إنفانتينو يشيد بتطور منظومة الكرة المغربية    نفاد تذاكر مباراة المغرب وموزمبيق الودية بطنجة قبل أيام من انطلاقها    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    الشرع يصل إلى أمريكا في زيارة رسمية    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    توقيف التجمعي يوسف مراد في المطار بشبهة التهريب الدولي للمخدرات    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    مقتل فلسطيني في قصف إسرائيلي    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    مونت-لا-جولي.. مغاربة فرنسا يحتفلون في أجواء من البهجة بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    طقس الأحد: ضباب وسحب منخفضة بعدة مناطق بالمملكة    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صور من العادات والطقوس الرمضانية في المجتمعات العربية
نشر في هوية بريس يوم 09 - 05 - 2021

لم يُبالغ الرحالة الإيرلندي ريتشارد بيرتون في حديثه عن الأجواء والطقوس الرمضانية، حين زار مصر عام 1853م، واصفاً مشاعر الناس في القاهرة عند اقتراب موعد الإفطار بقوله: "الأثر الرئيسي لهذا الشهر الفضيل على المؤمنين الحقيقين هو ذلك الحزن الوقور الذي يُغلف طباعهم"[1].
رمضان شهر عظيم القدر بين شهور السنة، نال حفاوةً واهتماماً لا مثيل لهما في التراث الشعبي العربي الإسلامي حتى في ظل تفشيجائحة كورونا، ورغم ما تعانيه مجتمعاتنا مع محن ومآسٍ وحروب. وامتدت مظاهر الحفاوة بهذا الشهر الكريم إلى الأنماط السلوكية وشتى الألوان الثقافية والعادات والأذواق والطبائع، وربما يرجع ذلك إلى ارتباط هذا الشهر بتلك العبادة العظيمة التي تعد ركناً من أركان الإسلام، وهي الصيام الذي فرضه الله سبحانه وتعالى على الأمة الإسلامية كما فرض من قبل على غيرها من الأمم، وهذه العبادة ترتبط بشعائر روحية وبدنية؛ مثل الامتناع عن الطعام والشراب، وحفظ اللسان، وقيام الليل، وقراءة القرآن، وإطعام الطعام، وأداء العمرة، والتكافل والتآخي الاجتماعي، وفيه يُلاحظ أن أفقر الناس لا تنقص مائدته عن ثلاثة أصناف،فعند المسلمين عقيدة راسخة بأن رمضان هو شهر الخير والبركة، فلا خوف ولا عوز. ورغم ما فيه من اتفاق على الثوابت في الطقوس الروحية، وفي كثير من العادات، تختلف مظاهر استقباله وبعض عاداته من بلد عربي لآخر، وهذا الاختلاف يعود إلى التغيرات التي طرأت على عناصر المنظومة الاجتماعية أو بعضها داخل البلد الواحد،ومهما يكن فكل بلد يمارس طقوسه وعاداته الموروثة ممزوجة بالفرحة والاستبشار والمسرات.
الطقوس الرمضانية السورية
يَمدّ شهر رمضان جناحيه كل عامٍ على المناطق السورية لينقلها من حالة الحرب والحزن والمآسيإلى أجوائه العطرة ونفحاته المباركة التي تغمر كل من يتفيأ ظلال هذا الشهر الكريم، فشهر رمضان في سورية له طابعه الخاص، وله في نفوس السوريين منزلة تليق به. ويستقبل أهل سورية الشهر الفضيل بحماسة وشوق لا يوصفان من منتصف شعبان، وكانت المدن السورية على الدوام تزين شوارعها وأبوابها وحوانيتها بالآيات القرآنية والأنوار الملونة، فبعد أن يتم إثبات هلال الشهر الكريم تُنارالمساجد وتضرب المدافع إيذاناً ببدء الصيام. ويقوم المسحر بإيقاظ السوريين للسحور حاملاً طبلة صغيرة تشق سكون الليل، ويردد: "يا نايم وحد الدايم يا نايم وحد الله". وطوال شهر رمضان تدب الحركة في المساجد،كما يحيي الناس شهر رمضان بالعبادة والذكر والتلاوة والاعتكاف.
