كومنولث دومينيكا تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية ولسيادة المغرب على كامل أراضيه بما في ذلك الصحراء المغربية    التعاون القضائي في صلب مباحثات وزير العدل مع نظيريه الغيني والكونغولي    المؤتمر الوزاري الرابع لمبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية : إفريقيا لا تعبئ سوى 11.4 مليار دولار سنويا من أصل 580 مليارا تحتاجها للتمويل    الفلاحة المستدامة.. القرض الفلاحي للمغرب والوكالة الفرنسية للتنمية يوقعان اتفاقيتي قرض    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    حنان حمودا تصدر طبعة ثانية لكتاب "الماء وصناعة المقدس: دراسة أنتروبولوجية لبنيات المجتمع الواحي بالمغرب"    دار الشعر بتطوان تحتفي ب "ليلة الملحون"    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    المغرب وفرنسا يوقعان خارطة طريق للشراكة في مجالي الفلاحة والغابات    تداولات بورصة البيضاء على وقع الانخفاض    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    المغرب وفرنسا يوقعان على خارطة طريق للشراكة في مجالي الفلاحة والغابات    قضاء الاستئناف يرفع عقوبة رضا الطاوجني    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    طنجة.. توقيف ثلاثة أشخاص بتهمة ترويج مخدر الكوكايين    شخص يهدد بالانتحار بتسلق عمود كهربائي    زيارة عمل تقود حموشي إلى دولة قطر    الإسلام في فرنسا وتكوين الأئمة .. باريس تبحث الاستفادة من تجربة الرباط    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الموت يفجع زوج دنيا بطمة السابق    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    مفاجآت بالجملة تقرب "الكوديم" من اللقب وتنعش آمال أولمبيك خريبكة في العودة إلى دوري الأضواء    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تراسل والي جهة بني ملال وتطالب بتشغيل "الممرضين المتعاقدين" وانصافهم    القميص ‬البرتقالي ‬يمرغ ‬كبرياء ‬نظام ‬القوة ‬الضاربة ‬في ‬التراب‬    الاتحاد المصري يستدعي المغربي الشيبي    سباق النصر النسوي يطفىء شمعته ال 14 يوم الأحد المقبل وسط أجواء رياضية واحتفالية    كوريا الشمالية تطلق عدة صواريخ باليستية قصيرة المدى باتجاه البحر الشرقي    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)    سلسلة زلازل تضرب تايوان أشدّها بقوة 6,3 درجات    اللي غادي لفرانسا لخميس وماشي لشي غراض مهم يؤجل رحلتو الجوية حتى الجمعة وها علاش    اتفاق "مغاربي" على مكافحة مخاطر الهجرة غير النظامية يستثني المغرب وموريتانيا!    الموت يفجع طليق دنيا بطمة    تصنيف "سكاي تراكس" 2024 ديال مطارات العالم.. و تقول مطار مغربي واحد ف الطوب 100    الصين: مصرع 4 أشخاص اثر انهيار مسكن شرق البلد    بنما.. الاستثمار الأجنبي المباشر يتراجع بأزيد من 30 بالمائة منذ بداية العام    ماذا نعرف عن كتيبة "نيتسح يهودا" العسكرية الإسرائيلية المُهددة بعقوبات أمريكية؟    بطولة إيطاليا-كرة القدم.. "إنتر ميلان" يتوج بلقبه ال20    ادعاء نيويورك كيتهم ترامب بإفساد الانتخابات ديال 2016    سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟        أسامة العزوزي يسجل في مرمى روما    الأمثال العامية بتطوان... (579)    تقوى الآباء تأمين على الأبناء    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    مشاركة متميزة للسينما المغربية في مهرجان موسكو    نصف المواليد الجدد يعانون من فقر الدم والمولدات يقمن بأدوار محورية في حماية صحة الأم والطفل    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    الأمثال العامية بتطوان... (577)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عناصر جيوسياسية مثيرة..كيف يوجد المغرب في قلب استراتيجية بايدن الأطلسية ؟
نشر في الأيام 24 يوم 04 - 03 - 2021


حاوره: كريم بوخصاص

قبل أسابيع، نشرنا حوارا مطولا في جريدة "الأيام" مع الأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، والباحث في شؤون العلاقات الأفروآسيوية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، فؤاد فرحاوي، حين غاص في ثنايا الرؤية الأمريكية حول مغربية الصحراء بعد قرار الاعتراف الأخير. ولأن الباحث توقف في سياق حديثه عند مكانة الجغرافية السياسية للمغرب في محيط استراتيجي متحول، فقد عدنا إليه حاملين أسئلة جديدة، خاصة بعد تغير الإدارة الأمريكية، من أجل فهم الكثير من الخلفيات والسياسات التي تجري في محيط المغرب، فيؤثر عليها ويتأثر بها.

