الوزير الاول المالي: المغرب بلد صديق كتعتمد عليه مالي لمواصلة إعادة البناء    فضيحة تأمينية في مليلية.. مواطنون يقودون سياراتهم بوثائق تأمين مزورة    إدارة نهضة بركان ل"العمق": اجتماع جديد مع الكاف.. والقميص بالخريطة أو العودة للوطن    المغربية عزيزة العمراني دات لقب الدورة ال 38 لماراطون الرمال    حمد الله يخرج عن صمته ويوجه لومه للناخب الوطني    بمشاركة عدد من الدول.. افتتاح مهرجان فاس للثقافة الصوفية وسط حضور إفريقي كبير    تازة .. موظف شرطة يضطر لاستعمال سلاحه الوظيفي لتوقيف شخص خطير    مجموعة قاصرين تنفذ عملية اقتحام إلى سبتة المحتلة سباحة    حزب الاستقلال بتطوان يعقد مؤتمره الإقليمي استعدادا للمؤتمر الوطني ال18    مصر ترد على البوليساريو والجزائر من بوابة الصحراء    نقابات الصحة تشل حركة المستشفيات من جديد    أيام التراث بطنجة تحتفي بدور المرأة في صيانة الموروث المغربي    قمة مشتعلة بين "الكوديم" المتصدر والاتحاد الإسلامي الوصيف    وست هام يحدد سعر التخلي عن المغربي نايف أكرد    المركز الجهوي يتطلع لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لجهة شمال    مهنيون يتوقعون ارتفاع أسعار المواشي قبل عيد الأضحى    وزير خارجية ايران: هجوم اسرائيل لعبة اطفال ولن نرد عليه لان مصالحنا لم تتضرّر    المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة يتأهل لنهائي كأس أمم إفريقيا ولنهائيات كأس العالم    كازا عندها مهرجان دولي للسينما المستقلة. ها رئيس لجنة التحكيم وها علاش كيراهن    بمناسبة اليوم العالمي للإبداع والابتكار: الإيسيسكو تدعو إلى تعزيز القدرات الابتكارية للشباب والنساء    اليونسكو ضيف شرف الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    المصرية إلهام شاهين تخرج بتصريحات تغضب المغاربة    الصحراء بعيون البيت الأبيض وتقارير المؤسسات الأمريكية!    صناعة السيارات.. قصة نجاح مغربية ب 700 ألف مركبة سنويا    قطاع غزة يسجل 37 قتيلا خلال 24 ساعة    الأرصاد الجوية تحذر من الرياح والأمطار وتراجع درجات الحرارة‬ في المغرب    توقيف 7 أشخاص بتهمة النصب والاحتيال وانتحال صفات في تازة    ضربات الشمس تتسبب في وفاة وعشرات الإصابات بالمسكيك    تفاصيل تغيير مفاجئ في برنامج المنتخب المغربي قبل تصفيات المونديال    أمريكا تفرض عقوبات على أحد المقربين من وزير إسرائيلي وكيانين جمعا أموالا لمستوطنين "متطرفين"    بمشاركة قرابة ألف شخص.. "أسطول الحرية" يستعد للإبحار نحو غزة    أسود الفوتسال: هدفنا الاول بالتأهل للمونديال حققناه ودابا مركزين على فينال كوب دافريك    مياه الفلتر المنزلي ومياه الصنبور، أيهما أفضل؟    قريبا.. تعيين 600 معلم جديد لتدريس الأمازيغية في المدارس المغربية خلال الموسم الدراسي القادم    شاب يسكب البنزين على نفسه أمام منزل حبيبته بعد رفضها الزواج به ونقله إلى المستشفى    المهندسون يهددون بالهجرة إلى خارج المغرب بعد تجاهل مطالبهم    شخص يضرم النار في نفسه أمام المحكمة التي يمثل أمامها ترامب بنيويورك    جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنساني    دراسات لإنجاز "كورنيش" بشاطئ سواني    ندوة تلامس السياق في