رئيس الحكومة: الانسجام السياسي القوي للأغلبية وراء المنجزات المرحلية للحكومة    أخنوش: نصف الولاية شهد ثورة اجتماعية غير مسبوقة في تعميم التغطية الصحية    السياسة الخارجية الجزائرية: أزمة المحددات والأشخاص    صديقي : تحويل النظم الغذائية يتطلب حلولا شاملة ومنهجية    خبراء مغاربة ودوليون يناقشون في الرباط إشكالية انبعاث الكربون من المركبات    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    الكاف يعتبر نهضة بركان فائزا بثلاثية على اتحاد العاصمة والإياب في موعده    أمن طنجة يعلن الحرب على مقرصني المكالمات الهاتفية    أخنوش: الحكومة دأبت منذ تنصيبها على إطلاق مسلسل إصلاحي جديد وعميق يحقق نهضة تربوية وثورة تعليمية    "تسريبات" مدونة الأسرة.. أبلال يحذر من "إفراغ" المرأة من بعدها الإنساني    جهة طنجة تناقش تدابير مواجهة الحرائق خلال فصل الصيف    المغرب سيكون ممثلا بفريقين في كأس العالم للفوتسال    عاجل.. الكاف يعتبر نهضة بركان فائزا بثلاثية على اتحاد العاصمة والإياب في موعده    غرفة الجنايات الاستئنافية بفاس تؤخر ملف البرلماني البوصيري ومن معه    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    هل سيتم تأجيل النسخة ال35 من كأس إفريقيا للأمم المقررة بالمغرب سنة 2025؟    تهديدات بالتصعيد ضد ّبنموسى في حالة إصدار عقوبات "انتقامية" في حقّ الأساتذة الموقوفين    إسرائيل تعلن بدء تنفيذ "عملية هجومية" في جنوب لبنان    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    الملتقى العالمي ل 70 امرأة خبيرة إفريقية مناسبة لتثمين الخبرة والكفاءة الإفريقية    ما قصة "نمر" طنجة؟    فساد في الموانئ: الناظور بين المدن التي شهدت إدانات بالسجن لمسؤوليها    مجلس الرئاسة الليبي يجهض مخطط الجزائر بإقامة تكتل مشبوه في الفضاء المغاربي    الحكم على مغني راب إيراني بالإعدام بتهمة تأييد الاحتجاجات    مجلس النواب يفضح المتغيبين بتلاوة أسماء "السلايتية" وتفعيل الاقتطاعات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    جنيف .. تحسين مناخ الأعمال وتنويع الشركاء والشفافية محاور رئيسة في السياسة التجارية للمغرب    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    إقليم فجيج/تنمية بشرية.. برمجة 49 مشروعا بأزيد من 32 مليون درهم برسم 2024    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غربة الأدب
نشر في هسبريس يوم 28 - 10 - 2020

يغلب ظني أن الأدب يتطور على ضوء معطيات السياق الخاص والعام. الأول يتمثل في وضعية الأدب نفسه بجوار الفنون والعلوم، والثاني يتجلى في التحولات على تنوعها، التي تمتد للكتابة بشكل من الأشكال؛ هذا فضلا عن طاقة المبدعين، من خلال البحث والسؤال، في التنقل سفرا بين مدارج القلق.
حضرتني هذه الفكرة وأنا أوجه نظري لمسار الأدب العربي المعاصر، وما يظهر منه مؤخرا؛ كأن لا ماء يجري تحت الجسر. والحال أن الأحداث الكبرى ذات التأثيرات المتنوعة على الاجتماع البشري والمصير الإنساني تطارد المبدع الذي يلوذ بجحره دون قول أو نظر.
أكيد أن التحولات المتسارعة اليوم، المدفوعة أساسا بما هو اقتصادي وعلمي، تمتد لأشكال التفكير والمعرفة. وبالتالي، فالأدب ليس بمعزل عن ذلك. ومثلما أن هناك في العالم النامي عوامل ووضعيات موضوعية تحاصر الأدب وتطارده كالفقر والأمية وبرامج التربية والتعليم المتخلفة...هذا فضلا عن غياب المشاريع والإستراتيجيات، في المقابل، هناك عوامل أخرى امتدت لكل جهات العالم، وهي تلك التي تسعى إلى تنميط العالم استهلاكيا بالمعنى المتعدد للاستهلاك. هذا إضافة، إلى مؤثرات الصورة والوسائط التي تصنع الرأي على مقاسات معينة. ما أدى إلى افتقاد العمق في الثقافة، والأدب أيضا.