ورغم الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة في جميع المناطق السورية يتكاثر الناس، قبيل غروب شمس كل يوم صيام،في أسواق المدن والقرى لشراء حاجاتهم من الأطعمة والسلع المتوفرة بالأسواق. ويبلغ الاحتفاء بشهر رمضان ذروته في سورية بإحياء ليلة السابع والعشرين منه. ويطول الحديث عن موائد الإفطار السورية؛ إذ يتحلق الناس حول موائد الإفطار التي تحتوي العديد من الأطعمة؛ مثل الحساء (الشوربا)،والفتوش، وفتة الحمص (التسقية)، والبابا غنوج، ومختلف أنواع الكبب والملوخية والمحاشي، وبعض الحلويات كالمعمول والوربات والكعك والمهلبية والكنافة، والمشروبات مثل قمر الدين والتمر الهندي وعرق السوس[2]. وفي الأوقات الطبيعيةيرتاد الشباب والفتيات المقاهي والحدائق العامة،ولا يزال الحكواتي في بعض المقاهي الشعبية يقص القصص الشعبية (عنترة والظاهر بيبرس…) في الليل، وأيضاً يجتمع الشباب والعائلات في سهرات جماعية، ويتبادلون الأحاديث عن أجواء الشهر والأحداث السياسية، وتمتلئ الدنيا حبوراً ونشوة[3]. كما تلتف العائلة لمشاهدة البرامج الدينية والمسلسلات الدرامية الاجتماعية والتاريخية على التلفاز أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
التقاليد الرمضانية الفلسطينية
يجهزأهل فلسطين قبل شهر رمضان بأيام قليلةجرات الفخار، ويصنعون الجبنة والشعيرية بأيديهم، ويقدمون للفقراء ما يحتاجون من طحين وعدس وفواكه وخضار، ويتناولون الإفطار والسحور مع بعضهم البعض، وتمتد الأيادي الرحيمة لمساعدة المرضى وزيارة أسر الشهداء والأسرى، ومسح دموع الأيتام، وتجتمع الأسرة على مائدة الإفطار التي تتزين بالمأكولات الفلسطينية، وخاصة المنسف (الأرز واللحم المطبوخ).
وفيرمضان هذا العاملم تبدُ القدس على حالها وحلتها وهي تستقبل الشهر الفضيل، فالحواجز العسكرية وانتشار الجنود على الطرقات وإغلاق الطرق الفرعية وتربص اليهود بسكان المدينة وزوارها العرب والمسلمين جعل المدينة المقدسة معزولة عن العالم. وتعمر الموائد في مدينة الخليل (جنوبي مدينة القدس) ويلج إليها كل محتاج وزائر، وتكايا سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلامحول الحرم الإبراهيمي الشريف ما فتئت عامرة طوال الشهر الكريم، حيث تقدم وجبات الإفطار لآلاف العائلات الفقيرة والمحتاجة في هذه المدينة والمناطق المجاورة لها. فشهررمضان في فلسطين هو معركة لإثبات القدرة على الصمود من خلال المحافظة على العادات والطقوس الرمضانية الاعتيادية. ولا يختلف المطبخ الرمضاني الفلسطيني عن نظيره السوري واللبناني إلا بنكهات بسيطة صنعتها الخصوصية الفلسطينية في ظل الاحتلال.
التقاليد الرمضانية في لبنان
تستقبل المدن والقرى اللبنانية شهر رمضان بتزيين المساجد والشوارع بالأنوار والشرائط الملونة[4]. ويُقبل الناس في أول أيام رمضان عل تحضير طعام يحتوي على اللبن، أملاً أن تكون أيامهم بيضاء كبياضه، أما الأطعمة الأخرى الأساسية في وجبة الإفطار التقليدية فمثل المائدة السورية؛ من المحشيات بالأرز واللحم مثل ورق العنب وشيخ المحشي والشيش برك (لبن أمه)والكبب واللحم بعجين، وأيضاً دخلت أكلات غربية على المأكولات التقليدية مثل الهمبرغر والبيتزا[5]. وفي محلات بيع الحلوى المشهورة بالأسواق اللبنانية لا يستطيع أحد الحصول على كمية من الحلوى بالقشطة إلا بناء على طلب مسبق مقدم قبل يوم أو أكثر.
