلام، وقد اطمأنت أكثر على مفاوضات السلام التي لم يبق فيها سوى بروتوكولين اثنين سيتم النظر فيهما خلال شهر دجنبر بعد ترتيبات وقف إطلاق النار الدائم ووضع قوات الحركة الشعبية في الجنوب في مرحلة ما بعد السلام. فالاتفاق أساسا كان على وشك النهاية وأتت هذه الجلسة لتضفي نوعا من الاهتمام الدولي بموضوع جنوب السودان وتضيف نوعا من الزخم الأمريكي فيما يخص هذه القضية. لذلك كان القرار قرار مباركة
فقط لما تم التوصل إليه في البروتوكولات الستة، ووعد بدعم دولي واسع جديد لسياسة إعادة البناء والتعمير في جنوب السودان بعد التوصل إلى اتفاق نهائي للسلام. فهذا مجمل ما حدث في نيروبي، وكما تعرفون لم يأت في القرار أي تلميح إلى مسألة العقوبات أو التهديد للحكومة السودانية، فهذا كان يتم التلويح به في السابق فقط لأهداف ليست مرتبطة مباشرة بمسلسل السلام وإنما لأهداف أخرى، من ضمنها الحملة الأمريكية للانتخابات الرئاسية، وبعد أن جرت هذه الانتخابات صارت غير ذات معنى ولا تأثير، فصدر القرار الأخير الذي تضمن التأكيد على السلام والدعم الدولي في الإعمار وإعادة البناء.
نص القرار على ضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي للسلام قبل نهاية العام الجاري، هل يمكن برأيكم لأزمة شائكة مثل أزمة جنوب السودان التي دامت قرابة ثلاثة عقود من الزمن دون حل أن تجد حلا سريعا الآن في ظرف أقل من شهرين؟
الحقيقة أن جهود البحث عن حل لأزمة جنوب السودان لم تستغرق هذه المدة الوجيزة، وإنما امتدت لأكثر من 15 عاما في إطار منظمةالإيقاد الحكومية للتنمية، وكانت هنالك عدة لقاءات تمت على عدة مستويات في نيجيريا وأوروبا ثم في نيروبي، فالمسلسل كان طويلا بعمر منظمة الإيقاد نفسها، لكن لم يأخذ بعده الكبير إلا في السنوات الأربع الأخيرة عندما تولت كينيا مهمة الاضطلاع بالقضية السودانية في الجنوب، وبالتالي بدأت هذه العملية منذ عام 2001 تقريبا، وقد حصل اختراق كبير جدا في مشاكوس، وهو أهم اختراق في مسلسل السلام في الجنوب، ووضع الإطار لمعالم الحل السياسي، فنحن نعتقد أن البداية كانت هي مشاكوس، وهي التي مهدت لاتفاق نيفاشا التي انطلقت قبل عام ونصف العام تقريبا ووصلت غايتها قبل نحو أربعة أشهر تقريبا عندما تم التوقيع على البروتوكولات الستة المتعلقة بالثروة والسلطة للمناطق الثلاثة، وهذه كانت معالم الحل النهائي، وما تبقى لا يمثل إلا 4 أو 5 في المائة من القضايا، وهي ليست قضايا صعبة على المفاوضين، وتخص وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الخاصة بالقوات، فوقف إطلاق النار هو مسألة فنية فقط وليست معقدة ويضطلع بها الخبراء من
الجانبين، أما مسألة تمويل القوات فهذه يتخذ فيها قرار على مستوى قيادة الوفدين لحسمها، مع أن للحكومة رأيا واضحا في مسألة تمويل القوات لأنها أساسا حسمت في الاتفاق المتعلق بقسمة الثروة، وبالتالي يعتبر الأمر محسوما في ذلك البروتوكول لأنها من المسائل المتفق حولها.
لكن الجيش الشعبي يطالب حكومة الخرطوم حاليا بدفع رواتب القوات في الجنوب، أي من نصيبها من الثروة وليس من نصيبه هو، ألا تعتقدون بأن هناك فجوات في الاتفاقات يمكن للطرف الآخر أن يستغلها في الضغط على الحكومة وابتزازها؟
فيما يتعلق بطلب الجيش الشعبي تمويل قواته من الحكومة فهذا طلب قدمه على اعتبار أنه جزء من المناورات التكتيكية، لكن لكل حجته، فالأمور تبقى للمتفاوضين ليقرروا فيها.
