لا شيء يدعو للضحك حين توسم لقاءات الملوك والرؤساء العرب ب"لقاء القمة" ونحن نعيش في جغرافية سياسية مسطحة مليئة بالحفر والخنادق وخالية من السهول والتلال وبالتأكيد خالية من الجبال.. هي جغرافية مسطحة تشي خرائطها السياسية بطبوغرافيتها، لقاءات متتالية مرة في المملكة السعودية وأخرى مصغرة في مصر وثالثة في بغداد.. لا أدري لماذا يدعوني ذلك إلى الضحك،... لكنه ضحك كالبكاء! لماذا تدعو يا دولة الرئيس العراقي كل هؤلاء الذين يقحمون شعوبهم، مثلما تقحم أنت شعبنا بالمذلة والخنوع.. لماذا..؟لماذا تحفزنا للكتابة عنك وعن مؤتمرات يبذخ فيها المال الحرام كمن يلقي ذهبا في المزابل أمام أعين الفقراء والمحتاجين، لماذا تضطرنا للكتابة عن مثل هكذا مهزلة، ونحن موجوعون؟ إن دعوة الملك والرئيس أو من يمثلهم "على سبيل المجاملة" وهم منشغلون في بورصة بيع الأوطان، وانشغال المطار العراقي البائس بمهبط الطائرات، وإشغال كاميرات شبكة الإعلام العراقية المضطربة، لتصوير وجوه كاذبة ومزيفة وإبتسامات مرغمة من الطرفين.. وتستقبلهم وأنت منزوع الضمير ومنزوع السمة الإنسانية، مثلك مثلهم، فيما يباد شعبنا العربي الفلسطيني أجمل خلق الله، بأبشع الأسلحة فتكا كل يوم، ويمنع عنهم مطر الله وخبز الله وقمح الله وأكفان الله، وأنتم في قمم المذلة تلتقون وترتجف أياديكم في سطور حيرى، تعبث فيها النقاط والفواصل وعلامات التعجب والإستفهام، ولا شيء يقال في نهاية المطاف. تبدأ خطبكم بسم الله وتنتهي بالسلام عليكم، فيما نعيش حياة الحرب في أقسى سماتها وبشاعتها ولا تدافعون حتى عن أنفسكم.. ولا تستحون. ليس لكم موقف، في الأقل، أن توقفوا تصدير النفط إلى البلدان المعتدية أو الداعية إلى العدوان، وفوق كل ذلك وبعد كل ذلك، تستقبلون الملوك والرؤساء أو من ينوب عنهم بحفل راقص لصبايا وصبية محتاجين، فيما شعبنا الجميل وأهلنا في غزة وفي عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة يذبحون،وأنتم لا تستحون! في الأقل ليس بالوقوف أمام المرآة، بل أنتم من عشيرة عربية عريقة هي مرآتكم، بل هي مراياكم بدءاًمن شيخ العشيرة ومرورا بأهله من أبناء العشيرة النجباء واحداً واحداً! لا حاجة لبغداد أن تستقبل تلك العينات من فائض سقط المتاع وفائض القيمة، فهؤلاء ليسوا عربا ولا مسلمين، وعليك "مجرد افتراض" أن تصلح بيتك حتى يليق بشيء يطلق عليه مجازا "مؤتمر".. عيب.. بيتك ليس مهدم الجدران ولا عاري السقوف ولا معبد الطرقات فحسب.. لا أقصد المنازل والشوارع وأسلاك الكهرباء المشتبكة بين جدران البيوت، ولا أقصد نقاء مياه الشرب، ولا أقصد السمك النظيف وحبة دواء وجع الرأس التي تفتح لها حدود الشمال والجنوب والشرق والغرب لتدخلها الشاحنات محملة بالدواء الفاسد ومنتهي الصلاحيات الذي أفسده بقصدية واعية بلدان الجوار ورؤساء الجوار المجتمعين في بيتك، كي تلد صبايا العراق جيلا مشوها معوقا لا يصلح للحياة ولا يتمكن فيها ماشيا ولا تعرف وجوه المعاقين ابتسامات الفرح ولا دمعة الأحزان.. لا أخاطبك بالاسم ولا بالانتماء الفكري