في ذكرى الرحيل الثلاثين.. فعاليات أمازيغية تستحضر مسار قاضي قدور        هيئة تستنكر تعنيف وقفة في أكادير‬    موسكو تعزز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع المغرب    القمة العربية الإسلامية الطارئة تجدد التضامن مع الدوحة وإدانة الاعتداء الإسرائيلي على سيادة قطر    وزيرة المالية تدعو لتعاون دولي لمكافحة الهجمات السيبرانية        أمن أولاد تايمة يحجز أزيد من 60 مليون سنتيم ومواد تستعمل في أعمال الشعوذة    القمة العربية: العدوان الإسرائيلي على قطر يقوض فرص السلام في المنطقة    المغرب يستضيف كأس العرب لكرة القدم النسوية في شتنبر 2027    النقابة الوطنية للتعليم العالي ترفع سقف التصعيد ضد مشروع قانون 59.24    طالبت بإطلاق سراح المعتقلين المرتبطين بالحراك الاجتماعي .. الكتابة الإقليمية بالحسيمة تحمل المسؤولين والقطاعات الوصية تبعات ونتائج ما آل إليه الإقليم من فوضى واحتقان وتراجع تنموي    بالفيديو.. وزير الصحة يتكفل ب"رضيعة أكادير" ويقرر نقلها إلى مراكش    المنتخب المغربي لكرة الطائرة ينهزم أمام نظيره الكيني    ولاية أمن أكادير تفتح بحثا لكشف ظروف وملابسات انتحار ضابط شرطة ممتاز بواسطة سلاحه الوظيفي    المغاربة يواصلون تصدر الجاليات الطلابية الأجنبية في فرنسا بنحو 42 ألف طالب    المغاربة على رأس قائمة الجاليات الطلابية في فرنسا    بوصوف يكتب.. رسالة ملكية لإحياء خمسة عشر قرنًا من الهدي    نتنياهو يهدد باستهداف قادة حماس "أينما كانوا" بالموازاة مع استضافة قطر القمة العربية الإسلامية    إسبانيا تدعو إلى منع إسرائيل من المشاركة في المسابقات الدولية "طالما الهمجية مستمرة" في غزة    القيمة السوقية لشركة "ألفابت" تصل إلى 3 تريليونات دولار لأول مرة    مونديال طوكيو… البقالي على موعد مع الذهب في مواجهة شرسة أمام حامل الرقم القياسي        تداولات بورصة البيضاء تنتهي بخسارة    الملك محمد السادس يدعو لإحياء ذكرى 15 قرناً على ميلاد الرسول بأنشطة علمية وروحية    منظمة الصحة العالمية تتجه لدعم تناول أدوية إنقاص الوزن لعلاج السمنة    أمير قطر: إسرائيل تتفاوض وتغتال    من 10 إلى 33 درهما.. تفاصيل الزيادة في رسوم التحويلات البنكية    غياب أكرد عن مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    جلالة الملك يهنئ السلفادور بمناسبة عيدها الوطني    مصرع شخصين إثر تحطم طائرة صغيرة غرب ألمانيا    العرائش.. العثور على جثة شخص بغابة الأوسطال في ظروف غامضة    «أصابع الاتهام» اتجهت في البداية ل «البنج» وتجاوزته إلى «مسبّبات» أخرى … الرأي العام المحلي والوطني ينتظر الإعلان عن نتائج التحقيق لتحديد أسباب ارتفاع الوفيات بالمستشفى الجهوي لأكادير    الحُسيمة.. أو الخُزَامىَ مَدِينَة العِطْر حيثُ تآخَت الشّهَامَةُ والتّارِيخَ    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين        رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    طنجة تستعد لتنظيم مهرجانها السينمائي الدولي في نسخته 14    الملك محمد السادس يدعو إلى برمجة أنشطة علمية للتذكير بالسيرة النبوية        الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    "الأصلانية" منهج جديد يقارب حياة الإنسان الأمازيغي بالجنوب الشرقي للمغرب    البطولة الاحترافية لكرة القدم.. بداية قوية للكبار وندية من الصاعدين في أول اختبار    الرقم الاستدلالي للإنتاج الصناعي والطاقي والمعدني خلال الفصل الثاني من 2025.. النقاط الرئيسية    السفينة المغربية "علاء الدين" تنطلق مع أسطول الصمود نحو ساحل غزة    فيلم "مورا يشكاد" يتوج بمدينة وزان    المصادقة بتطوان على بناء محجز جماعي للكلاب والحيوانات الضالة    النقابة الوطنية للتعليم العالي ترفض مشروع قانون 59.24 وتلوّح بإضراب إنذاري    أبرز الفائزين في جوائز "إيمي" بنسختها السابعة والسبعين    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟    مهنيو نقل البضائع يتهمون الحكومة ب"التخلي" عن القطاع وتجميد الحوار    طريق الناظور-تاوريرت بحلة جديدة.. مشروع استراتيجي يمهد الطريق لميناء الناظور غرب المتوسط            المهرجان الدولي لسينما الجبل بأوزود يحتفي بالاعلامي علي حسن    كوريا تؤكد أول حالة إصابة بأنفلونزا الطيور شديدة العدوى هذا العام    بعقْلية الكسل كل أيامنا عُطل !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مانديلا ونفاق الغرب
نشر في هسبريس يوم 02 - 01 - 2014

يا سبحان الله، فجأة أصبح نيلسون مانديلا رمزا للكفاح والنضال ومقاومة الميز العنصري، وأصبحت كل دول العالم برؤسائها وإعلامها وساستها ومواطنيها تشيد بخصاله وتتلهف على أخباره، وأصبحت صوره تتصدر أغلفة المجلات العالمية.