أخشى هنا أن يسقط الأدب في التسطيح والرغوة الزائلة، ويفقد أصله وجوهره في هذا الجاري المطبوع بالخلط والالتباس؛ فإكراه التواصل المعطوب على أكثر من صعيد: في الشارع، وفي المؤسسة الثقافية والسياسية، وفي الإعلام، أكيد أن هذا الحيف المركب تجاه الكتابة ينعكس على التلقي العام الذي يتقلص يوما عن يوم. وفي المقابل، على الأدب في تقديري أن يدرك موقعه داخل المجتمع والحياة؛ وإلا ضاع وتاه دون مسار ومجرى. وهو ما يؤكد أن الأدب قد يموت بدوره حين يألف الرتابة، بما فيها رتابة الموت دون مجهود في محاولة فهم ما يجري؛ لاجتراح صيغ جمالية على ضوء رؤى متحررة.
قد نستحضر في ما مضى بعض المنعطفات مثل تاريخ احتلال فلسطين وحدث الهزيمة العربية...يمكن الحديث عن تحولات ومنعطفات في الأدب العربي الحديث والمعاصر: في الرواية والشعر...نظرا للسياقات، وفي الآن نفسه قلق المبدعين الذي يساهم في البحث عن أشكال وصيغ جمالية تستوعب الرؤية الجديدة التي يتحول معها الأدب إلى إقامة شك متجددة، لا تستقر إلا على رمال متحركة. استنادا طبعا، على فهم غير معطوب للتاريخ والواقع؛ في تفاعل مع العلوم الإنسانية والآداب. فتأتي النصوص على قدر كبير من الماء الذي يغور طينة النص إلى داخل لا ينتهي في القول العميق والجميل. ها هنا، يمكن الحديث عن مقدرة المبدع في مجادلة المجتمع والحياة. ولا يمكن أن يتأتى ذلك من فراغ في المقروء، والخضوع للتكرار والاجترار دون تفحص...فأصبح الأدب على صلة باردة بالسياق والمعرفة.
حتى النقد لم يعد يوازي الإبداع، لأنه يراكم المصطلحات والمفاهيم، في إيهام بالتواصل مع النصوص. وقد ينتج عن ذلك غربة الإبداع والنقد معا. ويمتد ذلك إلى القارئ الذي يترك كل شيء للانجراف واللامعنى حتى لو تعلق الأمر بذاته المصيرة والمدجنة بمؤسسات لا تلعب دورها.
العالم على شاكلته السياسية والاقتصادية هذه، المحكومة بالصراع المحموم من أجل الكراسي والمصالح. أقول العالم على هذه الشاكلة لا يبالي بالعلوم الإنسانية عامة التي تسعى إلى رد العالم للحقيقة والإنسان؛ وبالتالي غياب الاهتمام بهذا الثقافي الا من خلال مؤسسات صورية تتحرك ضمن مربعات مسيجة. لهذا تأتي القرارات الرسمية المتعلقة بالثقافة على قدر كبير من الارتجال والارتباك. أما ما يتعلق بالمجتمع المدني الثقافي، أي الجمعيات، فإنها لم تساهم في تجذير الفعل الثقافي كمعنى، وظلت غارقة في الذاتيات والملتقيات التي لم تلامس الأسئلة الحقيقية للإبداع والفكر: في النشر، في التوزيع، في القراءة، في بناء الوعي والمعرفة...ما أثر ويؤثر على الفعل الثقافي كما يبدو الآن في ظل جائحة كورونا. كأن قدر الثقافة هو الهامش الصغير. وفي المقابل، ترى الأدب يعيد نفسه دون عراك الواقع ومصير الإنسان.
في ظل وضعية تواصلية معطوبة، لا بد من القيام بأدوار ظلت غائبة ومغيبة، فعلى المبدع أن يخرج من انتظارية المجتمع القاتلة، لتقديم شيء ما للأدب في الإيصال والدفاع عن هذه المساحة الطاوية على حرية أكبر، وتخيل أبعد في المجتمع والحياة. الأمر نفسه بالنسبة للمؤسسة الثقافية التي ينبغي أن تكون معبرا حقيقيا للأدب، وليس لشيء آخر غدا سخيفا ومقيتا، والسعي إلى خلق شروط صحية للكتابة مثلما للقراءة. فمتى سارت الكتابة والقراءة في تواز، يمكن الاطمئنان بالقول إن الأدب آت متربعا في مجراه الخاص، وبكامل زمنه الذي لن يتخلى عن جوهره ويذوب في خطابات ذات تهيكلات على الأرض. فزمن الأدب لصيق بالكينونة الإنسانية وتمفصلاتها الداخلية، في مواجهة للتراجيديات التي تقتضي استنفار ملكات الأدب في الصياغة والرؤيا.
*شاعر وكاتب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.