ولا العشائري، أخاطبك مثلك مثل غيرك، فكل الذين جاؤوا قبلك والذين سيأتون بعدك، هم عينات متشابهة، نسخ كربونية تشبه بأشكال مختلفة نسبيا ذلك الأرعن المعتوه الذي ترأس وطنا كان في يوم ما من أجمل أوطان الدنيا، وطن علم البشرية الكتابة والقراءة وعلمهم نوتة الموسيقى ومسلة القوانين الإنسانية، فعمل الأرعن المختل عقلا والسفاح دما، عمل على تخريب الوطن، لكي يأتي من بعده خير خلف لخير سلف.. فأنتم أحسن من يشبه الجريمة وأحسن من يشبه التهديم وأحسن من يشبه المذلة وأحسن من يشبه الخنوع وأحسن من يرتمي وينام مستريحا في أحضان سفلة العالم ولصوص العالم.. أنت أيها الرئيس صاحب الدعوة الموجهة لمن يشبهك من الجيران، لا أخاطبك بالإسم فأنت نسخة مدموغة بالكربون القديم الأزرق تشبه من جاء قبلك وسوف تشبه من يأتي بعدك حتى يحل كامل الخراب على كامل تراب الوطن "الخربان أصلا"! أنت على سبيل المثال أخذت طائرتك الخاصة ومعك شلة ممن تطلق عليهم مستشارين، ذهبت لتشاهد لعبة كرة قدم في الدوحة ومن ثم في البصرة. كان عليك في ألأقل أن تحتفظ بعنوان وظيفتك "دولة رئيس وزراء" وتحترم عنوان الوظيفة وإن شكلا، وترسل وزير الشباب، مثلا "مجرد مثال" ليتفرج على أحد عشر لاعبا يتداولون بأقدامهم كرة مطاطية.. بدون خجل ، وتصفق حين يسدد الرامي هدفا في شبكة مشدودة الأطراف على خشبة ثلاثية، فيما الهدف والأهداف ماثلة للعيان، الهدف أن يجلس صغار الوطن على رحلات تليق بطفولتهم الحلوة وهم يتعلمون جدول القسمة لا جدول الضرب، وأن تدخل الصبايا موحدات الفستان إلى الجامعة ويأخذن شهادة البكلوريوس بجدارة وليس في "ختيلة" سيارة مظللة لأستاذ مزيف الشهادة يزود سيارته بالكاميرات السرية، لكي يبتز صبية بريئة كما تناقلتها الأخبار، ويقتل حارس مدخل الجامعة دهسا لأنه طلب تفتيش السيارة..!! وفي فنادق الدرجة الأولى للرؤساء في الخليج من عشاق لعبة "الكورة" تنتشر الصبايا العراقيات اللواتي يعملن ويستعملن للوافدين من سائحي المناسبات.. ألم تحدثك واحدة من الصبايا وباللهجة العراقية قبل أن تأخذ المصعد إلى جناح نومك؟ عليك أن تعرف أن صبايا العراق اللواتي عرفن يوما بالعباءة العراقية المحتشمة أو حتى بدونها فالعباءة مجرد رمز للعفة، والعفة هي عند صبايا العراق.. عفة الروح.. صرن يعملن ويستعملن في الوطن في مخابز المولات وفي فنادق الدرجة الأولى في الوطن العشوائي الشكل ومن يحالفها الحظ، تراها في أوتيلات عمان ودبي والدوحة يعملن ويستعملن، تلك الصبايا، اللواتي كن يتأبطن أطروحات العلم والثقافة والقوانين والتاريخ والفضاء والماء والأهوار والأراضي الرخوة، وأطروحات سومر وبابل وأكد، يحدثنك بلهجة العراق عند مداخل المصاعد.. ولا تستحون! فاخلع نعليك أيها الرئيس أنك في الوادي المقدس.. إنك في الوطن المقدس.. إنك في العراق.. ولا وطن سوى العراق.. إذا كنت لا تعرف فعليك أن تعرف عندما حل الطوفان على الأراضي الرخوة في الأهوار قبل ملايين السنين "خلع كلكامش ثيابه ونشرها بيديه كأنها الشراع".. فاخلع ثيابك وانشرها شراعا فقد حل