"الأحرار" يفوز بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة فاس الجنوبية    إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين برسم 2024 يقترب من الانتهاء    نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي تجدد التأكيد على موقف بلادها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي    المنصوري: 8500 مغربي استفادوا من برنامج الدعم المباشر للسكن    صديقي : المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب فرصة للترويج للتجربة المغربية    جنيف .. تحسين مناخ الأعمال وتنويع الشركاء والشفافية محاور رئيسة في السياسة التجارية للمغرب    الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار دولار    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    أحكام بالحبس لمسؤولي موانئ تلاعبوا في صفقات بعدة مدن    امن طنجة ينهي نشاط متورط في قرصنة شبكة الاتصالات المغربية    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        تفاقم "جحيم" المرور في شوارع طنجة يدفع السلطات للتخطيط لفتح مسالك طرقية جديدة    جماهري يكتب.. 7 مخاوف أمنية تقرب فرنسا من المغرب    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    حيوان غريب يتجول في مدينة مغربية يثير الجدل    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اتجاه إلى تأجيل كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025 إلى غاية يناير 2026    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    انتقادات تلاحق المدرب تين هاغ بسبب أمرابط    المنتخب الوطني الأولمبي يخوض تجمعا إعداديا مغلقا استعدادا لأولمبياد باريس 2024    مفوض حقوق الإنسان يشعر "بالذعر" من تقارير المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    إساءات عنصرية ضد نجم المنتخب المغربي    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    نوفلار تطلق رسميا خطها الجديد الدار البيضاء – تونس    إقليم فجيج/تنمية بشرية.. برمجة 49 مشروعا بأزيد من 32 مليون درهم برسم 2024    تفكيك عصابة فمراكش متخصصة فكريساج الموطورات    هل تحول الاتحاد المغاربي إلى اتحاد جزائري؟    "إل إسبانيول": أجهزة الأمن البلجيكية غادي تعين ضابط اتصال استخباراتي ف المغرب وها علاش    للمرة الثانية فيومين.. الخارجية الروسية استقبلات سفير الدزاير وهدرو على نزاع الصحرا    شركة Foundever تفتتح منشأة جديدة في الرباط    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك ب "الملياردير المتغطرس"    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    الصين تدرس مراجعة قانون مكافحة غسيل الأموال    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    الولايات المتحدة.. مصرع شخصين إثر تحطم طائرة شحن في ألاسكا    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    إيلا كذب عليك عرفي راكي خايبة.. دراسة: الدراري مكيكذبوش مللي كي كونو يهضرو مع بنت زوينة    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المولد النبوي وذكرى النور الخالد
نشر في أخبارنا يوم 10 - 11 - 2019

محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيئين، والرحمة المهداة للعالمين، والهادي إلى الصراط المستقيم، والنطفة الطاهرة التي تقلبت في الساجدين؛ فإن الله تعالى استخلص رسوله من أطيب المناكح، وحماه من دنس الفواحش، ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة[1]، النور الذي أرسله الله ليستضيئ به الناس، والذي ابتدأ مع ولادته واستمر معه في حياته، ففي قصة مولده صلى الله عليه وسلم وما صحبها من آيات إلهية وأحداث كونية؛ أنه حين حملت به أمه آمنة بنت وهب "خرج منها نور رأت منه قصور بصرى من أرض الشام. قالت أم عثمان بن العاص: شهدت ولادة آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ليلا فما شيء أنظر إليه من البيت إلّا نور وإنني أنظر إلى النجوم تدنو وإني أقول لتقعن عليّ"[2].

وعن عرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إني لمكتوب عبد الله خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، وبرؤيا أمي، أنها رأت حين وضعتني أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام"[3]

وقد كان هذا النور قبل مولده في أبيه عبد الله ولما دخل بآمنة بنت وهب انتقل إليها ذلك النور، فقد "حكي أن كاهنة بمكة يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية قرأت الكتب فمر بها عبد المطلب ومعه ابنه عبد الله يريد أن يزوجه آمنة بنت وهب فرأت نور النبوة في وجه عبد الله، فقالت: هل لك أن تغشاني وتأخذ مائة من الإبل؟

فعصمه الله تعالى من إجابتها وقال لها:

أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فاستبينه

فكيف بالأمر الذي تبغينه"[4].

