بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بلجيكا تعين ضابط مخابرات في المغرب الصيف المقبل    غير كيزيدو يسدو على ريوسهم: الجزائر انسحبت من كاس العرب فالمغرب بسبب خريطة المغربة    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي .. إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    رصد في ضواحي طنجة.. "القط الأنمر" مهدد بالانقراض ويوجد فقط في حدائق الحيوانات    المغربي إلياس حجري يُتوّج بلقب القارئ العالمي للقرآن    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمملكة    مكتب التكوين المهني/شركة "أفريقيا".. الاحتفاء بالفوجين الرابع والخامس ل"تكوين المعل م" بالداخلة    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأزق الجاليات الإسلامية بألمانيا
نشر في أسيف يوم 08 - 05 - 2007

شهدت العاصمة الألمانية برلين انعقاد المؤتمر الثاني للإسلام بعد ستة أشهر من انعقاد دورته الأولى يوم السابع والعشرين من سبتمبر (أيلول) المنصرم. والغرض من هذا المؤتمر، حسب السلطات الألمانية، هو دعم روح الحوار والتفاهم بين فئات المجتمع الألماني، وكذلك لمساعدة المسلمين في ألمانيا على التأقلم في هذا المجتمع. المؤتمر طرح العديد من التساؤلات وعلى رأسها إشكالية تمثيل الجالية الإسلامية في ألمانيا. بالمقابل نجد الحكومة الألمانية عازمة على تأسيس إطار يجمع المسلمين . المهمة ليست بالسهلة و تطرح الكثير من العوائق حول مستقبل المسلمين على الأراضي الألمانية. ترى ما هي طبيعة مشاكل المسلمين بألمانيا و أبعاد المجهودان الحكومية لخلق إطار موحد لكل الجاليات الإسلامية؟
وزير الداخلية يريد تنظيم إسلامي شبيه بالكنيسة وأئمة يتحدثون الألمانية! يأتي انعقاد المؤتمر في دورته الأولى و الثانية في وقت يشتد فيه النقاش حول من يحق لهم تمثيل المسلمين والتعبير عن قضاياهم في ألمانيا تجاه السلطات الألمانية. وفي هذا السياق ،ذكر وزير الداخلية الألماني شويبله بأن المنظمات الإسلامية المشاركة في المؤتمر تمثل فقط 300 ألف شخص من بين أكثر من ثلاثة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا. ولذلك يرفض الوزير فكرة إعطاء هذه الروابط حق تمثيل جميع المسلمين في ألمانيا. بالمقابل، تم إنشاء مجلس يضم كبرى المنظمات الإسلامية الأربع وهي "الاتحاد التركي الإسلامي التابع لهيئة الدين الرسمية" ومجلس الإسلام لجمهورية ألمانيا الاتحادية" و"المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا" و"اتحاد المراكز الثقافية. وقد قال الوزير الألماني أن تشكيل المجلس يعد خطوة صحيحة، لكنه رفض مطلبه بحق تمثيل جميع المسلمين. وقد لقيت تصريحات الوزير انتقادات عديدة من بينها تصريحات أيمن مزيك الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا وردت في مقال نشرته صحيفة "فيست دويتشه تسايتونج والتي قال فيها إن الوزير الذي طالب دائما بتوحيد صفوف المسلمين، يقلل الآن من شأن مجلس التنسيق. تشكيل هذا المجلس لا يخلو من هفوات عديدة. فحسب رأي أورزولا شبولر شتيغيمان* ،أستاذة الدراسات الشرقية والتركية بجامعة ماربورغ ، يعطي تأسيس مجلس من هذا النوع الانطباع بأن المسلمين قد أنشأوا الإطار المذكور "تجاوبا" مع رغبة نابعة عن