في الجزء الأول من الحوار، قمت بالتأصيل النظري لتحليل البيئة الاستراتيجية المحيطة بالجغرافية السياسية للمغرب، لكن السؤال الذي يفرض نفسه، هل نجد لذلك أثرا في المؤسسات الرسمية الأمريكية؟

هذا النقاش طرح منذ سنوات في مؤسسات رسمية أساسية، مثل الكونغرس الأمريكي، وضمن سياقات متعددة، كالسياسة الأمريكية تجاه إفريقيا أو أوروبا أو مناطق أخرى. فكثير من الآراء التي تم تداولها تعبر عن التخوفات الأمريكية من الصعود الصيني وتأثيره على المصالح الأمريكية. ونشير على سبيل المثال إلى جلسة الكونغرس التي عقدت حول إثيوبيا في 12 دجنبر 2018، حيث جرى الحديث فيها عن ضرورة أن تستعيد الولايات المتحدة المبادرة من الصين في هذا البلد، كما تم التطرق إلى المضمون نفسه في الجلسة التي خصصت لزيمبابوي في 28 فبراير 2018. ويشير النقاش الذي طرح في الجلسة، التي عقدت في 7 مارس 2018 بعنوان «الصين.. الاستعمار الجديد لإفريقيا»، إلى قضية أساسية تتعلق بالبعد الأطلسي في الصراع الأمريكي الصيني، وذلك عندما تحدث «غوردن شانغ» (Gordon Chang) عن جهود بكين لإنشاء قاعدة عسكرية في «خليج فالفيس» بناميبيا، فضلا عن تركيز اهتمامها على «جزيرة أزوريس» البرتغالية التي تقع مقابل شواطئ طنجة الأطلسية، والتي كانت تتواجد فيها قاعدة جوية أمريكية. وقال «غوردن» بالحرف: «لا نريد أن تحلق الطائرات الصينية فوق المحيط الأطلسي وتهدد الوطن الأمريكي». وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجزيرة أثير حولها نقاش كبير في الولايات المتحدة، خاصة بعد أن قام الرئيس الصيني «شي جين بينغ» بزيارتها في يوليوز 2014، وفي 20 سبتمبر 2016 راسل رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي «ديفين نونس»»Devin Nunes» وزير الدفاع آنذاك «أشتون كارتر» حول التحركات الصينية في الجزيرة وأبعاد المشاريع الاستثمارية التي ترغب في إنشائها هناك.

هذا التطور في النقاش لدى المراكز البحثية وفي الكونغرس، هل انعكس في سياسات رسمية للولايات المتحدة الأمريكية؟

إن المخاوف التي طرحت حول الوجود الصيني في المحيط الأطلسي لم تبق حبيسة المراكز البحثية وفي الكونغرس الأمريكي، بل تحولت إلى خطوات حاسمة تبلورت في إجراءات يمكن اعتبارها منعطفا في تاريخ المحيط الأطلسي. أهم هذه الإجراءات هو إحياء الأسطول الأمريكي الثاني في بداية يوليوز 2018، بعد أن تم تفكيكه سنة 2011. وقد كان هذا الأسطول مشرفا منذ عام 1950 عن القسم الشمالي من المحيط الأطلسي الممتد ما بين القطب الشمالي إلى بحر الكاريبي، والمثير أن النقاشات التي صاحبت بدايات عودته إلى العمل تركزت أساسا على المخاطر التي أصبح يشكلها نشاط الأسطول الروسي في شمال المحيط الأطلسي، ولكن لاحقا بدأ النقاش يتوسع حول التهديد الصيني ونشاط الصين في هذه المنطقة. ففي 6 غشت 2018 صرح القائد الأعلى للعمليات البحرية الأمريكية الأدميرال «جون ريتشارد» لإذاعة صوت أمريكا (VOA) بالقول: «إن التحركات العسكرية الصينية من شمال الأطلسي إلى البحر الأبيض المتوسط تخلق ديناميكية جديدة… وحتى قبل خمس سنوات، لم نكن لنرى شيئًا كهذا… إنها بالتأكيد منافسة سريعة بالنسبة لنا في ما يتعلق بالتهديد البحري».
