رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يقرر البقاء في منصبه    تفاصيل اتفاق جديد بين النقابات والحكومة .. زيادة في الأجور وتخفيض للضريبة    عاجل .. اتفاق بين الحكومة والمركزيات النقابية بشأن زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام    التنسيق النقابي لقطاع الصحة…يقرر مواصلته للبرنامج النضالي    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    المغرب يرشد إسبانيا إلى قارب مخدرات    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل الاحتجاج    عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    التقنيون يتوعدون أخنوش بإضرابات جديدة        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    تزگل باعجوبة. مقرب من العائلة ل"كود": زكريا ولد الناصري ما عندو رالو وها كيفاش وقعات لكسيدة    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    النفط يهبط 1% مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في غزة    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليونارد كاروڤ: تسع سنوات في خدمة السلطان أو ليلة القبض على بوحمارة (20 )
نشر في بيان اليوم يوم 17 - 08 - 2012

ولد ليونارد كاروڤ سنة 1872, والتحق بالبحرية التجارية، ثم أصبح مساعد قبضان على سفينة تابعة لشركة ڤويمار القوية. واتفق له أن توقف بهامبورغ، في 1899فالتقى هناك بالقبطان ميتسنر، وكان، يومئذ، في مهمة لفائدة الحكومة المغربية، للبحث عن قبطان يتولى قيادة «التركي»، التي كان يزمع تركها إلى «البشير». ورغب كاروڤ في التعرف على المغرب، والاستفادة مما عُرض عليه من الامتيازات المادية. فكان قدومه إلى طنجة في طلب موافقة المفوضية الألمانية، وليبرم اتفاقاً مع النائب السلطاني محمد الطريس، لهذا الغرض. فتولى قيادة سفينة «التركي»، وذلك في دجنبر 1899. وظل كاروڤ يقود تلك السفينة طوال ما يقرب التسع سنوات، حتى ربيع العام 1908. وظل يعمل، في غير كلل، في تمشيط السواحل المغربية، في الجهة الجنوبية أولاً، ثم في الجهة الشمالية الشرقية، في مطاردة الروغي بوحمارة.
كانت معرفة كاروڤ بالوسط المغربي وعلاقاته بالشخصيات المغربية والإسپانية، وكفاءاته البحرية أمراً عظيم الأهمية. وقد كان يتخذ من العرائش قاعدة رئيسية للقيام بعملياته (1916-1915)، إذ كان مرساها من المحطات الإخبارية، والتمويلية، لضباط الغواصات الألمان. وكانت العرائش أكبر مركز للنشاط الألماني في الشمال الغربي (بقدر مليلية في الشمال الشرقي). وقد جاءت اللائحة السوداء للمقاولات الألمانية المنشورة في 7 أكتوبر 1916 بالجريدة الرسمية الفرنسية تشتمل على حوالي ثلثي أسماء المنطقة الشمالية (57 من جملة 88) فكان كاروڤ، وقتها، معدوداً عند المصالح الفرنسية، ك «أهم عميل مخابرات»، فكانت لذلك، تجعله تحت مراقبتها الشديدة.
إن أول فضيلة تُحسب لكتاب كاروڤ هي المتمثلة في الحدود التي انحدَّ بها مؤلفه؛ سواء أكانت من صميم شخصيته أو كانت منه مقصودة. فهذا جعل هذا الكتاب شهادة عفوية؛ كما تلوح من افتقار صاحبها إلى الخيال ويظهر من فقر أسلوبه القائم على التكرار الجاف. فما أشد بُعد الشقة بين أسلوب كاروڤ هذا، والملاحظات الاجتماعية والسياسية النفاذة التي نقع عليها لدى كاتب كأوبان، وتلك االغنائية التي تتسم بها كتابة هاريس، وذلك التحرر والانطلاق في الحكي الذي نجده لدى مونتبار... إن قوة كتاب كاروڤ في اقتصاده. وإن انتصار التفاصيل ودقة الكتابة وضبطها، يعيد، كما في نسيج، رتق الأنسجة المشدودة للقصة، والإيقاع الدقيق الذي تسير عليه الأحداث. فتستعيد الوقائع كامل قيمتها الأصلية والرمزية.