الدور العربي في اتفاق السودان
كيف تفسرون غياب أي دور عربي في حل الأزمة السودانية وتهميش المبادرة الليبيبة المصرية التي طرحت في السابق كمبادرة عربية للحل، مما يثير الكثير من التخوفات لدى عدة جهات عربية وإسلامية على مستقبل الوحدة السودانية، خصوصا وأن كينيا التي تشرف على المفاوضات وتحتضنها لديها مواقف معروفة من وحدة السودان؟
فيما يتعلق بالدور العربي، فعلا جاء هذا الدور متأخرا، بعد أن شعرت الجامعة العربية باستفراد بعض القوى الإقليمية والدولية بالملف السوداني، وحقيقة أنه من الإيجابيات التي تحسب للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى هي أنه تمكن من أن يضمن حضورا للجامعة العربية في مرحلة نيفاشا وأن يعين مبعوثا من الجامعة لمتابعة المفاوضات المتعلقة بجنوب السودان، ومن تلك المرحلة صارت الجامعة العربية تشارك في كل مراحل التفاوض بحضور على مستوى عال، وبعدها التزمت بالدخول في مرحلة التعمير والبناء في الجنوب بأن وجهت كل الوكالات العربية المتخصصة لكي تعقد لقاءات لتعبئة قدراتها للمشاركة في مرحلة ما بعد السلام، وفعلا عقدت ثلاث اجتماعات كبيرة ضمت الوكالات العربية المتخصصة ورجال الأعمال العرب للالتزام ببرنامج معين لمرحلة ما بعد السلام، والآن هناك برنامج تبلغ قيمته حوالي 300 مليون دولار سينفذ من خلال مشاريع ترعاها الجامعة العربية في الجنوب، ولذلك أصبح وجود الجامعة حقيقة قائمة الآن من خلال الوثائق التي صدرت عن اللقاءات في نيفاشا وحضر الأمين العام مراسيم التوقيع على البروتوكولات الستة في نيفاشا وما يزال يتابع جميع مراحل
المفاوضات، وسيكون هذا الوجود مؤشرا إن شاء الله في مرحلة ما بعد السلام. أما فيما يخص المبادرة المصرية الليبية فهي حقيقة لم يكتب لها النجاح ، لأنها تزامنت مع المرحلة التي حققت فيها مفاوضات نيفاشا خطوة متقدمة بمشاركة شركاء الإيقاد والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي كانت هناك في تلك الفترة مواقف معينة لتلك المجموعة اتجاه ليبيا، لذلك كانت حذرة لأن تترك مساحة أو فرصة للمبادرة المصرية الليبية لكي تنجح.
أهداف الولايات المتحدة
ألا يبدو أن نزول الولايات المتحدة بكل ثقلها خلف الملف السوداني في هذه المرحلة يخفي أغراضا استراتيجية معينة في السودان والقارة الإفريقية، كما يدل على ذلك الضغط الكبير الذي مورس على طرف واحد من طرفي النزاع وهو الخرطوم، وتحريك دول الجوار الإقليمي للسودان للضغط عليه، وإبعاد أي دور عربي وازن في مسلسل السلام؟
الواضح أن الولايات المتحدة لها أهداف كثيرة جدا جدا في القارة الإفريقية، وهذه الأهداف تتنوع بتنوع المشاكل التي تطرح في أجزاء القارة، ولها لكل واحدة من هذه المشكلات وسائلها، وفيما يتعلق بالسودان هنالك طبعا الكثير من الأسباب التي تجعل أمريكا تبدي اهتماما أكبر بما يجري فيه وتحاول أن تلعب دورا. ويأتي على رأس هذه الأسباب الاكتشافات النفطية الضخمة في السودان، حيث استطاعت الحكومة السودانية أن تستثمر تلك الثروة النفطية في ظل حصار أمريكي استغرق عشر سنوات، ولما شعرت الإدارة الأمريكية بالضغوط التي مورست عليها من طرف الشركات النفطية الأمريكية التي تقف وراء القرار السياسي من خلف الستار، اضطرت لأن تحاول أن تجد لها موطئ قدم في أحداث السودان، وحاولت في منتصف التسعينيات أن يكون هذا التدخل عن طريق القوة، بأن تستخدم جيران السودان كأداة لتحريك المشاكل الحدودية معه، وتقدم لها الإمكانات المادية والتسهيلات إلى حد الإطاحة بنظام الحكم، ولكنها اكتشفت أن هذه السياسة لم تأت ثمارها ولم تستطع أن تحدث التغيير المطلوب في المواقف السودانية، فلجأت إلى خيار آخر وهو خيار إيجاد وسائل ضغط من خلال الحوار السياسي، فكان ذلك