والحقيقة، أن النشاط الصيني في شمال الأطلسي لا يبلغ مستوى التهديد الذي يمثله الأسطول الروسي بالنسبة للولايات المتحدة، ولكن مخاوف واشنطن تتمثل في التنسيق القائم بين البحرية الروسية والصينية في مناطق مختلفة، فبعد مناورات الصداقة للبحريتين عام 2015 في المتوسط قامت القوتان بمناورات مشتركة عام 2017 في منطقة البلطيق، وحسب «دافييد سكوت» في مقال له نشر عام 2018 ب»مجلة أمن البلطيق» "Journal on Baltic Security" بعنوان «الصين ودول البلطيق: تحديات استراتيجية ومعضلات أمنية لليتوانيا ولاتفيا وإستونيا» "China and the Baltic States: strategic challenges and security dilemmas for Lithuania, Latvia and Estonia"، فإنه بالرغم من أن مناورات البلطيق قد بدأت عام 2012، إلا أن التي أجريت في عام 2017 كانت نوعية من حيث طبيعة العتاد والقوات البحرية الصينية المشاركة فيها، وهو ما رفع من مستوى مخاطر التهديد الذي تشعر به الولايات المتحدة إلى جانب حلفائها الغربيين في المحيط الأطلسي والحوض المتوسطي.
حصل تطور نوعي أيضا في بداية دجنبر 2020 عندما قامت الولايات المتحدة بتغيير اسم «الأسطول الثاني» إلى اسم «الأسطول الأطلسي»، ولم يكن ذلك تغييرا فقط في الاسم، ولكن أيضا في المدى الذي سيصله هذا الأسطول. ومن خلال الندوة التي نظمها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في منتصف 2020 وشارك فيها قائد البحرية الأمريكي «فوكو جيمس» نستشف أكثر الهواجس الأمريكية التي أدت إلى إعادة تنشيط وتطوير هذا الأسطول، حيث أشار المسؤول الأمريكي إلى أن «الصين تعمل بنشاط في أوروبا وإفريقيا لتخريب البنية التحتية القائمة على القواعد الدولية والتي حافظت على السلام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية». كما أضاف أن «الصين تقوم بنشاط موسع يمتد من المحيطين الهندي والهادي إلى القطب الشمالي وأوروبا وإفريقيا.. وأنها تقوم في هذه المنطقة باعتراضات غير آمنة للطائرات والسفن. كما أقامت قاعدة عسكرية خارجية في القرن الإفريقي وتتطلع للسيطرة على موانئ أخرى». هذا إضافة إلى انتقاده لمبادرة الحزام والطريق الصيني حيث اعتبرها أنها «تجميع بين الأسلحة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والسياسية لتغيير البنية الدولية وقواعدها».
ويظهر أن من بين أهم ما تحدث عنه القائد الأمريكي في الندوة، ويعطي مؤشرا دالا على الرؤية الأمريكية للجغرافية السياسية للمغرب والساحل الأطلسي الإفريقي، هو قوله: «للمضي قدمًا في المنطقة بأكملها، تحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على العلاقات وبنائها من منطقة الشمال الأعلى إلى رأس الرجاء الصالح. لا يمكنك زيادة الثقة، يجب تطويرها بمرور الوقت، ونحتاج أيضًا إلى إعادة تقييم هيكل قواتنا، ونحن بحاجة إلى دعم ما لدينا هنا في المسرح».