الحكومة الألمانية، أي أنهم عمدوا أخيرا إلى صقل شكل الشريك الطبيعي للجهات الرسمية، ذلك الشريك الذي كثيرا ما طالبت به هذه الجهات والمتسم بالقدرة المهنية وبشرعية التمثيل فيما يتعلق بالقضايا ذات العلاقة بالمسلمين. استنادا على بلاغات وزارة الداخلية الألمانية و التصريحات التي أدلى بها وزراء الحكومة وعلى رأسهم وزير الداخلية فولفجانج شويبله والعضو في الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ،يمكن القول بأن حكومة برلين عازمة على تشجيع أي خطوة من شأنها تنظيم المسلمين بألمانيا داخل إطار واحد يسهل التحاور معه مستقبلا ،وتكوين أئمة يتكلمون اللغة الألمانية.. وقد سبق لوزير الداخلية أن دعا أكثر من مرة إلى ضرورة خلق إطار للجالية الإسلامية شبيه بمؤسسة الكنيسة في مسعى لدمج المسلمين في مجرى الحياة العامة من خلال العمل في إطار الدستور الألماني الذي يرفض الوزير التفاوض حوله. هذا الموقف يعتبر في نظر أورزولا شبولر شتيغيمان ،أمرا عقيما وغريب الأطوار ، كما أن كلام المسئولين الألمان عموما يتناقض مع الواقع، حيث توجد العديد من المنظمات الممثلة للمسلمين والتي أغلبها من الأتراك التي يصعب دمجها في إطار معين لأسباب داخلية وصراعات متعددة الأبعاد. وإذا أخدنا فقط مثال المنظمات التي وجهت لها الدعوة لحضور المؤتمر في صيغته الأولى أو الثانية ، فنجد هناك أربع منظمات كبيرة تمثل الجانب الإسلامي وهي المجلس الأعلى للمسلمين والمجلس الإسلامي والاتحاد التركي للديانات واتحاد المراكز الثقافية الإسلامية إضافة إلى الجالية العلوية. فمشروع الحكومة الألمانية الهادف إلى تذويب المنظمات الإسلامية داخل إطار يشبه مؤسسة الكنيسة يتناقض مع تصريحات العديد من ممثلي الجالية الإسلامية الذين رفضوا المقترح بل أكثر من ذلك، احتجوا على تهميش ممثلي المنظمات التي تدير المساجد في هذا اللقاء باعتبار المكانة الكبيرة التي تمثلها في حياة المسلمين بألمانيا. بل أكثر من ذلك، هناك الكثير من المز الق التي تخفيها المنظمات الممثلة للجاليات الإسلامية و تكشف عنها ذ. أورزولا شبولر شتيغيمان بقولها أن هناك اتحادات متطرفة كحال اتحاد "الأمة الإسلامية ميلي غوروش" توغلت في صفوف مجلس الإسلام أو كحال الأخوان المسلمين الذين توغلوا في صفوف المجلس الأعلى علما بأن الدولة هنا تحتضن أتباعهم دون قيد أو شرط بحجة أنهم مضطهدون سياسيا في بلادهم الأصلية. كما أن هناك تسللا يجري لمصالح بعض الدول عبر هذه المنظمات الناشطة في ألمانيا كالحال لدى "الاتحاد التركي الإسلامي التابع لهيئة الدين الرسمية" المعبر عن مصالح تركيا أو المركز الإسلامي في هامبورغ الذي يتبنى مصالح إيران.وزير الداخلية و حكومته لا يريدون فقط تنظيم المسلمين داخل مؤسسة تشبه الكنيسة بل يلحون على وجوب تكوين أئمة المساجد وفق تصور ألماني يجعلهم يتحدثون اللغة الألمانية داخل المساجد كالقساوسة. وقد خلف هذا الاقتراح الكثير من الردود والتعليقات من طرف ممثلي المنظمات الإسلامية الرافضة لخطوات حكومة برلين باعتبارها لا تنسجم مع فئة عريضة من المهاجرين المسلمين الذين لا يتقنون اللغة الألمانية ويحبذون سماع خطب صلاة الجمعة باللغة العربية أو التركية وغيرها. وإذا كان المؤتمر الإسلامي يهدف إلى إرساء قواعد وأسس