تركزت محاور المؤتمر الدولي الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بقطر، في موضوع "العرب والولاياتالمتحدة الأميركية: المصالح والمخاوف والاهتمامات في بيئة متغيرة"، وانتهت فعالياته الأسبوع الجاري، حول الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة وسياقاتها، والصورة النمطية المتبادلة بين الجانبين، ومواقف الولاياتالمتحدة من الثورات العربية والتحولات التي أفرزتها. وتطرقت مداخلة الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مراكش، شارك بها في المؤتمر الذي شهد حضور خمسين باحثا وخبيرا عربيا وأمريكيا، إلى موضوع "الأبعاد الإستراتيجية للعلاقات المغربية – الأمريكية"، مذكرا بتاريخ هذه العلاقات التي تمتد إلى عدة قرون، ذلك أن المغرب كان أول دولة تعترف باستقلال الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتربطه بها علاقات صداقة منذ عام 1786. وأشار إلى أن الموقع الاستراتيجي للمغرب جعله تاريخيا منفتحا على محيطه الإقليمي والدولي تجاريا وحضاريا، وبأن تعزيز العلاقات مع الولاياتالمتحدة هو أمر حيوي من الناحية الواقعية، بالنظر لأهمية الولايات كفاعل رئيسي في العلاقات الدولية. وأفاد لكريني بأن هذه العلاقات شهدت تطورا كبيرا منذ منتصف القرن الماضي، حيث سارعت الولاياتالمتحدة إلى دعم استقلال المغرب، واعتبرته ضمن لائحة الدول الصديقة في أجواء الحرب الباردة. "وخلال العقدين الأخيرين، شهدت العلاقات بين الجانبين تحولا كبيرا حيث تجاوزت المجال السياسي والأمني لتتخذ طابعا شموليا، توّج أخيرا بانطلاق الحوار الاستراتيجي بين الجانبين" يورد مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات. وعلى المستوى السياسي، يكمل الباحث، تمت بلورة تصورات ومواقف على قدر من التناغم والتوافق إزاء قضايا إقليمية ودولية مختلفة، وعلى المستوى الاقتصادي تطورت المعاملات بين الجانبين بعد التوقيع على اتفاقية التبادل الحر بين البلدين عام 2006. وبخصوص التعاون الأمني وبحكم الموقع الاستراتيجي للمغرب، فقد عرف تطورا كبيرا عكسه حجم التنسيق والتعاون في هذا المجال، وبخاصة بعد تمركز قاعدة المغرب الإسلامي بالمنطقة في أعقاب أحداث 11 شتنبر، وتنامي المخاطر في منطقة الساحل، وهو ما تمخض عنه إعلان الولاياتالمتحدة المغرب حليفا إستراتيجيا خارج حلف الناتو في عام 2004. وتابعت مداخلة الباحث "تعزز هذا التعاون الذي منح للعلاقات نفسا جديدا مع تداعيات تسرب السلاح الليبي في أعقاب سقوط نظام القذافي، واندلاع الأزمة في مالي، وعودة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للواجهة بعد فترة كمون". وأردف لكريني أنه في الوقت الذي يسعى المغرب من وراء تعزيز هذه العلاقات إلى تنويع الشركاء الاقتصاديين وتجاوز الاحتكار الأوربي في هذا الصدد، وضمان الدعم الأمريكي والأممي لمقترح المغرب فيما يتعلق بمشروع الحكم الذاتي في الصحراء، وتعزيز علاقاته مع القوى الدولية الكبرى بما يسمح للمغرب بلعب دور إقليمي وازن. وأوضح بأن الطرف الأمريكي يسعى من وراء ذلك إلى الولوج إلى سوق مغربية تغري بإمكانياتها وفرصها الاقتصادية الواعدة، وتعزيز الأمن في منطقة إستراتيجية، والاعتماد على الدور المغربي في ترسيخ الاستقرار بالمنطقة، بما يدعم مواجهة تحديات مشتركة كبرى في علاقة ذلك بمحاصرة "الإرهاب" والهجرة السرية والتهريب.. وخلص لكريني في مداخلته إلى أن تعزيز العلاقات مع الولاياتالمتحدة والاستفادة من إمكانياتها في خدمة عدد من القضايا الداخلية والإقليمية، مرتبط بمدى استيعاب مقومات اتخاذ القرار الأمريكي ومختلف الفعاليات المتحكمة فيه، علاوة على استحضار عنصر المصلحة ضمن أي تحرك في هذا الصدد. ولفت المحاضر إلى أن بناء الاتحاد المغاربي يظل خيارا حيويا على طريق بلورة علاقات مغاربية أوروبية وأمريكية ندّية متوازنة قادرة على تحقيق مصالح استراتيجية لدول المنطقة برمتها بعيدا عن العلاقات الثنائية التي ، رغم أهميته، تظلّ غير كافية.