الكتابات الصوفية    هشام العلوي: استفحال اقتصاد الريع في المغرب ناتج عن هشاشة سيادة القانون والنظام يخشى الإصلاح الاقتصادي الجوهري (فيديو)    إعلام عبري.. نتنياهو صرخ في وجه وزيرة خارجية ألمانيا: نحن لسنا مثل النازيين الذين أنتجوا صورًا مزيفة لواقع مصطنع    المغرب يسعى لاستقطاب مليون سائح أمريكي سنويا    نقابة: نسبة إضراب موظفي كتابة الضبط في دائرة آسفي فاقت 89% رغم تعرضهم للتهديدات    الجدارمية د گرسيف حجزوا 800 قرعة ديال الشراب فدار گراب بمنطقة حرشة غراس    صلاح السعدني .. رحيل "عمدة الفن المصري"    وزير الفلاحة المالي يشيد بتقدم المغرب في تدبير المياه والسدود    الأمثال العامية بتطوان... (577)    تسجيل حالة وفاة و11 إصابات جديدة بفيروس كورونا خلال الأسبوع الماضي    مؤشر ثقة الأسر المغربية في وضعها المالي يتحسن.. وآراء متشائمة في القدرة على الادخار    ارتفاع كبير في أسعار النفط والذهب عقب الهجوم على إيران    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفزازي ل"هسبريس": العدالة والتنمية أفضل حزب في المغرب المعاصر
نشر في هسبريس يوم 12 - 12 - 2011


الفزازي: * بنكيران إنسان عاطفي بامتياز
* الفشل يعني كارثة على البلاد والعباد
*الشعب بالمرصاد، والملك بالمرصاد.
* يكفي من ثقافة الجنس الرخيص
* صعود الإسلاميين إفلاس شامل لبرامج العلمانيين
أثنى الشيخ محمد الفزازي، أحد أبرز رموز ما اصطُلح عليه إعلاميا وأمنيا بالسلفية الجهادية بالمغرب، على حزب العدالة والتنمية، حيث اعتبره أفضل حزب عرفه المغرب المعاصر منذ الاستقلال، سواء من حيث مرجعيته أو انضباطه، أو أطره وتواضع قياداته، واعتدال خطابه، وأيضا صبره على الأذى السياسي الذي طاله غير ما مرة.
وقال الفزازي، في حوار خص به هسبريس، إن بنكيران شخصية إسلامية، ورجل عاطفي بامتياز، كما أنه استطاع أن يكسب ثقة الناس بفضل مخاطبته للشعب بلغة يفهمها هذا الشعب ويتفاعل معها، زيادة على كونه "صريح وواضح وواقعي..".
وشدد الفزازي على أنه لا أحد يقبل بوجود حكومتين، الأولى هي الحكومة التي يقودها إسلاميو حزب "المصباح"، والثانية في الظل تحكم من وراء الستار، مشيرا إلى أنه لا أحد يقبل بهذا، وبالذات الملك؛ فإن حصل هذا جدلا، فلا شك أن بنكيران سيضع المفاتيح، وفي ذلك فتح أبواب البلاد على المجهول، على حد تعبير الداعية السلفي.
ولفت المُحاوَر إلى أن صعود الإسلاميين في أكثر من بلد عربي وإسلامي يعني بالنسبة له، من الناحية السياسية، كونه مؤشر على إفلاس شامل لبرامج العلمانيين، حيث لم يجْن الناس منهم سوى "التلطخ بأوحال الإباحية، والانحلال الخلقي"، أما شرعا فيعني ذلك الصعود إرجاع الأمور إلى نصابها، لأنه من "غير المقبول أن يتحكم علماني في بلد مسلم"، بحسب قول الفزازي.
نص الحوار:
هسبريس: الشيخ محمد الفزازي..هناك أحداث ومياه كثيرة جرت تحت الجسر كما يقال..ونريد في هسبريس إشراك القراء في الاطلاع على آرائك وتحليلاتك حولها..لنبدأ بقيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة ...ما الذي يعني لك قيادة حزب ذي مرجعية إسلامية للحكومة المقبلة..؟ هل هي حكومة ملتحية بحق؟
الشيخ محمد الفزازي: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه.