السلم الاجتماعي الداخلي ودفع عجلة اندماج المسلمين في المجتمع الألماني، فإن شروط تحقيق هذه المرامي تبدو صعبة جدا. وفي هذا الإطار، يقول الخبير الألماني في الشؤون الاجتماعية أ. آرييس أن مشاكل الاندماج في ألمانيا لن تُحَل على مستوى الحكومة، وإنما ستُحَل فقط على مستوى الولايات الألمانية، والسبب في ذلك، راجع لكون الحكومة ليست مُخولة للبت في مثل هذه القضايا، ومن ثم فهي لا تمتلك الحق في إصدار القوانين المتعلقة بالاندماج.وتقول بعض المصادر الألمانية، أن سياسة الهجرة و الاندماج دخلت في متاهات عديدة لأن الحكومة الألمانية لم تعط الأهمية اللازمة للمهاجر الغريب الذي استعانت به منذ عقود طويلة من أجل بناء اقتصاد ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. ومن عاش في ألمانيا في مرحلة الستينات يعرف جيدا كيف نقلت الحكومة الألمانية دوائر خاصة إلى الريف التركي كي يشرف الموظفون على اختيار من سيعمل في إعادة بناء ألمانيا. هذا، و تقدم وزيرة التربية والتعليم الألمانية انيته شافان مثالا عن المدارس الألمانية التي لم تول اهتماما إلى مشكلة الاندماج إلا في وقت متأخر، مما يجعل مهمة إدماج المسلمين جد شاقة.من هو الألماني الصالح ؟ تعيش الجاليات العربية و الإسلامية العديد من المشاكل والعوائق التي تحد من تواصلها مع المجتمع الألماني و تعرقل اندماجها الإيجابي على الأراضي الألمانية. فمنذ تطبيق ما يسمى “اختبار الميول والنزعات الداخلية” في 44 سلطة تابعة لولاية بادن- فورتمبيرغ وهو اختبار يستخدم كجدول معايير لفحص المهاجرين والتأكد عما إذا كانت تتوفر لديهم الشروط الخاصة بالتجنس في ألمانيا ، و الجدل يتفاعل بين السياسيين و رجال الإعلام الألمان حول هذا المنحى السياسي الجديد. فمسألة شروط منح الجنسية الألمانية بهذه الولاية وطبيعة الأسئلة المطروحة شجعت بعض وسائل الإعلام على طرح سؤال مثير جدا حول من هو الألماني الصالح ؟ هذا السؤال و بمجرد طرحه يفترض وجود خلفيات سياسية وشروط تساهم في إثارته لابد من توضيحها و تحليل مراميها. أولا نجد العديد من الفاعلين السياسيين الألمان عبروا عن رفضهم لهذا الاختبار الذي يستهدف بالدرجة الأولى خلق متاعب لكل من يود من الجالية المسلمة الحصول على الجواز الألماني. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد زعيم الحزب الديموقراطي الاجتماعي ماتياس باتسك الذي أكد بكون هذا الطريق خاطىء لمن يريد حل مشكلة الاندماج بألمانيا. دلالات هذا التصريح تجد مبرراتها في نوعية الأسئلة المطروحة في الاختبار و التي يتم من خلالها فحص مدى استعداد المرشح للحصول على الجنسية لتبني أفكار التسامح الديني، فضلا عن التسامح تجاه المجموعات الإثنية أو فيما يتعلق بالميول والنزعات المثلية لدى بعض الناس في المجال الجنسي.ثانيا، إن النقاش الدائر حول هذا الموضوع يؤدي بنا لا محالة إلى إبداء ملاحظة أساسية حول كيفية تحويل الجنسية من مجال الحق التي تضمنه المواثيق الدولية و الدستور الألماني إلى مجال الامتياز، وفي هذا الأمر مخاطرة سياسية كبرى تحمل أكثر من معنى، إذ نسجل تأييد الحزب المسيحي الديموقراطي الحاكم بالولاية المذكورة للإجراء الجديد ضد خصمه التاريخي الحزب الاجتماعي الديموقراطي الذي يشكل حليفه السياسي في الحكومة الفدرالية البونتستاغ . هذا الصراع الحزبي حول مقترح تقنين الحصول على الجنسية الألمانية برمته إلى رهان سياسي و انتخابي لن تتبدد انعكاساته بسهولة، مما يدفعنا إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول الأسباب التي جعلت اقتراح حكومة ولاية بادن- فورتمبيرغ يشعل فتيل الجدل و الصراع السياسي؟ لفهم هذا الأمر، لابد من الإشارة إلى أن طبيعة الأسئلة المقترحة في الاختبار تعد مستفزة بالدرجة الأولى للمسلمين المقيمين على الأراضي الألمانية لكون مضمونها يدل على ذلك. فالحصول على الجواز الألماني يفرض على كل مرشح الإجابة على أسئلة من قبيل: ما ذا سيكون موقفك أو رد فعلك عندما يأتيك أحد أبنائك و يصرح لك أنه مثلي أو أنها سحاقية ؟ في رأيك ،هل مرتكبي أحداث الحادي عشر يعدون من الإرهابيين أم محارببن من أجل الحرية ؟إن هذا النوع من الأسئلة، الغرض منها هو تهميش المسلمين و حرمانهم بطرق ملتوية من حقهم في الحصول على جواز السفر. إنه إجراء يؤكد على فكرة خنقهم وتجريدهم من حق مضمون في بلد مازال يشكل فيه الانتماء إلى الوطن عقدة تاريخية لم يتخلص منها الألمان لحدود الساعة. فرجوعا إلى الإحصائيات الرسمية ،نجد أنه خلال سنة 2004 لم تتجاوز نسبة الحاصلين على الجنسية الألمانية 127. 153 شخصا، منهم 35في المائة من الأتراك و 5,9 في المائة من البولونيين . هذا العدد يعتبره العديد من المهتمين و المحللين جد قليل بالمقارنة مع حجم ساكنة ألمانيا و الذي يصل إلى 82,45 مليون نسمة دون نسيان أنه حتى هذه الكثافة السكانية تتناقص بشكل مهول كل سنة نظرا لارتفاع نسبة الشيخوخة و الإنخفاظ الكبير في نسبة الولادات. العديد يعتبر أن وضع شروط لمنح الجنسية الألمانية يأتي في سياق استراتيجية محاربة الإرهاب المصنوعة من طرف إدارة بوش و التي تهدف إلى تركيع أصحاب القرار الألماني. فمكتب الأمن الداخلي و الذي وظيفته هي الدفاع عن الدستور الألماني يؤكد في إحدى تقاريره على أنه قرابة 32000 من الإسلاميين المتطرفين يعيشون بألمانيا. فمثل هذه التقارير من جهة و السياسة الأمريكية الحالية من جهة ثانية، كلها تعزف على نفس الوتر وتساهم بشكل أو بآخر في خلق عدو وهمي من أجل تبرير التدخل الأمريكي في كل بقاع العالم بما فيها ألمانيا التي لم تخرج بعد من نتائج الحرب العالمية الثانية. وهذا الأمر يبرره ما يطلب من المرشحين من إجابات تفصح عن مواقفهم تجاه الإرهاب المنمط بدواعي دينية ومبادئ المساواة الاجتماعية والسياسية الخاصة بالمرأة وحقها في تقرير مصيرها إضافة إلى قيم الشرف والعادات والتقاليد. أما الخلفية الأخرى التي تقف وراء هذا الإجراء الألماني الجديد هو التخوف الذي أصبح تدركه أوروبا إزاء المسلمين و هو أمر يؤكده تقرير اتحاد هلسنكي الدولي لحقوق الإنسان الصادر في مارس/ آذار 2005 والذي يرى أنه منذ أحداث الحادي عشر بدأت الأغلبية السكانية في كافة أنحاء أوروبا تشعر على نحو لم يكن معهودا من قبل بأن المسلمين يشكلون خطرا عليها في عقر دارها الأوروبي. هذه الفوبيا لم تكن في أي وقت مضى بهذه الحدة كما يحدث الآن، حيث أمسى المسلمون بأوروبا يشعرون بوطأة التمييز والنظرة السلبية في حياتهم اليومية.