عبر التفاوض، وهي التي وقفت بقوة خلف ما يسمى أصدقاء وشركاء الإيقاد وكانت هي التي تلعب الدورالأساسي، ولذلك أصبحت تطل على مشكلة السودان عبر آلية التفاوض نفسها من خلال الوسطاء بالإمكانيات من خلال المساهمة في النواحي التقنية في دائرة المفاوضات نفسها، ومن خلال هذا الوجود استطاعت أن تلعب دورا مباشرا في عملية السلام، هذا من ناحية، من ناحية ثانية أمريكا تشعر بأن منطقة جنوب السودان والناحية الجنوبية الغربية للسودان مناطق يمكن أن تشكل لها عاملا مهما لمواجهة احتمالات ترى أنها تهدد ما يسمى بالأمن القومي الأمريكي الذي يمكن أن يواجه في مختلف دول العالم بنفس سياسة مواجهة الإرهاب، فهذا ذريعة لكي تحقق وجودا في المنطقة لقطع الطريق أمام أي محاولة تهدد أمنها القومي في مناطق يمكن برأيها أن تستغل من طرف أي منظمة أو جهة تهدد أمنها، من ناحية ثالثة فالدول التي تحيط بالسودان هي أيضا لها مصالح ولها حسابات كثيرة جدا، وأمريكا تحاول أن تستغل هذا الواقع وتهيئ نفسها للعب دور أكبر فيما بعد وهي في قلب الحدث.
الملاحظ أنه حدث تحول في الخطاب الأمريكي اتجاه السودان في الفترات الأخيرة وبعد تفجيرات شتنبر 2001 هل كان ذلك نتيجة تغير في أجندة واشنطن أم أنه كان نتاج نشاط الديبلوماسية السودانية خلال تلك المرحلة؟
بالنسبة للأداء الخاص بمعالجة هذه المسألة حرصت الحكومة السودانية أن تتعامل مع هذه القضايا والقضايا المختلفة من خلال المؤسسات الإقليمية والدولية، باعتبار أن النزاع مع الولايات المتحدة ينبغي أن تبلغ حقائقه إلى الجهات الإقليمية المعنية، ولذلك كانت الحكومة لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع أمريكا، وإنما كانت تريد أن يكون ذلك من خلال المؤسسات الإقليمية القائمة كالاتحاد الإفريقي أو مجموعة الإيقاد، وهي مؤسسة إقليمية، أو من خلال المنظمات الدولية والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومن جهة ثانية من خلال الشفافية وفتح أبواب السودان لكل الجهات التي ترغب في الاطلاع على الوضع عن كثب، ولذلك زار السودان في العام الماضي وهذا العام ثلاثة أرباع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وقد نجح السودان في هذا الجانب.
الحكومة السودانية لم تكن الطرف الخاسر
من خلال ما جرى في الملف السوداني وما لوحظ من تحرك أمريكي واسع فيه، بدا للمراقبين أن حل أزمة جنوب السودان هو حاجة أمريكية أكثر مما هو حاجة سودانية مكتملة الشروط، فهي لها مصالح متعددة في السودان وفي القارة، وجون قرنق هو حليف مباشر لواشنطن وقد كان دائما أداة بيدها لمواجهة السودان، أين مكاسب السودان من الاتفاق الحالي وأين خسائره مقارنة مع الطرف الآخر؟
