نقاشات جادة تسبق "إعلان نواكشوط"    وعود استثمارية ضخمة تتوج مباحثات وكالة التنمية الفرنسية بالأقاليم الجنوبية    مركز مغربي: الحكم الذاتي يتيح تنافس قادة "البوليساريو" مع نخب الصحراء    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    فليك ينتظر هيمنة برشلونة أمام الريال    منتخب الشباب يستعد للقاء سيراليون    أرسنال يجهز الممر الشرفي لليفربول    الى صديقي يونس    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    مصرع 6 أشخاص في حادثة سير مروعة بالطريق السيار    زيارة استثنائية وإنسانية للزفزافي تنعش آمال الحل في ملف حراك الريف    زلزال تفوق قوته 5 درجات يضرب هذه الدولة    حريق مهول يلتهم وحدة صناعية للأغطية دون خسائر بشرية    البطولة.. الكوكب المراكشي على بعد نقطة من العودة إلى القسم الأول بتعادله مع رجاء بني ملال    في يومها العالمي.. شجرة الأركان تتوّج رمزًا للتراث المغربي والصمود البيئي    الناظور غائبة.. المدن المغربية الكبرى تشارك في منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" بالرياض    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يستعد للإعلان عن اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية خلال جولته الشرق أوسطية    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر حرمانها من وصل الإيداع القانوني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    سحابة كلور سامة في إسبانيا ترغم 160 ألف شخص على ملازمة منازلهم    إسبانيا تُطلق دراسة جديدة لمشروع النفق مع طنجة بميزانية 1.6 مليون أورو    بعد واقعة انهيار عمارة بفاس..التامني تسائل الداخلية عن نجاعة مشاريع تأهيل المباني الآيلة للسقوط    مراكش .. انطلاق فعاليات البطولة الوطنية للشطرنج    ترامب يعلن موافقة باكستان والهند على وقف "فوري" لإطلاق النار    مهرجان مغربي في تاراغونا يبرز عمق العلاقات بين المغرب وإسبانيا    وساطة أمريكية تنهي التصعيد بين باكستان والهند    الأوروبيون يسعون لهدنة مع موسكو    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    من الرباط إلى طنجة.. جولة كلاسيكية تحتفي بعبقرية موزارت    مهرجان "كان" يبرز مأساة غزة ويبعث برسائل احتجاجية    دورة ماي بجماعة القصر الكبير : هل ترشح السيدة إلهام الركاع لرئاسة لجنة المعارضة يخضع للقانون أم للسياسة؟!!!. – جزء 2-    تنظيم استثنائي لعيد الأضحى بالمجازر.. هل يتجه الناظور لتطبيق النموذج المعتمد وطنياً؟    