«يجب أن نبني سدوداً من الشجاعة لكبح طوفان الخوف» مارتن لوثر كينغ لقد فتح النقاش الدائر حاليا حول دفتر التحملات الباب واسعا للتداول في دور الإعلام الرسمي وقدرته على التعبير ومعوقات العمل التي ظلت ملازمة له منذ عقود وكيفية الانتقال من حال الفوضى التدبيرية إلى المأسسة المعبرة عن روح الدستور الجديد. فما الذي يحتاجه المغاربة من إعلامهم؟ أو ما الإعلام الذي يريدونه؟ وكيف الخروج من منطق اللوبيات العائلية والإيديولوجية إلى الدمقرطة والحرية؟ قد يختلف فضلاء الوطن في المسار الذي اتخذه تنزيل دفتر التحملات، وقد يرى بعضهم فيه خيارا تدبيريا مخالفا للمتصور والمرغوب فيه، لكن يتفق الجميع على أنه نقل التداول حول الإعلام إلى دائرة النقاش العمومي مما يساهم في جعله تحت مجهر المراقبة الشعبية. ولعل كم التنديدات والانتقادات التي كيلت للمعارضين لمشروع الأستاذ الخلفي من مختلف الشرائح والتيارات الوطنية يثبت قدرته على خلخلة الوضع وشعبيته والأكثر من ذلك تعبيره عن تطلعات المواطنين المغاربة في إعلام وطني يعبر عن همومهم وآمالهم وعن هويتهم الحضارية وانتمائهم الثقافي. قد لا يختلف المتابعون في كون الإعلام الرسمي قد ضيع على المغاربة فرصا حقيقية في إثبات وجودهم والانتقال نحو التأثير بدل التأثر، فغدا بوقا سلطويا في غالبيته، وعاكسا لثقافات بعيدة عنه، حيث اختلق مفاهيم غريبة لتوجيه الإنسان المغربي نحو أجندات مخالفة لهويته، فكانت أولى ثورات المغاربة ثورتهم على إعلامهم، فتنقلوا بين فضائيات الغرب والشرق بحثا عن وجودهم المفقود داخليا، وقطعوا حبل الود مع صحافة الإثارة والتغريب القيمي. قد يحين الوقت لقراءة اختيارات المغاربة بعيدا عن المنطق الاستعلائي والأستاذية. فقبل مدة اعتادت بعض الجرائد والمواقع فتح صفحاتها لكشف العديد من «الطابوهات» الاجتماعية من خلال رسائل وتحقيقات تتناول قضايا سمتها بالمحرمات تحت عناوين عديدة. وقد استغلت فراغ الساحة من المنافسة، آنئذ، فتفننت في الإثارة وفرض القيم البديلة على المتلقي المتعطش للإعلام والخبر والابتعاد عن ضيق الإعلام الرسمي. فتحدثت عن الممنوعات الاجتماعية والسياسية مستعملة اللغات الأجنبية تارة، وأخرى العربية والدارجة، لكن بمجرد ظهور منابر جديدة تحمل بعضا من الهم الوطني وتبتعد عن منطق الإغراء والإثارة وتقترب من التعبير عن المنظومة القيمية المغربية غدت هذه الصحافة مركونة على الهامش ولا يلتفت إليها إلا نادرا. قد يفسر لنا هذا الأمر حقيقة الواقع الإعلامي المغربي وحاجة المغاربة من إعلامهم. فقوة المنابر لا تتحقق باستغلال فرص ولا بالتمويل المدفوع من جيوب المغاربة وإنما بملامسة هوية المواطن والتعبير عن قضاياه. وعندما يجد المغربي ضالته يلفظ ما فرض عليه. إن باب الهوية هو الديمقراطية: حقيقة تتأكد مع مرور الأيام ولا تزيدها الأحداث والتحركات إلا تأكيدا. فمع تداعيات الربيع العربي وبقدر ولو ضيق من الحرية التي أتيحت للشعب اختار من يمثله ومن يعبر عن قضاياه وقيمه: القطب الهوياتي. وأمام هذا القطب مهام جلى تتمثل في إعادة الثقة للمواطن في مؤسساته وخلخلة وضع هذه الأخيرة بغية إخضاعها لمجهر المراقبة الشعبية. والإعلام في الصدارة. أي أن الدفاع عن هوية المغربي تتم جدلا من خلال فرض القانون حكما وفتح مجال الحرية. وللخروج من شرنقة الواقع المأساوي يحتاج المغاربة إلى إعلام وطني حقيقي من خلال آليات ثلاثة: الديمقراطية: هناك فارق كبير بين حالة الانتقال الديمقراطي التي يعيشها المجتمع والصورة التي تبدو في إعلامه. فبالرغم من بعض المساحيق التي تحاول تزيين صورة البرامج والقنوات المغربية خاصة في الحملات الانتخابية مازال البون شاسع بين الإعلام وحركية الواقع المغربي وتموجاته. لذا تظل جل البرامج توجيهية تحاول قيادة المخيال المشترك لصناعة نموذج قيمي حسب ما يرتئيه سدنة معبد الإعلام. فالمتابع لمجموعة من القنوات يتساءل أحيانا: هل نحن في مجتمع مغربي مسلم؟ أين هويتنا اللغوية والعقدية من برامج القنوات المختلفة؟ أم أن حاجتنا كلها ترفيهية وفلكلورية؟ ولأن الديمقراطية غدت ملحة فأهم الخطوات إخضاع المؤسسات الإعلامية الرسمية أولا للمراقبة الشعبية من خلال المؤسسات التمثيلية، وثانيا المتابعة القانونية لكل إخلال بمقتضيات القانون الناظم للدولة والذي ارتضاه المغاربة في دستورهم. الحكامة: الحكامة في مفهومها البسيط تعني الشفافية والتزويد بالمعلومات وحقوق وواجبات المساهمين ومسؤوليات المسيرين. وأهم مظان الحكامة الإعلامية شفافية المؤسسات وطرق التدبير التي تجرم كل تحكم لوبي أو فئوي، والنتيجة الطبيعية هي فرض الخيارات الشعبية على المؤسسات الإعلامية التي يفترض فيها آنئذ أفرادا وسياسة التعبير عن الوطن والمواطن. وهنا يغدو لمفهوم المؤسسة العمومية حقيقته ودوره. الهوية: للإعلام دور مهم في إبراز الهوية الوطنية للدولة وهو ما يغيب في العديد من المنابر الرسمية. فالهوية العقدية واللغوية للمغاربة التي تجلت في تراكمات حضارية معينة لا يمكن القفز عليها. فمن خلال الحضور الضروري للدين الإسلامي عقيدة ومذهبا، والجدولة الوظيفية للغات الوطنية وفق أبعاد الحاجة الواقعية والقدرة التأهيلية، يفرض الواقع الكوني الانفتاح على الثقافات الأجنبية ولغاتها في حدود المعقول والحاجة. بهذه المقومات يمكن للإعلام الوطني أن ينطلق ويعود إلى تربة وطنه معبرا عن هويته وآمال أبناء المغرب ويبتعد عن لوبيات الريع والفرنسة. قد يحتاج الأمر إلى سنين طويلة وربما عقود لتغيير بوصلة الانتماء لكن أول الغيث قطرة.