يتضح إذن أن مسألة التعاطي مع الصين أصبحت ذات أولوية متقدمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في السنوات الأخيرة، وعلى ضوئها تتم إعادة توجيه السياسات الداخلية والمؤسسات الدولية. فمثلا، إذا قارنا بين قمة وارسو للحلف الأطلسي عام 2016 وقمته في لندن سنة 2019، نجد أن الأولى قد أعطت لموضوع التحدي الروسي أهمية أكبر، واختيار وارسو لانعقاد القمة كان فيه دلالة واضحة مفادها أن الناتو لن يسمح لروسيا بالعودة إلى خطوط حلف وارسو في عهد الاتحاد السوفياتي، وعليه طور الناتو وجوده في بولونيا ورومانيا، كما أنشأ آليات ووحدات عسكرية أخرى منتشرة في البلطيق. ويتوازى هذا الجهد للناتو مع جهود أخرى للاتحاد الأوروبي للتواجد العسكري في الحوض المتوسطي، منها إطلاقه لعملية بحرية مشتركة عام 2015 سميت ب»عملية صوفيا»، وفي ماي 2020 أطلقت عملية جديدة سميت ب»عملية إيريني». أما في قمة لندن للحلف عام 2019 فقد كانت الصين محور النقاش بين أعضائه، صحيح أنه لم يصف بكين بالعدو، لكن سقف ولغة التحدي ارتفعا، بل واعتبرت الصين نقطة تركيز استراتيجية جديدة للناتو. إن التحديات المذكورة كلها جعلت الأمين العام للحلف الأطلسي «جينس ستولتنبرغ» يطلق في يونيو 2020 الدعوة لإعادة صياغة جديدة لعقيدة «الحلف» العسكرية للعقد القادم سماها بعملية «الناتو 2030»، وهذا ما يجعل الدول المجاورة للناتو تترقب تغييرات جديدة في سياق هذا التحول.
أشرت في الجزء الأول من الحوار أيضا إلى أهمية البرازيل ودول أخرى في المحيط الأطلسي بالنسبة للصين، فكيف تربط بينها والمغرب في سياق التفاعلات الجارية بالمنطقة؟

ما أريد أن أشير إليه هو أننا حينما نقوم بتقدير الموقف والاختيارات الاستراتيجية المرتبطة بالجغرافية السياسية للمغرب فينبغي أن نضع نصب أعيننا ما يجري في الضفة الأخرى لشواطئنا الأطلسية. وقد أشرت مثلا إلى مسألة إنشاء قناة جديدة في نيكاراغوا والتأثيرات المحتملة على مضيق جبل طارق ومشاريع البنيات التحتية الموجودة فيه. علينا أن ننتبه إلى أن الجغرافية السياسية للمغرب تقع في مقابل بحر الكرايبي المؤدي إلى قناة بنما والمشروع الصيني في نيكاراغوا، وأن الديناميات الدولية بين مضيق جبل طارق والكرايبي مترابطة وتتفاعل مع بعضها ولا ينبغي فصلها. وهذا ما نستطيع أن نفهمه من مداخلة وزير الدفاع الأمريكي «كين بريثيويت» خلال جلسة استماع نظمتها لجنة شؤون القوات المسلحة في 2 دجنبر 2020 بالكونغرس الأمريكي حينما قال: «من أجل التصدي للتحديات غير المسبوقة التي تظهر في المسرح الأطلسي، سنعيد لقيادة قوات أسطولنا اسم الأسطول الأطلسي للولايات المتحدة، ونكلف قواتنا البحرية في هذه المنطقة الحيوية بالعودة إلى مهمتها الأولية ألا وهي السيطرة على المسالك البحرية المؤدية إلى أراضي الولايات المتحدة وأراضي حلفائنا».