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    وكالة الحوض المائي اللكوس تطلق حملة تحسيسية للتوعية بمخاطر السباحة في حقينات السدود    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    القضاء الأمريكي يجمد تسريح موظفين    بالقرعة وطوابير الانتظار.. الجزائريون يتسابقون للحصول على الخراف المستوردة في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد (فيديوهات)    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    حمد الله يكشف المستور.. رفضت التنازل لبنزيما وهددت بالرحيل    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    النصيري يستعيد بوصلة التسجيل بتوقيع هدف في مرمى باشاك شهير    غزة تموت جوعا... كيلو الدقيق ب10 دولارات ولتر الوقود ب27    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    أسعار النفط ترتفع    إيران وأمريكا تستأنفان المحادثات النووية يوم الأحد    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    النظام الجزائري يمنع أساتذة التاريخ من التصريح للإعلام الأجنبي دون إذن مسبق: الخوف من الماضي؟    أسود الأطلس... فخر المغرب الذي لم ينقرض بعد    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‮«‬مفهوم ‬الدولة ‬بين ‬شعوب ‬بائسة ‬وأنظمة ‬مفلسة‮»‬
نشر في لكم يوم 21 - 04 - 2019

1) ‬من ‬أكبر ‬وأخطر ‬الإشكاليات ‬التي ‬واجهت ‬الإنسان ‬منذ ‬بداية ‬تكاثره ‬هو ‬مسألة ‬التملك ‬والحرص ‬عليه ‬وحمايته ‬وادخاره ‬وتوظيفه ‬على ‬أسس ‬ضامنة ‬للاستقرار ‬والاستمرار.‬بل ‬هذا ‬الحرص ‬قد ‬كان ‬من ‬أسباب ‬خروج ‬آدم ‬وحواء ‬من ‬الجنة ‬وهبوطهما ‬مع ‬إبليس ‬إلى ‬الأرض ‬في ‬صورة ‬عداء ‬وصراع ‬وتدافع ‬حول ‬المواقع ‬والمنافع.‬فكان ‬ما ‬كان ‬من ‬قتل ‬قابيل ‬لهابيل ‬وسعيه ‬للاستحواذ ‬على ‬حقه ‬بطرق ‬غير ‬مشروعة ‬تحت ‬تهديد ‬السلاح ‬وتوظيف ‬البطش ‬ومحاولة ‬إرغام ‬الآخر ‬بالقوة ‬ولم ‬لا ‬الإزاحة ‬من ‬الوجود.‬
‬فكان ‬لا ‬بد ‬من ‬سلطة ‬تشريعية ‬وتنفيذية ‬تعمل ‬على ‬تفادي ‬تكرار ‬هذا ‬الصدام ‬بالرغم ‬من ‬أن ‬المساحات ‬الأرضية ‬كانت ‬متوفرة ‬لتكفي ‬الملايين ‬والخيرات ‬موجودة ‬بكثرة ‬والتهديد ‬الخارجي ‬غير ‬وارد،ومع ‬ذلك ‬كانت ‬نزعة ‬الاستيلاء ‬والاستعلاء ‬موجودة ‬وقائمة،وهذا ‬هو ‬الإنسان ‬في ‬تكوينه ‬الغريزي ‬والطبيعي،لا ‬يحد ‬طمعه ‬مكسب ‬ولا ‬يملأ ‬فاه ‬سوى ‬التراب ‬كما ‬وصفه ‬رسول ‬الله ‬صلى ‬الله ‬عليه ‬وسلم ‬كأدق ‬وصف ‬وأعمقه.‬