وقد وصف الله عز وجل نبيه في القرآن الكريم بالنور قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15] قال الإمام الطبري في تفسيره: "يقول جل ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب:"قد جاءكم"، يا أهل التوراة والإنجيل"من الله نور"، يعني بالنور، محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيِّن الحق. ومن إنارته الحق، تبيينُه لليهود كثيرًا مما كانوا يخفون من الكتاب"[5] وقال الإمام القرطبي في تفسيره:" {قد جاءكم من الله نور} أي ضياء، قيل: الإسلام. وقيل: محمد عليه السلام"[6].

وسماه أيضا عز وجل بالسراج المنير قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46] "(وَسِرَاجًا مُنِيرًا) يقول: وضياء لخلقه يستضيء بالنور الذي أتيتهم به من عند الله عباده (مُنِيرًا) يقول: ضياء ينير لمن استضاء بضوئه، وعمل بما أمره، وإنما يعني بذلك: أنه يهدي به من اتبعه من أمته"[7]

قال الماتريدي في تفسيره: "قَالَ بَعْضُهُمْ: هو صلة قوله: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)، وجعلناك (وَسِرَاجًا مُنِيرًا)؛ فالسراج المنير هو الرسول على هذا التأويل"[8]

قال ابن العربي رحمه الله: "وأما النور: فإنما هو نور بما كان فيه الخلق من ظلمات الكفر والجهل، فنور الله الأفئدة بالإيمان والعلم... وأما السراج: فبمعنى النور، إذ أبصر به الخلق الرشد، وأما المنير: فهو مفعل من النور."[9].

قال الإمام أبو بكر بن العربي أيضا في كتابه القبس في شرح موطأ مالك بن أنس في [باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم][10] والتي ذكر منها النور والسراج المنير وعدها نحوا من أربعة وستين إسما؛ قال: "هذا منتهى ما اتفقَ أن يختطفَ في هذه العجالة من قبس النور الأعظم الذي أخذ منه الإِمام مالك رضي الله عنه بجزءٍ عظيمٍ في كتابه، وجعله للعالم قدوة، وكان لمن بعده فيه خيرُ اهتداءٍ وأسوة وختمه بذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونصَّ على أسمائه الخمسة التي تترتب عليها الشريعة، فإن الله تعالى سمَّى نفسه، وترتبت المخلوقات على أسمائِه الحسنى فتعلق بكل اسم من أسمائه جزء من مخلوقَاته، وكذلك تعلقَ كل جزء من أجزاء الشريعة بكل اسمٍ من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم –"[11]

هذا وقد وصفه أصحابه رضوان الله عليهم بوضاءة وجهه عليه الصلاة والسلام وبما ينبعث منه من النور الحسي، إذ كان نوره صلى الله عليه وسلم حسيا ومعنويا، إذ جاء في كتب الشمائل أنه كان "يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر"[12] ، وما أحوجنا اليوم أن نطالع كتب الشمائل النبوية، لأن المطلع عليها كأنه يطالع طلعة ذلك الجناب، ويرى محاسنه الشريفة في كل باب.

وقد وصفه الشاعر كعب بن زهير في بردته المشهورة بالنور لما رآه منه؛ فقال:

(إن الرسول لنورُ يستضاءُ به ... مُهَنّدُ من سيوف الله مَسْلول)[13]

قال بعض الشراح: "وأي نور يضيء بعد نور النبي الهادي ، أعظم به من بيت، وأعتبره بحق أجمل بيت في قصيدة كعب، حتى أن الرسول أشار إلى أصحابه أن اسمعوا ، حين وصل كعب لهذه الأبيات ، فما أعذبها من أبيات، وما أعظمه من سامع لهذه الأبيات"[14]

ومن المعاصرين الشاعر أحمد شوقي حيث وصفه في بردته بقوله:

(وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ....وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ)

فالهدى المقصود به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يشير الشاعر لميلاد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث انتشر الضوء في كل الكائنات وكان الزمان سعيدا باستقبال هذا الميلاد والتاريخ الذي حفر بذاكرة الزمن.