يا سبحان الله، ألم يكن مانديلا بالنسبة لكم إرهابيا، كارها للبيض، عدوا للديمقراطية، غير متحضر، عدوا للطبيعة البشرية التي بنظرهم تجعل من وظيفة الأفارقة السود فقط خدمة أسيادهم البيض، وأن من حق الإنسان الأوربي أن يحتل ويعذب ويغتصب ويسجن أينما حل وارتحل...
يا سبحان الله، فالكونغرس الأمريكي لم يسقط تهمة الإرهاب عن مانديلا إلا في يونيو 2006 ، وفي منتصف الثمانينات من القرن الماضي قال عضو البرلمان البريطاني تيدي تيلور، "إن مانديلا يجب أن يقتل"، كما وصف حينها عضو البرلمان البريطاني تيري ديكس الزعيم الجنوب أفريقي حينها ب"الإرهابي الأسود"، وكان الكل يتهرب من اللقاء به أو حتى التسليم عليه أو الإشارة إلى أن له علاقة به. بل حتى بشار الأسد الذي يقتل شعبه ويدمر حضارة عمرت لآلاف السنين ينعي مانديلا قائلا "إن حياة مانديلا كانت مصدر إلهام للمقاتلين من أجل الحرية ودرسا للطغاة "، فهل هناك طغاة أشد غطرسة منه.
حتى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نعى مانديلا قائلا: "إن مانديلا كان مصدر الهام للعالم وعلينا أن نستلهم من حكمته وتصميمه والتزامه لنسعى إلى جعل العالم أفضل"، مع العلم أن الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا تجاه قضايا الميز العنصري في أفريقيا الجنوبية.
لم يكن هدف مانديلا سوى تحرير شعبه من نظام أقل ما يقال عنه أنه مخزي، وأنه عار على البشرية. نظام حول الأفارقة السود أبناء البلد إلى خدم له ، وحول ثرواته إلى ممتلكات لهم، إنه نظام الأبارتيد، أو الفصل العنصري الذي حكمت به الأقلية البيضاء جنوب أفريقيا منذ سنة 1948 حتى سنة 1990.
لقد كان نظام الفصل العنصري يجعل من الأفارقة السود أدنى درجة من باقي مكونات المجتمع الأفريقي بما فيهم البيض والملونين والأسيويين، وكان يحرم عليهم استعمال نفس الخدمات المتاحة للجميع باستثنائهم من نقل عمومي وصحة وتعليم، بل يحظر عليهم التواجد بمناطق معينة أو المرور ليلا بدون تراخيص، كل ذلك كان يتم بمباركة حكومية غربية خاصة من بريطانيا وهولندا وفرنسا وإسرائيل، وكذا الولايات المتحدة الأمريكية
بل إن إلقاء القبض على مانديلا وإيداعه سجن روبن آيلاند أو جزيرة آيلاند لأزيد من 27 سنة، كان بدعم من المخابرات الأمريكية
لم يكتف عملاء سي آي إي بدعم نظام الابارتيد العنصري بل قاموا بتقديم سموم لاستخدامها ضد الأفارقة مثل تلويث قمصان قبل توزيعها على المتظاهرين بسموم (مثل حمض البروسيك القاتل بتسببه بأزمة قلبية) تجعلهم يسقطون أرضا بانقباضات معوية مؤلمة فضلا عن وسائل أخرى وحشية في التعامل معهم.
رحل مانديلا وقد خلف وراءه إرثا إنسانيا كبيرا، يضعه في مصاف زعماء القرن العشرين ممن ناضلوا للدفاع عن أسمى القيم والمبادئ الإنسانية كالحرية والمساواة، ومسيرته ستبقى لتشهد على كفاح طويل قدم أسمى الخصال الإنسانية بعيدا عن الأحقاد إذ اعتمد مانديلا على المصارحة والمصالحة لتوحيد شعبه. لم يعامل مانديلا من سجنوه وعذبوه وقهروا أبناء شعبه بنفس المعاملة التي يستحقونها، بل ذهب بنفسه لمصالحتهم، وغفران ما ارتكبوه في حقه من قهر وظلم وتعذيب.
أعطى لسجانيه ومن في شاكلتهم وحتى الغرب المنافق دروسا في قمة التسامح والعفو، فلم يعاملهم بمثل معاملتهم له، بل كان أحسن وأفضل وأقوى منهم، لقد جعلهم يخجلون من أنفسهم.
إنه مانديلا الذي رفض الانتقام من النظام السابق وحث شعبه على الغفران والعفو، لأنه أراد بناء بلد يقوم على الاتحاد وليس على الفرقة، بلد يقوم على قيم التسامح والقبول بالآخر وليس على التمييز والانتقام. وهو القائل، "لطالما حلمت بمجتمع حر وديمقراطي يعيش فيه كل الناس في تناغم ويحصلون على فرص متساوية". "إنه حلم أتمنى أن أعيش لأراه يتحقق. إنه أيضا حلم أنا مستعد من للموت في سبيله"، يضيف مانديلا.
لقد شكل مانديلا عبر مسيرته النضالية، وعبر السنوات القليلة لحكمه مثالا يحتدى به في كل شئ. فهنيئا للقارة الأفريقية بزعيم أبان أن الأخلاق تسمو على السياسة، وأن نكران الذات يغلب على المصلحة والأنانية .
لقد انفضت حفلة النفاق من حول موت زعيم أظهر بصموده عندما كان حيا الوجه الحقيقي لنظام غير طبيعي، وأظهر بموته زيف أنظمة تتخذ من حقوق الإنسان والعدالة والأمن والسلم سلعة ترتزق من ورائها، واسقط عنها أقنعة النفاق ودموع التماسيح، وأزال المساحيق عن وجوهم.
* أستاذ التعليم العالي - كلية الحقوق بمراكش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.