بعد أن أفرغت الحكومة 55 اجتماعا تنسيقيا ومحضر الاتفاق الموقع بين الوزارة والنقابات من محتواها    وزير الشؤون الخارجية الغامبي: التعاون مع المغرب نموذجي وفي تطور مستمر    مزور: الاتفاقية مع شركة (أوراكل) تعزز مكانة المغرب باعتباره قطبا للتكنولوجيات الرقمية    الأمم المتحدة: التصويت على قرار لصالح عضوية فلسطين.. ودول أوروبية تقرر الاعتراف بها رسميا    الاستعداد لأولمبياد باريس 2024 .. بنموسى يترأس جلسة عمل مع اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية    البحرية الملكية تحبط 3 محاولات للهجرة نحو "الكناري" وتنقذ 133 مهاجرا من آسيا وإفريقيا    شاب ثلاثيني يضع حدا لحياته بضواحي الحسيمة    تزامنا مع حراك الجامعات الغربية.. أساتذة بجامعة السعدي يطالبون بإسقاط الاتفاق مع جامعة حيفا    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    26 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" ما بين 4 و 10 ماي الجاري    نقابة "البيجيدي": آن الأوان لإيقاف التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    الرباط.. الإعلان عن مشاريع ترميم وإعمار بالقدس بمليون دولار    الأمن يوقف 5 أشخاص متلبسين بتنفيذ عملية للهجرة السرية بضواحي الجديدة (صور)    العثماني يلتقي إسماعيل هنية في قطر    القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا تجاوز 1.3 مليون سائح خلال أبريل الماضي    جماعة طنجة تطلق أولى صفقات إصلاح الشوارع والأزقة بغلاف يناهز 8.5 مليون درهم    تنديد حقوقي بالحكم الصادر بحق الحيرش ومطالب بإطلاق سراحه واحترام حرية التعبير        غوتيريش يحذر من أن هجوما بريا إسرائيليا على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"    بيع كتب ألفت عبر "تشات جي بي تي"… ظاهرة في "أمازون" تتيح تحقيق أرباح عالية    سحب 332 "رخصة ثقة" من سائقي سيارات الأجرة بمراكش    تأشيرة الخليج الموحدة تدخل حيز التنفيذ مطلع 2025    2900 مظاهرة بالمغرب دعما لفلسطين    الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية تستقبل شبيبة حزب مؤتمر التقدميين النيجيري    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري    قرار جديد من القضاء المصري في قضية اعتداء الشحات على الشيبي    نقابة تنبه لوجود شبهات فساد بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    أخنوش يرد بقوة على تقرير مجلس الشامي: الحكومة تبدع الحلول ولا تكتفي فقط بالتشخيص    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    تصفيات المونديال.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه نظيره الجزائري    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    السلة: الوداد في صدام قوي أمام المغرب الفاسي    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والجزائر ضمن تصفيات مونديال الفتيات    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    أيوب الكعبي يواصل تألقه في دوري المؤتمر الأوروبي    ارتفاع أسعار النفط بفضل بيانات صينية قوية وصراع الشرق الأوسط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    تقرير إخباري l أمريكا تُقرر رفع الرسوم الجمركية على واردات "الفوسفاط المغربي" بسبب استفادته من امتيازات حكومية    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية لـ"التجديد":الهمة هاجم الداخلية لما أرسلت لجان تفتيش لبعض الجماعات التي يرأسها حزبه