حزب العدالة والتنمية -- في تقديري -- أفضل حزب عرفه المغرب المعاصر منذ الاستقلال، سواء من حيث المرجعية التي هي مرجعية الشعب المغربي قاطبة، أم من حيث الانضباط لسياسة الحزب الداخلية، أم من حيث الأطر والكوادر العلمية العالية - كمَا وكيْفا -، أم من حيث الصبر على ما تعرض له من تشويه ممنهج، لا سيما بعدما أُلصقت به تهمة المسؤولية المعنوية لتفجيرات الدار البيضاء الإرهابية – ظلما وعدوانا -، زد على ذلك قوة التنظيم ونظافة اليد وتواضع القيادات وديناميات الحركة، والاعتدال في الخطاب والتغلغل الإيجابي في عمق الشرائح الاجتماعية والشعبية...، دون إنكار بعض حالات الضعف لدى الحزب، مثل ضعف تواصله مع أهل البوادي والصحراء، وهو ما يُستدرك في هذه الأيام. وللأمانة، فإن أحزابا أخرى لها نصيبها من هذه المزايا... لكن يبقى حزب العدالة والتنمية "رأس السوق"، كما نقول...
وما تعنيه قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة المقبلة بالنسبة إلي أمور كثيرة: أولها، أن الحزب ربان سفينة التغيير؛ والتغيير هذه المرة أمر جدي، لاعتبارات متعددة، أهمها أنه يمثل الاستجابة للربيع العربي بأقل الخسائر، أي تغير حتمي مع الحفاظ على النظام والاستقرار؛ و"العدالة والتنمية" خير من يقوم بهذه المهمة الصعبة.
ومن أجل النظام والاستقرار باتت ضرورة التعاون مع الحكومة «الإسلامية » أو "الملتحية" كما تفضلت، أمرا لا مفر منه حتى من طرف ألد خصوم الحزب؛ فالفشل لا قدر الله سيكون كارثة على البلاد والعباد، وسيكون بمثابة الكأس الذي ينكسر، فلا ينجبر؟
وتعني هذه القيادة أيضا نوعا من محاصرة الشرور على اختلاف أنواعها، تلك التي ما فتئت تستنزف قيمنا وأخلاقنا وأموالنا وثرواتنا...، وتعني محاصرة المفسدين الذين سيجدون أنفسهم هذه المرة أمام خيارين قاسيين أحلاهما مر: إما الفرار والرحيل، وإما الحساب والعقاب.
وتعني هذه القيادة إعطاء الأكسجين الضروري للجسد المغربي المغبون في الكرامة والعدل والحرية والمساواة والشغل والصحة والسكن والتعليم... كي يتعافى..
وتعني أيضا إعطاء الأمل والجد في العمل...وتعني استرجاع الثقة المفقودة في الدولة، أو قل في الحكومة على أقل تقدير...
وتعني بالنسبة لي عودة شيء من المصداقية إلى العملية السياسية برمتها... وأتصور الآن أن العمليات الانتخابية والاستفتاءات ستعرف تحسنا غير مسبوق، وتصالحا منقطع النظير مع صناديق الاقتراع.
وتعني أننا سنرى لأول مرة رئيس حكومة يشبه رؤساء الحكومات في البلاد الديمقراطية في تصرفاته وخضوعه للمساءلة والمحاسبة... ووزراء يشبهون الوزراء في دول سبقتنا على طريق الحرية.
وصول "الملتحين" كما تقول إلى الحكم، يعني تقهقر العلمانيين والليبراليين و"الحداثيين"، ومن على شاكلتهم، ورفع الراية البيضاء أمام نور المصباح، وإعلان الإفلاس على رؤوس الناس.
إنه فشل كل الأطروحات السياسية والاجتماعية والتعليمية والإعلامية والخلقية وغيرها..، تلك التي كانت تستنكف عن الاغتراف من تراث الأمة الغني بكل معاني العلم والفقه والحكمة...، وتزدري كنوز الكتاب والسُّنة الوحيين الذين لا يزيغ عنهما إلا هالك..وتعني لي حكومة "الملتحين" وإن كنت لا أرى لحى بمعنى اللحى إلا قليلا أمورا كثيرة أخرى، يطول الكلام في بسطها.