البحث عن حل لأزمة الجنوب هو بالأساس رغبة سودانية، فالحكومات السودانية المتعاقبة كلها لم تكن ترفض الحل السياسي، والنميري كان قد وقع اتفاق أديس أبابا عام 1973 مع المتمردين في الجنوب واستمرت هذه الاتفاقية 12 عاما، ثم جاءت الانتفاضة وسعت حكومة الصادق المهدي اللاحقة إلى إبرام اتفاق سلام مع الجيش الجنوبي، وهكذا كانت الرغبة في الحل رغبة سودانية دائما، وعندما جاءت حكومة الانقاذ إلى السلطة عام 1989 عبرت عن رغبة أكيدة في الوصول إلى حل لمشكلة جنوب السودان، وظلت تبحث عن الحل طيلة 14 عاما تقريبا بدأت في مفوضات أبوجا المتعددة ولقاءات فرانكفورت ولندن وأخيرا لقاءات كينيا، وعندما التقت هذه الرغبة مع الرغبة الامريكية ورغبة أطراف أخرى كان لا بد ان تكتمل هذه الرؤى. في حسابات التفاوض لا بد أن تكون هناك تنازلات لدى جميع الأطراف المتنازعة في منتصف الطريق، لكن تكون هناك مبادئ سابقة يتم الاتفاق حولها، والحكومة نفسها كانت حريصة على أن تثبت بعض النقاط الأساسية في اتفاق مشاكوس تعتبر مرجعية أساسية للمفاوضات كلها. ومن القضايا الرئيسية التي طرحت قضية العلاقة بين الدين والدولة، وهي واحدة من القضايا الشائكة وتطلبت
وقتا طويلا، وتم الحسم فيها بصورة لا تترك المجال للقول بأن الحكومة تنازلت عن المبادئ المعلنة لتوجه الدولة الإسلامي، وإنما كانت هناك في الواقع معادلة تحفظ لغير المسلمين واللادينيين حقوقهم ومواطنتهم وتراعي حقوق الأغلبية المسلمة في تطبيق الشريعة الإسلامية، ولذلك لما نتكلم عن قضايا السلام المختلفة تكون هناك تنازلات من طرف وآخر، لكن في مجمل العملية لا يمكن أن نقول بأن الحكومة كانت هي الطرف الخاسر والطرف الآخر هو الرابح، فقد كان هناك نوع من الأخذ والعطاء، ولهذا نظن نحن وكذلك القوى السياسية المختلفة تجمع على أن اتفاقية مشاكوس والبروتوكولات الستة الأخرى تمثل تلبية لتطلعات الشعب السوداني عموما إلى السلام، وهي ستمرر إلى مختلف ألوان الطيف السياسي السوداني حتى تدعمها وتؤيدها التأييد الكافي، خاصة وأن الحكومة في المرحلة القادمة ستعمل على إقرار اللعبة السياسية الديمقراطية الصحيحة السليمة ومن خلالها ستعمل على حماية السلام.
لكن هذه اللعبة السياسية في المرحلة القادمة ألا تهدد الاتفاق الحالي بين الحكومة وجيش تحرير الجنوب، في وجود خلافات بينها وبين الأحزاب في الشمال، بحيث قد يحدث مثلا أن يقع تقارب بين أحزاب الشمال المناوئة للحكومة لإسقاط الاتفاق في أي عملية انتخابية، ألا يبدو لكم هذا السيناريو واردا؟
في الحقيقة إذا ارتضت الأطراف السياسية المختلفة في السودان هذا الاتفاق وأصبح هو الأساس لما يليه من فعاليات سياسية وما يليه من تنظيمات سياسية ترتضي أن تحتكم إلى الآليات التي تنبثق عن هذا الاتفاق والتوجهات التي يحملها، يبقى الأشخاص والأحزاب غير ذات قيمة طالما أصبح ذلك الاتفاق مقبولا لدى الجميع، بهذه الصورة وهذه الآليات يبقى من ينفذ الاتفاق محكوما بهذا الإطار. فقد نص الاتفاق على تعدد الأحزاب والتداول السلمي للسلطة، ولذلك ليست القضية هي من سيحكم، فلا نتخوف كثيرا من أن تتغير الأمور السياسية والتشكيلة السياسية نفسها، وأن يبقى الأشخاص أنفسهم أم لا، لأن هذا خاضع للعبة الديمقراطية، لكن لا يمكن أن يتعرض الاتفاق نفسه للتعديل أو التغيير، لأن هناك خطا أساسيا لما تم الاتفاق عليه، ولذا نتوقع في مرحلة ما بعد الاتفاق أن تكون هنالك خطوطا لالتقاء قوى سياسية مؤثرة سواء كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان أو المؤتمر الوطني الحزب الحاكم الآن، وتكون فيه شراكة بين الجهات الراعية لهذا الاتفاق وتتشكل الحكومة القادمة وفقا لأسس متفق عليها، لذلك تغيرالأشخاص في الحكومة القادمة ليس هو القضية، طالما هم محكومون بمؤسسات
محددة وبإطارالاتفاق، فإذا قدر لحزب سياسي مثلا أن يعتلي السلطة في السودان فهو سيكون ملزما دستوريا بالاتفاق، لأن الدستور الحالي سيعدل بحيث يصبح الاتفاق جزءا منه.