نشر في التجديد يوم 21 - 04 - 2009


يستبعد محمد ضريف أن يكون لدى الدولة أو بعض الجهات المؤثرة في القرار السياسي رهان على استهداف استراتيجي لحزب العدالة والتنمية، ويقرأ السلوك السياسي لوزارة الداخلية اتجاه العدالة والتنمية أنه مندرج في سياق توجيه الرأي العام والتأثير فيه لجهة التحكم في الخريطة السياسية، كما يرفض أن يقرأ انتقادات فؤاد عالي الهمة لوزارة الداخلية على أساس أنها مناورة لامتصاص الغضب الذي تبديه المعارضة، وخاصة حزب العدالة والتنمية، من تحيز الداخلية، ويقرأ الهجوم الذي شنه الهمة على الداخلية باعتباره فعلا استباقيا لدفع تهمة دعم الولاة والعمال لمرشحيه، كما يقرأه باعتباره جوابا سياسيا على إرسال وزارة الداخلية للجان تفتيش لبعض المجالس الجماعية التي يرأسها منتمون إلى حزبه، وأن الهمة يريد أن يوجه هذه الرسالة السياسية مخافة أن يحصل لحزبه نفس ما حصل للعدالة والتنمية في قضية عمدة مكناس، ويقدم تحليله السياسي لجملة من القضايا مثل التحولات التي حدثت في استراتيجية حزب الأصالة والمعاصرة، ورأيه في السلوك السياسي لوزارة الداخلية، وقراءته السياسية لتوقعات وزير الداخلية لنتائج الانتخابات الجماعية، بالإضافة إلى قراءته السياسية لإضراب النقل واحتمالات تعديل حكومي. يطرح سلوك وزارة الداخلية اتجاه العدالة والتنمية مؤخرا العديد من الأسئلة، فمن قرار عزل بلكورة عمدة مدينة مكناس، إلى انخراط الإعلام الرسمي في تضخيم المشاكل التنظيمية داخل الحزب، إلى ما بات يعرف بقضية هضبة تمارة. في نظركم، هل يتعلق الأمر باستراتيجية تحجيم تعتمدها وزارة الداخلية لضبط التوازنات السياسية، ام أن هناك جهات مؤثرة على صانع القرار السياسي المغربي تريد الاستهداف الاستراتيجي للحزب؟ أعتقد أنه من باب الموضوعية قبل أن نلجأ إلى أي تحليل سياسي علينا أن نرصد مختلف المواقف؛ سواء تعلق الأمر بموقف وزارة الداخلية أو بموقف العدالة والتنمية. فبالنسبة لوزارة الداخلية، فهي تعتبر نفسها سلطة محايدة أناط بها القانون مراقبة تدبير الشأن العام باعتبارها السلطة الوصية، ومن ثمة، فالمفتشية العامة للإدارة الترابية كجهاز ينجز العديد من التقارير حول تدبير الجماعات المحلية، ووزارة الداخلية تتخذ القرارات المناسبة؛ سواء بالعزل أو التوقيف؛ بناء على خلاصات هذه التقارير. وعليه، فوزارة الداخلية تعتبر بعض الإجراءات التي اتخذت في حق عمدة مكناس مثلا، لا تختلف في شيء عن الإجراءات التي اتخذت في حق العديد من مسؤولي الجماعات المحلية؛ سواء كانوا منتمين إلى أحزاب الأغلبية أو إلى أحزاب المعارضة. ولهذا السبب، أبدى مسؤولو الإدارة الترابية استغرابهم من موقف حزب العدالة والتنمية، واعتبروا انتقاداته للداخلية بهذا الخصوص تسييسا لقضية بلكورة، في حين يرى حزب العدالة والتنمية أنه كان من الممكن مناقشة فحوى الاتهامات الموجهة إلى عمدة مكناس، وأن الداخلية استهدفت تجربته الجماعية التي كان الحزب يراهن عليها كنموذج في تدبير الشأن المحلي كما يتصوره الحزب، بالرغم من أن إكراهات التحالف لتكوين مجلس المدينة تحول دون تطبيق ذلك التصور بشكل كامل. وبالمناسبة، فهذه ليست هي المرة الأولى التي يشعر فيها الحزب أنه مستهدف في تجربته الجماعية، فقد سبق للحزب أن تحدث عن استهداف التجربة في بدايتها من خلال تباين وجهات النظر بين عمدة مكناس ووالي الجهة السابق حسن