ادعاء نيويورك كيتهم ترامب بإفساد الانتخابات ديال 2016    بطولة إيطاليا-كرة القدم.. "إنتر ميلان" يتوج بلقبه ال20    ثمة خلل ما.. المعرض المغاربي للكتاب يحتفي بالأديبة الناظورية آمنة برواضي    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    أسامة العزوزي يسجل في مرمى روما    الحركة يكشف مبررات تنازله عن لجنة العدل وينادي بإبعاد البرلمان عن تصفية الحسابات    حفل استقبال على شرف المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة بطل إفريقيا    إطلاق دعم إضافي لفائدة مهنيي النقل الطرقي    المؤتمر الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش ينتخب ممثليه بالمجلس الوطني    ندوة دولية بطنجة بعنوان "الثقافة والدبلوماسية الناعمة"    ولي العهد يسلم شهادات اعتراف بالعلامات المميزة لمجموعة من المنتجين    الحسيمة.. حفل ثقافي لإبراز التفاعل الوجداني بين الموسيقى والشعر    طقس الثلاثاء: حرارة مرتفعة وقطرات مطرية بهذه المناطق    الإنفاق العسكري في مرمى التوتر الجزائري المغربي!    بطولة إيطاليا.. إنتر يتوج بلقبه ال 20 بفوزه على ميلان في عقر داره    فرنسا تشيد بأداء الشرطة المغربية .. تصور واقعي وخبرة في مكافحة الجريمة    الحكومة تدرس نظام الضمان الاجتماعي    فاس.. قتل شخص وإضرام النار في جسده لإخفاء معالم الجريمة    ها امتى غيحكم الكاف فحادث ماتش بركان و USMA والعقوبة كتسنا الفريق الجزائري بسبب تعنت الكابرانات    "النواب" يستكمل هيكلته والتوافق يحسم انتخاب رؤساء اللجن الدائمة    أقمصة نادي بركان.. بنتوك: النظام الجزائري يستغل أي مناسبة لإظهار عداوته للمغرب    الرباط تحتضن أشغال محاكاة القمة الإسلامية للطفولة من أجل القدس    الأمثال العامية بتطوان... (579)    توقيف منتحل صفة شرطي أسس حياة زوجية بعقد مزور بالقليعة    كرة القدم داخل القاعة .. بعد التربع على القمة إفريقيا، أنظار أسود الأطلس تتجه صوب كأس العالم    الطالبي العلمي يستقبل وفدا عن لجنة الفلاحة بالجمعية الوطنية لجمهورية زامبيا    تقوى الآباء تأمين على الأبناء    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة يستنكر منع مسيرته السلمية بالرباط    ميراوي يتباحث مع نظيرته الفرنسية    مقابر جماعية في مستشفى ناصر بغزة    بورصة الدار البيضاء.. تداولات الإغلاق على وقع الأحمر    مرصد العمل الحكومي يرصد جهود الحكومة لمواجهة ارتفاع معدلات البطالة    لقجع احتفل بأسود الفوتسال وقال لهم: سيدنا والمغاربة كيتسناو منكم كاس العالم خاصنا تخرجو من مونديال أوزبكستان أبطال    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    مشاركة متميزة للسينما المغربية في مهرجان موسكو    أسعار النفط تنخفض متأثرة بتجدد التركيز على أساسيات السوق    تقديم المساعدة لمرشحين للهجرة غير النظامية ينحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء    الرشيدية: شرطة المياه تحيل 45 محضرا على النيابة العامة    أكادير تحتضن فعاليات المعرض البيداغوجي للمدن الذكية على المستوى الإفريقي في نسختها الثانية    نصف المواليد الجدد يعانون من فقر الدم والمولدات يقمن بأدوار محورية في حماية صحة الأم والطفل    ارتفاع أسعار الفواكه والخضر واللحوم بالمغرب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة    الجيش الإسرئيلي علن على استقالة رئيس المخابرات العسكرية وها علاش    إصابة فنان فرنسي شهير بطلق ناري في الصدر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تنبيه صحي جديد فالصبليون على التوت المغربي بسباب التهاب الكبد الوبائي    إسبانيا ضيف شرف معرض الفلاحة بالمغرب وبلاناس أكد أن هاد الشي كيشهد على العلاقات الزوينة بين الرباط