يمكن أن نلاحظ أيضا أنه بالتوازي مع المشروع الصيني لإنشاء قناة نيكاراغوا سعت بكين إلى الاهتمام بالدول الجزيرية في بحر الكرايبي، ففي يونيو 2018 وقعت على اتفاقية مع دولة أنتيغوا وبربودا التي تعد عضوا في منظمة دول شرق الكرايبي، أدرجت بموجبها هذه الدولة ضمن الدول المعنية بمشروع طريق الحرير الاقتصادي والحزام البحري الصيني، كما طورت بكين أيضا علاقاتها مع باقي دول «المنظمة». هذه التطورات، إضافة إلى ما أفرزته التحولات السياسية في فنزويلا، من فتح لإمكانات استراتيجية للصين وروسيا، دفع الإدارة الأمريكية إلى التحرك من أجل حماية مصالحها ونفوذها في الكرايبي وجنوب الأطلسي، كان من إحدى أهم مظاهره هو منح الولايات المتحدة الأمريكية في مارس 2019 للبرازيل صفة «حليف استراتيجي من خارج حلف شمال الأطلسي»، وهي الصفة التي حصل عليها المغرب أيضا عام 2004. وتجدر الإشارة إلى أن البرازيل تقدم نفسها منذ سنوات على أنها القوة الإقليمية القادرة على حماية جنوب الأطلسي، وفي سياق هذا التصور تُطور علاقاتها الثقافية والاقتصادية والعسكرية مع الساحل الإفريقي للمحيط الأطلسي، بما فيه المغرب، وفي هذا السياق تتحفظ البرازيل على مظاهر الوجود العسكري الصيني في هذه المنطقة بالرغم من علاقاتها الاقتصادية القوية معها. والحقيقة، أن هذا الطموح البرازيلي يعود إلى عام 1986 عندما اقترحت في الأمم المتحدة، إلى جانب الأرجنتين والأوروغواي و21 دولة إفريقية، إنشاء «منظمة السلام والتعاون لجنوب المحيط الأطلسي».
وحاصل القول هنا أن الجغرافية السياسية للمغرب ازدادت مكانتها أيضا في الحسابات المتعلقة بمنطقة ما بين ضفتي الأطلسي الجنوبي، وهنا تأتي أهمية التطورات الإيجابية التي حصلت في السنوات الأخيرة بين المغرب ودول الكرايبي وأمريكا اللاتينية. ويتوفر المغرب على إمكانات عديدة ومزيد من الفرص على هذا المسار أهمها، استحقاقات الاقتصاد الأزرق وكذلك الخط الثقافي الإيبيري الذي يربط المغرب والبرتغال وإسبانيا بين ضفتي الأطلسي، أي أن هناك مساحات مشتركة يمكن للدول الثلاث أن تطورها وتتعاون فيها مع دول الضفة الأخرى من الأطلسي، كالأرجنتين والبرازيل والأوروغواي.
هل سيستمر المسار الجيوستراتيجي الذي يتشكل في المحيط الأطلسي الجنوبي مع إدارة بايدن؟

عندما نلقي نظرة على الصدامات التي حصلت في السنوات الأخيرة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، سواء على الصعيد التجاري أو الدبلوماسي أو الاستراتيجي، وحتى قبل إدارة دونالد ترامب، سنجد أنها تشبه إلى حد كبير مرحلة الانتقال التدريجي لميزان القوة الدولية من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بين نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وكان الصراع حول السيطرة على المضايق البحرية وعلى البحار والمحيطات هو المقياس الحقيقي للمستوى الذي وصلت إليه درجة التنافس.
نحن نعيش الآن نفس نفس الظاهرة في هذا القرن، لكن هذه المرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وما يجري من صدام حاد بين المحيطين الهادي والهندي، وخاصة على خط بحري الصين الشرقي والجنوبي وكذلك ما يحصل بين البحر المتوسطي والمحيط الأطلسي، لدليل واضح على هذا الأمر. يجب أن نشير في هذا السياق إلى أنه قبل شهرين من إحياء الولايات المتحدة الأمريكية للأسطول البحري الثاني في بداية يوليوز 2018، والذي سمته في دجنبر 2020 الأسطول الأطلسي، قامت في ماي 2018 بتغيير اسم القيادة البحرية الأمريكية لمنطقة المحيط الهادئ لتصبح «القيادة الأمريكية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ»، الشيء الذي يدل على أن التغيرات التي تشمل التصورات والبنيات العسكرية البحرية مترابطة مع بعضها من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي، والذي تقع الجغرافية السياسية المغربية في أحد تمفصلاتها الرئيسية باعتبار طول ساحلها الأطلسي وحساسية مضيق جبل طارق بالنسبة للبحرية الأمريكية.