يتألف الكتاب من من 26 فصلاً قصيراً، قد جُعلت في نظام زمني تدرُّجي، فكأنه يومية بحار، قد امتاز بفضائلها واندخل بمثالبها. ومن الواضح أن كاروڤ قد اعتمد في إنشاء كتابه على مذكرات حقيقية. فكان من محاسن ذلك ما نرى من الإشارات الدقيقة في تواريخها، ومن الدقة حتى لا نكاد نجد منها استثناء، إلا من حالة أو اثنتين. فالفائدة المائزة لهذا تعود إلى هذا الفيض من المعلومات والأخبار الملموسة، وإلى الانطباع المعيش الذي تخلقه لدينا تعزز منه غناه من التصاوير لاشتماله على ستين صورة أصلية.
-20-
لم يفلح أحد منا في معرفة السبب وراء استدعائنا للحضور إلى طنجة. لكن تخميناتنا كانت أن الأمر يتعلق باستبدال ابن الطاهر بممثل آخر للسلطان. ولزمنا أن نمضي ما يقرب من ثلاثة أيام لنتمكن من السلام على العجوز الطريس.
أيام مضت على ابن الطاهر وهو في حالة من الخوف يتصبب له جسده عرقاً بادياً للعيان. ثم دعينا، في الأخير، عند الوزير، بيد أن المحادثات سارت في منحى آخر، ولم تطرق الموضوع الذين كنا نتوقعه لها. ففور وصولنا، في الساعة العاشرة من صباح 15 يوليوز، تم الذهاب بنا إلى الصالون الخاص بالوزير، فوجدنا هناك إسبانيين، ورجلاً يقال له الزبير (وهو عربي تلقى تعليمه في إنجلترا قام لي بدور الترجمان)، والطريس وسي بناصر غنام، فضلاً عن بن الطاهر.
كان موضوع تلك المحادثات هو الإعداد لخطة لقتل بوحمارة أو أسره.
ذلك بأن رجلاً فرنسياً من الجزائر يُدعى (ميم باء)، صاحب مصنع للتبغ الجزائري، قد اقترح أن يأتي السلطان بخصمه حياً أو ميتاً، ووضع لذلك خطة جريئة لهذا الغرض. فهو يريد أن يهيئ سفينة بخارية، يحمل عليها بعض الأسلحة لأجل الروغي على سبيل الخداع، ثم يتوجه إلى مار تشيكا، فيتسلل إلى البحيرة بواسطة قارب ذي محرك.
ثم ليُستدرج بوحمارة للحضور إلى السفينة بشيء من الحيلة. فإذا صعدها تم تقييده، ويحمل على وجه السرعة على متن القارب البخاري. وفي حالة لم يقع في ذلك الفخ، لزم اغتياله في البر.
ويبدو أن المخزن لم يكن له مناص من ربح هذا الهجوم؛ فإما أن ينجح، فيكون السلطان قد تخلص نهائياً من ألد أعدائه، وإما أن يفشل، فيفقد الروغي ثقته في أصدقائه الفرنسيين، الذين سيصيرون حينها خارج اللعبة.
لم يحضر السيد (ميم. باء) بشخصه، هذه المفاوضات، وإنما مثله فيها الرجلان الإسبانيان اللذان يبدو أنهما سفيران مفوضان في طنجة. وقد طلب مقابلاً عن تلك المهمة أن يقبض تسبيقاً بمبلغ 20000 فرنك في دفعة واحدة، ليغطي بها تكاليف إعداد السفينة البخارية (ولم أعرف قط بماذا كان يطالب في حال نجاح تلك الخطة).
وقد كان ممثلا (باء) والطريس قد تداولوا بشأن القضية، وكان الوزير المغربي موافقاً عليها من الناحية المبدئية، وما كان من خلاف بينهما إلا بشأن تنفيذ الخطة، وقد جرى النقاش بشأنه بمحضرنا. وتلت ذلك مقارعة للرأي طويلة بين الإسبان من جهة، والطريس وغنام من جهة أخرى، إلى أن عن لأحد الإسبان أن يدعوني إلى الإدلاء برأيي.