الطوفان على الوطن العراقي أو هو آت، وأخلع نعليك أنك في الوادي المقدس.. هذا الوادي الذي زرعتم فيه بذور الخراب.. وادي النخيل الذي يساقط منه رطبا جنيا في بلاد ما بين النهرين، وادي المراقد المقدسة.. لا أن يضع مستشارك صورته على جدار مكتبه، لابساً "كبوس" الجامعة وإلى جانب صورته شهادة الدكتوراه أو البروفيسور بأختصاص القانون الدولي أو الهندسة المعمارية أو الكيمياء الزراعية، وهو لم يعرف القراءة والكتابة، ويكتب في رسائله الجامعية وخاصة "وخاصتن"! وللمناسبة تدهورت اللغة العربية في جميع مدارس العراق وتدهورت اللغة حتى عند مقدمات ومقدمي برامج القنوات الفضائية! وصرنا من خلالهم نسمع عن بيع وشراء الضمائر، ضمائر مريضة وأخرى ميتة.. نسمع عن صفقات القرن، ورشاوى اللصوص المترفين في سجون الخمس نجوم ونسمع عن رحلات المجون وكازينو الروليت، والطائرات الشخصية في المطارات الخاصة ومواكب للسيارات المظللة لزوجات نواب الشعب، تمشي في شوارع العاصمة.. الطلبة والطالبات يمتحنون بالعافية وينجحون قسرا، والمعلمون يخافون. حبوب الكبسلة في جيوب طلبة الجامعات والسلاح في الجامعات مرخص سرا أو علانية، والمستشفيات يتم إشعال النيران فيها حين يموت المريض ويتهم الطبيب في عدم العناية بالمريض فتحترق الأسرة والشراشف، ويرمي المرضى المكبلين بأجهزة التنفس، بأنفسهم من بالكونات المستشفيات! الأراضي تباع وتشترى وتباع وتشترى وصاحب الأرض لا يقوى على إسترداد أرضه ليبني فيها سقيفة تقيه حر الصيف وبرد الشتاء، فيما مولدات الكهرباء تضج في سماء المدن العراقية، ولأول مرة يردد العراقيون "جاءت الوطنية وراحت الوطنية" يقصدون الكهرباء بديلا عن كهرباء المولدات ومافيات الكهرباء وإستيراد المولدات تارة من إسطنبول وأخرى من تايوان..! صرنا نسمع في العراق، لغة تجارية جديدة لم نسمع ولم نعرف مفرداتها من قبل. ولأول مرة يتحدث العراقيون عن العملة بتعبير ورقة وشدة ودفتر فالورقة مائة دولار والشدة ألف دولار والدفتر عشرة آلاف من الدولارات.. النخيل قص رؤوسها إعداما ذلك الخبل الذي أوحى بأن مقاتلي الفرس المجوس يختفون في غاباتها فيما النخيل يرتقي سعفها في الأعالي وممرات بساتين النخيل مكشوفة للعيان.. وبقيت البصرة دون حزام منعش، فيما نفط البصرة يسري بين البواخر والشاحنات، بأسعار مخفضة رمزيا أو يهدايا عروبية، سواء من خلال بلدان الجوار أو من شمال الوطن المحتل، ومن هذين المنفذين يسري البترول دافئا نحو تل أبيب! الخراب مرئي للعيان، ولا حاجة للتفاصيل المدمرة والمخجلة.. والكتاب مقروء من عنوانه.. فحين تعود الصبايا من المولات إلى بيوتهن المهدمة الآجر والخاطر، أو إلى بيوت السكن الجماعية التي تسكنها المغربيات والمصريات وصبايا العراق بينهن يسمعن نشيد الإنشاد. عندما يتردد نشيد الإنشاد هذا في مدن الوطن العراقي ومدن ما يسمى بالوطن العربي في نهاية الليل وبزوغ الفجر، وتعود صبايا العفة بالأمس، ناعسات الطرف ليستسلمن للنوم، يسمعن نشيد الإنشاد وهو صيحة الخراب، "الطشت قلي.. يا بنت يلي.. قومي استحمي"!؟