‬وهذه ‬السلطة ‬قد ‬استمدت ‬تشريعها ‬ابتداء ‬من ‬آدم ‬عليه ‬السلام ‬حتى ‬خاتم ‬الأنبياء ‬والمرسلين ‬سيدنا ‬محمد ‬صلى ‬الله ‬عليه ‬وسلم. ‬
‬ومع ‬هذا ‬فقد ‬كان ‬الإنسان ‬في ‬أغلب ‬فئاته ‬دائما ‬معارضا ‬لهذا ‬التشريع ‬ومجادلا ‬في ‬المعتقد ‬الديني ‬الأصيل ‬من ‬خلفية ‬الحرية ‬والليبرالية ‬والتمادي ‬في ‬استهلاك ‬خيرات ‬الأرض ‬ومجهودات ‬المجتمع ‬الذي ‬لولاه ‬لما ‬كان ‬له ‬شأن ‬ولا ‬قوة :‬‮»‬بل ‬يريد ‬الإنسان ‬ليفجر ‬أمامه ‬يسأل ‬أيان ‬يوم ‬القيامة‮»‬.‬
‬وحينما ‬نلاحظ ‬هذا ‬التخبط ‬الذي ‬آل ‬إليه ‬واقعنا ‬،الدولي ‬عامة ‬والعربي ‬خاصة ‬،من ‬صراع ‬وتناقض ‬وتداخل ‬في ‬المفاهيم ‬والوظائف ‬والسلط ‬نجد ‬بأن ‬السبب ‬الرئيسي ‬هو ‬غياب ‬بوصلة ‬الدولة ‬عن ‬التعريف ‬وتحديد ‬المفاهيم ‬،وهذا ‬ما ‬جعل ‬الشعوب ‬تدور ‬ثم ‬تعود ‬إلى ‬المكان ‬الذي ‬دارت ‬منه ‬مع ‬زيادة ‬الضنك ‬والتعب ‬والغثيان.‬فمرة ‬يتحاكم ‬القوم ‬إلى ‬الدستور ‬ومرة ‬يخدش ‬وينبش ‬في ‬المستور،وحينا ‬يهرع ‬إلى ‬حماية ‬الجيش ‬وأخرى ‬يستعمل ‬منطق ‬الطيش،هذا ‬يقول ‬بأنه ‬مظلوم ‬وذاك ‬يزعم ‬بأنه ‬صاحب ‬القرار ‬المحسوم،وقس ‬على ‬هذا ‬من ‬خبط ‬وخلط ‬وغلط ‬ولغط ‬تتضاحك ‬منا ‬بسببه ‬الأمم ‬والبلدان ‬ويشمئز ‬من ‬حالنا ‬الجن ‬والحيوان.‬
‬2) ‬فمن ‬التعاريف ‬المشهورة ‬للدولة ‬نجد ‬مثلا:‬‮»‬ ‬الدولة هي ‬مجموعة ‬من ‬الأفراد ‬يمارسون ‬نشاطهم ‬على ‬إقليم ‬جغرافي ‬محدد ‬ويخضعون ‬لنظام ‬سياسي ‬معين ‬متفق ‬عليه ‬فيما ‬بينهم ‬يتولى ‬شؤون الدولة، ‬وتشرف الدولة على ‬أنشطة ‬سياسية ‬واقتصادية ‬واجتماعية ‬الذي ‬يهدف ‬إلى ‬تقدمها ‬وازدهارها ‬وتحسين ‬مستوى ‬حياة ‬الأفراد ‬فيها، ‬وينقسم ‬العالم ‬إلى ‬مجموعة ‬كبيرة ‬من الدول, ‬وان ‬اختلفت ‬أشكالها ‬وأنظمتها ‬السياسية(.‬ويكيبيديا)‬