إن وصول جو بايدن إلى قيادة الإدارة الأمريكية لن يغير من هذا المسار الذي تشكل ويتطور على الصعيد البحري، وأذكر هنا مقالا ل»كوان جن شين» (Kuan-Jen Chen) نشره بمجلة «تاريخ الحرب الباردة» (ColdWar History Journal) في ماي 2020، ويذكر فيها حديثا لجو بايدن عندما كان نائبا للرئيس الأمريكي بارك أوباما ألقاه في 22 ماي 2015 أمام الأكاديمية البحرية في أنابوليس بولاية ماريلاند، مفاده أن الرئيس الصيني «شي جين بينغ» كان يسأله دائما حول سبب تكراره القول بأن الولايات هي قوة المحيط الهادي، فكان جوابه «لأننا كذلك». وخلال مرحلة دونالد ترامب كرر نائبه «مايك بنس» أمام الأكاديمية ذاتها في ماي 2017 نفس الموقف، مشيرا إلى أن البحرية الأمريكية ستذكر «العالم بما تبدو عليه القيادة الأمريكية»، وأنه ولى زمن تخفيض ميزانية الدفاع.
ولإثبات سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذا القرن في سياق تحدي الصعود الصيني وتنامي دوره في البحار والمحيطات، تحتاج واشنطن إلى الرفع من الجاهزية وقدرات البحرية الأمريكية من جهة، وإلى تجديد المؤسسات وإطارات العلاقة مع الدول الأخرى من جهة ثانية.
ويمكن التأكيد على أن مرحلة بايدن ستختلف عن مرحلة ترامب، من حيث مراعاة تصورات حلفائها، لكن دون إحداث تغيير جوهري على مستوى الاستراتيجيات البحرية، والملاحظ أن جل قرارات ترامب التي راجعها بايدن والمرتبطة بالسياسة الخارجية، كان من ضمن ما تستهدفه هو إعادة اللحمة إلى علاقاتها مع شركائها. ويشكل هذا البعد أيضا أهمية مركزية في تصور وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن، فقبل أن يتولى منصبه أجرى مقابلة مع «معهد هدسون» في يوليو 2020 صرح فيها بأن «الولايات المتحدة الأمريكية حينما تتعامل مع بعض التحديات التي تطرحها الصين عليها أن تعمل على حشد حلفائها وشركائها بدلا من إبعادهم».
وأعتقد أن مكانة الجغرافية السياسية للمغرب بالنسبة لإدارة بايدن لن تعاكس خطط واستراتيجيات القوات البحرية الأمريكية التي تبلورت في السنوات الماضية، خاصة ما يتعلق بتثبيت السيطرة والهيمنة الأمريكية على المضايق الدولية. ويمكن أن نقارن في هذا السياق بين ما يمثله مضيق جبل طارق باعتباره معبرا بين غرب المتوسط والمحيط الأطلسي، وبين بحر تيمور الفاصل بين إندونيسيا وأستراليا الذي يصل المحيط الهندي بالمحيط الهادئ، فعندما أقدم الإقليم الشمالي لأستراليا سنة 2015 على توقيع عقد إيجار ميناء داروين لمدة 99 عاما مع «مجموعة لاند بريدج» (Landbridge Group) الصينية، أعرب الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، الذي كان جو بايدن نائبه، عن استيائه الشديد، ولكن ينبغي أن ننتبه أن السبب الرئيسي للاحتجاج الأمريكي هو حساسية موقع الميناء للبحرية الأمريكية، فقبل هذا العقد اتفقت أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2011 على السماح لمشاة البحرية الأمريكية بالانتشار في إقليم ميناء داروين استعدادا لتوسيع النشاط البحري الأمريكي في المحيطين الهادئ والهندي، فوجود الصين فيه يعني إمكانية مراقبة مشاة البحرية الأمريكية في هذه المنطقة.
إن حساسية واشنطن من المشاريع الصينية في هذه المنطقة برزت أيضا أثناء احتجاج وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو على أستراليا بسبب توقيع ولاية فيكتوريا في ماي 2020 على اتفاق رأت فيه واشنطن تهديدا لأمن شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية الدفاعية والاستخباراتية. وبنفس الخلفية تتحسس الولايات المتحدة الأمريكية من أي مشاريع للبنيات التحية الصينية من هذا النوع في مضيق جبل طارق، لاسيما وأن الولايات المتحدة تتوفر في إسبانيا على أحد أهم قواعدها العسكرية في الخارج.
