يبدو أن أولى إشارت تحقيق مطلب محاربة الفساد، الذي وضعته الحكومة الحالية لعبد الإله بنكيران في قائمة الأوليات، بدأت تلوح في سماء المغرب، رغم أن الفريق الوزاري الجديد لم تمر سوى أيام على تعيينه. فبعد فضيحة الطبيب في فاس، الذي قامت وزارة الصحة بتوقيفه على خلفية بث شريط على موقع "يوتوب" يظهر فيه وهو يتسلم رشوة، والمحافظ العقاري في الدارالبيضاء، الذي أودع السجن، بعد أن ضبطته عناصر الأمن متلبسا بتسلم رشوة قيمتها 5 آلاف درهم (580 دولارا) من شخص يعمل مقاولا، بناء على شكاية قدمت من الشخص المذكور، جاء الدور على القاضي في طنجة، الذي أودع السجن بتهمة تسلم رشوة، إثر نصب الفرقة الوطنية للشرطة القضائية كمينا له، بناء على شكاية تقدم بها مواطن تونسي يحمل الجنسية الإنجليزية، يفيد فيها بأن القاضي أكد له بأنه سيتوسط له في ملف معروض بالمحكمة، لانتزاع حكم يكون لصالحه، مقابل 20 مليون سنتيم (23280 دولارا). وكان حزب العدلة والتنمية، الذي يقود الحكومة الحالية، رفع في حملته الانتخابية شعار محاربة الفساد والاستبداد. وقال عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية، إنه "لا يمكن إلا أن نكون منسجمين مع التزاماتنا مع المواطنين، والجميع يعرف أننا خضنا حملة انتخابية تحت شعار (صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد). وبطبيعة الحال لا يمكن لهذه الحكومة إلا أن تعطي الإشارات الواضحة بأنها حكومة لمكافحة الفساد بما يرمز إليه من معرقل للتنمية، وللنهوض الاقتصادي، والاجتماعي، وأيضا لتحقيق التطور السياسي والمؤسساتي". وأضاف عبد العالي حامي الدين، في تصريح ل"إيلاف"، "المواطن أمننا على المستقبل السياسي للبلد في مناخ مطبوع بالثورات العربية، وبالتالي لا يمكن المحافظة على هذه الثقة إلا بإشارت تطمأنه على أننا دخلنا في سكة الإصلاح والتغيير"، مشيرا إلى أن "البرنامج الحكومي كان واضحا وسطر مجموعة من الإجراءات المتعلقة بمكافحة الفساد". من جهته، أكد محمد طارق السباعي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، أن "الانتظارات من حكومة عبد الإله بنكيران لكسب ثقة الشعب المغربي تتمثل في تفعيل التصريحات التي أدلت بها قبل الانتخابات، وكذلك ما ورد في البرنامج الحكومي، الذي تضمن العديد من الإجراءات التي نتمنى أن تكون أولاها تحريك جميع الملفات المعروفة لدى القضاء، والمدونة في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وكذلك في تقارير المفتشية العامة لوزارة المالية، والمفتشية العامة لوزارة الداخلية". وأوضح محمد طارق السباعي، في تصريح ل"إيلاف"، أن "هذه الحكومة يجب أن تقوم أيضا بتجميع جميع المعلومات التي توجد لدى الأجهزة الأمنية عن العديد من الشخصيات البارزة، إلى جانب فتح التقاريرالسرية لكبار ناهبي المال العام"، مشيرا إلى أنه "إذا أرات محاربة اقتصاد الريع، أن تنشر لائحة المستفيدين من رخص مقالع الرمال، والمقالع المعدنية، وأن تكشف عن مخربي الثروة الغابوية، إلى جانب نشر لائحة المستفيدين من رخص الصيد البحري، ورخص النقل". كما أكد الناشط الحقوقي على أنه يجب عليها كذلك "الكشف عن الشخصيات التي استفادت من التوزيع غير العادل للأراضي المسترجعة، بمعنى أن هذه الحكومة عليها أن تلامس الشفافية وتمكن المواطنين والمواطنات من كافة