أوريد. وبشكل عام، لا يمكن استعباد الدوافع السياسية التي تحكمت في عزل بلكورة، لأنه بصرف النظر عن حقيقة الاتهامات الموجهة لعمدة مكناس، فإن السلطات العمومية بشكل عام تحاول أن تحافظ على بعض التوازنات السياسية من خلال ضمان تحكمها في مدبري الشأن المحلي، وأكيد، كما كانت وزارة الداخلية في السابق تمنع ترؤس الأحزاب في المدن الكبرى كما كان سلوكها مع الاتحاد الاشتراكي بمدينة الدار البيضاء،، فإن الإدارة الترابية اليوم تسعى إلى عدم ترؤس حزب العدالة والتنمية للمدن الكبرى، ولتحقيق ذلك هناك وسيلتان: ـ وهي التأثير على الرأي العام، وهنا يمكن أن نشير إلى تضخيم بعض المشاكل التنظيمية داخل حزب العدالة والتنمية، حيث تمت التغطية الإعلامية من قبل التلفزيون الرسمي لاستقالة بعض الأعضاء من هياكل الحزب أو لبعض المشاكل التنظيمية داخل الاتحاد الوطني للشغل، إضافة إلى التداعيات السلبية التي تترتب على قرار عزل بلكورة. ـ التحكم في خريطة التحالفات قصد تشكيل مكاتب المجالس المقبلة، وكذا اختيار رؤساء المجالس وعمداء المدن. فلا يبدو أنه بإمكان حزب العدالة والتنمية، حتى وإن حصل على المرتبة الأولى في مجالس المدن الكبرى، أن يرأسها. وتأسيسا على ما سبق، لا يمكن القول بأن وزارة الداخلية تروم الاستهداف الاستراتيجي لحزب العدالة والتنمية، لأن هذا الحزب يتمتع بشرعية قانونية، وتعتبره السلطات العمومية فاعلا سياسيا ضمن فاعلين آخرين، وأنه ينبغي أن يقوم بدوره، ولكن وفق أولويات المرحلة، ويبدو أن رهانات الدولة حاليا أن يبقى العدالة والتنمية في المعارضة، لأن ذلك يخدم مصالحها أكثر مما يمكن أن يخدمها وهو في الأغلبية. أثار الهجوم الذي شنه فؤاد عالي الهمة على وزارة الداخلية جدلا إعلاميا واسعا، بحيث اختلفت أنظار المحليين السياسيين لدلالاته وخلفياتهم، فهل يتعلق الأمر بتناقضات داخل الإدارة الترابية وصلت حدتها إلى درجة التعبير الإعلامي عن الموقف؛ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مناورة سياسية لإظهار حياد الداخلية وامتصاص انتقادات المعارضة، وبشكل خاص حزب العدالة والتنمية؟ تصريحات فؤاد عالي الهمة ينبغي أن تقرأ في سياقها. فمنذ تأسيس حركة لكل الديمقراطيين، وبعد ذلك تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، ما فتئت بعض وسائل الإعلام وبعض المحللين السياسيين يرددون، وبشكل قطعي، أن ما يقوم به الهمة هو تنفيذ لإرادة ملكية من أجل إعادة هيكلة الحقل السياسي، بل إن أحزابا سياسية في الأغلبية كالاتحاد الاشتراكي أعرب عن تخوفه في بيان رسمي صادر عن مكتبه السياسي من أن يكون المشروع السياسي للهمة هو بمثابة إعادة إنتاج تجارب سابقة كان يقف وراءها المخزن، ولا ننسى في هذا الصدد أن فؤاد عالي الهمة كرر مرارا أن مشروعه السياسي لا علاقة له بالملك، وأنه مجرد مبادرة سياسية من قبل مجموعة من الأشخاص يرغبون في إصلاح الحياة السياسية. لذلك، فانتقاد فؤاد عالي الهمة لوزارة الداخلية هو أولا محاولة لإحداث مسافة بينه وبين وزارة الداخلية. فمعلوم أن جهات تتخوف من أن يقوم الولاة والعمال بتقديم دعم لمرشحي حزب الأصالة والمعاصرة، ولذلك تندرج هذه التصريحات في إطار ما يمكن تسميته بفعل استباقي لإبعاد التهمة عنه، إضافة إلى قرار وزارة الداخلية إرسال بعض لجان التفتيش لبعض الجماعات المحلية التي يرأسها بعض المنتمين إلى حزبه كما هو الحال في المجلس الجماعي بمدينة آسفي، كما يمكن تفسير هذه الانتقادات