فلزم الزبير أن يطلعني على الموضوع، لأنني كنت، إلى ذلك الحين، لا أعي شيئاً مما يتداولون. فلما اطلعت على ذلك السر، بين لي أن الطريس وغناماً يودان للتركي أن تظل، أثناء ما يجري تنفيذ تلك الخطة، على مقربة من المكان، وأن أتوجه أنا وابن الطاهر، أولاً، على متن السفينة الفرنسية بصفة الملاحظين. وأما ممثلا (باء) فيرغبان أن تظل «التركي» أبعد ما في الإمكان عن مسرح العمليات، وكذلك أنا وابن الطاهر.
قلت لأولئك السادة إنني أرى أنه لا ينبغي ل «التركي» أن تمكث في تلك الناحية إن كان يُعدُّ لشيء ضد الروغي.
ومع أنه يمكن ل «التركي» أن تختفي في ركن من تلك الناحية، فسيكون في الإمكان رؤيتها، على كل حال، من البر، وللمتمردين نظام إنذار في غاية الإتقان، بحيث يمكنها أن تبلغ سلوان بوجودنا في رمشة العين. ولو توجهت، بعد ذلك، سفينة بخارية فرنسية إلى مار تشيكا لتنزل الأسلحة، في الظاهر، دون أن نعترض سبيلها، فلسوف يخمن الروغي، من شدة ريبته، في الحال، أن في الأمر اتفاقاً، وسيكون في ذلك إفشال للخطة برمتها.
ولقد تبين للوزيرين صواب رأيي. بيد أنهما كانا يرغبان في أن أقوم أنا وابن الطاهر بمراقبة العملية، ولو من غير «التركي»، واشترط أن تأتي إلينا السفينة البخارية الفرنسية لتقلنا إلى طنجة. وقد رأى ممثلا (باء) هذا الأمر أكثر عملية.
ولزمني، مرة أخرى، أن أصدق على كلامهما. فلقد بينت للوزير أن من المتعذر علينا أن نستقل السفينة من غير أن نُرى. فإذا أبلِغت سلوان بركوبنا وانطلاقنا، كان ذلك مما يضر بالعملية. وزدت قائلاً إنه سيكون م دواعي غبطتي الكبيرة أن أكون حاضراً عندما يتم القضاء على بوحمارة، ذلك الرجل الذي تسبب للحكومة في تلك المتاعب الجمة، لكني رأيت من واجبي أن أعدل عن ذلك الحضور، حرصاً على مصلحة الحكومة. وعلى ذلك انتهى ذلك الاجتماع.
لقد كان يلزمنا أن نظل ملتزمين الهدوء فبذلك تقضي مخططات (باء)، لذلك اغتنمت الفرصة للذهاب إلى العرائش، لكي أميل السفينة لإصلاحها على ضفة النهر. فلما عدت إلى طنجة، في 12 غشت، علمنا، بفرحة عارمة، أن ابن الطاهر قد أقيل نهائياً من مهامه كأميرال وقائد، وإنه لن يصعد إلى السفينة بعد ذلك اليوم أبداً.
صار على طنجة قايد جديد، ذلك هو بن غازي؛ فقد دخل العامل السابق على تطوان هذه المدينة دخولاً احتفالياً، في وقت مبكر من يوم 16 غشت، يرافقه عدد من الفرسان وسلطات المدينة التي خرجت لاستقباله. وقد اندلعت، في اليوم نفسه، بعض المناوشات بين رجال الريسولي، الذين يقومون بالأمن على السوق الخارجي، ورجال أنجرة.
وقيل إن السبب فيها كانت الوقاحة التي بدرت من رجال الريسولي، الذين كانوا قد تسببوا، من قبل، في بعض المواجهات. وقد كان أهل أنجرة سلكوا بعض وسائل العنف تجاه المنكلين بهم، فتعرضوا للاعتداء من هؤلاء، وطرِدوا من السوق.