ومدريد    يوتيوب "يعاقب" سعد لمجرد بسبب متابعته في قضية "الاغتصاب"    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    على غفلة.. تايلور سويفت خرجات ألبوم جديد فيه 31 أغنية    هل تتورط أوكرانيا في حرب السودان كما تفعل روسيا؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    المغرب.. الأسبوع الوطني لتلقيح الأطفال من 22 إلى 26 أبريل الجاري    دراسة تكشف فوائد نظام غذائي متوازن للحفاظ على صحة الجسم    الأمثال العامية بتطوان... (577)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكلمة الافتتاحية للجمع العام الوطني الرابع
نشر في التجديد يوم 19 - 07 - 2010


بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء و المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان وعلينا معهم إلى يوم الدين. السادة العلماء، ضيوفنا الكرام، الإخوة والأخوات أيها الحضور الكريم أحييكم جميعا بتحية الإسلام الخالدة:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في البداية نرحب بمن شرفنا واستجاب لدعوتنا ترحيبا يليق بضيوف المغرب من الأشقاء والأصدقاء والمحبين ونقول لهم جميعا حللتم أهلا ونزلتم سهلا وطبتم وطاب مقامكم وجُعلت الجنة مثواكم.
ونخص بالتحية والتقدير الشخصيات الوطنية التي لبت دعوتنا لتشاركنا أجواء هذه المحطة الهامة في تاريخ حركة التوحيد والإصلاح والحركة الإسلامية المغربية فجزاكم الله خيرا جميعا على حضوركم الذي يشرفنا ، والذي هو بنفس القدر يضاعف من مسؤولياتنا لمواصلة نهج الانفتاح والتعاون على الخير مع الغير لما فيه مصلحة البلاد والعباد...
أيها الإخوة والأخوات
ينعقد الجمع العام الوطني الرابع لحركة التوحيد والإصلاح تحت شعار : الاستقامة والإصلاح نهضة وفلاح في لحظة هامة من تاريخ هذا البلد وتاريخ صحوته الدينية والوطنية، وهي مناسبة للوقوف أولا، على محطات مشرقة في مسيرة، أمتنا، وبلدنا، وثانيا ،لاستحضار بعض معالم وجهود الحركة في تفاعلها مع تحولات محيطها وفي أدائها لرسالتها.
لقد عرفت الصحوة الإسلامية بحمد الله ومنته انتشارا وتوسعا كبيرين بفضل الله أولا ثم بفضل الجهود الطيبة المباركة التي بذلها ويبذلها كل الغيورين والمتشوقين لذلك الغد المشرق للأمة ولنهضتها وشهودها الحضاري ورفعتها ورقي مكانتها بين الأمم، وبفضل جهود العلماء العاملين بجد وتفان واجتهاد مقدر لإعادة بناء الثقة في الذات والاعتزاز بالهوية وبتاريخ الأمة وحضارتها.
أيها الإخوة والأخوات
إن تلك الجهود هي التي أثمرت هذا الزخم والتوسع والانتشار للصحوة الإسلامية التي نشاهدها اليوم في بلدنا، و في العالم الإسلامي كله شرقه وغربه، بل شملت أنحاء وأرجاء المعمور كلها. هذه الصحوة التي شملت كل هذه الفئات الواسعة والعريضة من الشباب المتسم بالنفس التجديدي والحيوي ، شباب يقبل على الله ويعمر بيوت الله: {في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب} (النور/63- 38)
إن هذه الصحوة مدعوة اليوم إلى استثمار هذا التعاطف والانتشار والتوسع المتزايد على المستوى العالمي، وذلك بإبداع المشاريع الجديدة والأفكار القادرة على التفاعل والمنافسة والتدافع لأن غنى الأمم والمجتمعات إنما يقاس بالدرجة الأولى بما تنتجه من أفكار تجديدية نيرة.
إن تاريخ المغرب العريق، أيها الإخوة والأخوات، يشهد ومنذ تشكل الدولة المغربية بمقوماتها الحضارية وشخصيتها المتميزة أن الدين الإسلامي كان دائما هو أساس الاجتماع وأساس النهوض وأساس العطاء والنبوغ والريادة المغربية في الغرب الإسلامي كما كان الإسلام أساس الإشعاع الحضاري المغربي الأصيل، في الثقافة والفنون والمعمار والآداب والعلوم، ذلك أن الدورات الحضارية للأمم إنما تستأنف على أساس أصلها العقدي والديني الذي بعثها.