في سياق تخوف الهمة من سلوك بعض الولاة والعمال المناوئة لمرشحي حزب الأصالة والمعاصرة، وأكيد أن جسم الإدارة الترابية ليس جسما منسجما، بل تتخلله الكثير من التناقضات، وأكيد أن بعض الولاة والعمال، إن لم يكن لديهم موقف من حزب الأصالة والمعاصرة ككل، إلا أن لديهم مواقف مناوئة لبعض من سيترشحون باسمه لكون ملفاتهم معروفة لديهم. وبناء على ما سبق؛ لا يمكن أن نعتبر انتقادات فؤاد عالي الهمة لوزارة الداخلية مجرد مناورة سياسية، بل هي تعبير عن تخوف مشروع مما قد تؤول إليه نتائج الانتخابات المقبلة. سلوك وزارة الداخلية مع الفعالين السياسيين يثير كثيرا من الشكوك، فمن تسرب نتائج استطلع رأي حول توجهات الناخبين وموقف النفي الذي اتخذته الداخلية، إلى تصريحات شكيب بن موسى التي توقع فيها نفس ما خلصت إليه نتائج الاستطلاع من حزب الأصالة والمعاصرة سيحظى بـ10 في المائة من مقاعد المجالس المحلية، كيف تقرؤون هذا السلوك السياسي، ألا يمكن اعتباره خرقا لقاعدة الحياد وتوجيها للرأي العام؟ بصرف النظر عن تأكيد أو نفي وزير الداخلية لقيام وزارته بإجراء أو تنظيم استطلاع لمعرفة توجهات الناخبين المغاربة ولو على سبيل تقريبي، فإن كل الدول، وقبيل الانتخابات، تقوم فيها السلطات ذات الاختصاص بإجراء استطلاعات من هذا النوع؛ تحاول من خلاله التعرف على طبيعة الخريطة الحزبية، وأكيد أن وزارة الداخلية في إطار عقلنة أدائها ومواجهة كل الاحتمالات تسعى دائما إلى التوفر على بعض المعطيات الأولية حول الخريطة المقبلة، وذلك إما لتأكيدها أو لتوجيهها. وعليه، فإنه ليس من المستبعد أن تكون وزارة الداخلية قد قامت باستطلاع، وهو ما تؤكده بعض المعطيات التي أفصح عنها وزير الداخلية، والمتعلقة بالنتائج المحتملة التي ستحصل عليها بعض الأحزاب. ولكن وزير الداخلية نفى ذلك، واعتبر توقعاته مجرد تقدير شخصي مبني على المعطيات التي تتيحها نتائج انتخابات 2003 الجماعية؟ قلت، إن مسؤولي الإدارة الترابية يفترض فيهم التوفر على تصور أولي للنتائج المحتملة وطبيعة التحالفات الممكنة كيفما كانت الطريقة المعتمدة للحصول على هذه المعطيات. والقول بأن حزب الاستقلال سيحصل على المرتبة الأولى والاتحاد الاشتراكي سيحصل على المرتبة الثانية والأصالة والمعاصرة سيحصل على المرتبة الثالثة، والعدالة والتنمية على المرتبة الرابعة وإن كان مقبولا إلى حد ما في حالة الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، إلى أنه ينبغي استحضار مؤشرات أخرى بإمكانها أن تؤثر على مسار النتائج. شخصيا، أعتقد أن حصول حزب الاستقلال على المرتبة الأولى والاتحاد الاشتراكي على المرتبة الثانية قد يصدق؛ نظرا لطبيعة الانتخابات الجماعية، والتي تختلف عن الانتخابات التشريعية، ولكون الحزبين يتوفران على آلة انتخابية تشتغل بشكل فعال خلال الاستحقاقات، ولكن يبدو لي أن ترتيب حزب الأصالة والمعاصرة في المرتبة الثالثة فيه نظر، لأنه لا يمكن تجاهل الانتشار المجالي لكل من الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار. فلحد الآن لا يبدو أن حزب الأصالة والمعاصرة قد استكمل هياكله وبنياته الحزبية بشكل يجعلنا نتحدث عن تموقع واضح في خريطة الانتخابات الجماعية، فالحزب مايزال مجرد ظاهرة إعلامية يستفيد من تغطية إعلامية واسعة، ولا ندري هل سيتطابق هذا الحضور الإعلامي الذي يحظى به مع فعاليته الانتخابية. أما فيما يتعلق بحزب العدالة والتنمية ونسبة ما سيحصل