‬وللدولة ‬عدة ‬تعريفات ‬وُضِعت ‬من ‬قبل ‬العديد ‬من ‬المؤسسات ‬ولاسيما ‬الأوروبية ‬منها، ‬إلا ‬أن ‬التعريف ‬الأكثر ‬شيوعاً ‬لمفهوم ‬الدولة ‬هو ‬تعريف ‬المفكر ‬الألماني‮ ‬ماكس ‬فيبر – ‬Max Weber‮ ‬إذ ‬عرَّفها ‬بأنها ‬منظمة ‬سياسية ‬إلزامية ‬مع ‬حكومة ‬مركزية ‬تحافظ ‬على ‬الاستخدام ‬الشرعي ‬للقوة ‬في ‬إطار ‬معين ‬الأراضي.‬كما ‬عرَّفت ‬موسوعة لاروس – ‬Larousse‮ ‬الفرنسية ‬الدولة ‬بأنها: ‬‮«‬مجموعة ‬من ‬الأفراد ‬الذين ‬يعيشون ‬على ‬أرض ‬محددة ‬ويخضعون ‬لسلطة ‬معينة‮»‬.‬في ‬حين ‬رأى ‬العديد ‬من ‬فقهاء ‬القانون ‬الدستوري ‬أن ‬الدولة: ‬‮«‬كياناً ‬إقليمياً ‬يمتلك ‬السيادة ‬داخل ‬الحدود ‬وخارجها، ‬ويحتكر ‬قوى ‬وأدوات ‬الإكراه".‬
وكتعريف ‬اصطلاحي‮»‬ّ‮»‬تعرف ‬الدولة ‬بأنها ‬، ‬شعب ‬مستقر ‬على ‬إقليم ‬معين ‬، ‬وخاضع ‬لسلطة ‬سياسية ‬معينة ‬، ‬وهذا ‬التعريف ‬يتفق ‬عليه ‬أكثر ‬الفقهاء ‬لأنه ‬يحتوي ‬العناصر ‬الرئيسة ‬التي ‬لا ‬بد ‬لقيام ‬أي ‬دولة ‬منها ‬، ‬وهي ‬الشعب ‬، ‬والإقليم ‬والسلطة ‬وإن ‬اختلفوا ‬في ‬صياغة ‬التعريف ‬، ‬ومرد ‬هذا ‬الاختلاف ‬إلى ‬أن ‬كل ‬فقيه ‬يصدر ‬في ‬تعريفه ‬عن ‬فكرته ‬القانونية ‬للدولة .‬
‬لكن ‬مما ‬أثار ‬انتباهي ‬في ‬مسألة ‬الدولة ‬وحالها ‬العسكري ‬والمدني ‬ومن ‬هم ‬أصحاب ‬القرار ‬في ‬الحكم ‬والتدبير ‬هو ‬ما ‬طرحه ‬أفلاطون ‬في ‬جمهوريته ‬حينما ‬كان ‬ينظر ‬للنظام ‬السياسي ‬المفروض ‬تطبيقه ‬بالمدينة ‬الفاضلة ‬، ‬وبعدما ‬أعطى ‬تصورا ‬حولها ‬ووظائف ‬أفرادها ‬وبنيتها، ‬استطرد ‬قائلا:‬‮»‬فلننظر ‬في ‬الدولة ‬التي ‬شيدناها ‬ولنتساءل ‬أيهم ‬في ‬رأيك ‬خير ‬من ‬الباقين،أهم ‬الحراس ‬الذين ‬يشبون ‬على ‬ما ‬فرضنا ‬عليهم ‬من ‬تعليم ‬أم ‬الحذاؤون ‬الذين ‬هذبتهم ‬حرفة ‬صناعة ‬الأحذية ‬؟-‬يا ‬له ‬من ‬سؤال؟- ‬فأجبت ‬لقد ‬فهمت ‬وإذن ‬فالمحاربون ‬هم ‬أفضل ‬المواطنين ‬جميعا ‬–أفضلهم ‬بكثير-‬وكذلك ‬المحاربات ‬أفضل ‬من ‬بقية ‬النساء ‬جميعا…‬ومن ‬هذا ‬نستنتج ‬أن ‬النظام ‬الذي ‬اقترحناه ‬ليس ‬ممكن ‬التحقيق ‬فحسب ‬بل ‬هو ‬أيضا ‬الأفضل ‬للدولة…‬‮»‬جمهورية ‬أفلاطون ‬ص348.‬
‬من ‬هنا ‬فالدولة ‬المسماة ‬زعما ‬بالديمقراطية ‬ينبغي ‬أن ‬تتأسس ‬على ‬قوة ‬العسكر،لكن ‬هذه ‬الأخيرة ‬تكون ‬مطواعة ‬ومؤطرة ‬على ‬مبادئ ‬وطنية ‬محددة ‬والتي ‬بها ‬يحصل ‬لها ‬الشرف ‬والامتياز ‬،كما ‬أنها ‬تكون ‬تحت ‬إمرة ‬المنظر ‬للدولة ‬والمفكر ‬أو ‬الفيلسوف ‬ذي ‬الطابع ‬المدني ‬والرؤية ‬البعيدة ‬لحماية ‬مصلحة ‬البلد ‬من ‬داخلها ‬وخارجها.‬فهم ‬– ‬أي ‬العسكر- ‬وسيلة ‬مسيرة ‬وموجهة ‬لا ‬حاكمة ‬ومنظرة ‬،وهذا ‬طبيعي ‬بحسب ‬تخصص ‬أصحاب ‬الميدان ‬الذي ‬هو ‬تقني ‬وتكتيكي ‬واستراتيجي ‬في ‬الحروب ‬وحماية ‬الثغور ‬لا ‬غير‮ ‬! ‬