ويمكن القول إن بريطانيا تتماهى مع الموقف الأمريكي هذا، لكونها تتوفر على قاعدة بحرية مهمة في جبل طارق التابع لها، وفي رد فعل على السياسة البريطانية تجاه هون كونغ وفي المحيطين الهندي والهادي تندفع الصين أيضا نحو المواقع العسكرية البحرية لبريطانيا، تماما كما تفعل مع قبرص التي تتوفر فيها بريطانيا على قاعدة عسكرية بحرية، إذ سبق للبحرية الصينية أن زارت ميناء ليماسول في 2014 في سياق الانتشار العسكري البحري بعد الهجمات الكيميائية للنظام السوري على شعبه، ثم بدأت بكين في تطوير مشاريع للبنية الطاقية في الميناء القبرصي عام 2019، الشيء الذي دفع بريطانيا إلى انتشار عسكري بحري هو الأكبر من نوعه في قبرص خلال أكتوبر 2020.
من خلال تحليلك يظهر أن هناك تحالفات دولية جديدة تتشكل في محيط الجغرافية السياسية للمغرب، فهل تستمر إدارة بايدن في تطويرها؟
تقليديا، الجغرافية السياسية للمغرب كانت تندرج ضمن الاستحقاقات الاستراتيجية الأمريكية في الحوض المتوسطي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ثم ظهرت أهميتها في سياق السياسة الأمريكية نحو إفريقيا، خاصة مع إنشاء القيادة المركزية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) ويبدو أن هناك الآن مسار يتشكل بشكل تدريجي يربط الجغرافية السياسية المغربية بالسياسة الأمريكية تجاه منطقة الجنوب الأطلسي ككل، بضفتيه الإفريقية والأمريكية اللاتينية، وذلك في إطار ما يمكن تسميته ب»ناتو جنوب الأطلسي». وهناك مساران آخران يتشكلان على الصعيد البحري نستطيع أن نفسر بهما ما يمكن أن تتطور إليه الأمور في منطقة الجنوب الأطلسي، المسار الأول هو ما يطلق عليه البعض ب»ناتو آسيا»، ويقصد به تجمع «الرباعية» غير الرسمي الذي ظهر في عام 2007 ويشمل الهند وأستراليا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، غير أن هذا التجمع تعثر بسبب انسحاب أستراليا تحت ضغط الصين، ثم عدم رغبة الهند في أن تفهم بأنها تسعى إلى تشكيل حلف عسكري ضد بكين. ولم تعد «الرباعية» إلى الانعقاد إلا سنة 2017، وإثر أزمة جائحة كورونا وتزايد النشاط العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، تمت دعوة كل من كوريا الجنوبية ونيوزيلاندا والفيتنام لحضور اجتماعاتها تحت مسمى «الرباعية زائد»، لتغطي بذلك منطقتي المحيط الهادئ والهندي. أما المسار الثاني، فهو الذي يتشكل ما بين بحر العرب وشرق المتوسط الذي يمكن تسميته ب»ناتو شرق أوسطي»، يشمل دول الخليج العربي ومصر وإسرائيل. وتجدر الإشارة إلى أنه ليس بالضرورة أن تجتمع هذه الدول في كل مسار من المسارات التي تحدثنا عنها في شكل تحالف عسكري رسمي، وإنما في صيغة أقرب ما تكون إلى مفهوم الائتلاف.