وقد كنا نرى، من على السفينة، أولئك الضحايا مهزومين مدحورين، يدوسون خلال الكتبان الرملية، ويركضون صوب الشاطئ، وفي أعقابهم رجال الريسولي وجنود القايد. لقد أسفرت تلك المواجهات عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين. وكان مشهداً رهيباً أن نرى أحد الجنود يقطع رأس رجل من أنجرة، سقط على الشاطئ، ثم يحمله فوق بندقيته، ويعود إلى المدينة حاملاً غنيمته الحربية، ومن حوله حشد من الفضوليين. ولقد أفلح هذا القايد الجديد، على الرغم من تعبه الناجم عن رحلته الطويلة على ظهور الجياد، في توجيه تلك العملية، بحيث لم يتأدَّ منها أوروبي واحد. وبذلك أمكنه أن يحوز، على الفور، التعاطف من سائر السكان. وفي المساء استتب الهدوء، فما عاد أحد يفكر في ذلك «الحادث». وفي الأيام التالية، تمت تسوية الخلاف، بصفة نهائية، بين الريسولي وأهل أنجرة، وعاد الهدوء إلى المدينة.
لقد كانت هذه الواقعة الجديدة دليلاً على عجز المخزن أن يحفظ النظام. وهي تثبت، كذلك، أن بين احترام السلطات شيء بدأ يختفي لدى الأهالي. ولئن كنا لم نشهد نماذج كثيرة لهذه الواقعة، فإنما مرد ذلك إلى الطبع الطيب الذي جبل عليه هذا الشعب.
في الأيام التالية، وصلت سفينة بخارية فرنسية صغيرة إلى طنجة، تلك هي «ليون طوني». لم يكن أحد يعرف بنواياها. وساور السلطات شك في أن تكون محملة بسلع مهربة إلى بوحمارة، فطلبت من المفوضية الفرنسية أن تحقق في الأمر. بيد أن السفينة لم تلبث منتظرة، فغادرت يوم 27 غشت، تاركة في طنجة سفينة كبيرة بمحرك.
وفي زوال ذلك اليوم نفسه، رأيت (ميم. باء) من وهران على رصيف الميناء في طنجة، فخمنت أن تلك السفينة ربما كانت موجهة إلى ذلك الهجوم الخادع على بوحمارة. وزادت شكوكي عندما علمت أن (ميم. باء) غادر مع السفينة.
في 5 شتنبر انطلقنا من جديد صوب مسرح عملياتنا. وقد كان الطريس أخبرني بأن (ميم. باء) لم يأسر بوحمارة، وأنه يُفترض اعتبار العملية كلها منتهية، وعلينا أن نعود لاستئناف معركتنا. ومن حسن الحظ أن ابن الطاهر لم يرافقنا، وما رافقنا غير خليفة، ذلك هو سي أحمد أحرضان إلى عجرود.
في الزوال، قمت بزيارة الباشا، الذي كان محموماً، فوجدته جالساً، وقد وهن كثيراً، تحت خيمته، لكنه تكلف، مع ذلك، أن يكون لنا مضيفاً كريماً.ولقد كلفني بالذهاب ليلاً إلى مليلية، للائتمار بأوامر القايد المحمدي، الذي سنتلقى منه أوامر أخرى. لقد كان مضطراً إلى مواصلة القصف، ومضطراً إلي أن يكون له علي متن السفينة ممثل للحكومة المغربية، ففطلبت منه أن يجعل معنا سي أحمد أحرضان؛ فقد صار لنا صديقاً في كل شيء، وإن سلوكه المهذب يطمئننا أننا لن نتعرض لأي قلاقل مع السلطات الإسبانية. فبدا أنه يوافقني تماماً إلى هذا الرأى، وعلى ذلك تسلل سي أحمد أحرضان إلى ساحة بني طاهر. وقد حكى لي الباشا أن رجال السلطان أنزلوا، في الأيام الأخيرة، هزائم كثيرة بالروغي، وأن من المستحب أن يُصار ألى إنهاء تلك الحملة، لأن أنصار بوحمارة وسلطته باتا في تناقص واضمحال. غغير أنه لم يحدثني في توجيه ضربة حاسمة، وعندما سألته، في خجل، في ذلك الموضوع، لم ألق منه جواباً.