وأما تمضية الوقت خلال النهار، فبعد انتهاء العمل بين الظهر والعصر بالنسبة لغالبية الناسيستمع العديد من الناسإلى الدروس الدينية عن فضائل رمضان في الجوامع بعد صلاة العصر، والقسم الآخر يذهب إلى السوق لشراء الحاجيات من مأكل أو أشربة جاهزة[6]. وفي المقاهي أو المجالس اللبنانية لا بد من سماع قرقعة النرجيلة في سهرات مفعمة بالألفة والانسجام، وهناك قسم آخر يمضون الهزيع الأول أو الآخر من الليل في صلاة التراويح، ثم يعودون لمنازلهم لمتابعة السهرة أو النوم استعداداً للنهوض وقت السحور أو استعداداً للعمل في الصباح.
التقاليد الرمضانية العراقية
شهر رمضان له رمزية خاصة لدى أهل العراق، وهم يحترمونه ويتهيؤون لمقدمه قبل مدة طويلة، إذ تتأكد ربة المنزل من توفر المواد الغذائية الخاصة به، مثل الرز والسمن والشاي والقهوة ونوم البصرة والقيسي والتين اليابس واللوم وماء الورد والهيل والعطورات الأخرى، فضلاً عما هو متوفر لديها من المؤونة السنوية من البرغل والعدس والطحين،وهناك حلو التمر والزبيب وشراب التمر الهندي. وللترحاب بشهر رمضان عند قدومهيجتمعون في المساجد وصحونها بعد صلاة المغرب، ويردد الجميع:
مرحبا مرحبا يا رمضان يا شهر التراويح وعليك السلام
مرحبا مرحبا يا رمضان يا شهر الغفران وعليك السلام.
ومن الشائع في رمضان رؤية التجار في متاجرهم يتلون القرآن ويوزعون الخيرات على الفقراء. أما عن الحمامات فإنها تعمل بنشاط ليل نهار لخدمة الصائمين، ويلاحظ أن الأسواق التجارية الموصلية،قبل نكبتها الأخيرة وتدمير نصف المدينة، تعمل ليلاً حتى الفجر في الأسبوع الأخير من رمضان،وخاصة مهن الخياطين والحلاقين وصانعي الأحذية، ولا تنتهي تلك الحركة حتى حلول عيد الفطر المبارك.
وتحفل موائد الإفطار العراقية بأكلات عديدة فيها الكثير من الأناقة والدسم، بعضها موسمي لا يطبخ إلا في رمضان، وبعضها تقليدي، ويُعتنى بالطبخ والرصف على الموائد، وفي الموصل نجد من الأكلات الشعبية المشهورة: السماق، واللبنية والكشك والحميس، ومن الأكلات الحديثة: البرغل والكبة وعروق التنور وشيخ المحشي والعدس والدولمة[7].
موسم حافل بالنشاطات الممتعة، ففيه تشيع مختلف مظاهر التسلية واللهو البريء، وتتبادل الزيارات وتتم اللقاءات وتقدم التهاني والهدايا، ومن أول ليلة من شهر رمضان تبقى المقاهي مفتوحة الأبواب تضج بالرواد حتى وقت الإمساك، بعض هذه المقاهي يقتصر على السمر والقصص واللطائف الدينية والاجتماعية والقصص أو الألعاب الشعبية، ففي بعض المقاهي تمارس لعبة الفرْ، وهي من التقاليد التي لا يحاد عنها، وهذا النوع من الألعاب ينتج علاقات مشتركة تجعل الفرد يعيش شعور الآخرين[8].ما بيوفوفي
الطقوس الرمضانية السعودية (مكة والمدينة)
تتعدد صور الحفاوة برمضان في المناطق السعودية، وخاصة في مكة والمدينة، إذ تقوم الجهات الرسمية بتوزيع وجبات الإفطار داخل الحرمين التي تحتوي على التمر والحليب والعصائر والوجبات المغلفة على الصائمين، إلى جانب موائد الرحمن. ففي مكة المكرمة قلب العالم الإسلام وقبلته، والتي تهفو قلوب ملايين المسلمين إلى زيارتها والطواف بكعبتها الغراء، يقدم لنا ابن جبير الأندلسي صورة تراثية خاصة للحفاوة بشهر رمضان في هذا البلد الحرام، وذلك عندما عاش أيامه ولياليه الرمضانية بالمدينة المقدسة عام 579 ه، وسجل ذلك في رحلته المشهورة التي جاءت تحت عنوان: "اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك"[9]. كما درج أهل المدينة المنورة على استقبال شهر رمضان منذ منتصف شعبان بعادات سائدة منذ القدم، فأصبحت شيئاً مألوفاً ومأنوساً لهم، ومن ذلك ليلة منتصف شعبان.