لكن..بم ترد على من يقول إن العدالة والتنمية لا يملك من الأمر شيئا، وقد لا يغير من واقع المغاربة الشيء الكثير، باعتبار أن جل السلطات ما تزال مركزة بيد الملك؟
الشيخ الفزازي: مهمة "العدالة والتنمية" لن تكون سهلة، فأمامها من الألغام والحفر والعقبات... ما لا يستطيع الحزب بمفرده التغلب عليه، لهذا بات ملزما على كل السياسيين والنخب والمفكرين والعلماء والجمعويين والإعلاميين والحقوقيين... أن يساهموا جميعا كل من موقعه في تذليل العقبات وإزالة الألغام وملء الحفر... فهي مسألة حياة أو موت، وليست مسألة نجاح حزب أو فشله. ومن يسعى إلى إفشال الحزب الإسلامي إنما يسعى إلى فتنة قد تندلع لا سمح الله، فتنة لا تبقي ولا تذر. فلا خيار آخر لحزب المصباح إلا الفلاح، وليس ثمة بديل إلا الدخول في المجهول.
الملك، وإن كان لا يزال يحتفظ ببعض السلطات احتفاظا ضروريا – ربما – لا يمثل بالنسبة لي أي عائق في طريق الحرية والكرامة والديمقراطية... فوزارة الأوقاف والدفاع ربما يُستحسن أن تبقيا في يد الملك لاعتبارات تاريخية ودينية...، وبالنسبة للوزارت الأخرى ولا سيما العدل والداخلية والخارجية لا بد أن تسقط عنها صفة السيادة... أو نقول: كل الوزارات لها أهميتها، وكلها يجب أن تكون ذات سيادة...
ولعلي لا أغالي إذا قلت إن الملك يقود سفينة التغيير ولا يعيقها. ولم يعد الأمر كما كان، اليوم لا مجال لإبقاء الوضع على ما كان عليه...حكومة منتخبة، وإن خالط "الملتحين" "حالقون"، دستور جديد متقدم على الرغم من عيوب تشوبه من زاوية نظري المتواضعة، تنازل الملك عن سلط كثيرة كانت من قبل غير مطروحة للنقاش أصلا، نجاح باهر للديمقراطية لأول مرة، لزوم الحياد من قبل الحكومة حيث لم تتدخل لإفساد العرس الانتخابي كما كان العهد بها في الماضي، رغم بعض المظاهر المشينة هنا وهناك...
الآن ليس أمام الجميع، ملكا، وحكومة، وجمعيات، وجماعات، وأحزابا، ونخبا وشعبا... إلا التعاون على إنجاح المهمة، مهمة التغيير نحو الأفضل.
لعلك لاحظتَ أن بنكيران شخصية شغلت المغاربة بشكل غير مسبوق، على غير العادة بخصوص الشخصيات السياسية والوزراء الأولين الذين مروا من قبل..ما دوافع هذا الاهتمام الشعبي الجارف بشخص الرجل؟
الشيخ الفزازي:ألم أقل لك إن الأمر جد هذه المرة؟..شخصية الأستاذ بنكيران جلبت كل هذا الاهتمام، ليس لصفات ذاتية عند الأستاذ كما يظن البعض، وإن كانت هذه الشخصية مدعاة للتأمل بصفتها شخصية رئيس حكومة، وليس "أي كلام"، ولها صفات ذاتية بين الإيجاب والسلب ككل عباد الله. غير أن شخصية الأستاذ بنكيران إسلامية ، لا ننسى أنها إسلامية... ليس لأن الآخرين كفار؛ ولكن لأن هذا يعلن أن له مرجعية إسلامية، في حين آخرون أعلنوا عن كل المرجعيات اليسارية واليمينية الشرقية والغربية إلا الإسلامية، باستثناء حزب الاستقلال، فأفلست كل تلك السياسات ذات المرجعيات المختلفة، وبقيت التجربة الجديدة التجربة الإسلامية التي يمثلها الأستاذ بنكيران على رأس حزبه الإسلامي...