وفي سبيل هذا الدين العظيم، ضحى المغاربة بالغالي والنفيس، وأبلوا البلاء الحسن سواء على مستوى نشر الدعوة في إفريقيا أو من خلال جهادهم مع الناصر صلاح الدين، حيث كانوا حاضرين بقوة وبجدارة وتميز في سبيل تحرير المسجد الأقصى، وتركوا بصماتهم بما شيدوا وعمروا وبنوا، وباب المغاربة وحي المغاربة وأوقاف المغاربة في مدينة القدس الشريف خير شاهد على ذلك.
أيها الإخوة والأخوات
في هذا الإطار قامت حركة التوحيد والإصلاح، وانطلقت من تشخيص حددت على ضوئه رؤيتها للعمل، بأنها عمل إسلامي تجديدي لإقامة الدين وإصلاح المجتمع، وجعلت رسالتها الإسهام في إقامة الدين وتجديد فهمه والعمل به، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة وبناء نهضة إسلامية رائدة وحضارة إنسانية راشدة، ، كما التزمت منهج التدرج والحكمة والموعظة الحسنة، والتدافع السلمي، والمشاركة الإيجابية والتعاون على الخير مع غيرها من الأفراد والهيئات.
هذا الاجتهاد مكن الحركة بحمد الله تعالى من الخروج من دائرة التوتر والتوجس والصراع إلى دائرة الانفتاح والتعاون والمشاركة، ومن دائرة التهميش والإقصاء إلى دائرة القبول والتعايش، ومن دور المقاطع والمتفرج والمتابع من بعيد إلى دور الفاعل والمؤثر.
أيها الإخوة والأخوات
لقد تميزت حركة التوحيد والإصلاح في سعيها لإقامة الدين وإصلاح المجتمع بوعيها بأن كَوْنَ الإسلام دينا شاملا لكل نواحي الحياة لا يستدعي بالضرورة أن يكون العمل لإقامته من خلال تنظيم شمولي مركزي بهيكلة هرمية محورية، بل اختارت أن تجعل من إقامة الدين وإصلاح المجتمع هدفا تلتقي حوله مؤسسات وهيئات مستقلة تنظيميا تجمعها شراكة استراتيجة في إطار خدمة نفس المشروع. وهو ما اصطلحنا عليه وحدة المشروع بدل وحدة التنظيم.
ومن أجل ذلك اعتمدت الحركة نهج سياسة التخصصات، بالعمل على تأسيس عدد من المنظمات والمراكز والمنتديات والجمعيات المتخصصة،أو دعم القائم منها في مختلف المجالات، على أساس أن تكون مستقلة عن بعضها البعض من الناحية التنظيمية، لكنها تحمل نفس الرسالة وتخدم نفس المشروع بشكل متكامل ومندمج. تربطها بالحركة علاقة تعاقد على الأهداف المشتركة في مجالات تخصصها وذلك مثل العمل النسائي، أو العمل الطلابي، أو العمل الطفولي، أو العمل الاجتماعي... وبالمقابل قررت الحركة عقد شراكات استراتيجية مع هيئات مستقلة قائمة في المجال السياسي والنقابي.
أيها الإخوة والأخوات
إن علاقة الدعوي بالسياسي في تجربة حركة التوحيد والإصلاح تعتبر نموذجا وتجربة أثارت الكثير من الاهتمام والدراسة من طرف عدد من الأوساط والحركات الإسلامية الأخرى. وقد قطعت هذه التجربة بحمد الله تعالى أشواطا متقدمة في مسار التمايز بين الدعوي والسياسي، على مستوى الوظائف والأشخاص.
وهنا نؤكد بأن خيار التمايز الوظيفي بين حركة التوحيد والإصلاح باعتبارها هيئة دعوية مدنية وبين حزب العدالة والتنمية باعتباره هيئة سياسية تشتغل في مجال الشأن العام، يعتبر خيارا استراتيجيا سنواصل انتهاجه في إطار من الشراكة الواضحة التي تحقق الالتقاء العام في خدمة المشروع الإصلاحي للمجتمع وتحترم مقتضيات الاستقلالية التامة بين الهيئتين.