ويتم الاهتمام بتطييب نواحي المسجد الحرام والمسجد النبوي بالعود والعنبر منذ القرن الأول الهجري في كل ليلة ويوم جمعة، وفي أيام شهر رمضان[10]. وتبدأ الطقوس التعبدية في المسجد الحرام والمسجد النبوي طوال العشر الأواخر من شهر رمضان؛ من ليلة 21 حتى ليلة 30 رمضان، قياماً وذكراً وعبادة وطاعة.
وتتنوع الأطعمة الرمضانية لدى أهل المدينة المنورة، وتتسم باشتراك الأسر بكثير من الأصناف، فكل المنازل السعودية فيها الجريش والقرصان والشوربا والفول والمقليات مثل السمبوسك والبريك (رقائق العجبين المحشو باللحم المفروم مع البيض والبقدونس) والزلابية (العجين المخمر المقلي بالزيت على شكل كرات)، وهناك السوبيا (من المشروبات الشعبية الحجازية المشهورة في رمضان، وهي من الشعير أو الخبز الناشف أو الزبيب).وهناك المهلبية والتطلي (كلمة تركية وتعد من الحليب ومادة مصنوعة من النشا وقطر الموز). وفي الشارع السعودي نجد البليلة (حمص الشام) والذي يلقى إقبالاً كبيراً من السعوديين.
ومن العادات الحجازية التي يتمسك بها عدد من أهل المدينة أنهم يتوجهون إلى المسجد النبوي قبل المغرب بنحو ساعة ويجلسون حول الحجرة النبوية. وتعد موائد الإفطار في المسجد النبوي الكبرى على مستوى العالم، ويتسابق المحسنون في تحضيرها منذ رجب وشعبان عبر شراء التمور وتخزينها وإنشاء الخيام الرمضانية، فضلاً عن التعاقد مع بعض المطاعم لطبخ وإحضار وجبات يومية جاهزة لصحن المسجد، وكذلك في مساجد الأحياء المختلفة في المدينة المنورة[11].
الطقوس الرمضانية المصرية
عدا الطقوسالروحية والاجتماعية في أم الدنيا، والتكافل اللافت بين المصريين،والسهراتفي المقاهي، وفتح المساجد للعبادة طوال الشهر الفضيل، والحديث عن تقليد مدفع القاهرة، وفانوس رمضان، والطبلة المتجولة عند السحر، فقد برز تراث مميز للأغاني الشعبية والتواشيح التي ارتبطت بأول شهر رمضان في مصر، وكأن الصيام لا تكتمل روعته وصفاؤه إلا معها. واشتهرت في مصر من الأغاني الشعبية أغنية محمد عبد المطلب الشهيرة: "رمضان جانا وفرحنا به أهلاً رمضان"،وهي أغنية ظهرت في خمسينات القرن الماضي،وهناك ابتهالات سيد النقشبندي، وتفسير الشيخ الشعراوي للقرآن الكريم[12].