الأستاذ بنكيران طاف البلاد طولا وعرضا أثناء الحملة الانتخابية بكل إيجابية، وخاطب الشعب بلغة يفهمها هذا الشعب ويتفاعل معها... كان صريحا وواضحا وواقعيا... لم يعدِ المغاربة بجنة على الأرض... ولكنه وعدهم بالممكن.
شخصية عرفت السجن والتعذيب والتقلبات في المواقع والمواقف... فانتقل بذكائه وصبره وإصراره وخضوعه لرأي الأغلبية في الحزب من رجل من "أيها الناس" إلى رئيس حكومة.
وفي الوقت الذي كان هناك من يستبعد تعيينه من قبل الملك ليشكل الحكومة حتى بفوز حزبه بالمرتبة الأولى... وفي الوقت الذي كانت أنظار المتتبعين والمحللين يبحثون في ساحة الدكتور سعد الدين العثماني الكفء، وربما في غيره، لكن الملك فعلها بكل شجاعة، وعين الأستاذ عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة المرتقبة... فلا جرم أن كان هذا الاهتمام الشعبي والإعلامي في الداخل والخارج عارما وجارفا.
أما الآخرون من قبل، فقد كان الزهد فيهم من قبل الشعب ذا أسباب ذاتية وموضوعية... حيث لم يكن لهم أي تأثير ولا لهم أي مبادرة، سوى تنفيذ تعليمات لم نكن نحن عامة الناس نعلم لها مصدرا.
كيف ترى شخصية بنكيران على صعيد الخصال الإنسانية والتواصلية الظاهرة طبعا؟
الشيخ الفزازي: الأستاذ بنكيران إنسان عاطفي بامتياز، دمعة الرحمة فيه قريبة من مقلته، واللهجة الغاضبة لديه على أهبة. يتمتع بروح الدعابة والنكتة. أما التواضع فهو فيه ظاهر، وهذه الصفة بالذات هي ما كان يفتقده جل من سبقه.
ومعرفتي بالأستاذ بنكيران تجعلني أجزم أنه رجل ذكي وشجاع وواضح وشفاف. ما يكنه في قلبه ينطق به لسانه... ولا غرابة بعد هذا أن أضيف بأنه سياسي جيد... أتمنى له كل التوفيق. هو شخص متواصل بالفعل، لا أدل على ذلك أنه يصلي صلاة الجمعة في الجامع الذي ألف الصلاة فيه، جامع الحي الذي يسكن فيه، وهذا دليل على هذا التواصل، وتأكيد لذاك التواضع الذي أشرت إليه آنفا. هذا رأيي فيه، ولا أزكيه على الله تعالى.
وليس من نافلة القول أن أقول: بأن للرجل عيوبا وأخطاءً كما للناس عيوب وأخطاء... فما العصمة إلا لنبي، لكني الآن في معرض الإشارات إلى مميزات الرجل المؤهلة، وليس في معرض عرض السلبيات التي لا يخلو منها أحد.
نعم...إذن، هل ترى بكل هذا أن بنكيران يصلح للمرحلة الحالية ويعبر بسفينة البلاد إلى بر الأمان، أم أنه قد يحصل له ما حصل من قبل للقيادي في الاتحاد الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي، حينما اعترف بأن حكومته لم تكن تحكم في الواقع..
الشيخ الفزازي: أنا مع تعيين الأستاذ بنكيران رئيسا للحكومة. وعلينا ألا ننسى أن هذه الحكومة ليست خالصة لحزب المصباح. كما أن العبور بالسفينة إلى شط الأمان ليست مهمة بنكيران لوحده... ولا حزب العدالة والتنمية لوحده. الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي قال ما قال بعدما انفض السوق وطويت السنون... أما الأستاذ عبد الإله فقد وعد بطرح المفاتيح إذا تعذر له الإصلاح والاستقلالية في التصرف عن الذين يوجدون في الظل.