كما نؤكد أن الحركة عازمة على الاستمرار في دعم هذا التوجه وهذه التجربة، ومن خلال ذلك تستمر في دعم خيار المشاركة، برغم كل الصعوبات والتحديات التي قد تعترضها، وذلك لقناعتنا الراسخة ان المشاركة هي مدخل أساسي لتقليل مخاطر اليأس والتيئيس واللامبالاة، ولدعم الاستقرار، وتقديم نموذج حي في الاندماج السياسي الإيجابي للحركة الإسلامية.
أيها الإخوة والأخوات
لقد واكبت حركتنا خلال هذه المرحلة عددا من التحولات النوعيةَ والأحداث الكبيرة التي عرفها محيطنا الوطني والإسلامي والدولي.
فعلى المستوى الوطني تركز أداء الحركة في التفاعل مع قضايا الهوية والقيم نظرا لما لوحظ من تنام في الجرأة على استهدافها لتحقيق اختراقات لتماسك المجتمع.
إن حركة التوحيد والإصلاح وهي تنخرط في هذا التدافع القيمي ، لا تحمل المسؤولية لطرف دون آخر، ولا تخرج نفسها من دائرة المسؤولية، وإنما تعتبر نفسها مدعوة مع الجميع إلى مضاعفة الجهود الدعوية والإصلاحية في إطار مقاربة متكاملة شمولية ومندمجة، إيجابية وبناءة، إصلاحية ومنفتحة.
لا تكتفي الحركة في كل ذلك بمجرد الاحتجاج وردود الفعل، بل عملت على إطلاق مبادرات في العمق ترمي من خلالها الإسهام في معالجة الأسباب العميقة لتلك الظواهر مثل حملات الأسرة وحملة حجابي عفتي. كما توجهت بنداءات مثل من أجل العفة والكرامة ومن أجل سمعة المغرب وكرامة المرأة المغربية، دعت فيها مختلف الفاعلين إلى الانخراط في التدافع السلمي من أجل وقف كل ما يستهدف ثوابتنا الوطنية والدينية وتماسكنا الاجتماعي وأمننا الروحي، مستنيرة بقول الله تعالى: (وَلَوْلاَ دفاعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة/ 251)
أيها الإخوة والأخوات
إن حركة التوحيد والإصلاح وهي تعتمد نهج سياسة التخصصات قد جعلت من الدعوة والتربية والتكوين وظائفها الأساسية، وعمدت الحركة في إطار التجديد والتطوير ومواكبة التحولات التي يعرفها المجتمع، إلى إعداد منظومة للتربية والتكوين تحت عنوان سبيل الفلاح. وتأتي هذه المنظومة لتترجم وعيا من الحركة بأن الاحتياجات والبرامج التربوية التي اعتمدت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي تحتاج إلى مراجعة وتطوير لتلبي حاجات القرن الواحد والعشرين. هذا القرن الذي يعرف استهدافا مباشرا لمنظومة القيم؛ بهدف إعادة صياغتها وفق نموذج العولمة الاستهلاكي المادي، وهو ما يستدعي أن تتوجه وظيفة التربية نحو المجتمع بأفراده ومؤسساته، لتغطية متطلبات الانفتاح من حاجيات تربوية وتكوينية، دون إهمال المعالجة الاستباقية لما يظهر أو يتوقع من اختلالات وآفات تربوية.
وبالموازاة مع هذا التطوير على المستوى التربوي أسست الحركة قسما متخصصا في الإنتاج العلمي والفكري والفني أطلق مبادرة مركزية تحت عنوان مبادرة السؤال شكلت الإطار والمحضن لانطلاق العديد من المبادرات الجهوية والمحلية في نفس الاتجاه، في سعي منها لحصر الإشكالات الفكرية الكبرى والقضايا ذات الأولوية، وعملا منها على الإسهام في إعادة الاعتبار للبعد الفكري في عمل الحركة الإسلامية بصفة عامة وفي عمل حركتنا بصفة خاصة، وبما يمكنها من إطلاق دينامية علمية وفكرية جديدة في هذا المجال.