‬فالذي ‬يحمي ‬المواطنين ‬هو ‬الحاكم، ‬أي ‬الدولة ‬لا ‬الجيش ‬،وبالتالي ‬فهو ‬الذي ‬يملك ‬خيوط ‬تحركاته ‬ومؤنه ‬وفرقه ‬ومراتبه،وهو ‬الذي ‬يملك ‬القرار ‬في ‬تسليم ‬السلاح ‬لهذا ‬الفصيل ‬أو ‬ذاك ‬وتقريب ‬هذا ‬الجنرال ‬أو ‬ذاك ‬العقيد. ‬‮«‬وليست ‬آلة ‬السلاح ‬التي ‬جعلت ‬دافعة ‬لعدوان ‬الحيوانات ‬العجم ‬عنهم ‬كافية ‬في ‬دفع ‬العدوان ‬عنهم ‬لأنها ‬موجودة ‬لجميعهم‮ ‬! ‬فلا ‬بد ‬من ‬شيء ‬آخر ‬يدفع ‬عدوان ‬بعضهم ‬عن ‬بعض ‬ولا ‬يكون ‬غيرهم ‬لقصور ‬جميع ‬الحيوانات ‬عن ‬مداركهم ‬وإلهاماتهم ‬،فيكون ‬ذلك ‬الوازع ‬واحدا ‬منهم ‬يكون ‬له ‬عليهم ‬الغلبة ‬والسلطان ‬واليد ‬القاهرة ‬حتى ‬لا ‬يصل ‬أحد ‬إلى ‬غيره ‬بعدوان ‬وهذا ‬هو ‬معنى ‬الملك‮»‬.‬على ‬حد ‬تعبير ‬ابن ‬خلدون .‬
‬3) ‬وفي ‬صياغة ‬رمزية ‬لمفهوم ‬الدولة ‬وأركانها ‬ووظائف ‬أعضائها ‬يتحدث ‬أبو ‬حامد ‬الغزالي ‬عن ‬ترتيب ‬السلط ‬قائلا:‬‮»‬اعلم ‬أنه ‬قيل ‬في ‬المثل ‬المشهور ‬إن ‬النفس ‬كالمدينة ‬،واليدين ‬والقدمين ‬وجميع ‬الأعضاء ‬ضياعها ‬،والقوة ‬الشهوانية ‬واليها ‬والقوة ‬الغضبية(‬أي ‬الجيش ‬والشرطة) ‬شحنتها ‬والقلب ‬ملكها ‬والعقل ‬وزيرها ‬والملك ‬يدبرهم ‬حتى ‬تستقر ‬مملكته ‬وأحواله ‬،لأن ‬الوالي ‬وهو ‬الشهوة ‬كذاب ‬فضولي ‬مخلط ‬،والشحنة ‬وهو ‬الغضب ‬شرير ‬قتال ‬خراب ‬،فإن ‬تركهم ‬الملك ‬على ‬ما ‬هم ‬عليه ‬هلكت ‬المدينة ‬وخربت ‬،فيجب ‬أن ‬يشاور ‬الملك ‬الوزير ‬ويجعل ‬الوالي ‬والشحنة ‬تحت ‬يد ‬الوزير ‬،فإذا ‬فعل ‬ذلك ‬استقرت ‬أحوال ‬المملكة ‬وتعمرت ‬المدينة ‬وكذلك ‬القلب ‬يشاور ‬العقل ‬ويجعل ‬الشهوة ‬والغضب ‬تحت ‬حكمه ‬حتى ‬تستقر ‬أحوال ‬النفس ‬ويصل ‬إلى ‬سبب ‬السعادة ‬من ‬معرفة ‬الحضرة ‬الإلهية ‬،ولو ‬جعل ‬العقل ‬تحت ‬يد ‬الغضب ‬والشهوة ‬هلكت ‬نفسه ‬وكان ‬قلبه ‬شقيا ‬في ‬الآخرة‮»‬.‬
‬أعتبر ‬هذا ‬النص ‬من ‬روائع ‬النصوص ‬السياسية ‬التراثية ‬والمحددة ‬لمفهوم ‬الدولة ‬وتنظيمها ‬مع ‬ضبط ‬وظائف ‬السلطة ‬المدنية ‬بجانب ‬السلطة ‬العسكرية ‬وخاصة ‬حينما ‬قال:‬‮»‬فيجب ‬أن ‬يشاور ‬الملك ‬الوزير ‬ويجعل ‬الوالي ‬والشحنة(‬أي ‬العسكر ‬والشرطة)‬تحت ‬يد ‬الوزير‮»‬. ‬وهنا ‬يطرح ‬دور ‬وزارة ‬الداخلية ‬في ‬ضبط ‬تحركات ‬الطرفين ‬أي ‬السلطة ‬العسكرية ‬والمدنية ‬معا ‬حتى ‬لا ‬يقع ‬الانفلات ‬وتنقلب ‬السلطتان ‬معا ‬على ‬الحاكم ‬الرئيسي ‬فيقع ‬الشعب ‬فريسة ‬الشحنة ‬أو ‬الغضب ‬والشهوة ‬،أي ‬انتهاب ‬المال ‬العام ‬واختلاسه ‬بغير ‬محاسبة ‬أو ‬رقابة ‬مع ‬قمعه ‬وإرهابه. ‬