رفض هذا الاختبار الذي يفتقد إلى روح المسؤولية ويقوم على قاعدة الاستهزاء لرفع درجة القلق وخلق البلبلة لم يكن فقط من قبل السياسيين و المجتمع المدني و الجمعيات الإسلامية بألمانيا بل صدر كذلك عن ممثلي إتحاد المنظمات المدافعة عن حقوق المثليين جنسيا و الذين اعتبروا أن إجراء حكومة بادن- فورتمبيرغ يعد مسا بصورة المجتمع العصري وضربا للحق في الانتماء المضمون لجميع المواطنين كيفما كانت ديانتهم، لونهم، عرقهم... هذا الموقف جعل أحد ممثلي الإتحاد يتساءل ساخرا حول أحقية البابا في الحصول على الجنسية الألمانية و هي إشارة إلى موقف هذا الأخير الرافض لزواج المثليين !عموما، يمكن القول بأن نتائج قرار حكومة بادن- فورتمبيرغ التي تعتبر ثالث ولاية من حيث الأهمية و يصل عدد سكانها إلى 10 مليون نسمة ستكون معاكسة لكل تدبير أو سياسة
ديموقراطية من شأنها إدماج المهاجرين في المجتمع الألماني.فحسب ياسمين كراكش أوغلو، أستاذة في جامعة بريمن ، “إذا أردنا حماية أنفسنا من خلال اختبارات الميول والنزعات، فهذه التجربة قد فشلت مراراً في استبعاد المثقفين والمتطرفين اليساريين من الحياة العامة. كانت كل المحاولات في الدخول إلى عقول الناس وتحديد ميولهم وقناعاتهم تتعارض مع القناعة الديمقراطية “.قرار اختبار الميولات و القنا عات و تدابير أخرى تساهم كلها بشكل كبير و بدعم من بعض وسائل الإعلام في إنتاج صور نمطية عن الدين، الزواج و غيرها من الأشكال الثقافية و الدينية للجاليات المسلمة. في هذا السياق تميز ذ. ياسمين كراكش أوغلو بين المفاهيم و تحاول التدقيق في معناها. فهي ترى أنه “يوجد فرق بين الزيجات المنسقة من قبل الأهل وبين الزواج القسري. إنه من حق المرء أيضاً عن طريق التنسيق المسبق بمشاركة شخص ثالث، بالدرجة الأولى الأقارب والأهل أو حتى أشخاص آخرين، إبرام الزواج والموافقة عليه. هذا لا يسمى مسبقاً بالزواج القسري. هذا التمييز مهم بالنسبة لي وللأسف فان الرأي العام غير مدرك له لأنه مقتنع بتعريف واحد لا غير”. مما لا شك فيه أن مبادرة حكومة بادن- فورتمبيرغ أدت بالعديد من المؤسسات الصحفية الألمانية إلى استغلال الموضوع لإثارة جدالات مبالغ فيها لتغذية الصراع و الاستفادة منه إعلاميا. و على سبيل الذكر، جريدة بيلد ذائعة الصيت التي تساءلت حول إمكانية حرمان حتى الحاصلين سابقا على الجنسية و الذين ولدوا بألمانيا، وهذا يجد مبرراته في كون الاختبار السالف الذكر مبالغ فيه و متجاوز حتى لمعارف الألمان حول بلدهم.يبقى إذن على وزراء الداخلية بجميع الولايات الألمانية أن يقرروا في شهر ماي المقبل خطة عمل موحدة للخروج من هذا المأزق السياسي المضر بصورة ألمانيا الديموقراطية. و إلى حدود ذلك التاريخ يظل التساؤل المحوري: من سينتصر في النهاية، هل ألمانيا الديموقراطية المتبنية للحوار والمحتضنة لكل المواطنين بكل انتماءاتهم والمعتمدة على سياسة ترمي إلى إدماج المهاجرين باعتبارهم جزءا طبيعيا من المجتمع مع اتخاذ إجراءات محددة لدفع اندماجهم المدرسي والمهني قدما أم هي ألمانيا الديماغوجية المنبطحة لقرارات الإدارة الأمريكية و الرامية إلى تنميط صورة الألماني الصالح و جعلها في قوالب جاهزة ضاربة عرض الحائط كل القيم الرامية إلى احترام الاختلاف الحر في كل أبعاده ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.