عليه من مقاعد وأصوات، فهو مرتبط أساسا بعدد المرشحين الذين سيقدمهم الحزب في الانتخابات الجماعية. فإذا اعتمدنا تصريحات الأمين العام للحزب عبد الإله بن كيران، والتي مفادها أن الحزب سيقدم ما بين 6000 و 10000 مرشح، فهذه نسبة ضعيفة، لأنها تتراوح ما بين 25 و 30 في المائة، وربما هذه النسبة بالإضافة إلى منافسة الأحزاب الأخرى هي التي تدفع إلى إحلال الحزب المرتبة الرابعة واحتمال عدم تجاوزه نسبة 4 في المائة. ولكن كيف تفسرون تغير استراتيجية حزب الهمة لجهة الرهان على الأعيان واستقطاب رؤساء المجالس ممن ينتمون إلى أحزاب أخرى، ألا يمكن أن يكون عائد هذه الاستراتيجية هو إحلال هذا الحزب مواقع متقدمة في الانتخابات الجماعية؟ فيما يتعلق بالاستراتيجية التي يعتمدها حزب الأصالة والمعاصرة والقائمة على استقطاب الأعيان، بل استقطاب رؤساء مجالس محلية منتمين إلى أحزاب سياسية أخرى، وبصرف النظر عما يمكن أن يجنيه منها، فإنها تدفعنا إلى تسجيل بعض ملاحظات: ـ الملاحظة الأولى: هي أن الحزب لجأ إلى هذه الاستراتيجية بعد قراءته لنتائج الانتخابات التشريعية الجزئية التي أجريت في شهر شتنبر ,2008 حيث تأكدت قيادة هذا الحزب بأن ورقة ترشيح المناضلين لا تجدي أمام ورقة ترشيح الأعيان. ـ الملاحظة الثانية: هذه الاستراتيجية تعبر عن المأزق الذي يعيشه هذا الحزب الوليد، فإذا كان قد أسس خطابه على إعادة الاعتبار للعمل السياسي وإعادة التصالح بين المواطنين والسياسة، فهو الآن يعيد إنتاج أهم مرض أصاب الحياة السياسية في المغرب وهو مرض الترحال السياسي. ـ الملاحظة الثالثة: هذا الحزب الذي كان يفترض فيه أن يشكل إضافة جديدة بتأطير المواطنين هو الآن يقتات على رصيد الأحزاب الأخرى مجموع هذه الملاحظات الثلاثة يفضي بنا إلى القول بأن هذه الاستراتيجية التي يعتمدها حزب الأصالة والمعاصرة، والتي تعتمد على استقطاب الأعيان ورؤساء المجالس الجماعية هي نفس الاستراتيجية التي تعتمدها الأحزاب السياسية الأخرى، وبالتالي، فلن يستفيد منها وحده، بل ستستفيد منها كل هذه الأحزاب، ناهيك عن حالة الترحال التي يعرفها هذا الحزب نفسه بعد مغادرة برلمانيين التحقوا به لصفوفه. هناك ما يشبه الإجماع على أن إضراب النقل الأخير تعدى كونه مجرد إضراب في قطاع معين، ليعري واقع الضعف والترهل التي تعرفه الحكومة، ويعكس انهيار التضامن الحكومي، بالنسبة إليكم ما هي القراءة السياسة التي تقدمونها لهذا الإضراب؟ في تقديري، إضراب النقل كان محكوما بسياقين: ـ السياق الأول: ويتمثل في موقف الرفض الذي عبرت عنه الجمعيات المهنية والمركزيات النقابية لمدونة السير. وأكيد أن أحزابا تشارك في الحكومة تتوفر على مركزيات نقابية، ولها علاقة بالجمعيات المهنية، حاولت أن تخفف هذا الرفض من خلال إدخال تعديلات على مشروع المدونة الذي صادق عليه مجلس النواب، وكان بالإمكان أن تمر الأمور بشكل عادي في مجلس المستشارين، خاصة وأن المركزيات النقابية تتوفر على ممثلين داخل الغرفة الثانية، وكان بإمكانهم أن يفرضوا بعض التعديلات الأخرى لو لم يتزامن عرض المدونة على مجلس المستشارين مع فشل الحوار الاجتماعي. ـ السياق الثاني، ويتجسد في فشل الحوار الاجتماعي، فبالرغم من الاجتماعات الماراطونية التي جمعت المركزيات النقابية والحكومة، لم يصل الطرفان إلى أي حل، بل كانت المركزيات النقابية قد قررت تنظيم مسيرة في الرباط قبل أن تتراجع عنها نتيجة ضغوط مورست عليها. وقد تفاعل هذان