انطلقنا في الليل إلى ملوية، فوصلناها في الثامنة صباحاً. وهناك أعطانا القايد المحمدي أمره بالرحيل باكراً في اليوم التالي، صوب ساحل بني بوغافر، والظهور هناك لبضع ساعات، من غير إطلاق نار. فإذا خرج قارب، كان علينا أن نقول للركاب إننا ننوي إنزال بعض الجنود في هذه الناحية. وحكى لي القايد أن بني بوغافر صاروا مرتابين في أمر الروغي، وأن ظهورنا سيكون من شأنه أن يقويهم على التصميم على قرارهم الانحياش إلى جانب السلطان الشرعي. اقترحت عليه ألا نعد بإنزال للقوات، بل بإنزال 500 رجل إلى البر. وسيكون بمقدور هؤلاء الرجال، إذا ما ساتعانوا بالقسم الموثوق من بني بوغافر، أن يقصوا على الروغي، وفي حال احتاجوا إلى مساعدة فسيكونون على مقربة من مليلية. وعلى الرغم من الاستحسان الذي قوبل به هذا الاقتراح، فإنه لم يُتبع.
في اليوم الموالي، عند مطلع الشمس، كنا إلى الجنوب الغربي من رأس ثلث مداري، على مقربة من شاطئ بني بوغافر، فكمنا نبحر متئدين جهة الغرب. وفجأة لمحنا، في البعيد، قارباً صغيراً، فسارعنا إلى مطاردته. ولقد تعرف علينا أصحابه، فحاولوا، مغتنمين التي كانت تهب ضعيفة، أن يخلصوا قاربهم بالتجذيف بقوة باتجاه الساحل. لكن عبثاً فعلوا! فقد اعترضنا سبيلهم، فلم يجدوا مناصاً، في الأخير، من أن يضعوا أسلحتهم ويستسلموا لنا. فصعدوا إلى سطح سفينتنا، ووضِعوا رهن الاعتقال، لأنهم لم يكونوا يحملون أوراقاً. كانوا خمسة مغاربة، يبدون هادئين تماماً، خاصة قائدهم، الذين كان يلقي إلينا بنظرات خائفة وخجولة. إنهم من قبيلة تامسمان، على ساحل الحسيمة، المناصرة لعدو السلطان، لكن لم يكن يبدو عليهم من نوايا إحرابية. غير أن سي أحمد أصر على أن نمضي سبهم إلي السعيدية ومعهم قاربهم، وليقرر الباشا ما يفعل بهم. فسحبنا قاربهم المحمل بغالاً، ثم واصلنا طريقنا، في تؤدة، إلى الشرق، بمحاذاة ساحل بني بوغافر. وفجأة رأينا بعض أهالي قرية أساننْ، يجرون على الشاطئ. فتوقفنا، منتظرين أن نتلقاهم بكل ود على متن سفينتنا. لكن بدلاً من ذلك، إذا هم يطلقون النار علينا، من مخابئهم خلف الصخور. فسارعنا إلى الرد عليهم بإطلاق محتوى حزام كامل من رصاص مكسيم وسبع كريات مدفعية على قريتهم.
في صباح العاشر، اقتاد جنودنا السجناء، في كثير من الفخفخة، إلى القصبة، مقيدي الأيدي الأيدي إلى الظهور، وسلموهم، بصفة مؤقتة، إلى القايد علال.
فقد قرر الباشا أن عليهم البقاء هناك باعتبارهم أسرى حرب، وأنه يمكن اعتبار محتوي قاربهم قد صار لنا غنيمة.
وقد كان على متن القارب 150 زوجاً من البغال، فجرى اقتسام العائد من بيعها علي أفراد الطاقم.