كما أنها وبهدف تقوية دورها وقدرتها على الرصد لتحولات المحيط، وبهدف الإسهام في تنمية البحث العلمي حول مجالات اشتغالها، فقد اجتهدت الحركة في الاعتماد على التقارير التي يعدها المرصد العام للحركة وعلى الدراسات التي تصدرها مراكز الأبحاث من مثل تقرير الحالة الدينية الذي أصدره المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة . وهو ما جسد عمليا تحول الحركة الإسلامية إلى طرف منتج للمعرفة.
أيها الإخوة والأخوات
أما على مستوى تفاعل الحركة مع محيطها فقد تفاعلت بإيجابية مع مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني وعيا منها بأهميته القصوى، واعتبرته في حينه علامة إيجابية في مسيرة الإصلاح التي تمضي فيها البلاد، وذلك بما أعاده من اعتبار لدور العلماء ومؤسساتهم العلمية، واهتمام بالقيمين الدينيين والأئمة، وما بذل من جهد لرفع مستوى التأطير بالمساجد، والعناية بالتعليم العتيق، وكذا الاهتمام بالمغاربة المقيمين بالخارج .
ودعت الحركة إلى تعزيز ذلك كله بالحرص على التكامل والانسجام بين مختلف السياسات العمومية المتبعة في البلاد، وخاصة ذات العلاقة بمجال القيم والتوجيه والتأطير، مثل السياسات الإعلامية والثقافية والتعليمية والشبابية، والحد من التناقضات وما ينشأ بسببها من تضارب يضعف سياسة إصلاح الحقل الديني ويضر بمصداقيتها.
وفي نفس الإطار تؤكد الحركة دعوتها إلى تعميق خيار إشراك مختلف الفاعلين في الحقل الديني والانفتاح على الهيئات المدنية والسعي للتكامل والتعاون على غرار ما تشهده باقي المجالات الوطنية الأخرى.
أيها الإخوة والأخوات
إن حركتنا واعية تمام الوعي بما ينتظر بلدنا من تحديات واستحقاقات، ولذلك فإنها لا تدخر جهدا ولا تفوت أي فرصة تتاح للمساهمة في دعم جهود الحفاظ على الوحدة الترابية، بتأكيدها المستمر على المدخل الشرعي والبعد الفكري الذي ينبغي أن يضطلع به العلماء والمفكرون والدعاة في تكامل مع بقية المداخل والأدوار ضمن حالة من التعبئة الجماعية لدحض دواعي الانفصال وتفنيد مسوغات التجزئة والانقسام.
وتعتبر مشروع الحكم الذاتي الموسع إطارا متقدما لحل هذا النزاع المفتعل الذي يستنزف قدرات المنطقة، ويوفر الفرص لأعداء وحدتها من تيارات التنصير والتطبيع والتغريب وتجار الحروب للتدخل في المنطقة وابتزازها واختراق بنيتها ومكوناتها، وتدعو كافة أبناء المنطقة إلى دعم هذا الحل والاشتغال على ما يخدم ثقافة الوحدة وينمي قيمها وأخلاقها ضدا على قيم التقسيم والتجزئة مصداقا لقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) آل عمران .103 وبهذه المناسبة أصدرت الحركة المذكرة التي أعدها الدكتور أحمد الريسوني تحت عنوان مغربية الصحراء أسس شرعية وواقعية وقد عملت على توزيعها محليا ودوليا .
أيها الإخوة والأخوات
أما بخصوص قضايا امتنا فقد ظلت قضية فلسطين تحظى بالأولوية، وتابعت الحركة جميع التطورات والأحداث التي عرفتها القضية ،خاصة الحرب العدوانية على غزة، وما سبقها وتلاها من عقاب جماعي للشعب الفلسطيني، والحكم عليه بالتجويع والحصار، والقتل والاغتيالات والاجتياحات المتتالية،والتمادي في بناء الجدار والمستوطنات، بالإضافة لما تتعرض له مدينة القدس من تهويد مكثف، وتهجير لأهلها، وما يتعرض له الأقصى من استهداف يهدد بقاءه وما شهده العالم من تماد في الغطرسة الصهيونية بإحكام الحصار ومنع المساعدات والجريمة النكراء والقرصنة الأخيرة لسفن قافلة الحرية في المياه الدولية.