المعروف أن جون قرنق كان دائما يدلي بتصريحات خطيرة فيما يتعلق بوحدة السودان وهويته، ما هي الضمانات لدى الحكومة بأنه لم يعد يمتلك أجندة سرية وتخلى عن مخططاته السابقة؟
الغيب لا يعلمه إلا الله، ولكن على الظاهر وكما هو مثبت في الوقائع والاتفاقات فإنه يبدو أنه رجل وحدوي يعمل من أجل وحدة السودان، وأعطى هذه الضمانات ليس للمفاوضين فقط وإنما لكل أصدقاء السودان من الدول العربية والإسلامية، بأنه ليس ضد العرب والعروبة وليس ضد الإسلام، و ليس ضد السودان الواحد الموحد، وبالتالي نحن نقبل التزام اللسان، فهذا اتفاق على الظاهر، أما ما يتم في سريرة نفسه فهذا لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى، ولكنه ملزم بآليات ونصوص هذا الاتفاق، فإذا خرج عليه بعدها يتحمل مسؤولياته في خرق الاتفاق وخرق الدستور نفسه، لأننا سنعدل الدستور كما قلت سابقا. وبناء السلام نفسه يحتاج إلى بناء الثقة بين الأطراف الموقعة على الاتفاق، وإبعاد الشكوك التي يمكن أن تعرقل مسيرة السلام وإلغاء الهواجس التي يمكن أن تتعلق بالنوايا السيئة والمخبأة عند طرف ما، لذلك نحن نعتقد أن بناء الثقة مرحلة أساسية لإنجاح الاتفاق، وأن يكون هناك احترام للمؤسسات التي ستنشأ من هذا الاتفاق سواء كانت مؤسسات جديدة أو تعديلات على مؤسسات قائمة.
هوية السودان
ما هي مخاطر الاتفاق على هوية السودان العربية والإسلامية، ألا يؤدي ذلك إلى تعميق أزمة الهوية السودانية وجر السودان إلى النزعة الإفريقية على حساب انتمائه العربي الإسلامي، علما بأن معادلة الانتماء الإفريقي أو العربي الإسلامي كانت هي العنوان الأبرز للصراع بين الحكومات السودانية وبين جيش تحرير الجنوب أو بينه وبين جيرانه الأفارقة؟
طبعا هذه واحدة من الأزمة نفسها، هل السودان عربي أم إفريقي؟، ولفترة طويلة جدا جدا كان هنالك تنازع في هوية السودان، هل هو عربي أم إفريقي، لكن بمرور الزمن كانت هناك قناعة بان السودان هو قطر عربي إفريقي، لا يمكن أن تفصل هذه الهوية، لأنه بمجرد ما تفصلها تمزق السودان، فلذلك نحن نتكلم الآن عنالسودانية، أي خصوصية يتميز بها هذا الشعب، فلا يمكن أن تقول بأن الشعب السوداني شعب عربي أو شعب إفريقي، بل يسري فيه الانتماءان معا، فالهوية السودانية ذات مزايا وخصوصية، وهي واحدة من مقومات تماسك النسيج السوداني. الأمر الثاني أنه لا يمكن أن نقول بأن الشعب السوداني شعب مسلم ونقف عند ذلك، الشعب السوداني فيه نسبة كبيرة من غير المسلمين، وهم من المواطنين السودانيين بحق وحقيق، ولذلك الصفة الدينية ليست صفة شاملة لكل السودانيين، لكل خصوصيته في هذا الجانب، فهناك عدد من المسيحيين الذين تقدر نسبتهم ب 17 في المائة من سكان السودان، بينهم عدد من الأنباط، وعدد كبير جدا من اللادينيين وغالبية عظمى من المسلمين، والتركيبة السودانية هي خليط من كل هذا، ولا يمكن أن نعطيها الصفة الدينية بأن الشعب السوداني هو شعب مسلم، وإنما نقول
إن الشعب السوداني غالبيته من المسلمين، ولذلك حرص الدستور على أن ينص في مرحلته الأولى على أن المواطنة هي الأساس في تقلد المسؤوليات والمناصب الدستورية، وليس اللون أو العرق أو الدين، والاتفاقات نفسها أقرت شيئا مهما، وهو أن شمال السودان وهو مكون من خليط غالبيته مسلمة يعطى فيه الحق للولايات ذات الكثافة الإسلامية أن تطبق الشريعة الإسلامية، وهذا سيصبح نصا دستوريا كما ينص الاتفاق الذي وقع عليه في نيفاشا، وكل الموجودين فيه من غير المسلمين يتبعون للأحكام المطبقة في الشمال. أما جنوب السودان فيوجد فيه حوالي 18 في المائة من المسلمين و17 في المائة من المسيحيين، والغالبية من الروحانيين أو اللادينيين، هنا نص اتفاق نيفاشا على أن برلمان الولاية المعنية في الجنوب يجيز بنسبة الثلثين القانون الساري، سواء يقبل بتطبيق الشريعة الإسلامية أو يرفضها، حتى وإن كانت غالبية ولاية ما من الولايات في الجنوب ذات كثافة سكانية مسلمة وقرر ثلثا المجالس الولائية تطبيق قانون غير الشريعة الإسلامية فسيطبق ذلك القانون.