وضعية الرجلين مختلفة تماما: بنكيران جاء في سياق ما يسمى بالربيع العربي، فكان صاحب كلمة في الربيع الحزبي والربيع المؤسستي وربيع الصناديق... الأستاذ اليوسفي لم يعرف عهده هروب بنعلي ومحاكمة مبارك وقتل القذافي، وإحراق علي صالح، وعزلة بشار الأسد في انتظار سقوطه الحتمي، كما أنه لم يعرف شيئا اسمه 20 فبراير... بنكيران جاء في هذه الظروف.
الانتخابات في عهد اليوسفي كانت متحكما فيها من كل ناحية... انتخابات اليوم شيء آخر.
اليوسفي لم يكن سوى أداة لملء فراغ معين... ولم يكن له أي سلطان.. في حين رئيس الحكومة اليوم منتخب بجدية وفائز فوزا مدويا... وصاحب صلاحيات دستورية... والفارق الآخر أن الأول كان في عهد الراحل الحسن الثاني في حين بنكيران في عهد محمد السادس الذي لا مجال لمقارنته بأبيه؛ والفرق بين العهدين فرق ما بين الثرى والثريا...
هناك من يتحدث عن كون الملك يعد لحكومة ظل تواجه الحكومة المقبلة، وذلك بعد أن عين ملك البلاد الزناكي والساهل والهمة والمانوني مستشارين له، كل واحد يمسك بملف أساسي ويحاول تدبيره في "الظل"..ما رأيكم في هذا الطرح؟
الشيخ الفزازي: هؤلاء ليسوا حكومة، ولا وزراء... هؤلاء مستشارون للملك، وما نفهم من كلمة "مستشار" يدفعنا إلى القول بأن الأصل هو أن يحكم الملك وفق ما يخوله له الدستور، وأن المستشارين إن هم إلا مراجع يرجع إليهم الملك لأخذ رأي ما في مسألة ما. وفي النهاية فالملك هو من يقْدم أو يحْجم، يفعل أو يترك... كل ذلك بتوافق مع حكومة معلومة يرأسها رئيس معلوم جاءت في سياق غير مسبوق... ولا يمكن لأحد أن يقبل بحكومتين اثنتين واحدة في العلن يعرفها الجميع، وأخرى في الظل تحكم من وراء ستار. .لا أحد يقبل بهذا وبالذات الملك؛ فإن حصل، جدلا، كما كان يحصل، فلا شك أن الأستاذ بنكيران سيضع المفاتيح... وفي وضعه للمفاتيح فتح أبواب البلاد على المجهول، وهو ما لا يرضاه أحد لهذا الوطن الناهض.
الملفات الأساسية وغير الأساسية موضعها البرلمان ومكاتب الحكومة والقضاة بإشراف ملكي، وليس موضعها صالات الفنادق.. يجب القطع مع ممارسات الماضي السلبية حتى تعود الثقة لهذا الشعب الكريم.
إن تدبيرات الملفات في الظل ليس من الديمقراطية في شيء. ولا يترك للحكومة شيء، ولا يبقي لهذه الانتخابات والبرامج الحزبية ولهذه الأحزاب أي جدوى ولا معنى. ويُفرغ الدستور مما وضع له ومن أجله. الأمر بمثابة انقلاب على الشرعية وافتئات على سلطة الشعب وتجاوز لمن ينوب عنه... وما أظن الملك يقبل بهذا أو يرضى به. الملك الذي أبان عن جديته في التغيير قبل انطلاق الربيع العربي نفسه، وإن كان هذا الربيع قد ضاعف من هذه الجدية بدليل تعيين عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة... وهو ما لم يكن مؤكدا لأحد ولو أن الأستاذ بنكيران هو الأمين العام للحزب الظافر بنصيب الأسد من أصوات الناخبين.
وأقول للمتشائمين، اطمئنوا فلم تعد الظروف هي الظروف، ولا مجال للضحك على المغاربة بعد الربيع العربي؛ فالشعب بالمرصاد، والملك بالمرصاد.