أجواء رمضانية خليجية (الكويت وقطر والبحرين والإمارات)
تتشابه الأنماط الثقافية في الكويت والبحرين وقطر وكذلك الإمارات، وتعمر المائدة الخليجيةبالعديد من الأطباق الشعبية، ويعد الهريس الطبق الرئيسي (يصنع من القمح المهروس مع اللحم والسمن البلدي) والمحمر والجريش والثريد، وتأثرت المائدة بالثقافة الغذائية الآسيوية واليمنية والشامية. وفي الكويت اشتهرت الفتة الكويتية، ومن الحلويات لقمة القاضي والعصيدة والكيك والتمر بأنواعه والقهوة العربية والشاي.وغالباً ما يبدأ الصائم الخليجي طعامه بالماء والتمر واللبن الرائب، أما الموروث التقليدي الذي لم يندثر في الخليجفهو احتفال الأطفال بليلة الخامس عشر من رمضان، وهو يوم "القرقيعان"[13]، فلا يقتصر الاحتفال على الأطفال، بل كان قبل وباء كورونا ترعاه الدولة والمؤسسات الخاصة بتقديم الهدايا والحلويات، حيث يرتدي الأطفال الأزياء الشعبية، ويطوفون على المنازل القريبة وهم يغنون، بغية ملء أكياسهم بأنواع الحلوى والمكسرات التي يجهزها الأهالي لهذه المناسبةخصوصاً، وبسبب صعوبة تنقل الأطفال اقتصرت جولاتهم على الحي وبعض بيوت الأقارب[14]، واقتصرت صلاة التراويح في مجالس الرجال، واللقاءات العائلية وسهرات النساء على نطاقات ضيقة في الوقت الحالي.
الأجواء الرمضانية اليمنية
يعيش ظروفاً أمنية وأوضاعاً معيشية صعبة، ولكن يبقى لرمضان حضوره لدى اليمنيين، حيث تختلف مظاهر الاحتفال من مدينة لأخرى؛ ففي صنعاء تقوم بعض المساجد بأنشطة منها تلاوة سور محددة من القرآن الكريم منذ اليوم الأول حتى آخر ليلة في رمضان، ويتجه الوعاظ وطلبة العلم للمساجد، ويركزون الأحاديث على الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وتدور بينهم بعد الصلاة أحاديث حول السياسة والدين والثقافة الاجتماعية. أما حضرموت فتتبع تقليداً خاصاً، حيث تبدأ بعد الظهر بتعليم الصلوات عن طريق محاضرين في المساجد، حيث يجلسون في جماعات دائرية حتى صلاة المغرب وقت الإفطار، واشتهر من الأكلات اليمنية: المندي والفحسة والسلتة والسمبوسك، وشرابهم عرق السوس والتمر الهندي.
دول المغرب وتونس والجزائر وليبيا
الحياة الرمضانية بالمغرب وصفها رحالة أجنبي بقوله: "إن رمضان لم يكن في فاس وفي غيرها من أجزاء المغرب العربي حدثاً دينياً جليلاً فحسب، بل كان حدثاً اجتماعياً، فقد كانت المدينة تغير نمط الحياة فيها مدة شهر كامل من السنة[15].
وفي تونسيستقبل أهل تونس شهر رمضان قبل قدومه بأيام عديدة، وتنتشر موائد الرحمن، ويتبارى الجميع في تقديم المساعدات إلى الأسر الفقيرة، وفي تنظيم قوافل خيرية وهدايا في الشوارع والأحياء، وتشهد المساجد العريقة مثل جامع عقبة بن نافع في القيروان وجامع الزيتونة الصلوات والاحتفالات الدينية.
وفي الجزائر فرض التنوع الاجتماعي نمطاً احتفالياً في الشهر الكريم، حيث تعمد الأسر إلى طلاء منازلها، وتتسابق المرأة الجزائرية في تحضير المؤن من التوابل واللحوم، وتشهد حمامات المدن الجزائرية إقبالاً في أواخر شهر شعبان. وبالنسبة للمائدة الجزائرية تلتف العائلات حول مائدة الإفطار والسحور، وتتفنن ربات البيوت في إعداد المأكولات التي تتنزين بها مائدة الإفطار،وأكثرها أكلات متشابهة بين بلدان المغرب، مثل طبق البربوشة (الكسكسي بدون المرق)، والخشخوشة (الثريد المخلوط مع المرق واللحم)، والرشتة (الخبز المخبوز في البيوت ثم يقطع قطعاً رقيقة ومعه المرق)، والطاجين (مكون من البرقوق المجفف أو الزبيب مع اللوز ولحم الغنم أو الدجاج ويضاف له قليل من السكر). وتتبادل العائلات المأكولات في ظاهرة اجتماعية تعبر عن الترابط الاجتماعي والتآزر. ومن الحلويات الجزائرية قلب اللوز والزلابية والقطائف والمحنشة.