السياقان لينتجا الأزمة التي أفضى إليها إضراب النقل، بحيث اتخذ الإضراب بعدا سياسيا واضحا، فأصبح الأمر لا يتعلق بسحب مشروع المدونة، بل صار تجسيدا لسوء تدبير الشأن العام من قبل حكومة عباس الفاسي التي اتهمت بالضعف. وأكيد أن هذا البعد السياسي لإضراب النقل ترسخ عندما غاب التضامن الحكومي، بحيث لاحظ الجميع تضارب المواقف من الإضرابات بين مكونات التشكيلة الحكومية، خاصة بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، بل إن التضارب طال حالا كيفية سحب مشروع المدونة من الغرفة الثانية، حيث اعتبر الاتحاد الاشتراكي في بيان صادر عن مكتبه السياسي بأن ذلك مخالف للدستور ومن شأنه أن ينزع المصداقية عن المؤسسات الدستورية. يثير موقف الداخلية بخصوص هذا الإضراب كثيرا من التساؤلات، بحيث إنها بقيت على الحياد، ألا يمكن أن نعتبر أن هناك جهات ما في الدولة تريد استثمار هذا الإضراب سياسيا للضغط لإجراء تعديل حكومي بعد انهيار التضامن الحكومي، وبعد الإجماع على ضعف الأداء الحكومي، وأنها لهذا الغرض دفعت بالوزير الأول للظهور الإعلامي الأخير الذي كرس واقع ضعف الحكومة؟ ما هو ملفت للانتباه أن عباس الفاسي من خلال تصريحاته يساهم حقيقة في تكريس صورة سلبية عن مؤسسة الوزير الأول والحكومة بشكل عام. ففي اللحظة التي يعتقد فيها أن الوزير الأول ينبغي أن يلعب دورا فعالا في صياغة السياسات العمومية وتصريفها، وفي اللحظة التي يعتقد فيها أن الوزير الأول يتمتع بهامش من الاستقلالية اتجاه باقي المؤسسات، اتضح من خلال تصريحاته أن الوزير الأول مجرد شخص يرتبط ابتداء وانتهاء بالملك، سواء من خلال تأكيده على أن استمراره في مهامه رهين بالثقة الملكية، أو بكون التعديلات الدستورية هي من اختصاص الملك موضوعا وتوقيتا، على الرغم من أن الدستور يمنح للبرلمانيين حق اقتراح تعديلات دستورية، وهنا يتساءل المتتبع عن جدوى مطالبة عباس الفاسي بحق حزبه في تشكيل الحكومة إذا ما حصل على المرتبة الأولى؛ احتراما للمنهجية الديمقراطية!! وفيما يتعلق بتغييرات حكومية، ينبغي أن نميز بين حالتين، الحالة الأولى وهي إجراء تعديل حكومي تقني دون أن يمس بطبيعة الأغلبية المشكلة للحكومة أو بالوزارة الأولى، وهذا التعديل وارد، لأنه يندرج ضمن اختصاصات الملك إذا لاحظ أن هناك وزيرا ينبغي أن يستبدل بغيره، وقد سبق للملك أن أجرى تعديلا تقنيا على حكومة جطو سنة ,2004 أما الحالة الثانية، وهي إجراء تعديل حكومي ذي طبيعة سياسية، بحيث إذا ما قرر حزب مشارك في الأغلبية الحالية الانسحاب من الحكومة،ة وهي مسألة واردة في حالة قرر الاتحاد الاشتراكي مغادرة الحكومة، وفي هذه الحالة سيكون الوزير الأول مضطرا للبحث عن حزب آخر يعوض الحزب المستقيل. هتان الحالتان واردتان معا، أما إذا كنا نتحدث عن إقالة الوزير الأول وإبعاد حزب الاستقلال من رئاسة الحكومة، فهذا أمر مستبعد إلى حد ما، وذلك لعدة اعتبارات نذكر منها: ـ أن الملك نفسه قرر احترام المنهجية الديمقراطية، وكان قبل اقتراع السابع من شتنبر 2007 نصح الناخبين بحسن الاختيار لكونهم سيتحملون نتيجة اختيارهم طيلة خمس سنوات. ـ المغرب بشكل عام يسير نحو إقرار المنهجية الديمقراطية على مستوى تعيين الوزير الأول، بل إن ما تسرب من مذكرة المطالب الدستورية التي يعتزم الاتحاد الاشتراكي تقديمها للملك تتضمن من بين ما تتضمنه دسترة المنهجية الديمقراطية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.