من أجل كل ذلك ساهمت الحركة في مختلف الفعاليات الوطنية والدولية ذات الصلة كان آخرها فعاليات العلماء وكسر الحصار عن غزة، كما أسست الحركة المبادرة المغربية للدعم والنصرة إطارا جامعا لأعضاء الحركة ومتعاطفيها في تفاعلهم مع قضايا الأمة وفلسطين على وجه الخصوص.
أيها الإخوة والأخوات
إن بشاعة جرائم العدو قد كشفت حقيقته أمام العالم كله كما فضحت دعاة التطبيع في بلادنا الذين استقبلوا الصهاينة وصافحوهم وجالسوهم دون حياء ولا خجل قبل أن تجف دماء غزة، في الوقت الذي لا يستطيعون فيه السفر إلى كثير من الدول الأوروبية خشية الاعتقال والمحاكمة. كما فضحت أولئك الذين يهرولون لزيارة الكيان الصهيوني رغبة في الاستقواء به ضدا على بلادهم، وهاهي الأحداث تتوالى لتدينهم مرة بعد أخرى وتكشف تهافت أطروحاتهم لعلهم يعودون عن غيهم وينسجمون مع مجتمعاتهم وأمتهم وأحرار العالم في كل مكان.
أيها الإخوة والأخوات
أما على المستوى الدولي فقد سجلت الحركة باستغراب تنامي ظاهرة الاسلامفوبيا في الدول الغربية في تعارض مع كل معاني التعايش والاندماج والحرية التي طالما تباهى بها الغرب وفاخر بها غيره من الأمم فإذا به يضيق بسترة رأس تحرم بسببها الفتيات من حقهن في التعليم، ولا يتسع فضاؤه المعماري لمئذنة رمزية يرى فيها تعبيرا عن حضارة أخرى، بل يمتد إلى محاولة النيل من كتاب الله وشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد اعتبرت الحركة كل ذلك مؤشرا على نفاذ الرصيد الحضاري للغرب وبداية أفول الانبهار بقيمه، وهو ما يدعو الحركات الإسلامية والمعتدلين من عقلاء العالم وحكمائه إلى اعتماد مقاربة تتجاوز الاحتجاج وتتبنى الإسهام في ترشيد الحضارة الإنسانية وتحريرها من أطروحات صراع الحضارات ونهاية التاريخ، اقتناعا منها بان الحضارات لا تتصارع بل تتفاعل وتتلاقح وتتعارف مصداقا لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (الحجرات/ 13).
إن الوعي بهذه التطورات والتحولات هو الذي جعل الحركة ترفع من درجة حضورها إسلاميا ودوليا بتفعيل مشاركاتها في منتديات ومبادرات دولية نوعية كالإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومؤسسة النصرة، ومنتدى الوسطية لغرب إفريقيا، إلى جانب تكثيف عملها التواصلي مع حركات إسلامية في أقطار عربية وإسلامية شقيقة، والانتباه إلى مسؤولياتها إزاء المسلمين في الغرب ، في ضوء تزايد الطلب على منهج الحركة في التأطير الديني للمواطنين المغاربة بالخارج.
أيها الحضور الكريم
إننا إذ نسترجع ما واكبناه من تحولات ونستحضر بعضا مما عاشته أمتنا وبلادنا من أحداث وتحديات أسهمت حركة التوحيد والإصلاح إلى جانب كافة الفاعلين في مجال الإصلاح في الاستجابة لمتطلباتها، نعتقد أننا في المرحلة القادمة سنكون إزاء تحديات جديدة سيكون لها أثر كبير في تحديد مستقبل بلادنا وآفاق دورها الحضاري على مستوى الأمة والإنسانية. إن هذه التحديات الجديدة التي تؤطرها في نظرنا خمس مفردات كبرى هي الهوية والوحدة والأمن والنهضة والإشعاع، تستدعي منا جميعا الارتقاء إلى طور جديد من تحمل المسؤولية وبذل مزيد من الجهود وتطوير التعاون بين كافة الفاعلين في الدولة والمجتمع.