أما ليبيافتعيش مناطقها أجواءً رمضانيةً هادئة في ظل التهدئة السياسية الحالية، واعتاد الليبيون على الخروج إلى الميادين العامة والجلسات المسائية في المقاهي للاستمتاع بأوقاتهم، ولا تزال الحركة التجارية تعاني الكساد في غالب المدن الليبية، وبالنسبة للموائد الليبية فهي على النمط المغاربي عموماً، مع تداخل جزئي بالمطبخ العربي المشرقي.
الأجواء الرمضانية السودانية
يستقبل السودانيون الشهر الفضيل بالتسامح والصفح، وتمتلئ المحال والطرقات بالشراب السوداني حلوه ومره(خليط عشبي تمزج مع دقيق الذرة)[16].
إذنتتشابه عادات وطقوس الحفاوة والترحيب والتوديع لشهر رمضان المبارك في كل البلدان العربية، ورغم الأزماتوضيق الأوضاع المعيشية،والتباعد الاجتماعي الذي فرضته جائحة كورونا، فإن شهر رمضان فرض نفسه استثناءً في قلب الخريطة الذهنية والاجتماعية، ليضفي طابعاً روحياً وأخلاقياً وإنسانياً وثقافياً متميزاً لا مثيل له كل عام.
[1] علي عفيفي، شهر رمضان في كتابات الرحالة، مجلة ارتياد الآفاق، العدد 177، يوليو 2014، ص 57.
[2] بدر رشاد الدوبي، رمضان في العالم الإسلامي، مجلة الحج والعمرة، س 49، ج 3، 1994، ص. ص 49 – 50.
[3] علي عفيفي، عادات وتقاليد شهر رمضان في بعض الدول العربية،مجلة تراث، العدد 189، يوليو 2015، ص 34.
[4] الدوبي، المرجع السابق، ص 49.
[5]طارق صهيون، معهد الإنماء العربي، مج 15، ع 76، 1994. ص 182.
[6] صهيون، المرجع نفسه، 183.
[7]نجلاء عادل حامد، عادات وتقاليد شهر رمضان في التراث الموصلي، مجلة دراسات موصلية،جامعة الموصل، مج 10، ع 34، 2011، ص. ص 103 – 104.
[8] نجلاء حامد، المرجع السابق، ص. ص 106 – 107.
[9]أحمد أبو زيد، رمضان في التراث الشعبي، اجتهاد في العبادات وأفراد وعادات، مجلة الرافد، دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، يوليو 2015، 44 – 45.
[10] ريم بنت معيض عايض الحربي، صفحات من تاريخ شهر رمضان في المدينة المنورة: دراسة في العادات والتقاليد، حولية كلية اللغة العربية بالزقازيق، جامعة الأزهر، 3 34، مج 3، 2014، ص 2395.
[11] ريم الحربي، المرجع السابق، ص 2430.
[12] أبو زيد، المرجع السابق، ص 47.
[13]عبد العليم ممدوح، العادات والتقاليد العربية في رمضان، مجلة الفنون الشعبية، مصر، ع 54 – 55، 1998، ص. ص 114 – 115.
[14]فالح الهاجري، كورونا وطقوس قطر الرمضانية، جريدة العرب، قطر، مايو 2021.
[15]محمد المنوني، شهر كريم: ملامح عن الحياة المغربية في رمضان، المجلس العلمي الأعلى، المغرب، س2، ع5، 2008، ص 60.
[16] عفيفي، عادات، المرجع السابق، ص 34.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.