أزمة دارفور
الملحوظ أن قرار مجلس الأمن الأخير في كينيا حول الجنوب جاء في ظل مرحلة كانت جميع الأنظار فيها موجهة إلى قضية دارفور التي أثيرت منذ أشهر واستقطبت اهتماما عالميا واسعا وخاصة من لدن الولايات المتحدة الأمريكية، ثم فجأة يتحول الاهتمام الأمريكي ب 180 درجة إلى أزمة الجنوب،
لماذا حدث هذا التحول برأيكم، وهل ما حدث في الجنوب يعتبر نموذجا للحل القادم في أزمة دارفور؟
بعض الجهات تستغل هذه القضايا لتحقيق عدة أهداف، بعضها داخلي وبعضها خارجي، فقبل الانتخابات كانت الإدارة الأمريكية بحاجة إلى إحداث نوع من الاهتمام بقضية دارفور تحت غطاء العمل الإنساني لاستدرار عطف مجموعة من الأفارقة السود في الانتخابات لصالح الحزب الجمهوري، لذلك تحدثوا افتراء عن موضوع الإبادة الجماعية وصدرت عن الكونغرس الأمريكي وتم تأييدها بصورة دراماتيكية، وكثر الحديث عنها في وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية. ومن المفارقات الغريبة أن يحدث اجتماع مجلس الأمن في نيروبي ويأتي بعض ممثلي حركةالعدل والمساواة والجيش الشعبي لتحرير دارفور للتباحث مع المبعوث الأمريكي دانفورث لإصدار قرار حول دارفور من مجلس الأمن، فيصرح دانفورث بأنه ليس هذا هو المكان المناسب لمتمردي دارفور للتحدث فيه ولديهم منبر للحديث في أبوجا، فهذا دليل على أن هدف أمريكا في دافور أصبح متجاوزا وأن تحقيق السلام في جنوب السلام يعتبر إضافة جديدة للإدارة الأمريكية أمام أنظار العالم، وبالتالي قطع الطريق أمام متمردي دارفور بأن يكون لهم وقع في هذا الاتفاق الجديد في كينيا. فإذا حدث أي شيء فيما يتعلق بموضوع دارفور خلال هذه المرحلة القادمة
فسيكون ذلك فقط لإنجاح موعد 31 دجنبر الجاري لتوقيع اتفاق نيفاشا، لكن لن يكون ذلك بمعنى أن أمريكا سترفع يدها تماما عن قضية دارفور، فهي تستخدمها كأداة لتحقيق ما تسعى إليه في جنوب السودان.
منتدى المستقبل
سيعقد بالمغرب خلال أسبوعينمنتدى المستقبل حول الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا، لإصلاح الأنظمة العربية والإسلامية ودمقرطتها حسب المشروع، ووجهت الدعوة إلى عدة أطراف عربية لحضوره، ما هي أسباب عدم توجيه الدعوة إلى السودان للحضور؟
هذا قطعا جزء من الحملة الموجهة ضد السودان لما يجري في دارفور، وبعض الدول من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أعلنت صراحة أنها متحفظة من حضور السودان بسبب دارفور، وهذا أمر غير قائم على أسس، حتى من الدول العربية المشاركة نفسها وأطراف أخرى كانت هنالك مآخذ وتحفظات ولكن تم تجاوزها، لأسباب اقتنعت بها هذه الجهات، فلذلك نحن نعقتد أن هذا لا يستند على أي منطق وعلى أي مبرر حقيقي.
أجرى الحوار: إدريس الكنبوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.