آخر سؤال لو تسمح أستاذ محمد..صعد الإسلاميون في اكثر من بلد عربي..تونس وليبيا والمغرب ومصر...ما الذي يعني لك سياسيا وشرعيا هذا الوضع الجديد؟
الشيخ الفزازي: سياسيا، يعني إفلاسا شاملا لبرامج العلمانيين في جل ما انتصبوا لتحقيقه لهذه الشعوب، فلم نجن من ورائهم إلا الهزائم المتتالية والتموقع في آخر درج سلم التنمية البشرية.. ولم نجن إلا التلطخ بأوحال الإباحية والانحلال الخلقي حتى أصبحت سمعة بناتنا زفتا في العالم كله ولا سيما في دول الخليج والشام وإسبانيا وغيرها، كل ذلك تحت مسميات عدة ما أنزل الله بها من سلطان: فن، إبداع، تعبير جسدي، تحرر...إلخ.
ويعني أيضا عودة الشعوب العربية في أغلبيتها إلى النبع الصافي للارتواء: الإسلام العظيم بقيمه الربانية، ومشاريعه الصادقة، وأمانة حاملي لواء التغيير، ونظافة الأيدي المتوضئة...
ويعني القطع مع المفسدين والمستبدين، وناهبي المال العام، والمرتشين والظلمة ودعاة العهر باسم الحداثة، والحداثة الحقة منهم براء.
يعني أيضا الأمل في رفع المستوى المعيشي للناس في مطعمهم ومشربهم ومسكنهم وتطبيبهم وتعليمهم إلخ... وهي المجالات الأساسية التي عاث فيها المفسدون فسادا...
ويعني صعود الإسلاميين أيضا تطهير وسائلنا الإعلامية من المنظرين للجنس الرخيص والخسيس، والرفع من مستواه الخلقي، وتطهير أدائه الفني لتمكين دافعي الضرائب من المعلومة الصحيحة في حينها بكل شفافية ونزاهة، والترفيه النظيف الذي نحن إليه في غاية الظمأ، وإشباع متطلبات الوجدان بأرقى أسلوب على يد أنقى وأتقى فنان ومبدع .. كما تعني إبعاد المتطفلين عن الميدان الإعلامي، وفتح الفرص أمام الأكفاء من أبنائنا...
أقولها صراحة مدوية: يكفي من ثقافة الجنس الرخيص قفزا على حياء هذا الشعب المسلم الغيور. لقد قال الشعب كلمته هنا وهناك وهنالك... في زمان واحد وظروف واحدة وبطريق مماثلة... نعم للإسلاميين لا لغيرهم. فهل هي مصادفة؟
قد تكون كذلك لو كانت فلتة شعبية في بلد ما، لكن أن تكون بهذا الشكل المتطابق في أنحاء العالم العربي فما هو إلا السخط على العلمانيين واللا دينيين واللصوص من ذوي النفوذ... فكانت معاقبتهم بصناديق الاقتراع تصويتا على الإسلاميين "العذارى" سياسيا على وجه الخصوص، والذين استعصوا على التغيير من طواغيت الاستبداد، فقد كنسهم الثوار إلى مزبلة التاريخ من أسوأ الأبواب وبأبشع الطرق... ولا أريد تفصيلا هنا، فكلكم يعرف التفاصيل.
وشرعا؟
أما شرعا، فيعني لي هذا الاختيار الشعبي للإسلاميين إرجاع الأمور إلى نصابها، ذلك لأنه من غير المعقول ولا المقبول أن يتحكم علماني في بلد مسلم. المنطق، بل الشرع يقتضي ضرورة ولزوما أن يحكم ذووا المرجعيات الإسلامية بلدانا إسلامية... وذووا المرجعيات الشيوعية بلدانا شيوعية وهكذا... هذا هو المنطق وهذا هو المقبول...
واليوم.. شعوبنا المسلمة فهمت الدرس، وأيقنت أن لا يحك جلدها إلا ظفرها، وليس ظفر غيرها... والحركات الإسلامية في العالم الإسلامي كله، وليس العربي فقط، هي أظافر الأمة الحنون بجلدها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.