اشتكى الباشا من تصرفات أخرى مشينة من لدن الفرنسيين. فقد أصبحوا، الآن، لا يسمحون للسفن القادمة من وهران باجتياز الحدود. وقد أخبرته بأنني قرأت، مؤخراً، في صحيفة فرنسية تصدر في طنجة، أن المخزن لم يسدد الكمبيالة القادمة من وهران بشأن تسليم القمح؛ لذلك اقتصرت السلطات الفرنسية على منع مرور سلع أخرى إلى المغرب من الحدود الجزائرية. لكنه أكد لي جميع التسليمات الموجهة إلى الحكومة قد تمت تسويتها في الوقت المحدد» وما امتنعت الحكومة سوى عن أداء ديونها الخاصة إلى بعض القياد في مارينا. فلم أتوان عن التعقيب على كلامه بأن فرنسا لم تكن تترك فرصة إلا اغتنمتها للإضرار بالمغرب وزيادة إضعافه، كلد مبتغاها من ذلك أن تجعله ترتباً مفتوحاً في حال اعتزمت أن تخضع البلاد لسلطتها.
وعاودنا الرحيل في الليل إلى مليلية.
اجتمع لي، خلال هذه الأيام، بعض المعلومات لا أخالها مبتوتة الصلة بالمحادثة التي كنت حضرتها لدى الطريس بشأن [مخطط] (باء) للقضاء على بوحمارة. فقد سمعت، أولاً، في عجرود، أن سفينة «ليون وطوني» قد اعترضتها سفينة نسافة فرنسية، وجرى اقتيادها إلى أحد الموانئ الفرنسية، بزعم أنها كانت محملة بسلع مهربة، هذا الخبر نشرته صحيفة في وهران، لكن لم أسمع بما يؤكده، وفي ظن أن أصحاب سفينة «ليون وطوني» هم من تعمد أن يمدوا الصحافة بذلك الخبر لتضليلنا. وعلمت، بعد ذلك، أن السفينة ذات المحرك، بقيت في طنجة، ولم تتبعها، لأن قائدها رفض الدخول إلى مار تشيكا؛ فتم تسريحه، من غير أن يؤتى له بمن ببديل. ثم، لما كنت في الجزر الجعفرية، سمعت أن سفينة «ليون وطوني»، بقيت، خلال تلك الأيام، في تلك المياه؛ فكثيراً ما تتوجه، في الليل، إلى المصنع، وتبحر بعيداً في النهار. وكثيراً ما رآها الصيادون، بل إن منهم من زعم أنه رأى على متنها (باء) وبرفقته بعض الفرنسيين في أحسن ثياب.
وقد أخبره الرجال بأن على متن سفينتهم 200 بندقية و3 مدافع، لكنهم لن يسلموها إليه قبل أن يسدد الروغي ثمنها. وفي الأخير، فقد سمعت، وأنا في مليلية، أن ديلبريل قد فقد حظوته لدى بوحمارة، والبعض أكد أن السبب كان رفضه أن يسلم إليه الأسلحة قبل أن يحصل على ثمنها، وقال آخرون إن السبب خيانته لسيده؛ فقد يكون اتفق مع (باء)، الذي كان الروغي قد اكتشف مخططه.
وعلاوة على ذلك، فإن الشائعة التي قالت إن الروغي أعطى أوامره إلى موظفيه على الجمرك في مليلية أن يأتوه بديلبريل حياً أو ميتاً، كانت صحيحة.
وأميل إلى الاعتفاد، بناء على هذه المعلومات كلها، أنه قد تم السعي إلى قتل بوحمارة، وأن السلع المهربة على سفينة «ليون وطوني» لم تكن موجهة إلا لقتل الروغي. وعلى كل حال، فلم يُعلم بشيء من هذا الأمر على الصعيد الرسمي.
وعلى ذلك، اختفت سفينة «طوني وليون» من تلك المياه، ورأيناها، في أماكن متفرقة من البحر، سفينة تجارية بخارية تعمل بالبخار.
وقد حاول ديلبريل أن يصور العملية، وكأنه قدم استقاته إلى بوحمارة، بادعاء أنه كان على خلاف مع سياسته، بيد أنن أحداً لم يصدقه، والذين لم يخمنوا القصة الحقيقية ما جرى، كانوا يفترضون أنه قد تم تسريحه لما قد يكون اقترف من اختلاس واختيان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.