فهاذا بعض ما ورد في نوره صلى الله عليه وسلم الحسي الذي كان يرى في وجهه، والمعنوي الذي أنار به سبل الهدى للناس أجمعين.

وإنه لجميل حقا جدا- لا سيما في مثل هذا العصر، الذي جهل الكثير من المسلمين من دينهم غير قليل، علما وعملا- أن يلتئم جمع، ويقام حفل، في المناسبات الإسلامية الميمونة المتعددة المتنوعة.

ومنها مولد الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم ليتم- من خلالها- التذكير بالمعاني الإسلامية، وتأكيد أبعادها في نفوس المسلمين، ودعوتهم في السير عليها، والأخذ بمضامينها، والعيش بتوجيهاتها، ويلتزمون بها في كل حال، ولا يتفلّتون منها، ولا يتلفّتون إلى أيّ من غيرها مهما كانت.

فليس غير الشريعة الإسلامية تكون أو تصلح لهم- أو لغيرهم- طريقا كريما بارّا، فهم يواصلون المسيرة عليها؛ على الطريق المنير {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]"[15]

والله تعالى بفضله ورحمته يحفظنا من الخطأ والزلل اللذين لا يأمنهما أحد، ويستر عوراتنا التي لو انكشف شيء منها افتضحنا، ويتجاوز عن سيئاتنا التي لو أوخذنا بواحد منها هلكنا، ويوفقنا لما هو أولى بنا، ويعصمنا مما لا يعنينا، إنه المنان الواسع الغفران.

الهوامش:

1. أعلام النبوة للماوردي (ص: 201)

2. أعلام النبوة للماوردي (ص: 209)

3. أخرجه أَحْمد (4/127) ، وَابْن حبَان (14/312) ، وَالطَّبَرَانِيّ (18/252) (629: 631) ، وَالْحَاكِم (2/453) (3566) ، وَصَححهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ - كلهم - من حَدِيث الْعِرْبَاض - رَضِي الله عَنهُ -، والْحَدِيث صَححهُ الأرناؤوط.

4. أعلام النبوة للماوردي (ص: 201)

5. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/ 143)

6. تفسير القرطبي (6/ 118)

7. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (20/ 282)

8. تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (8/ 398)

9. أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (3/ 582)

10. انظر: البخاري "6/ 554" في المناقب، باب ما جاء في أسماء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي تفسير سورة الصف، ومسلم "4/ 1828/ ح2354" في الفضائل، باب في أسمائه, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وانظر لكلام ابن العربي في"عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي": (10/ 281) , كتاب الأسماء, باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.

11. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 1201)

12. الشمائل المحمدية للترمذي ط إحياء التراث (ص: 22)

13. وهذه رواية ابن قتيبة وأمثاله، وفي روايات أخر: إن الرسول لسيف يستضاء به والذي يعنينا الرواية الأولى؛ لأنها هي التي تتفق مع ما نحن فيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم نور وما جاء به النور، وكان يسأل من ربه النور إذا خرج في ممشاه إلى الصلاة وإذا قام من الليل، كل ذلك ثابت عنه صلوات الله وسلامه عليه. سلسلة محاسن التأويل - المغامسي (61/ 12).

14. شرح قصيدة بانت سعاد فقلبي اليوم متبول : أعظم بردة في مدح الرسول لكعب بن زهير، موقع أنا البحر الإلكتروني


15. السيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثها، عبد الرحمن على الحجى، دار ابن كثير – دمشق الطبعة: الأولى - 1420 ه (ص: 274)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.