إن التطلع لبناء المستقبل المشرق لوطننا لا يمكنه أن يتحقق دون تقوية الهوية المغربية وحمايتها من الذوبان والتشويه. وإن من مهامنا المستعجلة الاشتغال الدؤوب على ما يحفظ هوية المغرب وأساسها الإسلام الذي أعطى زخما لمكونات مجتمعنا الثقافية والحضارية العربية والأمازيغية، ومكن بلادنا من الانفتاح والتفاعل مع محيطها الإفريقي والأوروبي والعالمي دون عقدة نقص أو استيلاب أو تبعية. كل ذلك في مرحلة اشتد فيها التدافع حول مستقبل نظام الهوية والقيم بالمغرب
إننا نعتبر أن المرحلة القادمة مرحلة تدافع عالمي حول مستقبل القيم الإنسانية وأن دورنا كحركة قيم أن نكون حاضرين مؤثرين في هذا التدافع لا أن نبقى متأثرين منفعلين بآثاره بعد أن تطرُق باب بلادنا، وهي مسؤولية يزيد من درجتها نزوع البعض للاستقواء بالخارج والاحتماء به لفرض نموذج قيمي غريب عن تاريخنا وقيمنا وما يقتضيه ذلك من دفاع عن حرية اختياراتنا وسيادة بلدنا في مواجهة الابتزاز الأجنبي.
إننا في حركة التوحيد والإصلاح نرى أن الحركة الإسلامية في المرحلة المقبلة مدعوة إلى الإسهام بفعالية في جهود تعزيز التدين وترشيده وتعميقه من جهة وإلى رفع فعاليتها في تعزيز سمو المرجعية الإسلامية وتدافع القيم من جهة ثانية، باعتبارهما ركنين مترابطين في تعزيز الهوية المغربية وصيانتها.
أما صيانة وحدة بلدنا تجاه كل ما يواجهها من استهداف سياسي وثقافي وخارجي فيعد المسؤولية الكبرى لكافة الوطنيين الغيورين ومن بينهم الحركة الإسلامية ، حيث نجد أنفسنا اليوم في مواجهة تهديدات التفكيك الثقافي والتقسيم الجغرافي والتفتيت القيمي والتدخل الخارجي، وذلك أمام تراجع أداء المشتغلين لبناء قيم وأخلاق وثقافة الوحدة، والتي بدونها لا يمكن للهوية المغربية أن تصمد أمام تحديات المستقبل. وإننا في حركة التوحيد والإصلاح نعتبر مواصلة انخراطنا في معركة الوحدة ورفع درجة المسؤولية للعمل على صيانتها ومواجهة كل استهداف لها أمرا يمليه الواجب الشرعي والوطني
أما الأفق الثالث للتحديات فهو استشعار المسؤولية إزاء ما يستهدف استقرار وأمن بلادنا، والتي نعتبرها نعمة لا ينبغي السماح بالتفريط فيها أو العبث بها، وهي مسؤولية جماعية يعمل كل من موقعه على الإسهام في صيانتها وحمايتها. ونعتبر أن الوعي بتعدد أسباب تنامي مخاطر استهداف أمن بلدنا واستقراره من غلو ديني وتطرف إباحي يفرض إعادة الاعتبار للمقاربة التربوية والثقافية في محاصرة الجذور المنتجة والمغذية لهذا الخطر.
إننا في الحركة نعتبر هوية المغرب ووحدته واستقراره الأعمدة الثلاثة لانطلاق نهضته واستعادة إشعاعه، وهي نهضة ننظر لها بشمولية حيث يندمج فيها ما هو اقتصادي وتكنولوجي بما هو اجتماعي وتنموي، وما هو سياسي وديموقراطي بما هو ثقافي وفني، إنها نهضة حضارية شاملة تضمن للمغرب مكانا بين الأمم وإشعاعا بين الشعوب وذلك في مرحلة عولمة متوحشة، وهي نهضة تحقق للإنسان المغربي كرامته وتضمن له حريته وتمكنه من الإسهام في تنمية وطنه والنهوض بإنسانية الحضارة البشرية، في انسجام مع مرجعيته الإسلامية وانفتاح على العالم. تحت شعار: الاستقامة والإصلاح، نهضة وفلاح
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم لما فيه خير شعبنا ووطننا وأمتنا، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله الرب العالمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.