المعلومات المتعلقة بالسطو على الأملاك العامة، وأن تكشف أيضا عن حجم الأموال المصدرة إلى الخارج، وعن حسابات المسؤولين بالأبناك الأجنبية، وتحصي الثروات العقارية والمنقولات مثلما كشفت الثورة التونسية عن ثروات بنعلي وأسرته. لأن حكومة بنكيران يمكن أن نصفها بأنها هي من قطفت ثمار حركة 20 فبراير". من جانبه، قال عبد العزيز قراقي، أستاذ جامعي في العلوم السياسية في الرباط وناشط في مجال حقوق الإنسان، إن "محاربة الفساد في المغرب أضحت قضية بارزة طفت على سطح المطالب الاجتماعية، واقتحمت البرامج الحزبية خلال الانتخابات، كما أنها باتت شعارا للمجتمع المدني، وبالتالي فمن الضروري أن تشكل مرتكزا لعمل الحكومة، في إطار الدستور الجديد". غير أن الفساد، يوضح عبد العزيز قراقي، في تصريح ل"إيلاف"، "لن تستطيع أي حكومة القضاء عليه لوحدها لأن المسألة ليست مرتبطة بالفاعل السياسي بقدر ما هي متشعبة وملتحمة بالنسق الاجتماعي برمته. ومن هنا يتضح أن محاربة الفساد إذا لم تنخرط فيه كافة الفعاليات في المجتمع، فإن الصوت السياسي المتمثل في الحكومة، رغم أنه يمتلك الكثير من الأدوات والآليات، إلا أن عمله سيبقى محدودا، ولن يستطيع أن يقضي على ذلك بشكل كلي، أو على الأقل أن يقلص من حجمه". وذكر الناشط الحقوقي أن "الانطلاقة في محاربة الفساد تتطلب الجرأة على طرح أسئلة عميقة مرتبطة بكينونة المجتمع في بعض الأحيان، وتعقد مهام السلطة السياسية التي تحولت عبر عقود إلى المرتكز الأساسي الذي تحوم حوله كافة القوى بما في ذلك المجتمع، في حين أن المنطق يقتضي تحول المجتمع إلى مرتكز أساسي ليحوم حوله الجميع بما في ذلك السلطة". وأبرز المحلل السياسي أنه "من الضروري أن تنطلق محاربة الفساد من تمثلات المجتمع أولا. فالقاضي عندما يمارس مهمته لا يخضع فقط لضغط المتقاضين ومحاولات الإرشاء من طرفهم، بل قيد يتعرض إلى ما هو أقوى من ذلك من خلال النموذج الذي وضعه الناس للقاضي كشخص يتصرف في المال بدون حدود، وحتى أسرته قد يكون لها دور في هذا الضغط". لهذا، يفسر عبد العزيز قراقي، "لا يمكن استعمال الآلية القانونية لوحدها للتقليل من آثار الفساد. فالمعالجة يجب أن تكون ذات طبيعة شمولية لأبعاد متعددة يحضر فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دونما أن ننسى الثقافي، إذ أن الثقافة هي المسؤولة على الأشياء التي لا نجد لها تفسيرا، حسب تعبير أحد علماء الاجتماع". وتأتي هذه الإجراءات في وقت خرج إلى حيز الوجود قانون حماية الضحايا والشهود والخبراء المبلغين عن جرائم الرشوة، والاختلاس، واستغلال النفوذ، وغيرها. يشار إلى أن القانون الجديد اقترحته الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وينص على أنه "إذا كانت هناك أسباب جدية، تؤكد أن حضور الشاهد للإدلاء بشهادته أو مواجهته مع المتهم، من شأنها أن تعرض حياته، أو سلامته الجسدية، أو مصالحه الأساسية، أو حياة أفراد أسرته، أو أقاربه، أو سلامتهم الجسدية للخطر أومصالحهم الأساسية، يجوز للمحكمة، بناء على ملتمس النيابة العامة، أن تأذن بتلقي شهادته بعد إخفاء هويته بشكل يحول دون التعرف عليه، كما يمكنها الإذن باستعمال الوسائل التقنية، التي تستعمل في تغيير الصوت، من أجل عدم التعرف على صوته، أو الاستماع إليه عن طريق تقنية الاتصال عن بعد".