‬فالجيش ‬ليس ‬جيشا ‬بذاته ‬لأنه ‬من ‬ثمرة ‬جهود ‬وخيرات ‬الشعب ‬والدولة ‬معا، ‬وليس ‬هو ‬المحدد ‬لمعالم ‬الدولة ‬واستقرارها ‬بل ‬هو ‬أداة ‬لحماية ‬استمرارها ‬والذود ‬عن ‬حدودها ‬وثغورها، ‬ولهذا ‬فلا ‬ينبغي ‬له ‬أن ‬يحكم ‬ابتداء ‬،وإن ‬كان ‬قد ‬يعد ‬طرفا ‬مهما ‬في ‬المعادلة ‬السياسية ‬،من ‬جهة ‬يحمي ‬الحاكم ‬ومن ‬جهة ‬يدافع ‬عن ‬المحكوم ‬،أي ‬أن ‬وظيفته ‬التقنية ‬محصورة ‬في ‬الدفاع ‬والحماية ‬لا ‬في ‬التدبير ‬والتسيير،إذ ‬الجمع ‬بين ‬الصفتين ‬ينبغي ‬أن ‬يكون ‬قائما ‬لدى ‬الحاكم ‬الرئيس ‬للدولة ‬وعنه ‬تتفرع ‬الوظائف ‬والأدوار ‬بمثابة ‬القلب ‬الذي ‬عبر ‬عنه ‬الغزالي ‬بهذا ‬المثال ‬الرائع.‬
‬ومن ‬هنا ‬أقول :‬على ‬الشعوب ‬أن ‬تحترم ‬إرادتها ‬ودورها ‬في ‬تأسيس ‬الدولة ‬وتمويل ‬الجيوش ‬كما ‬على ‬الجيوش ‬أن ‬تقف ‬عند ‬وظائفها ‬وأدوارها ‬ولا ‬تتعدى ‬على ‬سلطة ‬سيدها ‬الذي ‬هو ‬الشعب ‬والذي ‬منه ‬تولد ‬الحاكم ‬ذي ‬الوظيفتين ‬أو ‬الوجهين ‬المزدوجين ‬المتكاملين:‬المدني ‬والعسكري ‬مع ‬الرجوع ‬دائما ‬إلى ‬مصدر ‬السلط ‬وسيدها ‬،وإلا ‬فسيكون ‬الحال ‬عند ‬الاستعداء ‬بهذا ‬ضد ‬ذاك ‬كما ‬يقول ‬الشاعر: ‬
خذ ‬ماتراه ‬ودع ‬شيئا ‬سمعت ‬به ‬فى ‬طلعة ‬البدر ‬مايغنيك ‬عن ‬زحل ‬
ما ‬كل ‬ما ‬يتمنى ‬المرء ‬يدركه ‬تجري ‬الرياح ‬بما ‬لا ‬تشتهى ‬السفن ‬
وإن ‬تكن ‬تغلب ‬الغلباء ‬عنصرها ‬فإن ‬في ‬الخمر ‬معنى ‬ليس ‬في ‬العنب ‬
‬إن ‬السلاح ‬جميع ‬الناس ‬تحمله ‬وليس ‬كل ‬ذوات ‬المخلب ‬السبع
بذا ‬قضت ‬الأيام ‬مابين ‬أهلها ‬مصائب ‬قوم ‬عند ‬قوم ‬فوائد
وكل ‬يري ‬طرق ‬الشجاعة ‬والندى ‬ولكن ‬طبع ‬النفس ‬للنفس ‬قائد
وما ‬عاقنى ‬غير ‬خوف ‬الوشاة ‬وإن ‬الوشايات ‬طرق ‬الكذب ‬
ومن ‬ركب ‬الثور ‬بعد ‬الجواد ‬أنكر ‬أظلافه ‬والغبب
ومن ‬يجعل ‬الضرغام ‬للصيد ‬بازه ‬تصيده ‬الضرغام ‬فيما ‬تصيدا
ومن ‬تكن ‬الأسد ‬الضواري ‬جدوده ‬يكن ‬ليله ‬صبحا ‬ومطعمه ‬غصبا
‬فالله ‬الله ‬في ‬أنفسكم ‬وشعوبكم ‬وحكامكم ‬وجيوشكم ! ‬والله ‬الموفق ‬للصواب ‬ولما ‬فيه ‬مصلحة ‬الشعوب ‬والأمم.‬
كلية ‬الآداب ‬والعلوم ‬الإنسانية ‬ وجدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.