إن التحديات التي دفعت إلى إنشاء «ناتو آسيا» هي التي تحكم جزءا مهما من خلفيات تطوير العلاقات ما بين الأطلسي الجنوبي، ففي عام 2008 أعادت الولايات المتحدة الأمريكية تشغيل الأسطول الرابع المعني بأمريكا اللاتينية بعد تعطيله في عام 1950، وذلك في إطار رد الفعل على اهتمام الصين بهذه المنطقة وتزايد النشاط الروسي فيها. ولكن يمكن القول إن من بين أهم التحولات التي ستدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تطوير وجودها العسكري في منطقة الأطلسي الجنوبي هو توقيع الجيش الصيني في عام 2015 على اتفاقية تسمح له بإنشاء قاعدة للأبحاث الفضائية في الأرجنتين لمدة 50 عاما، وفي السنوات الأخيرة بدأت تتعالى أصوات في واشنطن تعتبر أن هذه المحطة أحدثت لأغراض التجسس، وهو ما يمكن اعتباره أحد الخلفيات الرئيسية لإعطاء صفة «حليف استراتيجي من خارج الخلف الأطلسي» للبرازيل بغية فسح المجال لتوسيع الوجود العسكري الأمريكي في الأطلسي الجنوبي عبر تحديث ونشر التكنولوجيا العسكرية الأمريكية في منظومة التسليح البرازيلية. وبمعنى أدق صار الانتشار العسكري البحري الأمريكي في الجنوب الأطلسي، مرتبطا ارتباطا وثيقا بعسكرة الفضاء، وعلى ضوئه تحدد العلاقات العسكرية الأمريكية مع دول هذه المنطقة، سواء على الصعيد الثنائي أو المتعدد الأطراف. وهذا الهاجس حاضر أيضا على الصعيد المتوسطي، وما توقيع الصين في 5 يونيو 2020 على مذكرة تفاهم مع صربيا للتعاون في مجال تكنولوجيا الفضاء إلا أحد مظاهره.
وتتقاطع طموحات الولايات المتحدة مع تطلعات البرازيل للعب أدوار في هذه المنطقة، وذلك في إطار ما تسميه الأخيرة ب»الأمازون الأزرق»، والذي أطلقت في إطاره بعثة عسكرية بحرية لها سنة 2001 في ناميبيا، وبعثة أخرى في جمهورية الرأس الأخضر في عام 2013، إضافة إلى سعيها لتطوير العلاقات العسكرية مع عدد من البلدان في غرب إفريقيا، بما فيها موريتانيا والسينغال وغينيا الاستوائية ونيجيريا، كما شاركت في عدد من التدريبات البحرية إلى جانب الولايات المتحدة ودول غرب إفريقيا، ضمنها المغرب الذي وقعت معه البرازيل على اتفاقية للتعاون العسكري في يونيو 2019. وتسعى بريطانيا أيضا إلى تقوية علاقاتها مع البرازيل في سياق استحقاقات الصعود الصيني وتنامي دورها في المحيط الأطلسي، ففي الاجتماع الخامس للحوار الاستراتيجي بين البلدين، والذي عقد في 11 نونبر 2020 تم الاتفاق على تطوير التعاون في مجالات مختلفة، بما فيها البنيات التحتية وتقنيات الفضاء. وبالتوازي مع هذا التطور الذي يحصل على صعيد العلاقات البريطانية البرازيلية، تشهد العلاقات البريطانية المغربية تطورا مهما على مختلف الأصعدة. وعموما، يمكن القول إن الجنوب الأطلسي سيتحول بدوره إلى ساحة للصراع بسبب تزايد الحضور الصيني فيه، ولا سيما بعدما أعلنت ألمانيا وهولندا بشكل رسمي عن عقيدتهما الاستراتيجية تجاه المحيطين الهندي والهادي، في أفق إصدار مرتقب لوثيقة للاتحاد الأوروبي في هذا الصدد.
إن فهم التدافع الذي يحصل على الصعيد الجيواستراتيجي ومدى تأثيره على الجغرافية السياسية للمغرب ينبغي فهمه أيضا في السياق الجيواقتصادي، ففي إطار سعي الولايات المتحدة إلى تفكيك سلسلة التوريد والإنتاج لديها في الصين، أطلقت مبادرة سمتها «شبكة الازدهار الاقتصادي» بغية إنشاء تحالف اقتصادي قائم على ثلاثة ركائز، هي: شبكة نظيفة للاتصالات خالية من المكونات المشبوهة، وشبكة النقطة الزرقاء للاستثمار العالمي في البنيات التحتية لمواجهة مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، وأخيرا مبادرة إدارة موارد الطاقة لتأمين إمدادات المعادن الأرضية النادرة والمعادن الاستراتيجية الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.